[ALIGN=CENTER] هل آلمكِ الحلم يا صديقتي: الرسالة الأولى[/ALIGN]
....
الآن عرفت أن رب الحنان –أبي- نادم, ونادم جداً !
لم أكن أغفر لنفسي أنني تسببت له بكل هذا القلق, حتى وإن كان في نظري قلقاً غير مبرر..
هو لم يقل شيئا فهو حنون حد الخوف من خدش مشاعري, لكني لا أخطئ فهمه أبداً..
لطالما رأيتني في عينيه..رب الحنان الذي أشبهه كثيراً, لطالما استطعت فك رموز خطوط تظهر على جبينه..
رب الحنان الذي أشبهه كثيراً كان عندما ينهكه التفكير يلقي برأسه على كفه وهناً وهماً, ويسقط في قلبي حزناً عظيماً يجعلني أعتصم حجرتي أندب حظه, وأصلي لله أن يجلي من حياته كل هم حتى وإن تطلب الأمر أن يبدله حياة لستُ فيها, فقط ليحيى سعيداً..
عندما رفض فكرة الارتباط الغير آمن على حد قوله, فموعد حفلة الدخلة التقريبي كان بعيداً جداً بزعمه, قاومت وكعادتي عدتُ للعب دور "البنت العنيدة" كما يحلو له تسميتي, أخبرته أن ما يرفضه أكثر أماناً من وهم ارتباط أعيشه دون معنى حقيقي, فأنا لا أريد سواه, وبكيت.. عندها استسلم رب الحنان ووافق على مضض.
بعدما تم كل شيء جلست أمامه وسألته: أسعيد من أجلي يا أبي؟
- أسعد عندما أراكِ سعيدة "ماما"- هكذا أبي يخاطبني-
- أنا سعيدة, لكنها ستكون تجربة جديدة, لذا أشعر بالرهبة..
- جديدة علينا كلنا .. كبرتِ كثيراً ..
- أدعُ لوحيدتك بالتوفيق لتكون التجربة الأولى والأخيرة ناجحة ..
- سأدعو أن يتمم لكِ الله بالخير, لن أحتمل فكرة عدم تحملي للأمانة بأي شكل من الأشكال.
- ماذا تقصد؟
- عندما كنت صغيراً سمعت جدي المزارع يقول لأبي المقاتل ذات مرة:
إن الفتاة مثل اللينة الصغيرة, عندما تجتثها من جانب أمها, عليك أن تبحث لها عن مكان مناسب جداً لغرسها فيه وإلا لن تعمر طويلاً.
- أنت إذاً تحملني هماً!
- أنتِ وأخوتكِ الصبية أكبر هم.
- إذاً لن ألوم أمي بعد اليوم إن غضبت وتمنت لو لم تنجب!
- اعتدتُ يا ابنتي أن أصم أذني عما تقوله أمكِ وقت الغضب.
-أحبك يا أبي .
وأمسكتُ يده لأقبلها, مشاعر هادرة غاص بها فؤادي تلك اللحظة, لم تكفني تلك القبلة أبداً, بل إني أرحت خدي على كفه لحظات.. أنفاسي كانت ثقيلة وحارة.. دمعة انسابت دون وعي مني ورطبت تجاعيد كفه, وتعلمين يا صديقتي أن الدموع هي الفاصل الوحيد بيني وبين كل الناس, لذا أفلت يده وصعدتُ إلى غرفتي أسابق سؤاله الذي توقعت.
دعيني أخبرك بشيء لم أصارح به أحداً قبلك, أشعر بثورة غريبة, ليست جديدة لكنها متفردة, لا أرجعها إلى ندمٍ, ولا إلى خوف ولا حتى فرح مجرد..
أرأيت الأم التي تحمل جنيناً في أحشائها وهناً على وهن, عندما تستشعره كائناً تهبه الحياة, عندما تستشعره نبضاً وحباً, وتظل تراقب بطنها التي تنتفخ وكائن بها يكبر, ومنذ البدء أشياء كثيرة فيها قد تغيرت استعداداً لاحتواء حياة جديدة..
هكذا أنا, منذ متى وأنا أحمل هذا الحب بين حناياي وأرعاه بصمتٍ رؤوم, عذبتني الآمال طويلاً يا صديقتي, أثقلت حملي وامتصت مني الكثير لتغذي هذا الحب الحلم لينمو حتى اللحظة التي يصطبغ فيها بألوان الحقيقة, وهذا هو سر وقوفي أمام رب الحنان والإصرار على رأيي, ربما لأني لا أريد أن أفرط بأي لحظة يمكن لها أن تكون ميلاداً لحلمي..
فمن ظن أن الطامحين يعيشون حياة السعداء مخطئ يا عزيزتي..
كل من يحمل حلماً كمن يحمل هماً لا فرق بينهما, فالحلم هم ثقيل جداً, والحالم يرى أن حياته لن تكون إلا به, والطـَـموح الذي يحمل شمساً من الآمال في صدره لن يترك لموت الحلم قبل ميلاده أي احتمال, لذا عز عليه إغماض جفن يطفئ النور في عينيه..
تخيلي معي أنكِ تسيرين على طريق طويل عرفتِ مسبقاً أن سوراً عالياً يقطعه, ومع هذا تستمرين في السير فيه ليس لأنكِ لا تعرفين طريقاً غيره, بل لأنكِ لا تريدين سواه, تسيرين عليه وكل أملكِ وضعتِه بالله أن يرسل صاعقة من السماء تدمر هاك السور فيفتح الطريق من أمامكِ..
ولا عجب أن ينذر الإنسان نفسه لفكرة, حلم, أو مبدأ مادام أن إخلاصه لأي منهم يهبه القوة والثبات, وإيمانه بقدرة خالقه تزيد ثقته رسوخاً ..
ففي كل الأيام التي مضت يا صديقتي لم أعلق أملي بغير الله ولم أرجُ سواه, كان الأمر يبدو مستحيلاً ومع هذا لم أهن يوماً عن التمسك بالحب الحلم حتى عندما كان ملك الشمس يحاول إثنائي عن عزمي شفقة بي وبقلبي, كنتُ أسخر منه كلما بدأ في ذلك, فلم أرَ أن الأمر يستحق حتى مجرد الغضب, ربما كان لمظهره وهو يتقمص شخصية المهرج الذي يحبس دموعه في عينيه كي لا تسيل وتسيح ألواناً اصطبغ بها وجهه لترسم عليه تلك الابتسامة والملامح البلهاء!
تزيدني تلك المحاولات إصراراً وحباً له, لما أراه من ضعف يضرب حجرتين في صدره يطلب شرارة يشعل بها قنبلة موقوتة تقضي على كل ما كان!
واليوم سأذكره بتلك الأيام, بإحباطاته, ومحاولاته لتقمص دور الحبيب الذي يضحي بحبه من أجل حبيبته, سأذكره بكل هذا لنضحك سويا.
فترقبيني.
صديقتك: الشمس