** موت .. في جسدٍ آخر .. **
مدخل :
( الموت يصبح بعيداً جداً .. لحظة تنكره بزي الخلاص الوحيد .. !! )
سلطوية قلمـ
..
أ جرب أحدكم أن يستيقظ من نومه فجأة .. ليجد نفسه قد انتقل لجسد جديد لا يعرفه أبداً .. ؟!!
أ جرب أحدكم أن يفتح عينيه .. ليجد نفسه يفكر بعقل جديد لا يمت له بأدنى صلة .. ؟!!
هذا ما حدث معي يومها .. حين استيقظت من إحدى كوابيسي المعتادة .. لأجد كابوس آخر ( غير معتاد ) .. بانتظاري .. !!
..
لم أعرف بما يتوجب علي أن أشعر لحظتها .. بالذهول ..أم الحيرة .. أم الرعب .. فقد كان خليط غير متجانس من المشاعر .. لا يجمعهم سوى قالب الجسد الجديد الذي انتزعني من جسدي .. ليلقي بي بداخله .. !!!
..
تباً لذلك العقل الجديد .. كم بدت لي أفكاره تافهة وسطحية .. !!
وبالرغم من ذاكرتي التي لازلت أشعر بنبضات ذكرياتها .. بت أشعر بأن تفكيري بنمط عقلي القديم .. صار ثقيلاً جداً .. في حين التفكير بنمطية هذا العقل صارت أسهل و أكثر راحة .. بالرغم من عدم تقبلي لها .. !!
أيها اللعين .. أنه يحاول أن يخيرني بين عقلي المألوف .. بصعوبة استعماله طبيعياً .. وسهولة استعمال تفاهة ذلك العقل الجديد التي لن تتسبب في إيلامي .. !!
الماكر يسعى لأن يجبرني بأن أتجرد من عقلي القديم .. كما جردني من جسدي .. !!
..
لم يهمني أن أفكر بالكيفية التي انتقلت بها إلى هنا .. فكل ما همني لحظتها .. هو الخلاص من هذا المأزق .. قبل أن أفقد كل صلة لي .. بجسدي وعقلي القديمان .. !!
..
شعور مريع بالعجز .. و فقدان متسارع الإيقاع لفكري .. ولا ردة فعل لها أن تصدر مني .. فعقلي مقيد .. و لا جسد له أن يستجيب لرغبتي الجامحة بالتحرر من هذا الاحتجاز المقيت .. !!
..
وعند إدراكي .. بأنه لا طائل من محاولتي للتمرد .. رحت أحاول أن أستنتج .. لما يسعى هذا الغريب الكريه لانتزاعي من ذاتي .. ؟!!
لما يرغب بتجريدي من هويتي .. ؟!!
هويتي .. ليست أوراق أو وطن أو رقعة أرض تحتويني ..
هويتي .. جسد .. وعقل .. و شعور بالألفة بينهما وبين ما يسري من تفاعلات بداخلهما .. !!
فـ الهوية انتماء .. وليست احتواء .. !!
..
بدأ الارتياح يتسلل تدريجياً عبر أوصال ذلك الجسد الغريب .. استنتجت بأنه بدأ يسيطر علي عقلي .. فشعور بالألفة نشا بيني وبين أحاسيس ذاك الغريب .. و أفكاري بدأت تخفت شيئاً فـ شيئاً .. لا جدوى من التفكير .. طالما ليست هناك أداة تنفيذ لما قد أتحصل عليه من محاولات عقلي العاجز .. !!
بدأت اعترف ببراعة هذا الغريب .. فهو لم يستعمل القوة إلا ليلقي بي هنا بداخل جسده .. ثم أجبرني لأن أتجرد أنا من عقلي .. لأكسب راحتي بالرضا عن عقله .. مهما كان مقيتاً ..
أخيراً .. بت أشعر بأن أفكاري هذه هي أكثر ما يزعجني .. و بأن راحتي ستكتمل .. بكتمانها .. !!
فأفكار ذاك الغريب .. أكثر سلالسة في الانسياب .. !!
ولكن مهلاً .. أنا في جسده .. وقريباً لن يكون لي عقل سوى عقله ..
إذاً .. من الغريب فينا .. أنا .. أم .. هو .. ؟!!!
* * *