هذه المذكرات وصلتني من صديق عراقي أرسلها لي بعد أن خرج من العراق إبان سقوط بغداد قبل عدة اشهر ولا أعلم من كاتبها الحقيقي ....
وتستمر الحكاية .........
حمل سُنبل أباه الى المستشفى الميداني لقوات التحالف لتستقبله الشقراوات ويوسدوه في برميل خاص رابطين ذراعه بماء الباجة المغذي ، قدّموا له وعلى الفور علبة سردين ساخنة ليتناولها بشراهة ، طلب أخرى وأخرى وطلب قوطية كولا مع قصبة ثم أمرهم بالخروج ليخلد الى النوم الذي فارقه من سنين !
هرع سُنبل عائدا ً الى حديقة الحيوانات ليلملم أوراق الكالبتوس التي خط عليها زوربا مذكراته قبل أن تصل اليها أيادي التلف المشبوهة.
في طريق العودة صادف بيتا ً لأحد عتاوي القيادة المخروعة قد خلا من ساكنيه فأخذ إذنا ً من دورية قريبة منه كي ما يسكنه لحين ميسرة ! دخل وأغلق باب الغرفة وبدأ برتيب الأوراق وفك شفراتها .......
يقول زوربا العظيم في مذكراته :
بعدما رفض الشرطي قتلي وأمر بتسفيري الى حديقة الزوراء مع أحد الحرس داخل كيس قمامة أسود رفض حارس الحديقة أيضا ً استلامي مشككا ً بأرنبيتي وهمس في أذن الساعي بأني قد أكون قطا ً متخفيا ً !
وأنا من داخل الكيس أصرخ بميواتي طلبا ً الانتحار ! فقرروا تسفيري الى معتقل القطوانية الرهيب للتحقيق معي ...
معتقل القطوانية مكان رهيب مخيف قاس الى حد الموت ، أخرجوني رفساً جعصا ً دون أن يعرفوا تهمتي أو هويتي ليحبسوني في تكنة دهن راعي مزنجرة مشبعة برائحة الدهن والتراب وحرارة الشمس تجعلها كفرن صمون ، أغلقوا القبغ عليّ لم يكن أمامي خيار إلاّ الاعتراف والموت بطلق ناري راحم ! لكن مشاهداتي من ثـقب التنكة غيرتْ استراتيجيتي ! فقد رأيت فيما رأيت من فضائع أن ديكا ً جميلا ً باسقا ً اعتقلوه لأنه أزعج أحد الرفاق بصياحه فجر الجمعة فقرروا قطع عرفه وهو يستغيث ويصرخ { بأي عُرفٍ تـُقطع الأعراف ؟} ولم يكتفوا بذلك بل حكم عليه بالحجز سنة مع تدهين دبره بالمحكان كل 6 ساعات حتى لا يقوى على الصياح مرة أخرى ( لا هواية اعترفنا ! ) أما الأفعى المسكينة التي وجدوها في أحد مزارع صباح مرزا فقد حاولت الاختفاء والتنكر بين صوندات المزرعة لكنهم ألقوا القبض عليها وسفروها الى هذا الجحيم حيث كان السجّان يتسلى بها طيلة الوقت ويأمرها بالرقص حتى أصيبت بالدسك في فقراتها وحكم عليها بأن تصير تطوالة بوري في مجرى الماء ! وحماراً حساويا ً مسكينا ً كانت تهمته غريبة ذاك أنه وفي أحد أيام الصيف المنصرم حُمّل أسفارا ً وثقلا ً رهيبا ً قد هدّه الجوع والعطش والحر وضرب السياط ، مرّوا به بمزرعةٍ للورد تابعة لسجودة فسال لعابه وداهم عطر الورود أنفه وصوت الأحراش أذنه وهو لم يذق الخبز اليابس من ثلاثة أيام فالتفت وبغفلة من سائسه ليقضم باقة زرع أمامه خلف سياج المزرعة وقبل أن يعلسها صرخ حرس المزرعة به ! أتهم على أثرها أنه قد خرّب الطبيعة ! فتحول في المعتقل الى حمار وحشي من أثر السياط وأ ُمر بقراءة وحفظ كتاب المؤتمر القطري السادس لحزب البعث!
أدركت أن الموت هنا هو السعادة والخلاص لكنه لن يكن هدية سهلة فجولات التعذيب وصنوف التنكيل تجعلك تفكر ألف مرة قبل البوح باعترافاتك والموت هنا هو ليس الموت القدري الذي كتبه الله بل هو العَـلسُ بعينه ! قررت أن اكتم هويتي وإلا ّ فانا والعذاب وما لا يُطاق .
يتبع ...........