[ALIGN=CENTER] هل آلمكِ الحلم يا صديقتي: الرسالة الأولى
هل آلمكِ الحلم يا صديقتي: الرسالة الثانية

......[/ALIGN]

أجدني أكثر ارتباكاً من ذي قبل فكل شيء لا يبدو مستقراً..
تذكرني هذه الأيام - برغم البون الشاسع- بأمس بعيد, عندما كانت نوّارة الدنيا تحاول أن تجعلني أفهم أني لم أعد طفلة, وأن هناك حدوداً كثيرة يجب ألا أتعداها, هذا بالطبع بعدما اكتشفت ما استطعتُ إخفاءه عنها لمدة خمسة أشهر, عندما وشت بي صديقتي التي تكبرني بخمسة أعوام فورما علمت بهذا السر, في ذلك الحين ندمتُ كثيراً على مصارحتها به, وعندما واجهتها بخيانتها قالت لي أن هذا كان في مصلحتي, وأن أمراً كهذا لابد من أن تعلم به أمي, فانصرفت عنها وقد عزمتُ أمري على ألا أعدّها صديقة بعد اليوم, فليست إلا واحدة من أولئك الكبار الذين يدّعون معرفة كل شيء.

ما أشبه اليوم بالأمس البعيد يا صديقتي, فـ فيهما كنت أتمنى أن يبقى كل شيء كما هو..
بالأمس كرهت أن أرى كل التغيرات التي طرأت على جسدي, وكل الاضطرابات التي أحسستها في شخصي, كرهت أن أتغير وتتغير مطالبي ويستنكر كل الناس ذلك, كانوا يتناسون أنني أكبر إلا عندما تكون تلك الحقيقة تخدم آراءهم الشخصية والتي لا تعجبني دوماً..

واليوم أشعر بغصة تخنقني, عرفت أني أخشى التغيير كثيراً يا صديقتي, وأكره الابتعاد أكثر, لست نادمة .. لا, لكن مؤلم أن أبتعد عن هذا المكان يا صديقتي, مؤلم أن تمر الأيام وأنا أجهل تفاصيل ما يحصل في هذا البيت الذي احتضنني عمري, مؤلم أن أستيقظ كل صباح ولا أرى نوارة الدنيا تتنقل بين حجر أخوتي توقظ هذا وتلبس ذاك, مؤلم أن أستقبل الغداء وأبحث عن رب الحنان على رأس المائدة ولا أجده, مؤلم أن يكبر الصغير المشاكس دائماً وأنا عنه بعيدة, ويفوتني ما يقترفه من شقاوة تضحكنا جميعاً أولاً ثم تغضب نوارة الدنيا ثانياً, مؤلم أن يسقط الضرس الأول للعبقري الصغير ولا يجدني قريبة منه ليأتي مسرعاً يخبرني بأنه كبر سنة, وأنه بعد سنة أخرى سيظهر له شاربين, مؤلم أن يحلق الرجل الصغير شعر وجهه لأول مرة ولا أكون أول من يلاحظ هذا, مؤلم أن يطيل مراهق بيتنا السهر خارجاً ولا أكون أول من يستقبله بالعتاب واللوم, ومؤلم حد البكاء أن يعتادوا كلهم على غيابي.

ما أشبه اليوم بالأمس البعيد يا صديقتي, فيهما أجبرت على أن أطلق سراح حمائم أحلامي قبل الأوان, لتحلق في سماء ليست سمائي, تبتعد ولا تعود..
ففي الأمس لم أعرف أني كبرت إلا بعدما أبصرت الحدود التي حكت لي عنها نوارة الدنيا, واليوم عرفت معنى أن أكون امرأة متزوجة..
تعلمين يا صديقتي بأني لست مثل صديقتنا التي استعجلت أمر الزواج لتنطلق وتعيش حياتها بحسب ما تقول, لم أكن أنظر للزواج كما كانت تنظر إليه, أنه تحرر من كل القيود, لكن كانت لي بعض الطموحات التي تكسرت على صخرة من الرفض المبرر بتبريرات لم تقنعني كفاية..
أن أكون زوجته التي تحبه هل هذا يعني أن ألغي نفسي تماماً ولا أعدو كوني جزءاً منه ومن كيانه؟
أن أكون شيئاً ما أريده هل هذا يعني أنني سأنشغل عنه حتى أكاد أكون لستُ موجودة؟
لماذا لا تجربني؟ - سألته كثيراً- ستكون التجربة صعبة - هكذا يجيبني- ثم يستدرك أنا أخبركِ بهذا القرار الآن لأعطيك فرصة للتراجع ..
- يا لذكائك يا رجل تعرف أنني لن أفعل!
- وتعرفين أني لن أدعكِ تفعلين..
- كيف ستمنعني؟
- سأعطيكِ الفرصة لتكوني ما تريدين..
- أن أكتب؟
- نعم..
- وماذا عن قرارك هذا؟
- سأرجئه لأجلك..
- ولماذا لا يكون منذ البدء؟
- فقط لا أدري!
لا يدري !
أردتُ أن أسأله من يدري إذاً؟ إلا أني تراجعت لأني علمت يقيناً أنه لا يملك إجابة..
بدا لي هنا كالطفل الذي يريد الاستحواذ على كـــــــل شيء, هكذا هم الرجال في وطني يا صديقتي يريدون أن يكونوا المسيطرين دائما, وتعودن هن أن يقبلن بذلك دون اشتراط للاقتناع.

يا للرجل يا صديقتي, كان أول من شجعني على الاستمرار, كان أول من أركض إليه بما كتبت لأضعه بين يديه وأتنحى ويدي على قلبي مثل عصفور يرتعش إنهاكاً وتعباً, أرقب ملامحه التي تقرأ بوحي بصمت..
والآن أول من يقف في وجه ذاك البوح إلا إن كان كتب لينام بسلام في كنف الأدراج.
ثمة شيء لا يمكنه السيطرة عليه, ذلك هو دافعه لاتخاذ مثل هذه القرارات القاتلة!
لهذا أجدُ له العذر, وأحبه أكثر وهو يجرب قوته, ويختبر حبي له, أحبه أكثر وهو يظهر أمامي مثل باقي الرجال .. رجلاً يأمر وينهى.. ينطلق في المقدمة دائماً وإن لم أكن بجانبه لن يرضى أن أكون أمامه.


إني اخترت ألا أزعجه بهذا في الوقت الحاضر على الأقل, فالأمر بدا مثيراً لقلقه وغضبي, سأدعه للأيام, لكني لن أستعجل على إطلاق سراح هذا الحلم باكراً, سأحفظه وأبقي عليه, فقط لأنتظر ربما لم يحن الموعد بعد.

والآن لستُ غاضبة ولا حزينة, إلا أني أشكو لأحلامي ما ترتكبه في حقي من وجع مضنٍ وأعطيها موثقاً أن لنا موعد مع النور ذات إشراق .. فلتكن معي من المنتظرين.

ولننتظر أنا وأنتِ الجديد.
صديقتك:
الشمس