[align=center][align=center]السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بين يدي الموضوع :
لاأظنُ أن أحداً في الدنيا لم يسمعْ بعدُ بمثلثِ برمودا و المعروفُ أيضا باسمِ مثلث الشيطان وهو عبارةٌ عن منطقةٍ جغرافيةٍ على شكلِ مثلثٍ متطابقِ الأضلاع (نحو 1500 كيلومتر في كل ضلع) ومساحتهُ حوالي 1.1 مليون كم² ، ويقعُ في المحيطِ الأطلسي بين برمودا ، وبورتوريكو ، وفورت لودرديل (فلوريدا) ..
واشتُهِرَ هذا المثلثُ بسببِ حوادثِ الاختفاء الغربية للطائراتِ والسفنِ التي وقعتْ فيه , وبغضِ النظرِ عن التفسيراتِ العديدة والمختلفة لهذه الظاهرة والتي يتسمُ بعضها بالمنطقية وبعضها دونها والمنطقِ بِيدٌ دونها بِيدُ !!! فإن هذا المثلث يصلحُ لفكرةٍ أودُ الحديثَ عنها بعد أذنكم ..
الفكرة :
للأمةِ العربيةِ عامة والإسلامية خاصة تاريخٌ طويلٌ مع الانكسارات , ولها مع المثلثاتِ قصصٌ يرويها الحزنُ الهَرِمُ على خيبات الأملِ ورفاتِ الأحلامِ وبقايا أقاصيص أفراحٍ ماتت قبل حتى أن تلد , وهنَ جلوسٌ - لاحولَ - بل فوقَ نارٍ القهرِ يتسامرون !!!
فبشكلٍ عام - للأمتين العربية والإسلامية – كان هناك المُثلثُ المُرعبُ المخيفُ الذي أكلَ الأخضرَ واليابسَ ومازالَ حتى الساعة وإن تغيرَ الأسلوبُ وتبدلت الصورة !!!
وأضلاعُ هذا المثلثُ :
أ - الاستعمار
ب - الغزو الفكري
جـ - الاستشراق
***
وبشكلٍ خاصٍ فإن للأمة الإسلامية - عرباً وغير عرب - مُثلثها الخاصُ بها وأضلاعه - على الترتيب - هي :
أ - الترهيب والتخويف :
وهذا الضلعُ تكفلتْ به قريشٌ في بداية الرسالة المحمدية عن طريق القتل والحبسِ والتعذيب ..
ب - التشكيك :
وهذا الضلعُ تكفلتْ به بقايا يهود في المدينة المنورة عندما عاهدوا الشيطان أن يعصوا الرسولَ صلى الله عليه وسلم حتى وهم يعلمون أنه نبي الحق !!!
فطفقوا يشككون الناس في دينهم بداية من إشاعة سَحرِهِم للمسلمين فلا يولدُ لهم مولد ذكر حتى إلى يومنا الحاضرِ عبر سيطرتهم على وسائل الإعلامِ سيطرةً مُحكمة وللغاية ليبثوا مايحلو لهم !!
جـ - فسادُ ذات البين ( الحالقة ) :
وهي مادارَ من قتالٍ بين المسلمين وتناحرَ وخصامٍ وتباعد وتجافٍ إلى يومنا هذا !!
وما يؤلم - حقاً- أن المسلمينَ اليومَ يمرون بظروفٍ عصيبة وللغاية وقد اجتمعت عليهم أضلاعُ المُثلث الثلاث ( ترهيب وتشكيك وفساد ذات البين ) فحقاً لاتعجب لمن سَقطَ كيف سقط ؟ ولكن ممن عَبَرَ كيف عَبر ؟!!!
***
أما المُثلثُ الثالثُ والعامُ بين الأمتين العربية والإسلامية والذي تدور فكرتي حوله - ولعلي أكون على خطأ - فأضلاعه :
أ - الضلعُ الأول : وسيكون عنوانه - بعد أذنكم - :
نصبُ الراياتِ للتفريقِ بينَ القيَمِ والمهاراتِ :
بدايةً أستأذنكم في وضعِ تعريفٍ للقيم وآخرَ للمهارات لنستطيعَ التفريق بينها فيما بعد :
القِيم :
المعنى اللغوي:
تشتقُ كلمةُ القيمةِ في اللغةِ العربيةِ من القيامِ، وهو نقيضُ الجلوسِ، والقيامُ بمعنى آخر هو العزمُ، ومنه قوله تعالى:
{ وَأنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللّهِ يَدْعُوهُ }
أي لمّا عَزَمَ
كما جاء القيامُ بمعنى المحافظةِ والإصلاحِ:
ومنه قوله تعالى:
{ الرِِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ }
وأما القوامُ فهو العدل، وحُسنُ الطولِ، وحُسنُ الاستقامةِ
كما تدلُ كلمةُ القيمةِ على الثمنِ الذي يقاومُ المتاعَ، أي يقوم مقامه، وجمعها قيمُ، ويقال ما له قيمة إذا لم يدم على شيء .
المعنى الاصطلاحي
القيمة (Value) : عبارةٌ عن المعتقداتِ التي يحملها الفردُ نحوَ الأشياءِ والمعاني وأوجهِ النشاطِ المختلفة، والتي تعملُ على توجيهِ رغباتهِ واتجاهاتهِ نحوها، وتحددُ له السلوكَ المقبولَ والمرفوضَ والصوابَ والخطأ، وتتصفُ بالثباتِ النسبي .
المهارة :
المعنى اللغوي :
يقول ابن منظور في لسان العرب :
الماهر ، السابح ، ويقال : مهرتُ بهذا الأمرِ أمهر به مهارة أي صرتُ به حاذقاً
و المهارة : الحذق في الشيء
والماهر : الحاذق بالعمل ...
المعنى الاصطلاحي :
القيام بالعمل بسرعة ودقة وإتقان .
وفي اعتقادي أننا بتنا - كأمتين عربية وإسلامية - نُركزُ كل التركيزِ على المهارةِ متجاهلين القيمة التي تحملها تلك المهارة , فباتت الإعمالُ العظيمة والتي كان من المفترضِ أن تكونَ أداة بناء وسعادة للمجتمعات هي هي أداة هدمٍ وتدميرٍ وتخريب !!!
ففرغنا أعمالنا من قيمها وحولنها لمجردِ مهارة بحتة , من أتقنها تولى زمامها واستغلها أبشعَ وأشنعَ استغلال كائنةً ماكانت أخلاقه وصفاته وقيمه الخاصة به !!
ويتضحُ هذا الضلعُ أكثر مايتضح عند المندسين بين صفوفِ المشايخِ وأهل العلمِ والملتزمين فكلُ المهارات التي يحتاجُ إليها متوافرةً عنده ( لحيةٌ طويلة , زي يُقالُ عنه أنه إسلامي , حفظٌ لكتاب الله وسنة نبيه ولأقوال العلماء )
فتلقاه وقد سخرَ تلك المهاراتِ استغلالاً واضحاً بدايةً بالقنوات الفضائية التي ترتدي عباءة الإسلام وتتبنى خطابه - وهي على الحقيقة ترتدي عباءة الربحِ وتتبنى خطابه - فيميعُ للناسِ عقائدها , ويبثُ فيهم روحَ التخاذل والاستسلام حتى أمام أضعف شهوة وأصغرَ معصية !!!
ولي موضوعٌ يتحدثُ عن هذا الجانبِ سأتشرفُ بقراءتكم له :
إليكم هذه الوردة فالبضغطِ عليها سيفتحُ موضوعي :
ولنقسْ على ذلك في كل قيم حياتنا ولكم الحكم أحبتي ..
ومن أكبرِ ماجاء في ديننا الحنيف في التحذير من تفريغ العملِ من قيمته العظيمة وتحويله إلى مجردِ مهارة حديثٌ مُخيفٌ للغاية وهو :
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه رجل استشهد فأتي به فعرفه نعمه فعرفها قال فما عملت فيها قال قاتلت فيك حتى استشهدت قال كذبت ولكنك قاتلت لأن يقال جريء فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن فأتي به فعرفه نعمه فعرفها قال فما عملت فيها قال تعلمت العلم وعلمته وقرأت فيك القرآن قال كذبت ولكنك تعلمت العلم ليقال عالم وقرأت القرآن ليقال هو قارئ فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار ورجل وسع الله عليه وأعطاه من أصناف المال كله فأتي به فعرفه نعمه فعرفها قال فما عملت فيها قال ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك قال كذبت ولكنك فعلت ليقال هو جواد فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه ثم ألقي في النار ) رواه مسلم
يالله مجاهدٌ وعالمٌ ومُنفق !!!!
لالشيء أُضرمتْ عليهم النارُ إلا لأنهم فرغوا تلك الأعمالَ العظيمة الجليلة المقدسة من مضمونها القيمي وحولها إلى مُجردٍ مهاراتٍ تَخدمُ أغراضهم الشخصية ..
وما أوردته سابقاً لايعني أن ألإسلامَ يُعارضُ المهارةَ , بل على العكس تماماً فهو يدعو إليها ويُحببُ فيها :
روى مسلم عن عائشة رضي الله عنها قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران
ولكنه يُحذرُ من تفريغِ القيمة من معناها السامي وتحويلها لمجردِ مهارة فحسب , وهذا هو مانعاني منه في زمننا هذا وهو هو أخطرُ أضلاعِ المثلثِ وأكثرها ضرراً وبشاعةً وشناعة ..
ودونكم فلتبحثوا عن القيمِ في حياتنا وانظروا كيف حولناها لمجردِ مهارات !!!
الضلعُ الثاني :
وسأسميه - بعد أذنكم - :
قصةُ كرامة
لن ألِجَ في باب النقاشِ حول متى فقدنا كرامتنا تحديداً ولاكيف فقدناه ولاعن المسؤول عن ذلك , فهذا حديثٌ شائكٌ , والحديثُ فيه ضربٌ من طحنِ الطحين , أو كما تقولُ أمي حفظها الله ورعاها :
( طِحت ولا طَرحك الجمل ؟
قال : طبيت الوادي )
أي : أأنتَ سقطتَ من على ظهرِ الجملِ أم هو الذي أسقطك ؟ فأجابَ : بلغتُ الأرضَ فما فائدةُ السؤالِ الآن ؟!!
ولكني سأتحدثُ عن بعض مظاهرِ فقدنا لتلك الكرامة , والكرامةُ للإنسان بمثابة الإبهام للأصابع , وأسألكم اللهَ أتساوي شيئاً تلكمُ الأصابع دونه ؟!!
حاولي أو حاول أن تفتحي أو تفتح زِرَ القميصِ دون استخدام الإبهام وانظروا ماذا سيكون ؟!!
ومن مظاهرِ فقدنا لتلك الكرامة :
عندما يُقتلُ المواطنُ العربي في مستشفى حكومي عششَ فيه الفسادُ والإهمالُ والاستهتارُ واللامبالاة وغيابُ الرقابةِ وباضَ وفرخ أليست تلك قصةُ كرامة ؟!!!
عندما يُذبحُ المواطن العربي بخنجر المستشفى الخاص الثَلِم أليست هذه قصةُ كرامة ؟!!
عندما يتحكمُ التجارُ الجشعون برقاب البلادِ والعباد أليست هذه قصةُ كرامة ؟!!!
عندما يضيعُ الحق بين سندان القضاة الفاسدون ومطرقة المماطلة والتسويف أليست هذه قصةُ كرامة ؟!!
عندما يُغلقُ طريقٌ حيوي لسنوات بحجة الصيانة والتطوير ثم بعد فتحه تتمنى لو أنهم أبقوه على حاله القديم أليست هذه قصةُ كرامة ؟!!!
البطالة بين الجنسين وغياب فرص التعليم وندرتها وانقطاع المياه والكهرباء وغير ذلك أليست تلك قصةُ كرامة ؟!!
عندما يوقفُ رجلُ أمنٍ أستاذاً جامعياً ويكيلُ له السبابَ والشتائم بداعٍ ودونَ داعٍ أليست تلك قصةُ كرامة ؟!!!
عندما تضطرُ لمداهنة موظفٍ وتحرى عدم إغضابه حتى لايُغلقَ على معاملتك الحيوية درجَ مكتبه ويقول لك بأسلوب مستفز : راجعنا بعد يوم القيامة , أليست تلك قصةُ كرامة ؟!!!!
و أنا هنا لاأُحمِلُ المسؤولية للحكومات وحدها , فالحكومة ليست مسؤولة عن كل هذا بل الشعوب بسوء تصرفها وجشعها واستهتارها وفسادها هم المتسببُ الأكبرُ في كل هذا , كما أن الحكومةَ لاتملكُ أن تضعَ شرطياً فوقَ رأسِ كل مواطنٍ ثم تضعُ للشرطي شرطياً وللثاني ثالث وهكذا دواليك !!!
الضلعُ الثالثُ :
وعنوانه بعد أذنكم :
ثقافةُ العيب
وهذا الضلعُ لاأظنُ أن مُنكِراً سينكِرهُ تحت أي ظرفٍ من الظروف , فثقافتنا باتت فعلاً ثقافةً معتمدةً على عدمِ فعلِ الأمرِ إذا كان عيباً , ومامن عيبٍ في ذلك , لكن المصيبة تكمنُ في أن هذه الثقافة تقتضي أن يكون من يراك يعرفك عندها يكون الفعلُ عيباً وننتهي عن فعله وإلا أفعل ولا حرج !!!
ألا ترون البعضَ وما يصنعوه في الخارج ؟ لأنه يعتقدُ ألا أحدَ يعرفهُ هناك !!!
حتى بعضَ المشاهدِ الإباحية التي تؤخذ عن طريق الجوال تجدُ الفاعلَ قد غطى وجهه فأصبحَ الأمرُ عنده مباحاً لاغبارَ عليه طالما ألا أحدَ سيعرفه !!!
ليتنا نتحلى بثقافة الخطأ والصواب حتى وإن كان أو لم يكن عيباً , مع مراعاة العرفِ السائد طالما أنه يدورُ في فلك الشريعة ولا يخرجُ عنها ..
وفي هذا حديثٌ طويلٌ جِدُ طويل ..
*
*
*
هذا المُثلثُ - أحبتي - بأضلاعه الثلاث سيجعلُ أي سفينةٍ تحملُ إصلاحاً أو منهجية تغيير واعية تضيعُ وتختفي كأن لم تكن وعندها سيكون مُشابهاً لمثلث برمودا الذي ذكرته في بداية موضوعي إلا أنه يحملُ أسم :
مُثلثُ عربودا .. !!!
دمتم بخير
أحمد النجار [/align][/align]