اسم السورة قد أخذ من قضية أساسية في الدين وهي الإيمان بالبعث .. والإيمان بالبعث هو أساس الدين .. فمن لا يؤمن بالآخرة والبعث والحساب يفعل ما يشاء في الدنيا دون وازع .
لأنه مادام ليس هناك بعث تصبح الدنيا غابة ويصبح الدين بلا مفهوم .. لأن أساس العبادة هو أن الحياة الحقيقية في الآخرة ..
وأن الدنيا هي دار اختبار ودار أغيار .. أما الآخرة فهي دار نعيم مقيم .
ففي الدنيا إما نفارق النعمة وإما تفارقك.. تفارقها بالموت.. أو تفارقك بأن تزول عنك.
القصة أن رجلا من بني إسرائيل كان ثريا يملك المال الكثير ولم يكن له ولد يرثه فتآمر عليه ابن أخيه فقتله ليلا ثم أخذ الجثة وألقاها في مكان قريب من إحدى القرى المجاورة ليتهم أهل هذه القرية بقتله وصحا أهل القرية ليجدوا جثة القتيل على باب قريتهم واتهموا فيه وقالوا لم نقتله.
وقال أقارب القتيل بل أنتم الذين قتلتموه . واحتدم الخلاف وذهبوا إلى موسى عليه السلام وقالو : إن الخلاف قد احتدم فاسأل لنا ربك أن يكشف لنا عن القاتل وجاءت القصة :
قال تعالى :
"وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً قَالُواْ أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً قَالَ أَعُوذُ بِاللّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (67)قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لّنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُواْ مَا تُؤْمَرونَ (68)قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاء فَاقِعٌ لَّوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ (69)قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ إِنَّ البَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّآ إِن شَاء اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ (70)قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ ذَلُولٌ تُثِيرُ الأَرْضَ وَلاَ تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لاَّ شِيَةَ فِيهَا قَالُواْ الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ(71) وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللّهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ (72)فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (73).


وهكذا نرى أن الله سبحانه وتعالى أمر بني إسرائيل أن يذبحوا البقرة ولو أنهم ذبحو أية بقرة واخذوا بعضا منها ليضربوا به القتيل لعادت الحياة إليه ونطق باسم قاتله ولكنهم بدلا من أن يستقبلوا أوامر الله بالتنفيذ استقبلوها أولا بعدم التصديق و " قالو أتتخذنا هزوا " وظلوا يشددون على أنفسهم بطلب أوصاف البقرة حتى جاء الإيضاح من الحق تبارك وتعالى بعمر البقرة ولونها وكل ما يخصها .
وكان لهذا حكمة عند الله سبحانه وتعالى لخدمة قضية إيمانية أخرى وقد كان هناك رجلا صالحا من بني إسرائيل يتحرى الدقة في كسبه ولا يرضى إلا بالحلال وكان رجلا يبتغي وجه الله في كل ما يفعل وعندما حضرته الوفاة كانت ثروته هي بقرة صغيرة وكان ابنه طفلا واحتار الرجل من يوصي على هذه البقرة التي هي كل ثروته التي تركها لابنه وزوجته واتجه إلى الله سبحانه وتعالى وقال : اللهم إني استودعك هذه البقرة فاحفظها لابني حتى يكبر لأنه لم يجد أمينا على ابنه إلا يد الله سبحانه وتعالى ثم قال لزوجته إني لم أجد يدا آمن من يد ربي استودعته البقرة الصغيرة وسألته زوجته أين البقرة ؟ قال أطلقتها في المراعي ثم أسلم الروح .
وكبر الابن فحكت له أمه ما حدث فقال الابن وأين أجد البقرة لأستردها قالت الأم لقد أستودع أبوك البقرة عند خالق الكون فقل إني توكلت على الله وابحث عنها فقال الابن : اللهم رب إبراهيم ويعقوب رد علي ما استودعك أبي ثم انطلق إلى الحقل فوجد البقرة وكانت هذه هي البقرة التي ذكر أوصافها لبني إسرائيل فذهبوا ليشتروها فقال الابن لن أبيعها إلا بملء جلدها ذهبا فدفعوا له .
وعندما ذبحوا البقرة ضربوا ببعضها القتيل كما أمرهم الله سبحانه وتعالى فإذا به يبعث وينطق اسم قاتله ثم يموت مرة أخرى وهكذا سميت السورة باسم سورة البقرة إثباتا لقضية أساسية في الدين وهي قضية الإيمان بالبعث
الحمد لله على نعمة الإسلام وكفى بها نعمة .