- الإهدائات >> ابوفهد الي : كل عام وانتم الي الله اقرب وعن النار ابعد شهركم مبارك تقبل الله منا ومنكم الصيام والقيام وصالح الأعمال والله لكم وحشه ومن القلب دعوة صادقة أن يحفظكم ويسعدكم اينما كنتم ابوفهد الي : ابشركم انه سيتم الإبقاء على الدرر مفتوحة ولن تغلق إن شاء الله اتمنى تواجد من يستطيع التواجد وطرح مواضيع ولو للقرأة دون مشاركات مثل خواطر او معلومات عامة او تحقيقات وتقارير إعلامية الجوري الي I miss you all : اتمنى من الله ان يكون جميع في افضل حال وفي إتم صحه وعافية ابوفهد الي الجوري : تم ارسال كلمة السر اليك ابوفهد الي نبض العلم : تم ارسال كلمة السر لك ابوفهد الي : تم ارسال كلمات سر جديدة لكما امل ان اراكم هنا ابوفهد الي الأحبة : *نجـ سهيل ـم*, ألنشمي, ملك العالم, أحمد السعيد, BackShadow, الأصيـــــــــل, الدعم الفني*, الوفيه, القلب الدافىء, الكونكورد, ايفا مون, حياتي ألم, جنان نور .... ربي يسعدكم بالدارين كما اسعدتمني بتواجدكم واملى بالله أن يحضر البقية ابوفهد الي : من يريد التواصل معى شخصيا يرسل رسالة على ايميل الدرر سوف تصلني ابوفهد الي : اهلا بكم من جديد في واحتكم الغالية اتمنى زيارة الجميع للواحة ومن يريد شياء منها يحمله لديه لانها ستغلق بعد عام كما هو في الإعلان اتمنى ان الجميع بخير ملك العالم الي : السلام عليكم اسعد الله جميع اوقاتكم بكل خير ..
إضافه إهداء  

آخـــر الــمــواضــيــع

صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 15 من 20

الموضوع: ملف الحج

  1. #1
    الصورة الرمزية أبو مصعب السكندرى
    تاريخ التسجيل : Apr 2007
    رقم العضوية : 22864
    الاقامة : أرض الله
    المشاركات : 3,739
    هواياتى : قراءة القرآن والخطب والدروس
    My SMS : ذا جلست للناس فكن واعظاَ لقلبك ولنفسك ولا يغرنك اجتماعهم عليك فإنهم يراقبون ظاهرك والله تعالى يراقب
    MMS :
    الحالة غير متصل
    معدل تقييم المستوى : 209
    Array

    ملف الحج




    يُحكي أن ابن المبارك -رحمه الله- كان إخوانه يأتونه يسألونه الصحبة في الحج، فكان يجمع منهم نفقاتهم ويضعها في صندوق، ويقدم بهم على (مرو) فيلبسهم أحسن الثياب ويطعمهم أفضل الطعام ثم يدخل بهم بغداد فيصنع نفس الصنيع، حتى يصلوا المدينة فيسألهم واحداً واحداً عما طلبه أولاده من طُرف المدينة ويأتيهم بما طلبوه، ثم يذهبون إلي مكة ويؤدون المناسك، ثم يرجع بهم ويعمل لهم وليمة بعد ثلاث، ثم يفتح الصندوق ويعطي كل واحد نفقته التي دفعها.



  2. #2
    الصورة الرمزية أبو مصعب السكندرى
    تاريخ التسجيل : Apr 2007
    رقم العضوية : 22864
    الاقامة : أرض الله
    المشاركات : 3,739
    هواياتى : قراءة القرآن والخطب والدروس
    My SMS : ذا جلست للناس فكن واعظاَ لقلبك ولنفسك ولا يغرنك اجتماعهم عليك فإنهم يراقبون ظاهرك والله تعالى يراقب
    MMS :
    الحالة غير متصل
    معدل تقييم المستوى : 209
    Array



    بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد :
    فقد جمع سلفنا الصالح بين العلم النافع والعمل الصالح، وكانوا مع شدة اجتهادهم في طاعة الله -عز وجل- يحذرون سخطه وأليم عقابه، فجمعوا بذلك بين الرغبة والرهبة، والخوف والرجاء، وكان لربما وقف بعضهم بعرفات فيخاف عدم تنزل الرحمة على أهل الموقف بسبب وجوده معهم، وكانوا يشترطون خدمة إخوانهم بالمعروف وينهون عن المنكر ولا تأخذهم في الله لومة لائم.
    رأي أحدهم هارون الرشيد وهو يطوف بالكعبة - وكان رحمه الله يحج عاماً ويغزو عاماً - فقال لهارون: انظروا لهذا الجمع، كل واحد يُسأل عن نفسه، وأنت تُسأل عن هؤلاء جميعاً، فبكي -رحمه الله-.
    وكانوا يعظمون حرمات الله -عز وجل- وينشغلون بذكره سبحانه، والتفكر في أمره جل وعلا، فكان عمر -رضي الله عنه- يطوف بالكعبة وهو يبكي ويقول: (اللهم إن كنت كتبتني شقياً فامحه واكتبني في أم الكتاب سعيداً {يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} [الرعد:29]
    ركبوا مراكب الآخرة فكانوا {قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ}[الذاريات:17]؛ وكانوا يخافون ملامـة النفس، ويحذرون التفريط والتقصير، فقـد مروا على الآيات فأقضت مضاجعهم {وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [الزمر:47]، فأظمأوا نهارهم وأسمروا ليلهم، وقاموا يناجون ربهم في فكاك رقابهم.
    كان معاذ بن جبل -رضي الله عنه- إذا جنه الليل يقوم ويقول:
    (اللهم قد نامت العيون وهدأت الجفون وغارت النجوم، وأنت حيٌ قيوم، اللهم هب لي هدي ترده إليَّ يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد؛ وفي ليلة موته -رضي الله عنه- جعل يقول: هل أصبحنا؟، حتى جاءوه فقالوا له: قد أصبحنا فقال: أعوذ بالله من ليلة صباحها إلي النار، اللهم إنك كنت تعلم أني لم أكن أحب الدنيا لكري الأنهار ولزراعة الأشجار ولكن لظمأ الهواجر وقيام ساعات الشتاء الطويلة ومزاحمة العلماء وحِلق الذكر).
    فاحرص على طاعة الله وتذكر من مضي بإحسان؛ فكل خير في اتباع من سلف وكل شر في ابتداع من خلف، وما لم يكن يومئذ ديناً فليس اليوم ديناً، ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها.

  3. #3
    تاريخ التسجيل : Nov 2006
    رقم العضوية : 17227



    بارك الله فيك على ما خطته يمينك

    وجعله الله في ميزان حسناتك
    [align=center][/align]


    <اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات>

  4. #4
    الصورة الرمزية يحيى الفقير
    تاريخ التسجيل : Jul 2010
    رقم العضوية : 71834
    الاقامة : الاردن / عمان
    المشاركات : 630
    هواياتى : التصميم / السباحة / ركوب الخيل
    MMS :
    الحالة غير متصل
    معدل تقييم المستوى : 200
    Array



    موضوع قيم سلمت يمناك

    وجزاك الله خيرا
    سبحانك اللهم وبحمدك ، أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك


  5. #5
    الصورة الرمزية ايفا مون
    تاريخ التسجيل : Nov 2006
    رقم العضوية : 15880
    الاقامة : طيبة الطيبة " مأوى الرسول صلى الله علي وسلم "
    المشاركات : 1,473
    MMS :
    الحالة غير متصل
    معدل تقييم المستوى : 418
    Array



    بوركت اخي الفاضل وجعل ما قدمت في ميزان حسناتك



    إذا جَلستْ فِي الظلَام،،بيَنَ يدِي المَلكِ العلام،،استعَملْ
    { أَخَلَاَقْ اَلأَطْفَالْ}
    فَالطفلُ إذاْ طَلبَ شيئًا ،، ولم يُعْطَه
    { بَكَىَ حَتَىْ يَأَخُذُهُ}
    ابن الجوزي - رحمه الله -
    ______________________________ ________
    يسرني تواجدكم في هنا
    V
    V
    V
    https://dorarr.ws/forum/showthread.php?t=57088
    •• ملتقى أعضاء الدرر ••

  6. #6
    الصورة الرمزية أبو مصعب السكندرى
    تاريخ التسجيل : Apr 2007
    رقم العضوية : 22864
    الاقامة : أرض الله
    المشاركات : 3,739
    هواياتى : قراءة القرآن والخطب والدروس
    My SMS : ذا جلست للناس فكن واعظاَ لقلبك ولنفسك ولا يغرنك اجتماعهم عليك فإنهم يراقبون ظاهرك والله تعالى يراقب
    MMS :
    الحالة غير متصل
    معدل تقييم المستوى : 209
    Array



    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة fahodi مشاهدة المشاركة
    بارك الله فيك على ما خطته يمينك

    وجعله الله في ميزان حسناتك
    جزاك الله خير وحفظك اينما كنت

  7. #7
    الصورة الرمزية أبو مصعب السكندرى
    تاريخ التسجيل : Apr 2007
    رقم العضوية : 22864
    الاقامة : أرض الله
    المشاركات : 3,739
    هواياتى : قراءة القرآن والخطب والدروس
    My SMS : ذا جلست للناس فكن واعظاَ لقلبك ولنفسك ولا يغرنك اجتماعهم عليك فإنهم يراقبون ظاهرك والله تعالى يراقب
    MMS :
    الحالة غير متصل
    معدل تقييم المستوى : 209
    Array



    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة يحيى الفقير مشاهدة المشاركة
    موضوع قيم سلمت يمناك



    وجزاك الله خيرا
    اخي يحي بارك الله فيك وجزاك الله خيرا

  8. #8
    الصورة الرمزية أبو مصعب السكندرى
    تاريخ التسجيل : Apr 2007
    رقم العضوية : 22864
    الاقامة : أرض الله
    المشاركات : 3,739
    هواياتى : قراءة القرآن والخطب والدروس
    My SMS : ذا جلست للناس فكن واعظاَ لقلبك ولنفسك ولا يغرنك اجتماعهم عليك فإنهم يراقبون ظاهرك والله تعالى يراقب
    MMS :
    الحالة غير متصل
    معدل تقييم المستوى : 209
    Array



    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ايفا مون مشاهدة المشاركة
    بوركت اخي الفاضل وجعل ما قدمت في ميزان حسناتك
    ألاخت الفاضله شاكر مرورك العطر بارك الله فيك

  9. #9
    الصورة الرمزية أبو مصعب السكندرى
    تاريخ التسجيل : Apr 2007
    رقم العضوية : 22864
    الاقامة : أرض الله
    المشاركات : 3,739
    هواياتى : قراءة القرآن والخطب والدروس
    My SMS : ذا جلست للناس فكن واعظاَ لقلبك ولنفسك ولا يغرنك اجتماعهم عليك فإنهم يراقبون ظاهرك والله تعالى يراقب
    MMS :
    الحالة غير متصل
    معدل تقييم المستوى : 209
    Array



    توالي مواسم الخيرات من خصائص هذه الأمة، فمن رمضان إلى أشهر الحج وأيامه: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ}
    - أفئدة المسلمين فيها تحن إلى بيت الله: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ}
    - رحلة الهجرة للأهل، والوطن، والمال، والشهوات، قاصدين بيت الله ملبين دعوته: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ}
    فقالوا: لبيك اللهم لبيك...
    - تحملوا المشاق والصعاب يرجون رحمة الله -تعالى-، قال الله -تعالى- في الحديث القدسي: (انظُرُوا إلَى عبادي يُبَاهِي بهم الملائكةَ شُعْثا غُبْرا أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُمُ) (رواه البزار والطبراني وابن حبان، وحسنه الألباني).
    - ومنهم من عظمت رغبته وهمته وهان عنده المال شوقـًا إلى الغفران؛ فتكرر منه الإتيان طلبًا لرضا الرحمن: "حج الحسين بن علي -رضي الله عنه- خمسًا وعشرين مرة، وحج أبو عثمان النهدي ستين مرة... ".
    قال -صلى الله عليه وسلم-: (تَابِعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَإِنَّهُمَا يَنْفِيَانِ الْفَقْرَ وَالذُّنُوبَ كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ)
    - وغيرهم لا يملكون الاستطاعة فكانت نواياهم هي البضاعة فأخذوا الأجر، وربما تيسر لهم السعي من حيث لا يدرون، قال -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ سَأَلَ اللَّهَ الشَّهَادَةَ بِصِدْقٍ بَلَّغَهُ اللَّهُ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ وَإِنْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ)
    - قصة الأخ الذي رزق حجًا بالنيابة من حيث لا يدري
    1- موقع الحج من الدين:
    - الحج فريضة الله على عباده، وركن الإسلام الخامس:
    قال الله -تعالى-: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} ، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (بُنِيَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَإِقَامِ الصَّلاَةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَحَجِّ الْبَيْتِ وَصَوْمِ رَمَضَانَ)
    - الحج من أفضل الأعمال: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: سُئِلَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: أَيُّ الأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: (إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ). قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: (جِهَادٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ). قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: (حَجٌّ مَبْرُورٌ)
    - الحج ولادة جديدة للإنسان: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْتَ، فَلَمْ يَرْفُثْ، وَلَمْ يَفْسُقْ، رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ)
    - الحج المبرور ثوابه الجنة: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (الْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلاَّ الْجَنَّةُ)
    - الحج جهاد العاجز والمرأة: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (جِهَادُ الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ وَالضَّعِيفِ وَالْمَرْأَةِ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ)
    2- لماذا كان البيت الحرام أعظم البيوت؟؟
    1- أول بيت وضع لعبادة الله:
    - أعظم بقاع الأرض المساجد: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (أَحَبُّ الْبِلاَدِ إِلَى اللَّهِ مَسَاجِدُهَا وَأَبْغَضُ الْبِلاَدِ إِلَى اللَّهِ أَسْوَاقُهَا) ، وقال -عليه الصلاة والسلام-: (أَحَبَّ الْبِقَاعِ إِلَى اللهِ الْمَسَاجِدُ، وَأَبْغَضُ الْبِقَاعِ إِلَى اللهِ الأَسْوَاقُ)
    المسجد الأول الأفضل: قال الله -تعالى-: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ} ، وقال -صلى الله عليه وسلم- لما سئل: أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الأَرْضِ أَوَّلُ؟ قَالَ: (الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ). قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: (الْمَسْجِدُ الأَقْصَى). قُلْتُ: كَمْ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: (أَرْبَعُونَ سَنَةً)
    2- بناء الملائكة والأنبياء:
    - روى البيهقي في دلائل النبوة عن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- قال: "بعث الله جبريل إلى آدم فأمره ببناء البيت فبناه آدم، ثم أمره بالطواف به، وقيل له: أنت أول الناس، وهذا أول بيت وضع للناس"
    - بناء إبراهيم وإسماعيل: قال الله -تعالى-:{وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}
    3- اختار الله مكانه:
    - كل المساجد كانت باختيار من الخلق إلا هو؛ قال الله -تعالى-: {وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا}
    - وادٍ لا يصلح للحياة يصبح أعظم بقعة على ظهر الأرض: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ}
    وقفة:
    اختبر الله عباده من الأولين والآخرين بهذه الرحلة إلى هذا المكان الوعر، الذي هو أقل بقاع الأرض أسبابًا للحياة، وسبحان الله! يعود منه المخلصون وهم أشد شوقـًا وتعلقـًا: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ}
    4- كعبة أهل الأرض:
    - عن قتادة قال: ذكر لنا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال يومًا لأصحابه: "هل تدرون ما البيت المعمور)؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: فإنه مسجد في السماء تحته الكعبة لو خر لخر عليها" رواه ابن جرير، وقال الألباني: إسناده مرسل صحيح.
    - أهله يتشبهون بالملائكة: سئل علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-: "ما البيت المعمور؟ قال: بيت في السماء يقال له: الضراح، وهو بحيال الكعبة من فوقها، حرمته في السماء كحرمة البيت في الأرض، يصلي فيه كل يوم سبعون ألفـًا من الملائكة، ولا يعودون إليه".
    5- فيه آيات بينات:
    - قال الله -تعالى-: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ . فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} ("الحجر الأسود - الركن اليماني - مقام إبراهيم - زمزم - الحجر - الملتزم".
    6- كل شيء فيه آمن:
    - قال الله -تعالى-: {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا}، وقال: {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ . الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ}
    - وقال الله -تعالى-: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ)
    - جعل له ولما حوله أحكامًا تعظم شأنه، قال -صلى الله عليه وسلم-: {لاَ يُخْتَلَى خَلاَهَا، وَلاَ يُعْضَدُ شَجَرُهَا، وَلاَ يُنَفَّرُ صَيْدُهَا، وَلاَ تُلْتَقَطُ لُقَطَتُهَا إِلاَّ لِمُعَرِّفٍ}
    7- العبادة فيه لا مثيل لها:
    - مضاعفة أجر العبادة فيه: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: {وَصَلاَةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ أَلْفِ صَلاَةٍ فِيمَا سِوَاهُ}

  10. #10
    الصورة الرمزية أبو مصعب السكندرى
    تاريخ التسجيل : Apr 2007
    رقم العضوية : 22864
    الاقامة : أرض الله
    المشاركات : 3,739
    هواياتى : قراءة القرآن والخطب والدروس
    My SMS : ذا جلست للناس فكن واعظاَ لقلبك ولنفسك ولا يغرنك اجتماعهم عليك فإنهم يراقبون ظاهرك والله تعالى يراقب
    MMS :
    الحالة غير متصل
    معدل تقييم المستوى : 209
    Array



    خطبة عرفة لعام 1430

    فضيلة الشيخ / عبد العزيز آل الشيخ مفتى عام المملكة

    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ،

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين

    أما بعد ،،،

    فيا أيها الناس اتقوا الله تعالى حق التقوى يا أيها الناس يا من خلقكم الله من ذكر وأنثى يا من خلقكم الله لعبادته يا من وصل إليكم الرسل مبشرين ومنذرين { يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون } معشر المسلمين يا من فتح الله قلوبكم لما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم يا من جعلكم الله شهداء على الناس حجاج بيت الله الحرام ، يا من استجبتم لنداء الله وقدمتم من كل فج عميق إلى هذا البيت العتيق ، يا معشر المسلمين ، يا من ينتظرون العيد السعيد ، أوصيكم ونفسي بتقوى الله فهي وصية الله من فوق سبع سماوات للأولين والآخرين { ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله } وهي وصية محمد صلى الله عليه وسلم قال العرباد بن سارية رضي الله عنه ( وعظنا رسول صلى الله عليه وسلم موعظة ظرفت منها العيون ووجلت منها القلوب قلنا يا رسول الله كأنها موعظة مودع فأوصنا قال أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة ) تقوى الله خير واق عن المعاصي ورادع عن الآثام ، تقوى الله خير واعظ للعبد في حله وترحاله وشهوده وغيبيته فاتقي الله أيها العبد في ليلك ونهارك وسرك وجهارك ، اتقي الله في كل أحوالك ، اتق الله في تعاملك مع ربك ، ليكن التقوى سياجاً منيعاً يحول بينك وبين معاصي الله ، كلما عظمت التقوى في القلب كثرت الطاعات وقلت المعاصي ،

    أيها المسلم :

    ليكن التقوى منهجاً في حياتك كلها ، فبتقوى الله تعظم أوامره بانتزالها وتعظم نواهيه باجتنابها ، بتقوى الله تعظم حرمات الله وشعائره ، بتقوى الله تحترم دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم ، بتقوى الله تعطي الحقوق لأهلها ،

    بتقوى الله جل جلاله تبتعد عن ظلم العباد وبتقوى الله تكون عضواً صالحاً في أمتك ولبنة في بناء مجتمعك المسلم ، وبتقوى الله تقول الكلمة الطيبة ،وجميع ذلك وقول النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ ( اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن )

    أمة الإسلام :

    إن الله خلق الثقلين ـ الجن والإنس ـ لعبادته وحده لا شريك له ، ولأجل هذه الغاية خلق الله آبانا آدم بيده ونفخ فيه من روحه وأسجد له ملائكته وأسكنه وزوجته الجنة فأزلهما الشيطان عنها فأهبطهما إلى الأرض ، فكان آدم خليفة في الأرض وأول نبي لبنيه وعقبه ، فعاش آدم وعاشت ذريته عشرة قرون على التوحيد ، يدينون لله بعبادته وحده لا شريك له ، حتى إذا فشي الشرك في الأرض وعبد غير الله وانحرف الناس عن دينهم وتمكنه الشيطان من إغوائهم بعث الله بعد عشرة قرون متعاقبين متواترين مبشرين ومنذرين ، أنزل عليهم الكتب وأيدهم بالمعجزات ليهدوا الناس إلى الطريق المستقيم ويستنقذوهم من وساوس الشيطان وضلالته ،

    أيها المسلمون :

    ولقد واجه الرسل من قومهم أصنف من الأذى من التكذيب والسخرية والاستهزاء والدسائس والمؤامرات ، اتهموهم في عقولهم فوصفوهم بالسفه ، قال قوم نوح عليه السلام { إن هو إلا رجل به جنة فتربصوا به حتى حين } وقال قوم هود لهود { إنا لنراك في سفاهة وإنا لظنك من الكاذبين } وقال فرعون عن موسى عليه السلام { إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون }

    اتهموهم في إخلاصهم فزعموا أنه يريد الدنيا وزخرفها ، قال قوم نوح عن نوح { ما هذا إلا رجل يريد أن يتفضل عليكم } وقال فرعون لموسى عليه السلام { أجئتنا لتلفتنا عن آلهتنا وتكون لكما الكبرياء في الأرض وما نحن لكما بمؤمنين }

    وأعلنوا تكذيبهم لأنبيائهم ،{ كذبت قبلهم قوم نوح وأصحاب الرس وثمود وعاد وفرعون وإخوان لوط وأصحاب الأيكة وقوم تبع كل كذب الرسل فحق وعيد } ومع هذه المعارضات فالله ناصر رسله ومؤيدهم وكان للقار مرصاد فأذاق المكذبين العذاب الأليم ،

    أيها المسلمون :

    وتوج الله دعوة الرسل بمبعث محمد صلى الله عليه وسلم ، جعله خاتم الأنبياء وأفضل الأنبياء ، بعثه والناس في أمس الحاجة إليه ، في جهل وتقاتل وتناحر وإتلاف ، قبائل شتى وأمم متمزقة ، لا رابط يربطهم ولا راية تجمعهم ، شغلتهم الحروب والغارات ، فلا عقيده تحميهم ولا شريعة تهديهم ، يعيشون في الظلم والأوهام ، قلوب قاسية ونفوس حائرة ، تنوع اختلافهم وضلالاتهم ، فأهل الكتاب حرفوا كتبهم ونسبوا إلى الله الصاحبة والولد ونسوا تعاليهم أنبيائهم ،والعرب الجاهليون انحرفوا عن ملة الخليل عليه السلام فعبدوا الأوثان ووأدوا البنات وقتلوا الأولاد واستحلوا الفواحش والقبائح ، والوثنية الظالمة بأقنابها في أرجاء المعمورة ، عبد البشر بعضهم بعضاً فعبد غير الله ، عبدت النار والظلمات والنور ، بل عبد الشياطين من دون الله ،

    وفي وسط هذا الجو المتفهل بالظلم والظلام والجهالات والبدع بعث الله سيد الأولين والآخرين محمداً صلى الله عليه وسلم ليخرج الناس من الظلمات إلى النور وقد صور جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه واقع العالم العربي قبل الإسلام فقال مخاطباً للنجاشي" كنا قوماً أهل جاهلة نعبد الأوثان ونستبيح الفواحش ونأكل الميتة ونسيء الجوار ونقطع الرحم ويأكل قوينا ضعيفنا حتى بعث الله رسول منها نعرف صدقه وحسبه ونسبه وعفافه وطهارته فدعانا إلى عبادة الله وحده لا شريك له وأن نترك ما كنا نعبد وآباؤنا من الأوثان وأمرنا بصدق الحديث وأداء الأمانة وحسن الجوار وصلة الرحم والكف عن المحارم ، ونهانا عن الفواحش وشهادة الزور وأكل مال اليتيم وقذف المحصنة وأمرنا بعبادة الله وبالصلاة فصدقناه وآمنا به واتبعناه فأحللنا ما أحل وحرمنا ما حرم علينا فعبدنا الله وتركنا ما كنا عليه من القبائح فعدى علينا قومنا ، فتنونا عن ديننا ليردونا إلى عبادة الأصنام وأن نستبيح القبائح التي استبحناها "

    هكذا صور وقاعهم المرير ، إن محمداً صلى الله عليه وسلم بعثته ليست بدعاً من الرسل { قل ما كنت بدعاً من الرسل } هو دعوة الخليل عليه السلام { ربنا وابعث فيهم رسولاً منهم يتلوا عليهم آياتك ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة } وهو بشرى عيسى عليه السلام إذا أخبر الله عن عيسى أنه قال لقومه { إني رسول الله إليكم مصدقاًَ لما بين يدي من التوراة ومبشراً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد } وهو أولى الناس بإبراهيم وبسائر الأنبياء لأنه وأمته صدقوا جميع أنبياء الله ، { قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتى موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون } { إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين }

    لقد واجه صلى الله عليه وسلم من التحديات ما واجهوا إخوانه الأنبياء ، ذلك أهل الكفر والباطل يتواصون بعداء الرسل { وكذلك جعلنا كل لنبي عدواً شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً } { أتواصوا به بل هم قوم طاغون } فوصفوه بالجنون والشعر ، قال تعالى عنهم أنهم إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون ويقولون أئنا لتاركوا آلهتنا لشاعر مجنون ؟! ،

    وصفوه بالكذب والسحر { وعجبوا أن جاءهم منذر منهم فقال الكافرون هذا ساحر كذاب }

    نظروا إليه نظرة الإذدراء { وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر }

    عابوا عليه كونه بشراً من جنسهم يأكل كما يأكلون قال تعالى { وقالوا ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق لولا نزل إليه ملك فيكون معه نذيراً }



    إذا رأوا قولهم حوله سخروا منهم وقالوا { أهؤلاء من الله عليهم من بيننا }

    ثم سعوا إلى حجب الناس عن سماع القرآن والتشويش عند سماع القرآن { وقالوا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون }

    هذه المعارضات منهم وهم يعلمون صدقه وأنه الصادق الأمين { فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون }

    هاجر إلى المدينة فحاربوه وقاتلوه وقتلوا أعز أقربائه إليه، وضعوا في طريقه العراقيل وأشاعوا الأقاويل وأرجفوا بالأباطيل ، وأيدهم اليهود والمنافقون تمالؤا معهم على عداوته فآذوه في نفسه وأهله وأصحابه ، كل تلك العداوات لكن الله عز وجل نصر الإسلام وأعلى راية الإيمان فما هي إلا سنوات حتى دخل مكة فاتحاً منتصراً بنصر الله له ، ودخل الناس في دين الله أفواجاً ، وما مات وأنتقل إلى الرفيق الأعلى إلا وقد أكمل الله به الدين وأتم به النعمة وتركنا على المحاجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعده إلا هالك ، فصلوات الله وسلامه عليه ،

    وبعد موته صلى الله عليه وسلم واجه المسلمون تحدياً كبيراً لارتداد كثير من العرب عن الإسلام ولكن الله هيأ الصديق الذي قوى الله قلبه وملئه إيماناً فأعادهم إلى حظيرة الإسلام وقاتلهم حتى انقادوا للإسلام بل قاتلهم خارج الجزيرة حتى عادوا للإسلام حقاً ،

    واستمر الخلفاء بعده يدعون إلى الله ، وهذا الدين شاع في مشارق الأرض ومغاربها ودخل الناس في دين الله أفواجاً عن قناعة بهذا الدين وأخلاقه وحلت الحضارة الإسلامية بقوتها وصلابتها مكان الحضارات الأخرى ، واستوعب هذا الدين الناس على اختلاف أجناسهم ولغاتهم و وثقافتهم ، عاشوا تحت راية الإسلام الواسعة وفي ظل أخلاقه السمحة وتعليماته الربانية ،

    ولكن الأمة تواجه في مختلف مراحل تاريخيها عداوة ومؤامرات وتحديات من أعدائها أو من بعض المتعاونين معهم على الضلال ، ولكن الله ينصر هذا الدين ، لا يزال قوياً شامخاً ، وقد يضعف في نفوس أهله أحياناً وسرعان ما يستعيد قوته ونشاطه وينتشر في الأرض لأنه الدين الحق والفطرة التي فطر الله عليها الناس ،

    إن أعداء الأمة اليوم هم أعداؤها بالأمس ولو تنوعت الأساليب واختلفت على حسب اختلاف الأزمان والأحوال ، ولكن الأمة لا تزال في عصورها المتأخرة تعاني من بعض التحديات العظيمة والأخطار الكبيرة فمن تكلم التحديات الانحارف العقدي عند بعض أفراد بعض المسلمين الذين استبدلوا العقيدة الصحيحة بالمبادئ الكفرية والمناهج المنحرفة عن الإسلام ونفد بعضهم بقلمه السموم والإلحاد والتشكيك في دين الله وبعضهم قدس بعض البشر فرعه عن منزلته وأعطوه من خصائص الإلوهية والربوبية وزعموا سقوط التكاليف والواجبات عنهم فبعدوهم من دون الله واتخذوهم وسائط بينهم وبين الله ، بل بنوا على قبورهم وطافوا بها تعظيماً لأهل القبور والضرائح والقباب وما نحو ذلك ، واختفى توحيد الله الذي بعث به محمداً صلى الله عليه وسلم ، مما يدل على أن الاهتمام بهذه العقيدة والعناية بها والدعوة إليها من أجل المهمات وأعظم الواجبات ،

    وهناك أيضاً تحدياً آخر يتعلق بالتشكيك برسول الله وبالقدح فيه وفي سنته ، ذلك أن محبة النبي صلى الله عليه وسلم شرط من شروط الإيمان ( لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين ) ولما علموا أعداء الإسلام ما في قلوب المؤمنين من محبة هذا النبي الكريم وموالاته ونصرته آذوا بالقدح في رسول الله والتشكيك في سنته بأقوال رديئه وما علم أولئك أن الله جعل الذلة لمن عاداه ، كما قال جل وعلا { إن الذين يحادون الله ورسوله أولئك في الأذلين } وأن الله جل وعلا كتب الصغر على من عاداه { إن شانئك هو الأبتر } وأن الواجب على الأمة المسلمة الدفاع عن سنة محمد صلى الله عليه وسلم ، ودفع كل الشبه المغرضة ودفعها بحق مبين ، وأن عمل المسلمين للسنة وتطبيقهم لها في أقوالهم وأعمالهم وسلوكهم وتصرفاتهم تدل على عمق محبتهم لمحمد صلى الله عليه وسلم { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً }

    ومن التحديات التي يواجهها المسلمون ، ما يقوم به بعض المحسوبين على الإسلام والزاعمين الإسلام من إيقاف الفتنة والحرب والتقاتل بين الأشقاء لتجميد وتربية سفهاء غرروا بهم وخدعوهم تحت قوايا مزعومة أرادوا به ضرب الأمة في صميمها وتشتيت شمها وتمزيق كلمتها ، استعداء الأعداء عليها ،

    ومن عظيم جهلهم وضلالهم عزمهم على دسيس الحج وعدم أمنهم ولأحلال الفوضى والشغب ولكن يأبى الله عليهم ذلك والمؤمنون فالبلد الأمين في أيد أمينة قويه لا تسمح لأي مغرض ومفسد أن يدنس هذا البلد الأمين أو يخل بأمنه أو يضعف شأنه ، فهم بالمرصاد لكل عدو لذلك ، والحمد لله رب العالمين على فضله وكرمه ،

    أمه الإسلام :

    ومن التحديات التي تواجهها الأمة انتشار السحرة والمشعوذين الذين لا خير فيهم فهم يزعمون علاج الأمراض والإخبار بالمغيبات إلى غير ذلك من ضلالاتهم ، ليسوا رقاة شرعيين ولا أطباء مختصين ولا أهل مراكز بحوث علمية ، لكنهم كذابون دجالون يستعينون بالجن والشياطين والعالم الوهمي في تحقيق أغراضهم من أكل أموال الناس بالباطل وقضاء شهواتهم وسلب الناس أموالهم وعقولهم فليحذر المسلمون من ذلك ، وقد كان لهم قنوات فضائية ومواقع ألكترونية مما يدل على عظم شرهم فوصيتي للجميع بمقاومة أولئك وعدم الثقة والإطمئنان إليهم ،

    أيها المسلمون :

    ومن التحديات التي يواجهها المسلمون انتشار المعاصي في عالمنا الإسلامي بشكل عظيم حتى ربما يظن الظان عدم حرمتها لأنه لا يسمع صوتاً ينادي بحرمتها ويبين حقيقتها فالتبس الأمر على الناس ، فالمحرمات إذا كثرت يوشك أن يعم الله بالعقوبة ، لما سئل النبي صلى الله عليه وسلم أنهلك وفينا الصالحون ؟ قال ( نعم إذا كثر الخبث ) ، فوجود المعاصي يهلك الأمة وينخر في كيانها ويضعفها ويسلط الأعداء عليها فليحذر المسلمون ذلك،

    وصمام الأمان شعار الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي هو من خصائص هذه الأمة { كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر }

    أيها المسلمون :

    ومن التحديات التي توجهها الأمة المخدرات بأضرارها ، ذلك البلاء العظيم الذي يهدد الحضارات بالفناء والأخلاق بالزوال والقيم بالتدمير ،

    تواجه الأمة عصابات إجرامية دولية لا ضمير ولا دين لها تحارب الشعوب والأمم وتستهدف طاقة الشباب وتستضعف كيانهم وكم من جرائم اقترفت وفواحش ارتكبت وأعراض انتهكت وأموالاً سلبت وبيوت دمرت وحرباً تأججت بأسباب أولئك وشرهم المستطير ، فيلكن كل منا عيناً ساهرة لحمالة المجتمع من هذا الداء العضال وتتظافر الجهود عالمياً في القضاء عليها وعدم تمكين أهلها من إلحاق الضرر بالأمة ، فإنها ضرر عظيم نسأل الله السلامة العافية ،

    ومن التحديات التي تواجه الأمة :

    الإرهاب : ذلك البلاء العظيم الذي أشقى المسلمين بل أشقى العالم كله ، هذا الإرهاب الذي يستهدف المنشئات والنفوس البشرية بغير حق ، إنه مشكلة عالمية ، يوجد في العالم صور مختلفة لكن يستغله بعض الناس ويفسره على هواه ، فإن رأوا في الإرهاب تهديداً لمصالحهم حاربوه وإن رأوا فيه ما يؤد مصالحهم أمدوه بطريقة مباشرة وغير مباشرة ، وإنه لبلاء عظيم واجب المسلمين محاربة هذا البلاء والوقوف أمامه فإنه بلاء عظيم ،

    إن العالم يشكوا من التفجيرات يشكوا من إخلال الأمن ومن عمليات انتحارية والتفجيرات الإجرامية التي جلبت على العالم الإسلامي البلاء والمصائب ،

    يا أمة الإسلام إن هذه العمليات الانتحارية في بلاد المسلمين ضرر وبلاء رجال ونساء وأطفال استهدفوا بغير حق ، دمرت البنية التحتية ودمرت المنشئات وأضعفت الشوكة والمنعة وشلت السواعد وفرقت المجتمع فاحذوا عباد الله أن تكونوا سبباً لهدم بلادكم بأيديكم وأيدي أعدائكم ، احقنوا دمائكم وحلوا مشاكلكم فيما بينكم ولا تركنوا إلى من يفرقوكم باسم الطائفية وباسم وباسم ، احرصوا على المجتمع احرصوا على وحدته وتماسكه وحل المشاكل بينكم في إطار المحبة والمودة ،

    أيها المسلمون :

    ومن التحديات التي يواجهها المسلمون ما يزعمه البعض من تحريف معاني نصوص الكتاب والسنة بعدما عجزوا عن تحريف ألفاظها سعوا إلى تحريف معانيها تحت اسم القراءة الجديدة والفهم الجديد اغتراراً وانخداعاً بالحضارات الغربية ليلفقوا بينها وبين الإسلام وذلك عن هوى وجهل بقواعد الشرع بعيداً عن مضامنها الصحيحة وأسباب النزول وفهم السلف الصالح لها ،

    أيها المسلمون :

    ومع هذه التحديات بالمستقبل لهذا الدين والعز للإسلام وأهله ، إن أطاع المسلمون ربهم واستقاموا على طاعة ربهم توكلوا على ربهم وقاموا بما أوجب الله عليهم ،

    إن الأمة قد تضعف ولكنها لا تموت ، فهي خالدة بخلود كتابها ورسالتها ، باقية ما بقيت السماء والأرض ، دائمة ما دام كتابها يتلى وأمة ترفع هذا الدين وتحكمه وتتحاكم إليه ،

    إن كثير من النظم قد سقطت وبعض المناهج البشرية قد أفلست والعالم يتطلع إلى منقذ ولا منقذ إلا الإسلام .

    أمة الإسلام :

    إن هذا الدين أمانه في أعناق الأمة ، كلفهم الله إياها بعد أن أشفقت منها السماوات والأرض والجبال وهي أمانة ثقيلة لكنها الفاصلة بين الإيمان والكفر بمن أخذها بحقها كان ممن تاب الله عليه ومن ضيعها من الكفار والمنافقين استحق العذاب الأليم { إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحلمنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً ليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات وكان الله غفوراً رحيماً }

    إن للأمانة في الإسلام ميداين فاسحة ومجالات واسعة تتعلق بحق الله وحق عباده والمصالح العليا للأمة فأعظم أمانة في عقنك كلمة لا إله إلا الله ، أصل الإسلام وأساسه أن تعرف معناها وأن حقيقتها عبادة الله وإفراده من دون سواه ، وتوحد الله بربوبيته وإلوهيته وأسمائه وصفاته ، وتخلص لله دعائك ورجائك وخوفك وذبحك ونذرك كل ذلك لله { قل إن صلاتي ونسكي ومحايي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين } تؤمن بملائكة الله وكتبه ورسله والبعث بعد الموت ، تؤمن بقضاء الله وقدره ، إيمانك بهذا يخلصك ويميزك من أتباع الكفر والضلال ، إيمانك يكون هويتك ويكون شخصيتك ، ويحدد مصيرك بالدنيا ومآلاك بالأخرة وذلك بكرامة الله ، إيمانك بهذا يخلصك من اليأس والقنوط والفشل ويمدك بالقوة والنشاط ، إيمانك بهذا يخلصك من العجب والغرور والتمرد على الله والتجبر على عباد الله ، سنة نبيك صلى الله عليه وسلم تؤمن بها وتصدقها وتطيعه بما أمرك به وتجتنب ما نهاك عنه تقبل سنته وترضى بها وتحكمها وتتحاكم إليها وينشرح صدرك لها وتقدم قوله على قول كل قائل كائن من كان ،

    أركان الإسلام من الصلاة الزكاة والصوم والحج ، تؤديها كاملة الأركان والواجبات ،

    فالصلاة صلة بين العبد وربه يفضي به إلى ربه همه وحزنه ، تسليه وتقوي في قلبه الإيمان ، ويسأل الله بها الهداية إلى الطريق المستقيم ، فيها حضور القلب وإعمال الفكر وخشوع الجوارح وصفاء النفس , وفيها طهارة البدن والنفس وفيها نهي عن الفحشاء والمنكر ،

    وما الزكاة إلا تزكية للمزكي لتطهيره من البخل والشح ، وتزكية للآخذ بتطهير قلبه من الغل

    وما الزكاة إلا شعور للغني بحق الفقراء عليه وأن لهم نصيباً في ماله فرضه الله عليه ، وفيها سلامة المجتمع من الصراعات الطبقية والتباغض والتناحر وتنمية مال المزكي

    وما الصيام إلا تحقيق لجانب التقوى ووحدة المسلمين في صيام شهراً كاملاً يبدأون من طلوع فجر وينتهون بغرب الشمس ، وهو يقوي الإرادة والصبر وتحمل كل المشاق وفيه أيضاً ارتباط بين الأغنياء والفقراء عندما يشعر الغني بالظمأ والجوع فيعطف على إخوانه المستحقين المسلمين ، وفيه سيطرة على الشهوات التي أمر بالبعد عنها في رمضان

    وما الحج إلى توحيد لله وإقامة لذكره وشهود للمنافع والاستعداد ليوم آخر ، يقف المسلمون في يوم واحد الرب واحد والنبي واحد والقبلة واحدة والمشاعر واحدة واللباس واحد والمكان والزمان واحد ، إن هي إلا شعور بوحدة الأمة وما بينها من ترابط وأخوة دائمة ،

    أمة الإسلام :

    وبقية أوامر الشرع المالية من الأحوال الشخصية الجنايات والحدود ، كلها أمانة يجب أن تمثلها وتستجيب لها ولا تخل بشيء منها ،

    أيها المسلم :

    ولتعلم أن هذه الأوامر لمصلحة العباد في عاجلهم وآجلهم ، وما النواهي التي نهاك الله عنها من السحر وقتل النفس والزنا والربا والخمر وغير ذلك من المحرمات إلا أمور يجب أن تبتعد عنها وأن تتركها طاعة لله وأن تعلم أنها ما حرمت إلا مصالح العباد أفراداً وجماعات من الفساد ،

    والنبي يقول صلى الله عليه وسلم ( إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها وحد حدودها فلا تعتدوها وحرم أشياء فلا تنتهكوها )

    إن هذه الواجبات تؤدها والفرائض ، والمحرمات تبتعد عنها، هي تكاليف شرعية أنت ملزم بها لست حراً تفعل ما تشاء وقد ادعى قوم عباد الهوى وأهل الجهل والضلال أن للإنسان أن يتصرف فيقضي برغباته وشهواته دون دين أو شرع ، وهذا أمر عظيم ، ولهذا دعوى التمرد على الله وطمس شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وشككوا في الحجاب وغير ذلك ، ولم يعلموا أن هذا تقدير العزيز العليم ،

    أمة الإسلام :

    وكما أن الدين أمانة في نفوس الأفراد فهناك أمانة خاصة يحملها الأقوياء من الرجال الذين يخططون لمصالح الأمة العليا ولمشاريعها الكبرى ، فأول الأمانة الملقاة على رجال السياسة الذين صبوا الأحوال ودركوا كثيراً من خفايا الأمور وما يراد الأمة عليهم أن يضعوا للأمة السياسة العادلة في الحاضر والآجل وأن يقوها شر المتربصين بها من أعدائها والمتخاذلين معهم وأن يحرصوا على سياسة حكيمة تبعد الأمة عن التهور وصراعات سياسية والسياسة الطائشة ، وأن يعلموا أنها أمانة وأن من أراد الدين بسوء فلابد أن يخذله الله فليضعوا سياسة تؤيد الشرع والكيان وتحمي الأمة من الإنزلاق ، سياسة تعالج قضايا الأمة مرنة في أمورها تتمشى مع ما فيه منفعة الأمة في الحاضر والمستقبل ،

    وإن الأمانة الملقاة على رجال الاقتصاد أن يحموا الأمة من التبعية وأن يوجدوا أصول الاقتصاد الإسلامي بعيداً عن المحرمات كلها وسوق إسلامية وتبادل سلعاً بين المسلمين لتحمي مجتمع المسلمين ، إنا نسمع أن انهيارات اقتصادية وإفلاس بعض الشركات كما يقولون وهذا بلا شك تصديقاً لقول الله { يمحق الله الربا ويربي الصدقات }

    الأمانة الملقاة عن من يختص بصناعة الأمة أن يوجدوا قواعد علمية لصناعة تقنية متقدمة تستعين بخبرات والبحوث الماضية لتخليص الأمة من الكسل والخمول وتستعين بالعقول والأيدي العاملة والطاقات الموجودة لتخليص الأمة من أن تكون عالة على غيرها بأمرين أولاً أن ترتكز على غيرها وثانياً ألا تكون أسواقها بصناعة الآخرين ، بل لابد للمسلمين من أن يأخذوا ويعطوا فكما يستوردون فليصدروا حتى يكون الأمر متوازن بني الأخذ والعطاء ،

    إن الأمانة الملقاة على رجال الأمن أن يحافظوا على رجال الأمة بكل المستويات وفي كل المجالات لاسيما الفكري والعقدي من المحافظة على المسلمات والثوابت من الانحلال والتميع والأخذ على أيدي المجرمين ،

    إن الأمانة الملقاة على رجال إعلام الأمة ، أن يوجدوا إعلاماً إسلامياً بعيداً عن الفحش ونشر الرذائل وعن التهويل والإثارة وعن تضليل الرأي العام ، وليعلموا أن الأمة تعاني من تدفق إعلامي في مجالاته الصحفية والفضائية الإلكترونية ، هذا الانفتاح العظيم يؤكد للأمة وجوب المحافظة حتى لا يتسرب لشبابنا شيئاً من هذه الضلالات تحت دعوى الحرية والتقدم الانفتاح والترفيه مع أن كثيراً من هذه القنوات تحمل أفكاراً ضالة وآراءً منحرفة وأفلام ومناظر فاسدة وخليعة ، مما يوجب على رجال الإعلام ومؤسساته التعاون في صد هذه الأخطار وإيجاد ميثاق شرف يحمي الأعراض والعقول من هذه الضلالات وأن يكون الإعلام خادماً لقضايا الأمة مدفعاً عنها يعالج كل شيء ويقارع الحجة بالحجة { بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق }

    وإن الأمانة الملقاة على رجال الثقافة أن يحافظوا على ثقافة الأمة المستمدة من الكتاب والسنة تراثها الأصيل وتميزها الإسلامي ويحمى الشباب من تلوث أفكاره من الدعايات المضللة ،

    والأمانة الملقاة على المخططين لوسائل اجتماع الأمة أن يحرصوا على المحافظة على الأسرة وانتظامها والبعد عما يشتتها ويضعف كيانها وأن ينموا في الأمة روح التعاون والتراحم بين الأمة وأن تكون هذه العلاقة الاجتماعية إسلامية بعيدة عن التأثر بالقبلي أو الجنس أو اللون أو لفارق مادي ،

    وإن الأمانة الملقاة على الدعاة إلى الله أن يخلصوا لله في دعوتهم وأن يهتموا بالعقيدة أولاً وقبل كل شيء وأن يغوصوا في مشاكل الأمة ليوجدوا الحلول لها ، وأن يهتموا في تغير الأخطاء والمنكرات بالتدرج وأن ينوعوا الأساليب في الخطاب أو نحو ذلك ، وأن يعلموا أن الدعوة إلى الله شرف وفضيلة ليست تجمعاً حزبياً ولا منظومة أفكار عوجا ولكنها إيصال كلمة الحق إلى النفوس ،

    الأمانة الملقاة على المفتون :

    أن يتقوا الله وأن يعلموا أن موقعون عن رب العالمين فليحذروا القول على الله بغير علم ، ولتكن الفتاوى صادرة عن الكتاب والسنة بعيدة عن الشذوذ والخرصات ،

    وإن الأمانة الملقاة على عاتق المخططين للبيئة أن يحرصوا على المحافظة على البيئة وسلامتها من التلوث والنظافة الشرعية وسلامة الأبدان من الأمراض والأوبئة ، وإيجاد المراكز الوقائية لدفع المضار عن الأمة وبناء السبب النافع في ذلك ،

    أيها المسلمون :

    هذه الأمانات مع اختلافها والمسئولون عنها مع اختلاف منازلهم ليعلموا أن هذه إنما أمانات وليست غنائم وإنها تكليف لا تشريف وأنها عبادة وليست سيادة ، مما يؤسف له أن البعض من أبناء المسلمين خططوا لشعوبهم ملحق الضرر بها فجعلوا الأغراض والمصالح الشخصية فوق وحدة الأمة وجعلوا الخلافة الشخصية فوق اجتماع الكلمة ، وما أحوج الأمة إلى تراص الصفوف واجتماع الكلمة ،

    إن الأمانة الملقاة على رجال التربية والتعليم أن يتقوا الله ويضعوا مناهج عظيمة تقوي انتماء الأمة إلى دينها وتربيهم على الأخلاق والشيم والأخلاق النبيلة ، وتبدعهم عن الأخلاق الرذيلة وتشعر كل فرد بأنه عضوا في أمته يجب أن يسعى في إصلاحها وأن نربي على الإيمان والعلوم النافعة لتأخذ الأمة مكانتها في الاقتصاد والسياسة والإعلام ،وكل ما تحتاج الأمة إليه ،

    إن البعض من أبناء المسلمين خططوا للتعليم في بلادهم ما فصل الحاضر عن الماضي فأصبح الحاضر غير مرتبط بماضيه المجيد ولا يعلموا شيئاً عنه مما يفقد الثقة في الأمة ،

    إن الواجب على رجال التعليم أن يرتبط الحاضر بالماضي وتقوى صلة الحاضر بالماضي وبالتاريخ المجيد وأحوال الماضين لكي تستفيد الأمة من تاريخها الماضي ومن نشاطها الحاضر ،

    أمة الإسلام :

    إن الواقع المرير الذي تعيشه الأمة واقع يدعوا إلى الأسف والحزن عندما يقارن المسلم بين الحاضر الماشهد وبين الماضي ويرى الفرق بعيد والبون شاسع وذلك بأسباب المسلمين وبعدهم عن دينهم فليتقوا الله في إسلامهم وليحافظوا على دينهم ،

    أيها المسلمون :

    اشكروا الله أن هداكم لهذا الدين القويم وبعث فيكم هذا النبي الكريم فتمسكوا بهذه الشريعة فإنها عزاً لكم في الدنيا وسعادتكم في الآخرة واعلموا أنكم في عصر تدفقت فيه وسائل الاتصال والتقت فيه الحضارة بعضها عن بعض وجد الأعداء في نشر ما عندهم، فتحصنوا بالإيمان الصادق والعقيدة الراسخة والتوعية السليمة وتربية الأجيال وتحذيرهم من كل ما يسيء إلى دينهم لعلكم تفلحون ،

    قادة الأمة الإسلامية :

    اتقوا الله في شعوبكم وطبقوا عليهم شريعة الله لتعيشوا أنتم وإياهم أمناً واطمئناناً وسلاماً ، احرصوا على المحافظة على البقية الباقية من دينكم ، واحرصوا على تأليف القلوب واجتماع الكلمة وحل المشاكل في إطار القوة الإسلامية ، وعودوا إلى دينكم عوداً حميداً واحذروا قول النبي صلى الله عليه وسلم ( ما من استرعى رعية فيموت حين يموت وهو غاش لها إلا حرم الله عليه الجنة )

    يا شباب الإسلام :

    أنتم الأمل في هذه الأمة لإنقاذها من جهالتها وإنقاذها من ضلالتها ،



    الزموا علماء الصدق الإيمان ، واجتنبوا الأفكار الرديئة والفرق المشتبهة والشعارات الزائفة ،

    ليكن حبكم لأوطانكم نابعاً من نفوسكم وحبكم وطاعتكم لولاة أموركم شعار تدين لله به ،

    شــبابــنا :

    شباب الإسلام احذروا مكائد الأعداء ، احذروا الدعايات المضللة التي تحملها بعض القنوات والصحافة والأفكار ، احذروا الأفكار السيئة لا تنقادوا لكل داع ، احذروا مكائد الأعداء فكم لبسوا لكم لباساً خاص كمظهر الدين والتقوى وهم يداركون إيذائكم وكم أظهروا الإصلاح والنفع وهم يهدمون دينكم وكرامتكم ، لا تنقادوا لكل دعوة ولا يخدعكم أي داع ، انظروا إلى سيرته وتاريخ حياته وغايته مما يريد ، تأملوا وتوقفوا واستشيروا ، ولا يخدعنكم الأعداء ولا تصلوا إلى بعض المواقع الضالة التي تنشر الأكاذيب والأباطيل وترجف بالأمة وتحدث من القيل والقال ما الله به عليم ،

    أيها الآباء :

    أتقوا الله في أبنائكم فهم قرة أعينكم ، ربوهم على الإيمان والصدق والتقوى ، ربوهم على الخصال الفاضلة وجنبوهم الأخلاق السيئة ن

    أيها الأبناء والبنات :

    على الجميع بر الوالدين والإحسان إليهم وتذكر جميلهم ومعروفهم { وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً } إن بربهم جهاد في سبيل الله ، أتى رجل النبي صلى الله عليه وسلم يستأذنه في الجهاد قال ( أحيُ والديك ) قال : نعم قال ( أرجع ففيهما فجاهد )

    يا رجال الأعمال والأموال :

    اتقوا الله فيما استخلفكم فيه من الأموال وجنبوها المكاسب الخبيثة وكونوا مثل الرجل الصادق الصدوق الأمين الذي لا يخدع أمته ولا يدلس عليهم ولا يأكل أموالهم بالباطل ووظفوا أموالكم فيما يعود على الأمة بالخير وإياكم من نشر الفساد والباطل وأن تكون أموالكم سلاحاً بأيدي أعدائكم ، أحرصوا على تنميتها بالأصول الشرعية فيما ينفع الأمة في الحاضر والمستقبل

    قادة العالم :

    من هذا المكان المبارك بلاد الأنبياء بلاد التسامح والخير وبلاد القادة المصلحين والفاتحين ، أدعوكم إلى الإسلام الدين الحق الذي هو دين الأنبياء كلهم منذ نوح عليه السلام إلى عيسى بن مريم إلى محمد صلى الله عليه وسلم ،

    أدعوكم إلى قراءة منصفة إذ تفكروا في هذا الدين وتعلموا أنه الدين الحق الذي لا يقبل الله من أحد ديناً سواه ،

    أيها القادة :

    إن النزاع قد تفاقم والصراع على الشعوب الضعيفة قد تعاظم والأحكام التي تحكم بها الأمم قد اهتزت والظلم قد فشا ، فواجب السعي في رد المظالم وإعطاء كل ذي حق حقه ،

    إن إخواننا في فلسطين يعان من حصار شديد وإرهاب لم يشهد له نظير ، فأشلاء ممزقة وبيوت مدمرة وفقر وفاقة ،أين العدالة وحقوق الإنسان أين الضمير أمام هذه الأشياء ،إنها لمصيبة عظيمة ،

    أيها المفكرون والحكماء :

    أن العالم يعاني من مشكلاته ويغوص في المعضلات ويتعرض لأزمات افتصادية وسياسية فسارعوا في إنقاذ العالم من مصائبه وإنقاذه من الشرور ،

    إن كثيراً من الأموال تنفق على التسلح لو أنفقت على إنقاذ منكوبين وشد أزر الدور النائية لكي تعيش في أمن وأمان لكان خيراً كثيراً

    حجاج بيت الله الحرام :

    اشكروا الله على نعمته أن بلغكم الوصول إلى هذا البيت الأمين وأعانكم على أداء نسككم وهيأ لكم من ذلل أماكم الصعاب وسهل لكم الأمور فاشكروا الله على هذه النعمة وتعاونوا على البر والتقوى والزموا أدب بيت الله الحرام واعلموا حرمته ومكانته ، والزموا الأنظمة التي وضعت لأجل منفعة الجميع فالتزموها وطبقوها لعلكم تفلحون ،

    أيها المسلمون :

    من خلال الاعتراف بالفضل لأهل فإن الله جل وعلا تفضل على هذه البلاد بقادة مخلصين ودعاة مصلحين لقد شرفهم الله لخدمة بيته الحرام ورعايته فقاموا بخدمته حق القيام من توسعة للحرمين وراعية للمسلمين وتيسير أمر الحجيج يبتغون بذلك وجه الله فجزاهم الله عما فعلوا خيراً وأمدهم بعونه وتوفيقه وتأييده ،

    أيها المسلون :

    إن الله جل علا ضمن هذه الأمة بقاء دينها وأن يدنها باق إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين ، يقول صلى الله عليه وسلم ( ولا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله )

    والنبي صلى الله عليه وسلم خاتم أنبياء الله ورسوله وجعل الله من العلماء في هذه الأمة ورثة الأنبياء ، فالصحابة رضي الله عنهم قاموا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم خير القيام وكذا التابع بإحسان وما خلا قرن من القرون إلا وفيه داع إلى الله يجدد ما اندرس من يدنها ويعيدها إلى رشدها ، لكن منهم ومن وفق للنصر الناصر ومؤيد ومنهم من ليس كذلك ، ومن الرجال المصلحين الذين دعوا إلى الله ودينه شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب الذي خرج في منتصف القرن الثاني عشر فدعا إلى الله وإلى توحيدهخ وإخلاص الدين له فناصره الإمام محمد سعود رحمه الله فتعاضد الإمامان الكريمان على هذا الدين ونصرة هذا الدين إلى أن وفق الله الجميع ففتح الله على قلوبهم ونصر الله بهم الدين وأعاد الأمة إلى حظيرة الإسلام الأولى ،

    إن كثيراً من الفضائيات تنصب دائماً سب ما يسمون بالوهابية وتلفيق التهم والأباطيل بهم وإن هذا من الكذب ، فالشيخ لم يدعوا إلى مذهبه ونسبه وإنما دعا إلى الله وإلى توحيده وإخلاص الدين له ،

    أيها المسلمون :

    اخلصوا لله توحيد أعمالكم فإن الله لا يقبل عمل إلا إذا كان خالصاً له وصواباً على كتابه وسنة رسوله

    أيها الناس :

    تفكروا في أعمالكم وتدبروا رحيلكم من هذه الدنيا فها هو أمامكم الموت وسكرته والقبر وظلمته والحساب وشدته والملك وسؤاله وروعته ،

    إن هذا القبر أول منازل الآخرة فإن الميت يكتب له عند موته حاله فالمؤمنون تتنزل عليهما الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ، وفي غير المؤمنين يقول الله { ولو ترى إذ يتوفى الذي يكفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم وذوقوا عذاب الحريق } وهذا القبر إما روضة من رياض الجنة إما حفرة من حفر النار

    فاستعدوا هذه المواقف العظيمة فأمامكم الحساب والوقوف بن يدي الله في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة تدنوا الشمس من العباد حتى تكون على مقدرا ميل منهم ووتصرهم الشمس ويلجمهم العرق على اختلاف مراحلهم منهم إلى كعبيه وحقويه ومنهم من يلجمه العرق إلجاماً ، تذكروا إخواني تطاير الصحف وميزان الأعمال تذكروا العبور على الصراط ، تذكروا يوم يقال لأهل الجنة خلود فلا موت ولأهل النار خلود فلا موت ، تذكروا تلك المواقف عسى أن تعود علينا بالخير في أمور ديننا دنيانا ،

    حجاج بيت الله الحرام :

    هذا يوم عرفة من أفضل أيام الله ( ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبيد من النار من يوم عرفة وإنه ليدنوا ويباهي بهم الملائكة ويقول ما أراد هؤلاء ؟ ) ( ينزل ربكم إلى السماء الدنيا عشية هذا اليوم فيباهي بأهل الأرض أهل السماء انظروا إلى عبادي أتوني شعثاً غبراً اشهدكم أني قد غفرت لهم ) ما رأي الشيطان في يوم هو أحقر ولا أصغر ولا أدحر مما رأي يوم عرفة ، إنه ليوم أعظما الدعاء فيه وأفضل الدعاء دعاء يوم عرفة وخير ما قلت أنا والنبيون قبلي يوم عرفة لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ،

    أروا الله من أنفسكم خيراً :

    أرفعوا أكف الضراعة الدعاء واسألوا المغفرة ما كان وما سلف والرضا عنكم وأن يحسن خاتمة الجميع .

    اللهم اجعل خير أعمالنا أواخرها وخير أعمالنا خواتيمها وخير أيامنا يوم لقائك ،

    اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين

    اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات وألف بين قلوبهم أصلح ذات بينهم وانصرهم على عدوك وعدوهم واهدهم سبل السلام وأخرجهم من الظلمات إلى النور وبارك لهم في أسماعهم وأبصارهم وقواتهم وجنبهم الفواحش ما ظهرمنها وما بطن

    اللهم اغفر لجميع موتى المسلمين الذين شهدوا لك بالوحدانية ولنبيك بالرسالة وماتوا على ذلك

    اللهم اغفر لهم وارحمهم وعافهم واعف عنهم وأكرم نزلهم وسع مدخلهم واغسلهم بالماء والثلج والبرد ونقهم من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس

    ربنا اجعل حجنا مبروراً وسعينا مشكوراً وذنبنا مغفوراً ،

    اللهم اجعلنا ممن تباهي بهم ملائكتك إن على كل شيء قدير ،

    اللهم وفق إمامنا إمام المسلمين عبد الله لكل خير

    الله أيده بنصرك واحفظه بحفظك وكن له عوناً وناصراً في كل ما أهمه

    اللهم شد بأزر ولي عده سلطان بن عبد العزيز وبارك له في سمعه وبصره وألبسه الصحة والسلامة العافية

    ووفق النائب الثاني لكل خير وأعنه على مهمته في ملاحقة المجرمين والمفسدين والمتسللين والضالين والغاويين

    اللهم احفظ الجميع بالإسلام ووفق القائمين على الحج في كل شئونه لما يرضيك إنك على كل شيء قدير

    ربنا اغفر لنا ولإخوننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم

    ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين

    ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار

    سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين

    أعاده علي وعلى أئمة المسلمين وعليكم جميعاً باليمن والبركة إنه على كل شيء قدير

    وصلى اللهم على محمد .
    التعديل الأخير تم بواسطة أبو مصعب السكندرى ; 16-10-2010 الساعة 07:32 PM

  11. #11
    الصورة الرمزية أبو مصعب السكندرى
    تاريخ التسجيل : Apr 2007
    رقم العضوية : 22864
    الاقامة : أرض الله
    المشاركات : 3,739
    هواياتى : قراءة القرآن والخطب والدروس
    My SMS : ذا جلست للناس فكن واعظاَ لقلبك ولنفسك ولا يغرنك اجتماعهم عليك فإنهم يراقبون ظاهرك والله تعالى يراقب
    MMS :
    الحالة غير متصل
    معدل تقييم المستوى : 209
    Array



    قال الله عز وجل : {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ * فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ ۖ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا ۗ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ۚ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [آل عمران: 96-97]، وقال سبحانه: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا ۖ إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [ البقرة : 127] .
    قال ابن كثير، رحمه الله: "يذكر تعالى عن عبده ورسوله وصفيه وخليله إمام الحنفاء ووالد الأنبياء، عليه أفضل صلاة وتسليم، أنه بنى البيت العتيق الذي هو أول مسجد وُضع لعموم الناس يعبدون الله فيه، وبوَّأه الله مكانه؛ أي أرشده إليه، ودله عليه؛ وهو المكان المهيأ له، المعين لذلك منذ خلق الله السماوات والأرض، كما ثبت في [الصحيحين]: (أن هذا البلد -أي مكة- حرمه الله يوم خلق السماوات والأرض، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة)؛ ولم يجئ في خبر صحيح عن معصوم أن البيت كان مبنيًّا قبل الخليل، عليه السلام، ومن تمسك في هذا بقوله: {مَكَانَ الْبَيْتِ} [ الحج : 26]، فليس بناهض ولا ظاهر؛ لأن المراد مكانه المقدّر في علم الله، المقرر في قدرته، المعظم عند الأنبياء موضعه من لدن آدم إلى زمان إبراهيم. [ البداية والنهاية ( 1/ 53) ].
    ثم قرر ابن كثير، رحمه الله، ما قرره أهل العلم قبله وبعده أن الإسرائيليات لا تصدق ولا تكذب ولا يحتج بها في ذاتها.
    وذكر أن الخليل صلى الله عليه وسلم بنى أشرف المساجد في أشرف البقاع بواد غير ذي زرع، ودعا لأهله بالبركة، وأن يرزقوا من الثمرات، مع قلة المياه، وعدم الأشجار والزروع والثمار، وأن يجعله حرمًا آمنًا، وسأل الله أن يبعث فيه رسولاً منهم؛ أي من جنسهم وبلغتهم، فاستجاب الله له، ولبى طلبه في كل ما سأله، ولما كان إبراهيم، عليه السلام، هو باني الكعبة لأهل الأرض استحق أن يكون منصبه ومحله، وموضعه في منازل السماوات، ورفيع الدرجات عند البيت المعمور الذي هو كعبة أهل السماء السابعة كما ثبت في ذلك في حديث الإسراء والمعراج، وعندما بنى إبراهيم البيت وضع الحجر الأسود في مكانه الذي هو فيه اليوم؛ وقد ثبت أن الحجر الأسود نزل من الجنة، وكان عند نزوله أشد بياضًا من الثلج حتى سودته خطايا أهل الشرك. قال المحب الطبري: في بقائه أسود عبرةً لمن له بصيرة، فإن الخطايا إذا أثرت في الحجر الصلد فتأثيرها في القلب أشد.
    وأما مقام إبراهيم الذي ذكره الله في كتابه؛ فهو الحجر الذي كان يقف عليه قائمًا لما ارتفع البناء عند قامته، فوضع له إسماعيل، عليه السلام، هذا الحجر المشهور ليرتفع عليه لما تعالى البناء، وقد كان ملصقًا بجدار الكعبة، ثم نقل قليلاً عن موضعه الأصلى إلى ما هو عليه الآن، وقد استمرت الكعبة على ما بناها عليه الخليل مدة طويلة، ثم بنتها قريش في الجاهلية -وكانوا يعظمون الكعبة- ولكنهم لم يبنوها على قواعد إبراهيم، فأخرجوا حجر إسماعيل من البيت، كما أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث عائشة الذي في ( الصحيحين) ؛ وهذا هو السر في عدم صحة طواف من يطوف من داخل حجر إسماعيل؛ لأن الحِجْر جزء من البيت، وكذلك لا يصلى في حِجْر إسماعيل صلاة الفريضة، والنافلة على خلاف؛ لأنه لا يكون مستقبلاً لكل البيت.
    كسوة الكعبة: روى البخاري في (صحيحه) من كتاب الحج، فقال: باب كسوة الكعبة، ثم ذكر حديثًا في ذلك، ونقل ابن حجر قول ابن بطال: إن الملوك في كل زمان كانوا يتفاخرون بكسوة الكعبة برفيع الثياب المنسوجة من الذهب وغيره، كما يتفاخرون بتسبيل الأموال لها -أي؛ جعلها سبيلاً ووقفًا على الكعبة- ثم ذكر الحافظ كلامًا طويلاً في (الفتح) (3/ 536) عن بدء كسوة البيت الحرام، فتحصل له في أول من كساها مطلقًا ثلاثة أقوال: إسماعيل، وعدنان، وتبعَّ؛ فأما إسماعيل، عليه السلام، فهو أول من كساها مطلقًا، وأما تبع فأول من كساها الأنطاع والوصائل، وأما عدنان فأول من كساها بعد إسماعيل.
    وأما أول من كساها الديباج، فقد ذكر في ذلك ستة أقوال: خالد، أو نتيلة، أو معاوية، أو يزيد، أو ابن الزبير، أو الحجاج، ثم جمع بينها، وأزال تعارضها، فقال: كسوة خالد ونتيلة لم تشمل كل الكعبة؛ وإنما كان فيما كساها شيء من الديباج، وأما معاوية فلعله كساها في آخر خلافته، فصادف ذلك خلافة ابنه يزيد، وأما ابن الزبير فكأنه كساها ذلك بعد تجديد عمارتها، فأوليته بذلك الإعتبار، لكن لم يداوم على كسوتها الديباج، فلما كساها الحجاج بأمر عبد الملك استمر ذلك؛ فكأنه أول من داوم على كسوتها الديباج في كل سنة. وذكر الفاكهي أن أول من كساها الديباج الأبيض المأمون بن الرشيد، وكساها محمد بن سبكتكين ديباجًا أصفر، وكساها الناصر العباس ديباجًا أخضر، ثم كساها ديباجًا أسود، فاستمر إلى الآن. اهـ.
    زمزم: روى البخاري في [صحيحه] بسنده إلى أنس بن مالك، رضي الله عنه، قال: كان أبو ذر، رضي الله عنه، يحدَّث أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فُرِج سقفي وأنا بمكة، فنزل جبريل، عليه السلام فَفَرج صدري، ثم غسله بماء زمزم، ثم جاء بطست من ذهب ممتلئ حكمة وإيمانًا، فأفرغها في صدري، ثم أطبقه، ثم أخذ بيدي، فعرج إلى السماء الدنيا، قال جبريل لخازن السماء الدنيا: افتح، قال: من هذا؟ قال: جبريل).
    وقد ثبت من فضائلها عند مسلم من حديث أبي ذر (أنها طعام طعم)، وعند الطيالسي ( وشفاء سقم). وأما حديث (ماء زمزم لما شرب له) فقد قال الحافظ عنه: "اختلف في إرساله ووصله وإرساله أصح".
    وقد سميت زمزم بذلك لكثرتها، يُقال: ماء زمزم أي كثير، وقيل: لاجتماعها، وقال البعض: الزمزمة من الناس خمسون ونحوهم. وذكر الفاكهي في (أخبار مكة) قول مجاهد: سميت زمزم؛ لأنها مشتقة من الهزمة، والهزمة: الغمز بالعقب في الأرض، أي كما فعل جبريل، عليه السلام، عند ظهور زمزم، وقيل: سميت زمزم لحركتها، أو لأنها زُمَّت لئلا تأخذ -أي تنتشر- يمينًا وشمالاً.
    وسُمي يوم التروية بذلك؛ لأن الناس كانوا يتروَّون من الماء، وقال بعضهم: إن الناس كانوا يتروون فيه الماء إلى عرفات، ولم يكن بها ماء؛ أي يحملون الماء معهم في هذا اليوم إلى عرفات، وهم ذاهبون إليها.
    وسميت عرفات بذلك؛ لما رواه الفاكهي بإسناد صحيح إلى أبي مجلز، رضي الله عنه، قال: ا"نطلق جبريل، عليه الصلاة والسلام، بإبراهيم، عليه السلام، إلى عرفات، فقال: عرفت؟ قا : نعم، قال: فمن ثم سُميت عرفات"، وقال عطاء، رضي الله عنه: "إنما سُميت عرفات؛ لأن جبريل، عليه السلام، كان يري إبراهيم، عليه السلام، المناسك ثم يقول: عرفت؟ فيقول: عرفت، ثم يقول: عرفت؟ فيقول عرفتُ، فسميت عرفات".
    وسُميت مزدلفة بذلك؛ لمزدلف الناس عنها، وأنهم لا يقيمون بها يومًا كاملاً.
    وسُميت أيام التشريق بذلك؛ لأنهم كانوا يشرقون للشمس بمنى في غير بيوت ولا أبنية في الحج، أو لأنهم كانوا يشرّقون القديد في هذه الأيام.

  12. #12
    الصورة الرمزية عاشق البيت
    تاريخ التسجيل : Mar 2008
    رقم العضوية : 33919
    الاقامة : مصر
    المشاركات : 1,965
    هواياتى : الشعر والرسم والرحلات
    MMS :
    الحالة غير متصل
    معدل تقييم المستوى : 464
    Array



    صفحة من صفحات الخير الوفير
    مباركة بما حوته من علم وفقه
    اعجبتنى خطبة الشيخ الفاضل
    عبد العزيز آل الشيخ لشموليتها
    ما يهم المسلمين وما فيها من عظات وعبر
    ودروس وعلاجات لمشاكلنا الكثيرة
    ----
    كما راق لى حديثك عن ابن المبارك
    فليتك تحذو حذوة وتتخذ الصندوق وانا اول
    الرفاق
    ولك الشكر
    مع العلم ان ابنى محمد
    كما تعلم نجار لا تكلفه
    صناعة الصندوق شيئا
    فلا عذر لك وفرنا عليك الصندوق

  13. #13
    الصورة الرمزية أبو مصعب السكندرى
    تاريخ التسجيل : Apr 2007
    رقم العضوية : 22864
    الاقامة : أرض الله
    المشاركات : 3,739
    هواياتى : قراءة القرآن والخطب والدروس
    My SMS : ذا جلست للناس فكن واعظاَ لقلبك ولنفسك ولا يغرنك اجتماعهم عليك فإنهم يراقبون ظاهرك والله تعالى يراقب
    MMS :
    الحالة غير متصل
    معدل تقييم المستوى : 209
    Array



    من أهداف الحج توحيد كلمة المسلمين على الحق

    الحمد لله الذي جعل البيت مثابة للناس وأمنا ، وجعله مباركاً وهدى للعالمين، وأمر عبده ورسوله وخليله إبراهيم إمام الحنفاء ووالد الأنبياء من بعده، أن يوجه الناس ويؤذن فيهم بالحج بعد ما بوأ له مكان البيت؛ ليأتوا إليه من كل فج عميق، ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات .
    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إله الأولين والآخرين الذي بعث رسله وأنزل كتبه لإقامة الحجة وبيان أنه سبحانه هو الواحد الأحد المستحق أن يعبد والمستحق لأن يجتمع العباد على طاعته واتباع شريعته وترك ما خالف ذلك، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وخليله الذي أرسله سبحانه رحمة للعالمين وحجة على العباد أجمعين، بعثه بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ، وأمره أن يبلغ الناس مناسكهم، ففعل ذلك قولاً وعملاً عليه من ربه أفضل الصلاة والتسليم. لقد حج عليه الصلاة والسلام حجة الوداع وبلغ الناس مناسكهم قولاً وعملاً، وقال للناس : ((خذوا عني مناسككم فلعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا))[1] ، فشرع لهم أعمال الحج، وأقوال الحج، وجميع مناسكه بقوله وفعله عليه الصلاة والسلام، فقد بلغ الرسالة وأدى الأمانة وجاهد في الله حق الجهاد، حتى أتاه اليقين من ربه عليه الصلاة والسلام، فسار خلفاؤه الراشدون وصحابته المرضيون رضي الله عنهم جميعاً على نهجه القويم، وبينوا للناس هذه الرسالة العظيمة بأقوالهم وأعمالهم، ونقلوا إلى الناس أقواله وأعماله عليه الصلاة والسلام بغاية الأمانة والصدق ، رضي الله عنهم وأرضاهم وأحسن مثواهم. وكان أعظم أهداف هذا الحج توحيد كلمة المسلمين على الحق ، وإرشادهم إليه ، حتى يستقيموا على دين الله، وحتى يعبدوه وحده ، وحتى ينقادوا لشرعه . فمن أجل ذلك رأيت أن تكون كلمتي في هذا المقام بهذا العنوان: "من أهداف الحج توحيد كلمة المسلمين على الحق". وللحج أهداف كثيرة يأتي بيان كثير منها إن شاء الله.
    أما بعد،،،
    فإني اشكر الله عز وجل على ما من به من هذا اللقاء بأخوة لي في الله، في نادي مكة الثقافي الأدبي؛ للتناصح والتعاون على الخير، وبيان كثير من أهداف هذا المنسك العظيم، وهو حج بيت الله الحرام ؛ ليكون حجاج بيت الله الحرام على بصيرة ، وليستفيدوا مما شرع الله لهم ومما قد يجهله كثير منهم. ثم أشكر القائمين على هذا النادي وعلى رأسهم الأخ الكريم الدكتور / راشد الراجح رئيس النادي ومدير جامعة أم القرى على دعوتهم لي لهذا اللقاء، وأسأل الله أن يوفق الجميع لما يرضيه، وأن يعين القائمين على النادي على كل خير، وأن ينفع بجهودهم المسلمين، وأن يجعلنا من الهداة المهتدين ومن أنصار الحق أينما كان. أيها الأخوة في الله، إن الله جل وعلا شرع الحج لعباده ، وجعله الركن الخامس من أركان الإسلام، لحكم كثيرة وأسرار عظيمة ومنافع لا تحصى، وقد أشار الله جل وعلا إلى ذلك في كتابه العظيم ، حيث يقول جل وعلا: {قل صدق الله فاتبعوا ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين. إن أول بين وضع للناس للذي ببكة مباركاً وهدى للعالمين. فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمناً ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً ومن كفر فإن الله غني عن العالمين} [2] فبين سبحانه أن هذا البيت أول بيت وضع للناس ؛ أي في الأرض للعبادة والتقرب إلى الله بما يرضيه ، كما ثبت في الصحيحين في حديث أبي ذر رضي الله عنه قال: قلت : يا رسول الله، أخبرني عن أول مسجد وضع في الأرض؟ قال: ((المسجد الحرام)) قلت: ثم أي؟ قال: "المسجد الأقصى" ، قلت: وكم بينهما؟ قال: ((أربعون عاماً)) ، قلت: ثم أي؟ قال: ((ثم حيث أدركتك الصلاة فصل فإنها مسجد)). [3] فبين عليه الصلاة والسلام أن هذا البيت أول بيت وضع للناس هو المسجد الحرام، والمعنى أنه أول بيت وضع للعبادة والتقرب إلى الله عز وجل ، كما قال أهل العلم، وهناك بيوت قبله للسكن، ولكن المقصود أنه أول بيت وضع للعبادة والطاعة والتقرب إلى الله عز وجل بما يرضيه من الأقوال والأعمال ، ثم بعده المسجد الأقصى بناه حفيد إبراهيم يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم جميعاً الصلاة والسلام، ثم جدده في آخر الزمان بعد ذلك بمدة طويلة نبي الله سليمان عليه الصلاة والسلام ، ثم بعد ذلك كل الأرض مسجد، ثم جاء مسجد النبي عليه الصلاة والسلام، وهو المسجد الثالث في آخر الزمان على يد نبي الساعة محمد عليه الصلاة والسلام، فبناه بعد ما هاجر إلى المدينة هو وأصحابه رضي الله عنهم. وأخبر عليه الصلاة والسلام أنه أفضل المساجد بعد المسجد الحرام، فالمساجد المفضلة ثلاثة: أعظمها وأفضلها المسجد الحرام ثم مسجد النبي عليه الصلاة والسلام ثم المسجد الأقصى. والصلاة في هذه المساجد مضاعفة؛ جاء في الحديث الصحيح أنها في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة، وجاء في مسجده عليه الصلاة والسلام أن الصلاة في مسجده خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، وجاء في المسجد الأقصى أنها بخمسمائة صلاة ، وهي المساجد العظيمة المفضلة وهي مساجد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. وشرع الله جل وعلا الحج لعباده، لما في ذلك من المصالح العظيمة، وأخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم أن الحج مفروض على العباد المكلفين المستطيعين السبيل إليه، كما دل عليه كتاب الله عز وجل في قوله سبحانه: {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً}[4] . وخطب النبي صلى الله عليه وسلم في الناس ، فقال(أيها الناس إن الله كتب عليكم الحج فحجوا)) فقيل : يا رسول الله، أفي كل عام؟ فقال: ((الحج مرة فمن زاد فهو تطوع)) [5] . فهو فرض مرة في العمر، فما زاد على ذلك فهو تطوع، على الرجال والنساء المكلفين المستطيعين السبيل إليه، ثم هو بعد ذلك تطوع وقربة عظيمة، كما قال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم: ((العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما ، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة)) [6] متفق على صحته . وهذا يعم الفرض والنفل من العمرة والحج . وقال عليه الصلاة والسلام: ((من أتى هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه)) [7] وفي اللفظ الآخر : ((من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه)) [8] . أخرجه البخاري . وهذا يدل على الفضل العظيم للحج والعمرة ، وأن العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، وأن الحج المرور ليس له جزاء إلا الجنة. فجدير بأهل الإيمان أن يبادروا بحج بيت الله ، وأن يؤدوا هذا الواجب العظيم أينما كانوا إذا استطاعوا السبيل إلى ذلك، وأما بعد ذلك فهو نافلة وليس بفريضة، ولكن فيه فضل عظيم، كما في الحديث الصحيح: قيل: يا رسول الله، أي العمل افضل؟ قال: ((إيمان بالله ورسوله)) قيل: ثم أي؟ قال: ((الجهاد في سبيل الله)) قيل: ثم أي؟ قال: ((حج مبرور)) [9] متفق عليه. وقد حج عليه الصلاة والسلام حجة الوداع ، وشرع للناس المناسك بقوله وفعله ، وخطبهم في حجة الوداع في يوم عرفة خطبة عظيمة، ذكرهم فيها بحقه سبحانه وتوحيده، وأخبرهم فيها أن أمور الجاهلية موضوعة وأن الربا موضوع وأن دماء الجاهلية موضوعة ، وأوصاهم فيها بكتاب الله عز وجل وسنة رسوله والاعتصام بهما، وأخبر أنهم لن يضلوا ما اعتصموا بهما، وبين حق الرجل على زوجته وحقها عليه، وبين أموراً كثيرة عليه الصلاة والسلام، ثم قال: "وأنتم تسألون عني فماذا أنتم قائلون"؟ قالوا: نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت. فجعل يرفع إصبعه إلى السماء ثم ينكبها إلى الأرض ويقول: ((اللهم اشهد اللهم اشهد)) [10] . عليه من ربه أفضل الصلاة والسلام. ولاشك أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة عليه الصلاة والسلام على خير الوجوه وأكملها، ونشهد له بذلك كما شهد له صحابته رضي الله عنهم وأرضاهم . وقد بين عليه الصلاة والسلام مناسك الحج وأعماله وأقواله وأفعاله، وكان خروجه من المدينة في آخر ذي القعدة من عام عشر، محرماً بالحج والعمرة قارناً بينهما، من ذي الحليفة، وساق الهدي عليه الصلاة والسلام، وأتى مكة في صبيحة اليوم الرابع من ذي الحجة، ولم يزل يلبي من الميقات من حين أحرم من ذي الحليفة بتلبيته المشهورة: ((لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك)) [11] بعدما لبى بالحج والعمرة عليه الصلاة والسلام. وكان قد خير أصحابه في ذي الحليفة بين الأنساك الثلاثة، فمنهم من لبى بالعمرة ومنهم من لبى بالحج ومنهم من لبى بهما، وكان صلى الله عليه وسلم يرفع صوته بالتلبية ، وهكذا أصحابه رضي الله عنهم، ولم يزل يلبي حتى وصل إلى بيت الله العتيق، وبين للناس ما يقولونه من الأذكار والدعاء في طوافهم وسعيهم وفي عرفات ومزدلفة وفي منى، وبين الله جل وعلا ذلك في كتابه العظيم حيث قال جل وعلا: {ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم وإن كنتم من قبله لمن الضالين. ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله إن الله غفور رحيم} [12] إلى أن قال سبحانه وتعالى: {واذكروا الله في أيام معدودات فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه} [13] الآية . فالذكر من جملة المنافع المذكورة في قوله تعالى: {ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات} [14] الآية. وعطفه على المنافع من باب عطف الخاص على العام .وثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: ((إنما جعل الطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله)) [15] وشرع للناس كما جاء في كتاب الله ذكر الله عند الذبح ، وشرع لهم ذكر الله عند رمي الجمار ، فكل أنواع مناسك الحج ذكر لله قولاً وعملاً . فالحج بأعماله وأقواله كله ذكر لله عز وجل، كله دعوة إلى توحيده والاستقامة على دينه والثبات على ما بعث به رسوله محمد عليه الصلاة والسلام . فأعظم أهدافه توجيه الناس إلى توحيد الله والإخلاص له والإتباع لرسوله صلى الله عليه وسلم فيما بعثه الله به من الحق والهدى في الحج وغيره. فالتلبية أول ما يأتي به الحاج والمعتمر، يقول: ((لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك)) [16] يعلن توحيده لله وإخلاصه لله وأن الله سبحانه لا شريك له؛ وهكذا في طوافه يذكر الله ويعظمه ويعبده بالطواف وحده، ويسعى فيعبده بالسعي وحده دون كل ما سواه، وهكذا بالتحليق والتقصير، وهكذا بذبح الهدايا والضحايا، كل ذلك لله وحده، وهكذا بأذكاره التي يقولها في عرفات ومزدلفة وفي منى، كلها ذكر لله وتوحيد له ودعوة إلى الحق وإرشاد للعباد وأن الواجب عليهم أن يعبدوا الله وحده وأن يتكاتفوا في ذلك ويتعاونوا وأن يتواصوا بذلك . وهم يأتون من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم، هذه المنافع كثيرة جداً أجملها الله تعالى في الآية وفصلها في مواضع كثيرة، منها الطواف ، وهو عبادة عظيمة ومن أعظم أسباب تكفير الذنوب وحط الخطايا، وهكذا السعي ، وما فيهما من ذكر الله عز وجل والدعاء ، وهكذا ما في عرفات من ذكر الله والدعاء ، وما في مزدلفة من ذكر الله والدعاء، وما في ذبح الهدايا من ذكر الله وتكبيره وتعظيمه، وما يقال عند رمي الجمار من تكبير الله عز وجل وتعظيمه، وكل أعمال الحج تذكر بالله وحده وتدعو المسلمين جميعاً إلى أن يكونوا جسداً واحداً وبناءً واحداً في اتباع الحق والثبات عليه والدعوة إليه والإخلاص لله سبحانه في جميع الأقوال والأعمال، وهم يتلاقون على هذه الأراضي المباركة يريدون التقرب إلى الله وعبادته سبحانه، وطلب غفرانه وعتقه لهم من النار ، ولاشك أن هذا مما يوحد القلوب ويجمعها على طاعة الله والإخلاص له واتباع شريعته وتعظيم أمره ونهيه ، ولهذا قال عز وجل : {إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً وهدى للعالمين} [17] ، فأخبر سبحانه أنه مبارك بما يحصل لزواره والحاجين إليه من الخير العظيم من الطواف والسعي وسائر ما شرعه الله من أعمال الحج والعمرة ، وهو مبارك تحط عنده الخطايا وتضاعف عنده الحسنات وترفع عنده الدرجات ، ويرفع الله ذكر أهله المخلصين الصادقين ويغفر لهم ذنوبهم ويدخلهم الجنة فضلاً منه وإحساناً إذا أخلصوا له واستقاموا على أمره وتركوا الرفث والفسوق ، كما قال صلى الله عليه وسلم: ((من حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه)) [18] . والرفث: هو الجماع قبل التحلل، وما يدعو إلى ذلك من قول وعمل مع النساء كله رفث. والفسوق: جميع المعاصي القولية والفعلية. يجب على الحاج تركها والحذر منها ، وهكذا الجدال يجب تركه إلا في خير، كما قال جل وعلا: {الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج} [19] . والحج كله دعوة إلى طاعة الله ورسوله ، دعوة إلى تعظيم الله وذكره ، دعوة إلى ترك المعاصي والفسوق ، دعوة إلى ترك الجدال الذي يجلب الشحناء والعداوة ويفرق بين المسلمين، أما الجدال بالتي هي أحسن فهذا مأمور به في كل زمان ومكان، كما قال تعالى: {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن} [20] ، وهذا طريق الدعوة في كل زمان ومكان في البيت العتيق وغيره . يدعو إخوانه بالحكمة، وهي العلم بما قاله الله تعالى وقاله رسوله ، وبالموعظة الحسنة الطيبة اللينة التي ليس فيها عنف ولا إيذاء ، ويجادل بالتي هي أحسن عند الحاجة لإزالة الشبهة وإيضاح الحق . فيجادل بالتي هي أحسن بالعبارات الحسنة والأساليب الجيدة المفيدة التي تزيل الشبهة وتوضح الحق دون عنف وشدة. فالحجاج في أشد الحاجة إلى الدعوة والتوجيه إلى الخير والإعانة على الحق . فإذا التقى مع إخوانه من سائر أقطار الدنيا وتذاكروا فيما يجب عليهم وما شرع الله لهم كان ذلك من أعظم الأسباب في توحيد كلمتهم واستقامتهم على دين الله وتعارفهم وتعاونهم على البر والتقوى. فالحج فيه منافع عظيمة، فيه خيرات كثيرة؛ فيه دعوة إلى الله، وتعليم وإرشاد، وتعارف، وتعاون على البر والتقوى، بالقول والفعل المعنوي والمادي؛ ولهذا يشرع لجميع الحجاج والعمار أن يكونوا متعاونين على البر والتقوى، متناصحين حريصين على طاعة الله ورسوله، مجتهدين فيما يقربهم إلى الله، متباعدين عن كل ما حرم الله. وأعظم ما أوجبه الله توحيده وإخلاص العبادة له في كل مكان وفي كل زمان، ولا سيما في هذه البقعة العظيمة المباركة ، فإن من الواجب إخلاص العبادة لله وحده في كل مكان وفي كل زمان ، وفي هذا المكان أعظم وأوجب ، فيخلص الحاج لله عمله وقوله من طواف وسعي ودعاء وغير ذلك ، وهكذا في بقية الأعمال كلها لله وحده جل وعلا مع الحذر من معاصي الله عز وجل، ومع الحذر من ظلم العباد وإيذائهم بقول أو عمل. فالمؤمن يحرص كل الحرص على نفع إخوانه والإحسان إليهم وتوجيههم إلى الخير ، وبيان ما قد يجهلون من أمر الله وشرعه، مع الحذر من إيذائهم وظلمهم: في دمائهم وأموالهم وأعراضهم ؛ فالمسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يحقره ولا يخذله، بل يحب له كل خير ويكره له كل شر أينما كان، ولاسيما في بيت الله العتيق وفي حرمه الأمين وفي بلد رسوله صلى الله عليه وسلم، فإن الله جعل هذا الحرم آمناً ، جعله آمناً من كل ما يخافه الناس. فعلى المسلم أن يحرص على أن يكون مع أخيه في غاية من الأمانة ، ينصحه ويرشده ولا يغشه ولا يخونه ولا يؤذيه ، لا بقول ولا بعمل، فقد جعل الله هذا الحرم آمناً، كما قال تعالى: {وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا} [21] ، وقال جل وعلا: {أو لم نمكن لهم حرماً آمناً يجبى إليه ثمرات كل شيء رزقاً من لدنا} [22] . فالمؤمن يحرص كل الحرص على تحقيق هذا الأمن، وأن يكون بنفسه حريصاً على الإحسان لأخيه وإرشاده إلى ما ينفعه ومساعدته دنياً و ديناً على كل ما فيه راحة ضميره، وإعانته على أداء المناسك، كما أنه يحرص كل الحرص على البعد عن كل ما حرم الله من سائر المعاصي ، ومن جملة ذلك إيذاء العباد، فإن ذلك من أكبر المحرمات ، وإذا كان مع حجاج بيت الله الحرام ومع العمار صار الظلم أكثر إثماً، وأشد عقوبة، وأسوأ عاقبة. فالحج والعمرة نسكان عظيمان من أعظم العبادة التي يترتب عليها خير عظيم، ومنافع جمة، وعواقب حميدة لسائر المسلمين في سائر أقطار الدنيا، فالصلوات الخمس يجتمع فيها العباد في كل بلد يتعارفون ويتناصحون ويتعاونون على البر والتقوى ، لكن الحج يجتمع فيه العالم من كل مكان. فإذا كانت الصلوات هي من الخير العظيم لاجتماعهم عليها في أوقات خمسة، فهكذا الحج في كل عام فيه خير عظيم، والأمر فيه أوجب وأعظم من جهة دعوة الناس إلى الخير؛ لأنهم يأتون من كل فج عميق ، وقد لا تلقى أخاك الذي تراه في الحج بعد ذلك، وهكذا المرأة عليها أن تحرص وأن تبذل وسعها في إرشاد أخواتها في الله مما علمها الله، فالرجل يرشد إخوانه وأخواته في الله من حجاج بيت الله الحرام وزوار مسجد رسوله صلى الله عليه وسلم، والمرأة كذلك ترشد إخوانها وأخواتها في الله – مما تعلم- من الحجاج والعمار. هكذا يكون الحج وهكذا تكون العمرة، فيهما التعاون والتواصي بالحق والتناصح وإرشاد إلى الخير وبذل المعروف وكف الأذى أينما كان الحجاج والعمار، في المسجد الحرام وفي خارج المسجد ، في الطواف وفي السعي وفي رمي الجمار وفي غير ذلك، يحرص كل واحد على كل ما ينفع أخاه ويدرأ عنه الأذى في جميع أرجاء البلد الكريم، وفي جميع مشاعر الحج؛ يرجو من الله المثوبة ويحذر مغبة الظلم والأذى لإخوانه المسلمين، وهذا كله داخل في قوله سبحانه: {إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً وهدى للعالمين} [23] ، وإنما كان مباركاً وهدى للعالمين ؛ لما يحصل لقاصديه من الخير العظيم في هذا البيت العتيق ، من الطواف والسعي والتلبية والأذكار العظيمة، يهتدون بها إلى توحيد الله وطاعته ، ويحصل لهم من التعارف والتلاقي والتواصي والتناصح ما يهتدون به إلى الحق ، ولهذا سمى الله بيته مباركاً وهدى للعالمين؛ لما يحصل فيه من البركة والخير العظيم، من تلبية وأذكار وطاعة عظيمة، تُبصر العباد بربهم وتوحيده ، وتذكرهم بما يجب عليهم نحوه سبحانه، ونحو رسوله عليه الصلاة والسلام، وتذكرهم بما يجب عليهم نحو إخوانهم الحجاج والعمار، من تناصح ، وتعاون، وتواص بالحق، ومواساة للفقير ، ونصر للمظلوم، وردع للظالم، وإعانة على كل وجوه الخير. هكذا ينبغي لحجاج بيت الله الحرام ولعماره، أن يوطنوا أنفسهم لهذا الخير العظيم، وأن يستعدوا لكل ما ينفع إخوانهم ، وأن يحرصوا على بذل المعروف وكف الأذى ، كل واحد مسؤول عما حمَّله الله حسب طاقته ، كما قال سبحانه وتعالى: {فاتقوا الله ما استطعتم} [24] .أسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يوفقنا وجميع المسلمين لما فيه رضاه وصلاح عباده، وأن يوفق حجاج بيته العتيق وعماره لما فيه صلاحهم ونجاتهم ولما فيه قبول حجهم وقبول عمرتهم ولكل ما فيه صلاح أمر دينهم ودنياهم. كما أسأله سبحانه أن يرد جميع الحجاج إلى بلادهم سالمين موفقين مسترشدين، مستفيدين من حجهم ما يسبب نجاتهم من النار ودخولهم الجنة واستقامتهم على الحق أينما كانوا.
    كما أسأل الله أن يوفق ولاة أمرنا في هذه البلاد لكل خير، ولكل ما يعين الحجاج على أداء مناسكهم على الوجه الذي يرضيه سبحانه. وقد فعلت الدولة وفقها الله الشيء الكثير من المشاريع والأعمال التي تساعد الحجاج على أداء مناسكهم، وتؤمنهم في رحاب هذا البيت العتيق ، فجزاها الله خيراً وضاعف مثوبتها. ولاشك أن الواجب على الحجاج أن يبتعدوا عن كل ما يسبب الأذى والتشويش من سائر الأعمال، كالمظاهرات والهتافات والدعوات المضللة والمسيرات التي تضايق الحجاج وتؤذيهم، إلى غير ذلك من أنواع الأذى التي يجب أن يحذرها الحجاج. وسبق أن أوضحنا الواجب على الحجاج بأن يكون كل واحد منهم حريصاً على نفع أخيه وتيسير أدائه مناسكه، وأن لا يؤذيه، لا في طريق ولا في غيره. كما أسأله أن يوفق الحكومة وأن يعينها على كل ما فيه نفع الحجيج وتسهيل أداء مناسكهم، وأن يبارك في جهودها وأعمالها، وأن يوفق القائمين على شئون الحج لكل ما فيه تيسير أمور الحجيج، ولكل ما فيه إعانتهم على أداء مناسكهم على خير حال. كما أسأله عز وجل أن يوفق جميع ولاة أمر المسلمين في كل مكان لما فيه رضاه، وأن يصلح قلوبهم وأعمالهم. وأن يصلح لهم البطانة ، وأن يعينهم على تحكيم شريعة الله في عباد الله، وأن يعيذنا وإياهم من اتباع الهوى ومن مضلات الفتن، إنه جل وعلا جواد كريم ، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان.


  14. #14
    الصورة الرمزية أبو مصعب السكندرى
    تاريخ التسجيل : Apr 2007
    رقم العضوية : 22864
    الاقامة : أرض الله
    المشاركات : 3,739
    هواياتى : قراءة القرآن والخطب والدروس
    My SMS : ذا جلست للناس فكن واعظاَ لقلبك ولنفسك ولا يغرنك اجتماعهم عليك فإنهم يراقبون ظاهرك والله تعالى يراقب
    MMS :
    الحالة غير متصل
    معدل تقييم المستوى : 209
    Array



    من منافع الحج وفوائده

    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه ، أما بعد:
    فإن الله سبحانه تعالى شرع الحج لحكم كثيرة وأسرار عظيمة ومنافع جمة أشار إليها سبحانه في قوله عز وجل : {وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق . ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير . ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق} [1] ، فأوضح سبحانه في هذه الآيات أنه دعا عباده للحج ليشهدوا منافع لهم، ثم ذكر سبحانه منها أربع منافع: الأولى: ذكره عز وجل في الأيام المعلومات وهي عشر ذي الحجة وأيام التشريق. الثانية ، والثالثة ، والرابعة: أخبر عنها بقوله : {ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق}[2] . وأعظم هذه المنافع وأكبرها شأناً ما يشهده الحاج من توجه القلوب إلى الله سبحانه، والإقبال عليه، والإكثار من ذكره بالتلبية وغيرها من أنواع الذكر، وهذا يتضمن الإخلاص لله في العبادة وتعظيم حرماته والتفكير في كل ما يقرب لديه ويباعد من غضبه ، ومعلوم أن أصل الدين وأساسه وقاعدته التي عليها مدار أعمال العباد ، هي تحقيق معنى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله قولاً وعملاً وعقيدة.
    فالشهادة الأولى: توجب تجريد العبادة لله وحده وتخصيصه بها من دعاء وخوف ورجاء وتوكل وصلاة وصوم وذبح ونذر وغير ذلك من أنواع العبادة ؛ لأن هذا كله حق لله وحده ليس له شريك في ذلك لا ملك مقرب ولا نبي مرسل، كما قال عز وجل : {وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه}[3] ، وقال تعالى: {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء}[4] ، وقال تعالى: {فادعوا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون}[5] ، والدين هنا معناه العبادة وهي طاعته ، وطاعة رسوله عليه الصلاة والسلام، بفعل الأوامر وترك النواهي، ، عن إيمان بالله ورسله، وإخلاص له في العبادة، وتصديق بكل ما أخبر الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم رغبة في الثواب وحذراً من العقاب ، وهذا هو معنى "لا إله إلا الله" ، فإن معناها لا معبود حق إلا الله فهي تنفي العبادة وهي الألوهية بجميع معانيها عن غير الله سبحانه، وتثبتها بجميع معانيها لله وحده على وجه الاستحقاق ، وجميع ما عبده الناس من دونه من أنبياء أو ملائكة أو جن أو غير ذلك فكله معبود بالباطل ، كما قال الله عز وجل: {ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل}[6] . ولهذا الأمر العظيم خلق الله الجن والإنس وأمرهم بذلك فقال عز وجل : {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}[7] ، وقال تعالى: {يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون}[8] ، وعبادته سبحانه هي توحيده في ربوبيته وإلهيته، وأسمائه وصفاته وطاعة أوامره وترك نواهيه عن إيمان وتصديق ورغبة ورهبة، كما سبق بيان ذلك، وسمى الله سبحانه دينه عبادة؛ لأن العباد يؤدونه بخضوع وذل لله سبحانه ومن ذلك قول العرب : طريق معبد أي مذلل قد وطئته الأقدام، وبعير معبد أي مذلل قد شد عليه حتى صار ذلولاً ، وهذه المسألة – أعني مسألة التوحيد والإخلاص لله ، وتخصيصه بالعبادة دون كل ما سواه – هي أهم المسائل وأعظمها، وهي التي وقعت فيها الخصومة بين الرسل والأمم حتى قالت عاد لهود عليه السلام: {أجئتنا لنعبد الله وحده ونذر ما كان يعبد آباؤنا }[9] ، وقالت قريش للنبي صلى الله عليه وسلم لما أمرهم بالتوحيد : {أجعل الآلهة إلهاً واحداً إن هذا لشيء عجاب}[10] ، وقالوا أيضاً فيما ذكر الله عنهم في سورة الصافات: {أئنا لتاركوا آلهتنا لشاعر مجنون}[11] ، بعد قوله سبحانه : {إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون}[12] . فعلم بهذه الآيات وما جاء في معناها ، أن أهل الشرك يستنكرون دعوة التوحيد، ويستكبرون عن التزامها ؛ لكونهم اعتادوا ما ورثوه عن آبائهم من الشرك بالله وعبادة غيره. فالواجب على أهل العلم والإيمان ، وعلى أهل الدعوة إلى الله سبحانه، أن يهتموا بهذا الأمر ، وأن يوضحوا حقيقة التوحيد والشرك للناس أكمل توضيح، وأن يبينوه أكمل تبيين؛ لأنه الأصل الأصيل الذي عليه المدار في صلاح الأعمال وفسادها وقبولها وردها، كما قال عز وجل : {ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين}[13] ، وقال تعالى: {ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون}[14] .
    أما الشهادة الثانية: وهي شهادة أن محمداً رسول الله فهي الأصل الثاني في قبول الأعمال وصحتها وهي تقتضي المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم ، ومحبته وتصديق أخباره، وطاعة أوامره وترك نواهيه، وأن لا يعبد الله إلا بشريعته عليه الصلاة والسلام ، كما قال الله عز وجل : {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا}[15] ، وقال سبحانه: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم}[16] ، ولا هداية للصراط المستقيم ؛ إلا باتباعه والتمسك بهداه ، كما قال الله سبحانه وتعالى : {وإن تطيعوه تهتدوا وما على الرسول إلا البلاغ المبين}[17] . وقال عز وجل : {قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً الذي له ملك السموات والأرض لا إله إلا هو يحيي ويميت فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون}[18] ، وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى )) قيل يا رسول الله ومن يأبى؟ قال: ((من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى))[19] رواه البخاري في صحيحه. ويدل على هذا المعنى قول الله سبحانه وتعالى: {تلك حدود الله ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها النهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم. ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله ناراً خالداً فيها وله عذاب مهين}[20] . والآيات في هذا المعنى كثيرة. ومن منافع الحج وفوائده العظيمة أنه يذكر بالآخرة ووقوف العباد بين يدي الله يوم القيامة؛ لأن المشاعر تجمع الناس في زي واحد ، مكشوفي الرؤوس من سائر الأجناس ، يذكرون الله سبحانه ويلبون دعوته ، وهذا المشهد يشبه وقوفهم بين يدي الله يوم القيامة في صعيد واحد حفاة عراة غرلاً خائفين وجلين مشفقين، وذلك مما يبعث في نفس الحاج خوف الله ومراقبته والإخلاص له في العمل، كما يدعوه إلى التفقه في الدين والسؤال عما أشكل عليه، حتى يعبد ربه على بصيرة وينتج عن ذلك توجيهه لمن تحت يده إلى طاعة الله ورسوله وإلزامهم بالحق، فيرجع إلى بلاده وقد تزود خيراً كثيراً واستفاد علماً جماً ، ولا ريب أن هذا من أعظم المنافع وأكملها، لا سيما في حق من يشهد حلقات العلم في المسجد الحرام والمسجد النبوي والمشاعر ، ويصغي إلى الدعاة إلى الله سبحانه ويحرص على الاستفادة من نصائحهم وتوجيههم. وفي الحج فوائد أخرى ومنافع متنوعة خاصة وعامة يطول الكلام بتعدادها ، ومن ذلك الطواف بالبيت العتيق والسعي بين الصفا والمروة والصلاة في المسجد الحرام ورمي الجمار والوقوف بعرفة ومزدلفة والإكثار من ذكر الله ودعائه واستغفاره في هذه المشاعر ، ففي ذلك من المنافع والفوائد والحسنات الكثيرة والأجر العظيم وتكفير السيئات ما لا يحصيه إلا الله لمن أخلص لله العمل وصدق في متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم والاهتداء بهديه والسير على سنته ، وقد جاء في الحديث عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: ((إنما جعل الطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله))[21]
    وأسأل الله عز وجل أن يصلح أحوال المسلمين جميعاً وأن يمنحهم الفقه في دينه ويتقبل منا ومنهم، وأن يولي عليهم خيارهم ويصلح قلوبهم وأعمالهم ، وينصر دينه ويخذل أعداءه إنه سميع قريب ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه

  15. #15
    الصورة الرمزية أبو مصعب السكندرى
    تاريخ التسجيل : Apr 2007
    رقم العضوية : 22864
    الاقامة : أرض الله
    المشاركات : 3,739
    هواياتى : قراءة القرآن والخطب والدروس
    My SMS : ذا جلست للناس فكن واعظاَ لقلبك ولنفسك ولا يغرنك اجتماعهم عليك فإنهم يراقبون ظاهرك والله تعالى يراقب
    MMS :
    الحالة غير متصل
    معدل تقييم المستوى : 209
    Array



    الكريم عاشق البيت
    شاكر لك تواجدك الرائع . .^_^ هات الصندوق وتعالي أنا في انتظرك
    بارك الله فيك

صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. [تصميم] طوارئ مُصَمِم في ورطة..^_^
    بواسطة To0ofy في المنتدى ورشة الرسم والتصميم
    مشاركات: 401
    آخر مشاركة: 24-11-2010, 09:36 AM
  2. __ (( طرائف من الحج )) __
    بواسطة zadi في المنتدى اســتراحـة الــدرر
    مشاركات: 15
    آخر مشاركة: 22-11-2010, 05:17 AM
  3. الحج أفضل أم الصدقة ؟
    بواسطة أبو مصعب السكندرى في المنتدى الــدرة الإسـلاميـة
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 15-10-2010, 08:11 PM
  4. الزفة الفلسطينية
    بواسطة وردة وردية في المنتدى درة حــــــواء والطفل
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 04-10-2010, 02:34 PM
  5. » لقاء مع الصائمه " أموله "
    بواسطة » رَحيْـقّ " في المنتدى اســتراحـة الــدرر
    مشاركات: 16
    آخر مشاركة: 05-09-2010, 12:27 AM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة واحة الدرر 1432هـ - 2011م
كل ما يكتب في هذا المنتدى يمثل وجهة نظر كاتبها الشخصية فقط