ربما هي محاولة لتجربة (استقراء) النص في مادته (الخام).. قبل أن يدخل غرفة العمليات الخاصة ويغرق في التكثف...
ربما هي الحيرة(!)
أقدم هنــا كائنـا بلا رأس (!)... لأن العنوان مفقود... بالعادة يحضر قبل أو مع النص.. لكن أن يبقى مجهولا هكذا حتى في نصوص سابقة تامة.. أمر جديد عليّ ويشعرني بالضيق كثيـــــرا....ربما أجد ضالتي هنا...
لا يهــم الآن......
لنرى
مــا رأيكـــ ــم(؟)
-------
بعصبية تامة تجاوزت الممر العفـن لتجـد نفسهـا مجبرة على الدخول في آخر أشد قتامة... لن تصل لهنـا طبعـا وتتراجع... طريق العودة موحل أكثر.. خصوصا أنها مازالت مخيرة حتى النهاية...
استلمت الممر..رفعت عباءتها المذهبة ووضعت كفها بمنديلها المعطر على أنفها.. لكن الروائح تجاوزت كل التحصينات .. أحست بها تغزو ما بقي لها من أعصاب... توقفت قليلا وأحنت رأسها.. ما الضير في إضافة قرف آخر للمجموعة...
كانت تعلم جيدا أنه من المستحيل أن يعرفها أحد في هذا المكان الرث.. الأمر الذي بعث فيها راحة زائفة... نظرت قليلا للأعلى ، لكن بصرها ارتد بسرعة للأسفل بخجل ... كيف.. وأنا أنا...كالمتهمة دافعت عن نفسها المريضة.. " أنت تعرف كيف تسامح..وتعفو.. لكن هناك أناسا منزوعو الرحمة يعتاشون على هذه الأرض!..ونحن نحارب طغيانهم...بكل الوسائل نريد الغاية!" .. تذكرت أنها وحدها تماما...لعنت كثيرا الساعة التي عرفت فيها عن هذه المرأة... من تظن نفسها لتطالبها بالحضور شخصيا...
وصلت أخيرا لمجموعة من الأبواب المتراصة... تتشابه إلا في الألوان!... ابتسمت بسخرية.. تعرف أن مرادها الأخضر... طرقت مرتين.. هكذا قالوا لها... " انتبهي من الطرقة الثالثة... فلن يفتح أحد الباب أبدا"...
صدر صرير قوي ... أطل رأس صغير أشعث... تأملها قليلا بعين الخبير... ابتسم.. تساءلت إن كان عرف أنها حمقاء أخرى أتت تتساءل عن حظها العاثر...ترك الباب مفتوحا.. دخل وصرخ بكلمة واحدة ثم اختفى... نظرت مليا للعتبة التي تفصلها عن الداخل... التفتت مرة أخرى لطريق العودة... " لا تراجع لا استسلام.. لااااا هزيمــة بعد اليوم" ..دلفت ليبتلعها ظلام دامس.... سمعت صوتا كالفحيح " من هنا.. من هنا" تركته يقودها لإحدى الغرف التي ينبعث منها دخان أبيض... رائحته غريبة... لم تتكلم كثيرا، تركت المرأة تثبت لها تفوقها حتى النهاية...وجودها هنا كان هزيمة أخرى لها..ولم تهتم.. أخيرا... بعد ساعات.. دست بيدها لفافة صغيرة، فعلت المثل.. وتركت بدورها ظرفا مكتنزا في يد المرأة...لأول مرة ترى عيناها تلمعان..
.........
اللفافة بيدها...عليها فقط أن تضعها تحت السرير، ثم تنتظر ماذا سيحدث.... تمنت كثيرا لو تعرف ما الذي بداخل ذلك الشيء الصغير...وسر هذا الذي سيفعل ما لم تقدر عليه بكل سحرها .. تحذيرات الوليّة كانت أشد سحرا..
"ينتهي مفعولها إذا فُضّت"... اعترفت بمرارة أنها تنتهي أيضا معها... كانت الساعة تتجاوز الرابعة فجرا... موعد حضوره إذا تذكر أن له بيت...مازال طعم المرارة يلتهمها، ويحرق ما حولها..تذكرت مخلفاتها في الممر، لا تختلف عنها كثيرا...كيف تركت رجلا يمارس جبروته عليها... وعلى الرغم من ذلك تحبه... غزتها الحقيقة الأخيرة بألم..تمنته دوما لها.. وحين أغرته في النهاية بمسرحية مفتعلة.. عرفت خطأها الكبير ..
بسرعة راجعت دورها الغريب في العملية خطوة خطوة... عليها فقط أن تكون موجودة حين يفتح عينيه لتكون أول من يراها تماما كصغار الطيور...ارتدت قميصها .. ودست يدها تحت السرير...تماما حيث مكانه البارد..
وصلها ارتطام الباب... خطواته المترنحة... دخل... هذه المرة تركت النور مضاء.. تلقفت عيناها جسده المنهك... هو تسمّر قليلا مكانه.. نظراته فُقدت بين صدرها وبقية الجسد الغض...تدرك أنها في هذا دوما تنتصر...
-----
الشمس تودع يومها... في الغد سيعود الخدم.. حاولت كثيرا إحداث ضجة علّه يصحو دون جدوى...فتحت كتاب قديم كانت فقدت اهتمامها به منذ زمن... لكن الكلمات كانت قد فقدت طعمها..استسلمت للشرود..
أخيرا سمعت صوت ارتطام الباب ذاته...لتجده رحل ورائحة عطره تملأ دهاليز الممر الرخامي...وضعت يدها على أنفها تمنعها من الوصول..للحظة ظنت نفسها لم تغادر الممر العفن...
جرجرت أذيال الخيبة نحو الغرفة... تطلعت للفراش.. تناولت اللفافة... بهزيمية فضتها..وجدت بداخلها بضع شعرات بيضاء.. وريشة طاووس مكسورة!...
-----------