هناك اعمال نتوقف لدى تعاطينا معها عند الحدود التي يرسمها النص ، وكل محاولة لتوسيع مداها او الحد منها لا تتعدى ان تكون تحميل ما لا يحتمل او بتر ما لا يقبل البتر . غير انه بالمقابل هناك نصوص لا نستطيع حصر المدى الذي تغطيه و تتوقف عنده ، بل ان النص الابداعي قد يتحول بشكل ضمني الى نقد طافح بالسخرية من الناقد نفسه و رؤيته المحدودة و قدرته المتواضعة وعجزه عن التعامل مع نص هو بالتاكيد اكبر منه ، فيدفعه عجزه الى التعسف و اصدار الاحكام و التقييمات الجاهزة . كما ان حياد الناقد و موضوعيته قد لا تصمد امام الاتجاه الفكري لصاحب النص خصوصا حين يتعارض كليا مع اتجاه الناقد . فلا نقرأ انذاك سوى ما يشبه توصيات لشخص نصب نفسه وكيلا عن الابداع و وسيطا بينه و بين المعرفة و الناس .
مثال ما اقول هو نص " حوارية وطن مبتور ..حبا "لصاحبته "صخب الثورات " وهو من النصوص المهمة التي طرحت سابقا بمنتدى النقد الادبي . وما اهله ليحتل هذه المكانة هو بلا شك حساسية التجربة التي اتخذها كموضوع و الاشكال التعبيرية التي اتخذها كوعاء . وقد زاد الظرف للموضوع اهمية باعتباره عالج احداثا لم تنته فصولها بعد . وهذا ما جعل من تعاملوا مع النص سواء الذين عبروا عن مواقف ايجابية او الذين طبع موقفهم التحفظ و حتى الارتياب بحساسية . ولعل ذلك قد تحكم فيه عاملان .
الاول : ان النص طويل جدا وهو ما يدفع الى الاعتقاد ان من قرأوه الى النهاية لا يتعدون رؤوس الاصابع . وحتى من انهوا قراءته فهم لم يتعدوا القراءة الاولى ، و بالتالي فجل الذين استحسنوا النص انما استحسنوا في الحقيقة الموقف السياسي للكاتبة من نظام بلدها الذي كان له امتدادات تعدت الحدود الوطنية .
الثاني : ان الذين تبنوا موقفا سلبيا من النص هم بالتأكيد انطلقوا بدورهم من موقف مما كان يجري على الساحة او مما كان يتهيا تلك اللحظة من احداث . و هكذا فقد ذهبوا الى ان النص لم يكن بريئا
وبهذا الشكل فالتقييم في جل الحالات لم ينطلق من النص و لم يرتكز عليه . وبذلك نجد ان النص كان ضحية مرتين . الا انه بالرغم من هذا التعاطي فقد حققت الكاتبة اكثر مما كانت تهدف اليه . ذلك انها وكما هو واضح في المقدمة انها لم تكن تريد غير الوفاء بوعد قطعته وهو ان تنقل تجربة اخيها "كريم" بنقل معاناته الينا ليقف عليها الجميع . لكنها بالاضافة الى تحقيقها لذلك فقد كشفت عن عمق ازمة تنخر كيان النقد او التعاطي البعيد عن الموضوعية من قبل المتلقي . ولعل هذه النقطة بالذات تجعلنا نتفهم لماذا يصر عدد غير قليل من الكتاب على توقيع انتاجاتهم الفكرية بأسماء مستعارة . وهذا بطبيعة الحال ليس بدوافع امنية ،بل بحثا عن حيادية وموضوعية المتلقي الذي صار التعامل معه اكثر تعقيدا خصوصا اذا اكان هذا المتلقي له انشغالات تتعدى المجال الادبي الى غيرها من المجالات الاجتماعية و السياسية .
اقول هذا و اعود الى النص " حوارية وطن مبتور...حبا " و اوضح ان الكثير و لا شك قد تساءلوا
اثناء و بعد قراءة النص عن المدلول الذي قد تعنيه "الموضوعية " في التعاطي مع نص أدبي لا يختلف مع توجهات المتلقي فحسب ، بل قد يصنف فيمن يقف في الواجهة الاخرى المعاكسة كليا ..؟
كما قد يتساءل عن ما قد يعنيه الحياد الذي سيراه يتفسخ امام عينيه و لا يصير بذلك يعني غير غض الطرف و المهادنة ...
هل ذلك يعبر عن موقف سليم ؟ .. هل هو بريئ ؟.. هل هو مشروع ما دام الادب كما هو اوضح في النص مجال اوسع ومنفتح على الحياة و كل ما يحدث فيها ، و ان كل شئ يصير موضوعا له حين نجده في نص ؟..
يتبع
عذرا ان عد
ت بهذا الاسم بسبب فقدي لايميلي و لكلمة المرور مما اضطرني للتسجيل من جديد بهذا الاسم المفرنس .