زهرة الشباب قصيرة العمر .. هذا ما بدأت أدركه لتوى .. مع أول شعرة بيضاء تغزو مفرقى .. ترفع رايات الخطر فوق رأسى .. تعلن انسحاب الربيع تدريجيا .. وعلىّ أن أستعد لبرودة الأيام القادمة
ابتسمت لصورتى الشاحبة فى المرآة وأنا أفكر .. سنوات وسنوات من الحلم المشروع الذى لم يجد ما يساعده على التجسد فى الواقع .. سنوات وسنوات من الأمل الذى أبقيته كشمعة علها تضىء الظلام الذى يحاول ابتلاعى داخله .. لكن الأمل يخبو والشمعة تنصهر وتصهر أحلامى معها ليعود الظلام ويكرر وعيده من جديد
وحدها ابتسامتك تلقى علىّ بعض الضياء .. تشرق كشعاع الشمس على عالمى .. لا أعلم كيف يمكنك الاحتفاظ بها رغم كل ما نمر به معا
لا أعلم سر تألق عينيك وذاك الأمل المكابر يلهو فوقهما رافضا الانسحاب .. لا أعلم سر هذا اليقين بأن الغد سيكون أجمل وأن ما زال هناك ما ستهبه لنا الحياة .. لا أعلم سرك أبدا لكنى اتشبث معك بكل كيانى بحافة نجاة وأنظر للأفق عل شمس هذا الغد تأتى وتشرق فى نفسى الحياة
تدور بنا السنوات ولاشىء يتقدم بنا سوى العمر .. زهرة الشباب تذوى وأنت تتنقل من عمل لآخر لا يمت أى منهم بصلة لشهادتك الجامعية .. تعدو خلف حلم تحقيق الذات .. تملك طموح باتساع محيط لكنك لا تجد الفرصة لتحقيقه ولا يتبقى بين يديك ما يمكنك إدخاره لتوفير امكانيات الزواج .. ولا حتى مسكن صغير يضمنا معا .. هذا حلم آخر واراه التراب .. لقد تعبت كثيرا .. مللت من إقامة سرادقات العزاء لأحلامنا المحتضرة ..لم يعد هناك أمل .. لم لا تستسلم؟ .. تجيبنى ابتسامتك بالرفض فأمضغ الصمت وانتظر ..
كان يقينى أن لا أمل .. وكان الأمل يقينك .. لم يهزمك تخاذلى واتهامى إياك بالجنون ذات غضب حين رفضت عرض العمل خارج البلاد .. ذلك الذى يتهافت عليه الكثيرين وأدرت ظهرك له بكل بساطة .. لم أتفهم تمسكك بوطن لم يمنحك شىء .. لن يضيره أن ترحل عنه قليلا .. وأن تحاول أن تلحق ببعض ما تمنيت ولم يتمكن من أن يهبه لك .. إنها فرصتنا الأخيرة ألا ترى؟ ..
عاتبتنى عيناك برفق قبل أن تديرهما عنى .. وكان عقابهما مروعا .. لم أتخيل يوما أنها لحظتنا الأخيرة معا .. فقط لو كنت أعرف لجعلتها مختلفة .. لابتلعت حماقتى تلك .. لما تسببت فى قطرة حزن جديدة تضاف لبئر الأحزان الذى لا يشبع .. آه يا رفيق الطريق الذى لم يكتمل .. هلا سامحتنى؟ .. وهلا صفحت عنى عيناك التى أعترف أنها رأت ما لم يره قلبى الضرير .. وهلا غفر لى قلبك الكبير الذى حملنى والوطن .. ذاك الذى عشقته مثلى وأكثر .. هذا الذى أصابتنى منه الغيرة .. هذا الذى أردتك أن تبتعد عنه فضمك داخله للأبد .. واحتضنك ثراه الغالى المخضب بدمائك الطاهرة التى دافعت عنه قدر استطاعتك .. لطالما عهدتك هادئا كالنسيم .. لم ينجح أحد فى إثارة غضبك دون مبرر .. لكنه وحده جعلك ثائرا من أجله .. أرأيت أنى كنت محقة فى الغيرة منه .. لكنه يستحق ما فعلته وفعله الكثيرين معك
أرى صورتك كل ليلة مطبوعة على وجه السماء تضىء كالنجوم .. وعزائى أنها ستظل هنالك للأبد .. وحتى اللقاء ..