الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فنعمتان لا يقدرهما أكثر الناس إلا إذا فقدوهما: الطعام والأمن؛ امتن الله بهما على قريش فقال: (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ . الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ) (قريش:3-4)، وذلك من أعظم أسباب نشأة الشخصية السوية المهيأة لقيادة الأمم.
وتأمل كيف قدَّر الله لنبيه -صلى الله عليه وسلم- نشأة آمنة مطمئنة مع كفاية في كنف ورعاية جده عبد المطلب ثم عمه أبي طالب الذي حماه، ودفع عنه بالجاه والسيادة التي له في أول سنوات بعثته -صلى الله عليه وسلم- ما عصمه الله به من سلبيات الاضطهاد والعوج، وكذلك رزقه الله -عز وجل- بخديجة وبصديقه الصديق أبي بكر؛ فأغناه الله -سبحانه وتعالى- بهما.
وتأمل في قصة موسى -عليه الصلاة والسلام- وفي نشأته بتقدير الله -عز وجل- وتدبيره في بيت فرعون كأب له، بعيدًا عن الاضطهاد الرهيب الذي كان يتعرض له بنو إسرائيل، وكان ذلك من أعظم أسباب التهيئة الربانية لموسى -عليه السلام- في إبعاده عن تشوه الشخصية الذي حدث لمعظم بني إسرائيل الذين نشأوا تحت القهر والتعذيب، والجوع والخوف؛ وذلك الذي أدى بهم إلى مواقف مثل: اتخاذهم العجل مباشرة بعد نجاتهم من فرعون وغرقه أمام أعينهم، ومثل قولهم: (لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً) (البقرة:55).
ومثل موقفهم في: (فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ) (المائدة:24)، ومثل همهم بقتل هارون رسول الله وشريك موسى في الرسالة -عليهما السلام-، ومثل قولهم لموسى -عليه السلام- مع علمهم فضله ومنزلته عن البقرة: (أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا) (البقرة:67).
و قال الله -تعالى-: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ . وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ) (النحل:112-113).
فالظلم من أعظم أسباب العذاب الذي منه ملابسة الجوع والخوف، فلابد أن نحذر على مجتمعنا من تشوه شخصيات أبنائه بسبب الجوع والخوف، فالخوف يؤدي إلى الانهيار الاقتصادي الذي يؤدي إلى الجوع، فلابد لنا أن نسعى في كل طريق لتجنيبه هذين المرضين.
فإلى الذين لا يعبأون بخوف الناس وجوعهم كأنهم لا يعيشون ألمهم ولا يسمعون أنينهم! احذروا البغضاء التي تلقى في قلوب الناس بسبب هذه القسوة وعدم المبالاة...
احذروا الظلم الذي يؤدي إلى أن يبغض الله عبده ثم يجعل له البغضاء في الأرض؛ فلابد لنا كدعاة للإصلاح أن نضع على سلم أهم أولوياتنا إطعام الناس من جوع وتأمينهم من خوف.