- الإهدائات >> ابوفهد الي : كل عام وانتم الي الله اقرب وعن النار ابعد شهركم مبارك تقبل الله منا ومنكم الصيام والقيام وصالح الأعمال والله لكم وحشه ومن القلب دعوة صادقة أن يحفظكم ويسعدكم اينما كنتم ابوفهد الي : ابشركم انه سيتم الإبقاء على الدرر مفتوحة ولن تغلق إن شاء الله اتمنى تواجد من يستطيع التواجد وطرح مواضيع ولو للقرأة دون مشاركات مثل خواطر او معلومات عامة او تحقيقات وتقارير إعلامية الجوري الي I miss you all : اتمنى من الله ان يكون جميع في افضل حال وفي إتم صحه وعافية ابوفهد الي الجوري : تم ارسال كلمة السر اليك ابوفهد الي نبض العلم : تم ارسال كلمة السر لك ابوفهد الي : تم ارسال كلمات سر جديدة لكما امل ان اراكم هنا ابوفهد الي الأحبة : *نجـ سهيل ـم*, ألنشمي, ملك العالم, أحمد السعيد, BackShadow, الأصيـــــــــل, الدعم الفني*, الوفيه, القلب الدافىء, الكونكورد, ايفا مون, حياتي ألم, جنان نور .... ربي يسعدكم بالدارين كما اسعدتمني بتواجدكم واملى بالله أن يحضر البقية ابوفهد الي : من يريد التواصل معى شخصيا يرسل رسالة على ايميل الدرر سوف تصلني ابوفهد الي : اهلا بكم من جديد في واحتكم الغالية اتمنى زيارة الجميع للواحة ومن يريد شياء منها يحمله لديه لانها ستغلق بعد عام كما هو في الإعلان اتمنى ان الجميع بخير ملك العالم الي : السلام عليكم اسعد الله جميع اوقاتكم بكل خير ..
إضافه إهداء  

آخـــر الــمــواضــيــع

النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: ((فَلْسَفَ ثمَ أنقضَ...ثمَ لا عقمٌ و لا حملُ))

  1. #1
    تاريخ التسجيل : Sep 2002
    رقم العضوية : 1038
    الاقامة : المنفى
    المشاركات : 132
    هواياتى : Golf
    MMS :
    الحالة غير متصل
    معدل تقييم المستوى : 22
    Array

    ((فَلْسَفَ ثمَ أنقضَ...ثمَ لا عقمٌ و لا حملُ))




    "صدر الفرات ارتفع شايل اهموم الناس
    غطى الجثث بالدمع ...بين الورد والياس
    يشرب تتن للصبح...جمرة الشمس بالكاس
    حزين النهر يتلقه الجثث بالليل
    حزين او خايف الجرفين ظلمة او ويل
    حزين
    الموت بعيونك و لا وصيت
    اعرف ضميرك
    قمر
    يشيلك مد ...حنين
    الياخذ اكفوفي
    شراع اول سفينة
    امن الفرح
    وجيت"

    في اليوم الأول من التحقيق كان داود واقفا عند الباب ممسكا بصدريته البيضاء وسماعته الطبية..و الركلات تأكل من خاصرتي وجبات دسمة...افقد الوعي و أعود لوعيي فأجدني ما زلت على نفس الكرسي وما زال نفس المحقق هو هو نفسه ..كم مضى من الوقت؟ ..انحنى يزيح شيئا من رطوبة الدماء...ربت على رأسي و مضى..لم يكلمني...
    هل عرفتم يا ترى بما حصل لي؟

    في اليوم الثاني..غطى الحاج جمعة بعباءته الموشاة بخيوط ذهبية باب غرفة التحقيق التي يفتحونها كي لا تزعجهم رائحتي بعد قذارة أسبوع بدون استحماما ودماء متصببة تجف و تعاود النفور من كل جسمي
    كنت ليليا أتحسس خساراتي الجسدية فكنت اخطأ كل مرة فقررت أن اعد ما تبقى صالحا بي..ابتدأت بأنفي..يا الله انه متورم كأنف مهرج...هذا من ضمن الخسائر لا تركه..يبدو انه كسر..

    في اليوم الثالث..كانت أمي ...أمي ..منحتني صلابة و جعلتني أقول كل ما قلت و أعدت سبابا و شتما بإصرار...
    لم أبالي بوجع الخاصرة..كانت تقف ملتفة بعباءتها..و كانت سببا في أن ابكي ويصرخ بوجهي المحقق :

    - ها؟ يا مخنث..قمت تبكي مثل النسوان ؟.. إذا مو قدها..ليش تحكي....؟
    - انته مخنث ابن مليون مخنث ومن سابع ظهر ..

    أتتني قبضة كالجحيم اطارت صوابي فأقع أنا والكرسي إلى الأرض...لا ادري ما حجم قبضته النذل...لكن يبدو انه تمرس على تلقيمها لمن هم مثلي...حتى انه تمرس على ضمها بطريقة لا ادري كيف تتحد الأصابع فيها فتبدو شيئا واحد ذو نتوء يذهب إلى العين مباشرة و لابد ان يظفر بنافورة بعد الانتهاء من الضربة وإلا يعتبرها ضربة فاشلة و عليه ان يعيدها..

    جئتني أنت في اليوم الرابع من التحقيق..كنت تنظرين لي بدموع و نشيج و حزن و انكسار...يا الله كم تضاءلت مقاومتي...تضاءلت لمرآك أنت.....لم يعد بإمكاني التفوه بشيء...
    قتلت مقاومتي يا رجوة..لم يعد ممكنا أن أناوش معه في السباب...انتهيت...هم يريدون إلصاق اكبر عدد من التهم بي..لإيصالي إلى الإعدام...
    طيب بإمكانكم أن تعدموني..و لا تحتاجون لأعذار..لكن الماسوكية التي فيكم اكبر من أن تجعلكم تقاضون شخصا بدون تعذيبه حتى لو كان سرق عود ثقاب...كم تفلسفت أمام سياسة التعذيب وكنت أؤمن بها بشدة قائلا لك ان مبدأ العقاب والثواب منزل من الله...لكن يا ترى هل هذا عقاب...؟ وأين الثواب يا ترى؟
    اعترفت..قلت إننا كنا نزمع الهرب...و لم نكمل خدمتنا العسكرية...
    - هل كنتم اكثر من اثنين؟
    - لا
    - الأوراق التي معكم...من أين أتيتم بها؟
    - لا ادري
    أتتني ركلة..ركلة أفقدتني إحساسي بالعالم..ألم يشبه ألم الختان حين كنت أتحسر على التبول عندما قرر الحاج جمعة ختاني بعد أن بلغت السادسة...
    ركلني النذل..كادت روحي تزهق مني...حفظت وجهه جيدا..سألاقيك...ثق سألاقيك.. لا تخف..لن اقتص منك...أبدا..سأهينك فقط
    - صديقك ...؟
    - ما به؟
    - طالب دكتوراه؟
    - نعم
    - من السماوة؟
    - نعم
    - وين كنتم رايحين ؟
    - حالنا حال خلق الله..خارج الوطن
    - شوف ....لا تتشاطر..احكي عدل...
    نظرت بشبه وضوح...لان عيني اليمنى كانت تنز دمعا أو دما..لا ادري..لكنها كانت اضعف من أن تؤدي واجب الرؤية...و لزوجة الدماء تجعل من الصعب ان افتحها جيدا..وأنا أصلا لم أحاول...
    - شوف وليدي..انته احكي كل اللي عندك..احسن ما تروح إلى سجن الراشدية وهناك يعرفون شلون يطلعون حليب أمك أل(...) من عيونك
    - أمك هي أل (....)
    - لا يا كلب....
    وضربني للمرة الألف...ضربة هذه المرة أوجست خيفة منها ان تبعثر أرجاء جمجمتي
    - نائب عريف؟
    - نعم سيدي؟
    - تعال...اخذ ابن الكلب هذا ابن العاهرة...خليه يمتع ناظريه بسجن الراشدية..و بالله خلوه يسبح و انطوه وجبة عشاء قبل لا تودونه..ما أريد أشوف خلقته باكر
    جروني ككلب...حقا لم اكن أقوى على النهوض...ألم في كل مكان..كنت كسجادة فارسية في كل جزء نقش يبهرك و متقن في حياكته...كانت النقوش التي علي أقسى من ان تنقش...
    في سجن الراشدية..فقدت ميزة عد الأيام..و التمييز بين الليل والنهار...و حتى ان أكون بشرا..أردت لله ان يحولني في لحظة إلى نملة كي يسحقونني و أموت بأقل عدد من العذابات...
    كان جسمي يأن و روحي تأن...
    تذكرت أمي...ماذا لو كان الحاج جمعة حيا..لكان مات..فكرت ببساطة...
    انا أناني ...حين فعلت ما فعلت..أناني جدا..جراح أمي ما تزال طرية على داود و مرتضى و والدي فجئت لاحقق حلما...لكن على حساب قلبها هي..
    والله يا أمي لم يعنيني شيء سواك أنت و رجوة...
    بدأت جلسات التعذيب بالكهرباء...والتي بعدها انتهي كشيء مقيت...كقمامة...تتبول عليها الكلاب...أحس إنني خرقة صرت..إنسان و لا إنسان..اسطر أوجاعي واعدها...و أقول هانت.. ستهون..ماذا بعد الموت ..لا شيء..لكنني لا أموت..الهي..." أما موت يباع فأشتريه فهذا العيش مما لا خير فيه" لله درك أيها المهلبي كيف صغتها..هل يا ترى كنت تخضع للتعذيب..يا الهي ماذا يريدون بعد..قلت كل ما عندي...و حبيب مات..أو ربما الآن الكلاب متخمة من كثرة ما نهشت بلحمه
    يا ترى هل حملوه؟
    هل بعثوا به لاهله؟
    لا أظن
    في ليلة باردة..ترى هل كانت باردة...؟ صيفا أو شتاء.. لا اعلم...فتح الحارس الباب..بهدوء..كنت مكوما فوق بولي و كل قذارتي الآدمية..و انعم بنوم أو غيبوبة أو انفصال عن الوجود...لا ادري ما شكل هذا المكعب الذي انا فيه فقد كانوا يأخذونني منذ الصباح للاستجواب و لا تتأتى لي فرصة لمعرفة تفاصيل مكاني.. و لا أعود إلا بإغماء لا أفوق منه إلا والظلام يلف كل أرجاء المكان (الغرفة؟)(السجن؟)(التوقيف؟)..أ ظن
    فتح الحارس الباب...بخوف ومهل ..و حذر...
    - عمي انتة منين؟
    - من السماوة..الرميثة
    - شسمك؟
    - كريم
    - تريد أودى طارش لاهلك؟ بلكت يجون يشوفون لك حل؟...ترى والله قلبي انكصر عليك...انة هم عبد مأمور..
    خرجت مني كلمات تأتأة كسكير تعته السكر...كلمات اعتقد ان غيري من لفظها..كانت يدي تتحسس بقعة لزجة على الأرض..ربما هي دمائي...
    - والله عمي انتة و مروتك...
    - خوش ....انطيني اسمك الكامل
    - عبد الكريم جمعة سلمان ..من الرميثة...بس اسأل هناك..كل الناس تعرفنا...
    - عمي لا تخاف..ترى يقولون انتة محكوم بس ينتظر حكمك التوقيع...يقولون إعدام بس ما أظن ..لا تخاف وليدي لا تخاف..
    - إعدام؟ها؟ وما تريدني أخاف؟..خلف الله عليك..بعد شلون ما أخاف..
    - يا عمي إذا انتة ما خليت واحد ما سبيته...زين إذا بس عدموك
    - شلون؟ ليش هو شنو اكو ورا الإعدام؟
    - الله اعلم...بس بلكي تتخفف إذا عندك واسطة و فلوس.. وتصير حكم مؤبد...عاد اسمك تبقى حي ما تموت
    أسرع بالخروج....أحسست ان هناك باب فرج...فتحه هذا الرجل...بطيبته وخوفه..و ربما ندمه..لانه كلمني..لكنه اختار ساعة بعد ان ينام القميئين بعد سكر يعتعتهم....
    استمر التحقيق..و استمر التعذيب...شهر؟ ربما..لا ادري..لكن بعد ان وعيت ..حسبت الأيام فوجدتها ثلاثة و ستون يوما بتمامها و كمالها...63 يوما بليلها و نهارها..و هم يغذون ماسوكيتهم بي..تفننوا وتدربوا..على جسدي بكل شيء..كل طريقة جاءت إلى بالهم مارسوها..كنت كالطفل..يركلني أحدهم يمنة فيتلقفني الآخر يسرة...ولم اكن أرد إلا حين يأتي ذكر أمي ..فأسبهم واشتمهم...فيزدادون عنفا ..و افقد الإحساس بالألم..و يفقد لساني قدرته على النطق ..فأعود لزريبتي مثقل بالدماء...والألم...واللزوجة الرطبة
    جاءني أبا لطيف و ليته لم يجيء..لماذا اختار هذا العجوز ان يخبر أبا لطيف؟ اعرف قسوته وحبه للانضباط ..خصوصا فيما يمت للحكومة بصلة..فأجيء انا أباغتهم بهروبي من الجيش و من عبر الحدود...
    تلقفني..بأول عبارة جرحتني ..

    - يا جبان...تهرب؟ ولك ليش؟ لعد لو شايف الحرب مال إيران شسويت..لو شايف الجبهة..ولك خدمة عسكرية عادية لا حرب و لا كر و لا فر...و تهرب؟ يا جبان ..ليت أمي خنقتك عند الولادة...

    ((هم أخرجونا من الأوطان عن حنق
    و زحزحونا عن الجيران من ضغن
    فكم لقينا على الأمصار من فند
    و كم تركنا لدى الكفار من فدن
    واها واها يموت الصبر بينهما
    موت المحامد بين البخل والجبن
    و جنة خل أهل النار ساحتها
    لم يغن حمل القنا عنها و لا الجنن))

    لم اكن أستطيع ان انطق..انعقد لساني .. وقتل كل الشوق بداخلي لمرأى أي أحد منكم..لكن أبو لطيف ...؟ لا

    - اسمع يا جبان..يا باحث عن الحرية...سوف تموت كالكلب...مو عبالك راح أزورك..لو ادفعلك فلوس و تطلع..لا أبدا ..شيلها من بالك..ادفع ثمن غلطتك...و صير رجال ...
    - أبو لطيف..ماكو داعي لها لكلام...اللي صار صار...انة محكوم بالإعدام
    - إلى جهنم...قابل انتة احسن من دكتور داود لو مرتضى "أبو نغم" اللي خلى وراه طفلة بحاجة لأب..موت مثل كلب...اشرف لك..اخذ نصيحتي..وإذا تريد مسدس أجيب لك وارمي نفسك...صير رجال وانتحر يا جبان يا هارب....
    سكتت..دمر كل محاولة مني للنقاش أو حتى للتوسل...اغلق منفذا كنت أظن ان بإمكاني العبور إليه..لكنه بقسوته وحبه للانضباط...أدى ما جبلت عليه شخصيته فقط...تعلم هذا من الإنكليز الذين عاشرهم 8 سنوات
    - ابريني الذمة والله وياك خوية نعيم....الى هنا و خلصت الاخوة
    - الى جهنم يا نذل..ولك ما فكرت بينا..ما فكرت بأمك..بأخواتك..ولك احنه ناقصين؟ مو اللي بينا مكفينا و زايد...ليش ظليت طفل لاخر عمرك...آنا عبالي كبرت...بس طلعت غلطان..شوف كريم.....ما اوعدك بشي..لاني أريدك تأخذ جزاك..انتة غلطان...بس ..راح اخبر أمي..وإذا ماتت فذنبها برقبتك انتة حي أو ميت...سمعتني..
    قتلني بهذه الكلمات..كانت أقسى من كل التعذيب...بكيت..لا ول مرة بكيت..رغم كل الألم ..الذي مررت به..لم ابكي...لكن نعيم..جعلني ابكي و بحرقة...
    قلت..
    - لا داعي....
    انصرف نعيم...و الغصة تملأ صدري.. وبكاء استسكن عيوني دموعا...بكيت لمثاليته التي لم يستطع التخلص منها حتى في احلك لحظات احتياجي له...
    بعد شهر..كانت هناك..محكمة..لم اعرف ماذا فعل نعيم..هل اخبر أمي..هل ماتت..هل انتهى العزاء.. وفوطتها..أين أصبحت..أريدها...و رجوة عند من صارت الآن..عند نعيم..أم مهند..لوحدها في البيت..ستجن..بالتأكيد...
    جاء الحرس...اخبرني ان المحكمة العسكرية ستعقد غدا صباحا ..يالله...محكمة..محكمة..بس خلي اطلع من هالزريبة هاي..
    ما ان دخلت الى قاعة المحكمة....كان هناك ..نعيم..جالسا ببدلته الرمادية و ربطة عنقه الأنيقة و حليق الذقن ..كان مرتبا جدا..كأنه آت لتصوير فلم...كنا ثلاثة داخل قفص الاتهام لكن بتهم مختلفة...
    كانت قضيتي الثانية...
    ترافع فيها عميد ركن محامي..أدى ما عليه..كان مستميتا لتحويل الحكم من إعدام الى مؤبد...و هكذا صار...
    حين نطق القاضي العسكري بالحكم...ابتسم المحامي و صافح أبا لطيف...(مهنئا؟)...توقعت ان يقترب مني أبا لطيف..لكنه لم يفعل...و حين انتهت المحاكمة و رفعت الجلسة..و قبل ان يقتادوني..اقترب من القضبان الفاصلة بيني و بينه..قال لي..
    - انظر..بيني و بينك قضيبين..لكنني حر و أنت لا..لكنني متعقل و شجاع ..و أنت جبان.. انظر كم هي الحرية قريبة ولا يمكنك ان تمسك بها...تستحق..لم افعل ما فعلت..إلا لاجل أمي..أمي فقط يا كريم..و لن ترى وجهي أبدا.. وسأجعل أطفالي يستحضرونك كميت...داود بطل...و مرتضى بطل...أما أنت فمتخاذل و جبان...لك الله
    غادرني..
    بقيت معلقا بالقضبان ..منها أريد ان أشم طعم الحرية التي قال إنها تفصل بيني و بينه..لكن هراء..واهم أنت يا نعيم..توهم نفسك بالحرية..التي أنت اكثر من اشتكى من عدميتها عندنا...
    لي الله
    كانت الطريق الى "أبو غريب" من البعد بحيث تترك لي ان أتأمل..الله هذه هي الشوارع...و الجو شتاء..بدأت أتفقد خسائري.. وبرد تسلل الى عظامي..أعطوني قميصا صيفيا بنصف كم...و يداي مشدودتان الى الخلف..تقطع معصماي لشدة التوثيق...الخبيث الحارس كم شدهما بقسوة ..و حين استقبلني أبو غريب.. وهو كقلعة كبيرة بأسيجة ملتوية كأفعى...ها أنت يا أبو غريب إنني ضيفك اليوم..
    "و لكم في الحياة قصاص يا أولى الألباب"
    واخيرا انا ضمن أولى الألباب..يالله على الأقل وجدوا ما يمت لله بصلة كي يكتبوه على بنايتاهم..."قصاص" يا كريم...قصاص....لك الله
    سحبني الجندي من ياقتي...
    - مية هله.. ومرحبا بالسبع ابن السبع.. أي والله أبو غريب عايز له واحد مثلك
    نظرت له باستهزاء
    - فوت بوية فوت...هلة بيك..هذا بيتك لا تستحي...
    - ثقيلة لو خفيفة لو خاصة ؟
    (الثقيلة للأحكام من 10سنوات الى المؤبد )
    (الخفيفة من 10 سنوات وما دون)
    الخاصة (قضايا الدولة ...كنت من ضمنها إلا إنني بمساعدة أبا لطيف ...تحولت الى ثقيلة...واغلب الأحكام فيها إعدام) و فيها يعدم الشخص مرتين أو ثلاث ..كيف؟ (رجوة احتفظي بهذه المعلومات فقد نقصها على الصغار حين يقل منسوب الخجل مما فعلته!!)
    يتم تعليقه أولا...فأن كان وزنه خفيفا تربط الى قدميه قنينة غاز الطبخ و هي ممتلئة وفي اكثر الأحيان لا تفلح هذه الطريقة فيبقى المعدوم نصف معدوم..فينفذ فيه الحكم الثاني بإطلاق طلقة واحدة فقط
    فأن حصل و مات... كان بها... وان لم يمت ينفذ الحكم الثالث وهو الكهرباء...يعني باختصار تموت تموت (غصبن على عين اهلك...)
    اقتادونا..ختموا يدي...ممرات..ممرات...ممرات..تش به كتلك التي كانت في مختبرات الجامعة ...خاصة مختبرات البناء والكيمياء..ممرات أثارت بي ذكرى أنني كنت في يوم ما إنسان قبل ان يحولونني الى حيوان...ممرات كنت انتظر عاتكة فيها واتحمل رائحة المواد الكيماوية من مختبراتهم...و تصيبني حساسية وتضحك هي قائلة.."والله حساس..."
    رجوة...تذكرتك..كنت تمرين في بالي باكية هالعة ..خائفة ..تفترشين عتبة الباب بانتظار خبر مني...سوف يخبركم أبا لطيف إنني حي...ولن يعدمونني..لكن هل حقا سيفي بوعده..
    أه يا يمة اشقد مشتاق أشمك...
    أه يا رجوة..شقد مشتاق نقعد سوة بالمرجوحة وأنت تسقين الزرع..
    آه يا رجوة..
    ابكي من انا الآن...المؤبد؟
    يعني كم ؟25 سنة
    يعني آنا هسة 25 ..اطلع من يصير عمري 50؟
    حييييييييل...
    وين اكو مرة راح ترضى بية....؟
    هاهاهاهاهاهاهاهاهاهاها
    اضحك يا كريم
    "اضحك و اشيم الروح وال بية ...بية"..لله درك يمة منين أتجيبين هالامثلة...

    "يا نهر مايك حزين
    يا نهر ذاك الورد خايف حزين
    يا نهر صار الوطن دمعة طفل مسكين
    يا نهر شيب أمي ريح او يلمض ابليل الحزن...ليوين؟
    تصيح ابصوت تسمعها و لا رديت
    تظل اتصيح
    الك...
    خايب الك...
    كل الزلف قصيت
    اطيحن صوت عالجرفين الك ذليت
    قمر ناصي عليك من الحزن وجيت
    آآآخ
    تغص بيك الجثث وانته امن الجثث غصيت؟ "

    (عزيز السماوي).....شاعر شعبي عراقي

    ملاحظة : الأبيات الفصحى بين المزدوجتين لابن الابار
    هناك جزء ثاني..لطفا



    مودتي

    رجاء جمعة سلمان
    جئت اعصف ما في صدري...جئت صرخة ثائر

  2. #2
    تاريخ التسجيل : Sep 2002
    رقم العضوية : 1038
    الاقامة : المنفى
    المشاركات : 132
    هواياتى : Golf
    MMS :
    الحالة غير متصل
    معدل تقييم المستوى : 22
    Array

    ((.....و كان الانتظار ربح الخسارة))




    صرخت
    ضربت رأسي بالجدار...كنت أريد أن افعل شيئا مهما كان...
    بعد ثلاثة و ستين يوما..أتذكر..رفيق دربي...أتذكر إنني تركته في الصحراء وقد ثقبوا جسده بأطلاقات..تركته و لا اعلم أن كان حيا أم ميتا
    يا الله كيف لم أتذكره طيلة الثلاثة و ستين يوما..
    هل شغلوني بالضرب لدرجة انسوني إياه..؟
    كيف لم أتذكره..؟
    هل أسامح نفسي..؟
    هل مت؟ أم تركوك وليمة للكلاب؟
    ضربت رأسي مجددا .... في "وخمة السجن" و في يومي الثاني...بالضبط تذكرته...تذكرت الصديق الذي وقف أمام اتجاه إطلاق الرصاص..و فتح ذراعيه ليقيني الاطلاقات و يتلقاها هو بصدره و جنبه و ساقيه ووفي كل جهة من جسمه...كيف لم أتتذكرك إلا الآن...ضربت رأسي و صرخت و بكيت..
    استيقظ احد النزلاء و هو كبير بالسن...لا ادري ما تهمته...صرخ بي

    - ما ناقص غير المخابيل...يا عمي هو هذا سجن لو غضب..إي فوق الرطوبة والوسخ والأمراض يجيبون مخابيل؟
    - عمي ...استهدي بالله ونام...راح تتعود....نام..نام...شنو تريد أمك؟ لو مرتك؟

    كنت اصرخ.... وليس لدي أي استعداد لان اسكت أو اسمع كلام احد ما...رددت مرة أخرى...

    - آآآآآخ...شلون نسيت..شلون يا ربي؟ شأسوي؟

    رد علي نزيل آخر يبدو انه كان يغالب نوما عصيا لا يريد أن يتم بسبب الرطوبة....

    - يا ابني هسة نام ...أخمد...والصباح رباح..نتفاهم آنا وياك ..والعن صفحة أبوه اللي جابك يمنا..نام هسة نام...زعاطيط.. و كبار بها لسجن ,عبالك مدينة الألعاب...ألف لعنة على ذاك اليوم الأسود ...هذا شلون بخت...

    "يا خي بلغ سلامي الهم....يساري
    و هم يمناي لو شلت...يساري
    يا شوق اللي سرى بضلعي...يساري
    على جنح القطا لابعث لك عتاب
    وية الطيور الطايرة
    ابعث سلامي الكم
    يكفي سهر يا بعاد
    انطر رسايلكم
    والشوق اخذنا وياه
    يمته المحب نلقاه
    يوم المنى يحباب
    يوم أل نصافحكم
    ابعث سلامي الكم"


    سكت..كانت دموعي..انهاري ...و دمائك التي طوقتني و رائحتها التي تنبعث من كل جزء من جسمي..حاولت أن أنام...وضعت رأسي...حاولت أن استعيد ذكرى اللحظات الأخيرات...
    هل اخبروا والدتك؟ ماذا ستعمل؟...كيف ستعيش هي وأخواتك الثلاثة؟
    انقلبت الى اليمين..صار بوجهي مجرى القاذورات الذي يقطع الردهة...خنقتني رائحة اليوريا وتبخرها في الهواء..انقلبت الى اليسار..آلمتني يدي التي أشبعوها ركلا..كان ظهري هو المستند الوحيد...حاولت أن أنام على ظهري...فآذتني أماكن لسعات الكهرباء...جلست..فكان مقعدي أوهن مكان ...استغفرت الله...ووضعت رأسي بمستطيل على ركبتي...ونحبت ...نحبت..حتى سكرت من النحيب...كنت اهذي؟
    "كتبنا الرسالة هنا
    وانسابت الدمعة
    واللي يحب للناس
    يشعل ألف شمعة
    يتنطر الغياب
    عينة تظل عالباب
    شودى البريد وجاب يحبابي من عدكم
    ابعث سلامي الكم"

    ربما..
    لكن الذي اعرفه أن النزلاء في الصباح كانوا يرمقوني كمن فعل فعلة ناقصة أو شينة ..و كنت بداخلي أعطيهم الحق..ما ذنبهم أن لا يناموا..على صراخ سجين...ربما كان معتوها..أو تناوبته أحلام مزعجة!!!!
    لم يكن بطر أن نخرج إلى الحدود..لو لم نخرج ..لسجنوننا بدون سبب..لفقوا لنا أية تهمة..لان كلانا لم يكن يسكت..كانت ألسنتنا أطول من أن نبلعها..و كانت الأنظار كلها متجهة نحونا..و تأكدت من ذلك من ضابط التوجيه السياسي الذي قال لي...
    - هل تريد أن تسمع كل حرف دار بينك و بين صديقك ؟
    فأيقنت إننا "كأغبياء " كنا مراقبين بحذر , ولم نحتسب لهم...
    أخذني النزيل الكبير بالعمر.."حجي موسى" ..على جهة..قائلا:
    - اسمع بوية...انتة جديد..على راسنا..كلنا ما تحملنا اليوم الأول..بس عيب..ترى ما صرخنا مثل مرة تطلق ..عيب بحقك كرجل..شوفهم شلون يباوعونلك؟

    "صابرين ياويلي
    يحبيبتي صابرين..... صابرين
    صبر الأشجار اعلى الشتا.... صابرين
    صبر الغريب بوحشته .....صابرين"

    أيقنت أن كل ما تفعله في السجن سلب أو إيجاب يحتسب ضدك.....اكمل "حجي موسى"...
    - شنو تهمتك؟ بس لا عملة ناقصة من إياها؟
    وغمز بعينه...فهمت بعد ذلك أن كل نزلاء الردهة أو اغلبهم...كانوا متهمين بقضايا شرف..عهر..اغتصاب..شذوذ..رجال دين..سياسيين..طلاب جامعة...خليط...لم يكن من الحكمة أن يجمعوهم..لأننا كنا نقوم على تثقيف الأميين..و توجيه صغار السن.. و طلاب الطبية..اخذوا يقصون علينا دروسا في التشريح..حسب ما تبقى في الذاكرة من باقي مقاعد الدراسة حين يمرض سجين في محاولة لفهم ماهية مرضه...أصبحنا أطباء رغما عنا .....والسياسيين كانوا يفسرون لنا مبادئ الأيديولوجيات التي قرأنا عنها دون أن نجد فرصة للنقاش..وبالطبع كان هناك السفلة الذين ينقلون أحاديثنا للحرس...ويعلم الله لمن ستكون "الفلقة" في يوم ما..أو التعليق العكسي..."يتم تعليقنا لمدة 3 أو 4 ساعات بالعكس من القدمين والرأس متدلي...فتكره دماءك لأنها أخذت مجرى عكسي رغما عنها...لشد ما كنت اكره الفلقة وكنت آخذها بدلا عن زملائي الذين لم يبقى في صحتهم ما يسمح لفلقة جديدة...أما "المحجر" فقد كان الموت الأسود بعينه..حجرت مرة ..و جننت...جننت فعلا..فأيقنت إنني لن اخرج سالما أو على الأقل اخرج بلوثة في عقلي...

    "غربة أو وطنا بعيد
    و نحن لأهالينا
    كتبنا ونظل نشعر بأجمل أغانينا
    عشنا الليالي طوال
    ما راحوا من البال
    نسألكم على الحال
    و تهمنا راحتكم
    ابعث سلامي الكم"

    أسجل يومياتي كي لا أنسى و كي لا ينسونني من هم خارجا في يوم ما..كي يبقى إثبات بوجه الزمن إنني تصديت له و قاومت بشبابي و دمائي..و حريتي كي أقول "لا" حين عجز عن قولها الآلاف...
    اكتبها وسابعثها لك غاليتي..بيد أمي أو ربما زرتني هذه المرة..اعلم انهم لن يدعوك تحضرين..لكن أعرفك ستتحملين و تتشاجرين وتأتين..ربما يوما ما...

    "نسأل عليكم
    دورنا الولايات
    وكلما نجيكم
    نلقى الدرب عثرات
    والعمر صبره يطول
    ونقول آه نقول
    بلكي الله ينطي مراد للصابرين"

    اعتدت..اعتدت أيها السجن ..اعتدت عليك...بعد أيام من افتراش الأرض...تم إعطائي سرير أو بقايا سرير أو جنازة سرير..أو شيئا كان سريرا بالماضي البعيد...كنت أريد شيئا يرتفع عن الأرض المشبعة باليوريا والرطوبة حتى لو بدون فراش..لا يهم
    مرت شهور ثلاثة..لم يزرني احد..لماذا يا أمي..هل أقنعك أبا لطيف إنني لا استحق زيارتك لي..هذا الأخ المثالي..الذي أرادنا أن نسير كلنا على نهجه.."يا أخي باوع لأصابع أيدك هل كلهن متساويات؟"
    هكذا كنت أرد عليه ولم يكن يريدني أن أرد..كان يريدني دائما ذلك الطفل الذي كان يبعث له ملابسه من بريطانيا لم يكن يريدنا جميعا أن نكبر..هل خوفا علينا أم خوفا عليه من الدماء التي كانت تسبح فيها آلاف الجثث في الوطن؟
    لم افهمه...
    أمي لماذا ...الست ابنك..لو كان الحاج حيا..والله لسكن عند عتبة السجن..لماذا يا أمي؟
    كنت على مدى ثلاثة اشهر آخذ "التنكة" علبة الحليب النيدو الفارغة الصدئة...استلفها من احد النزلاء..و أضعها لا جلس عليها بعد أن اتعب من انتظارك بين الزوار..و لم تأتي..ثلاثة اشهر ذوات تسعون يوما..لم يغمض لي جفن دون أن أتذكرك..و أتذكر حنانك و عطفك و رائحة فوطتك الغريبة..ثلاثة اشهر لم اشتهي أن أنام في مكان سوى حضنك كما كنت صغيرا حين تجللينني بفوطتك وتهدهدينني
    "دللول..يلولد يبني..دللول...عدوك عليل و ساكن الجول" (الجول بثلاث نقاط تحت الجيم...و تعني البر أو الصحراء أو الفلا...)
    وأنا أتنام حالما مطمئنا أن عدوي ساكن الجول..واتضح يا أمي أن عدوي ساكن حينا وأيامنا..و تلفزيوننا..و هوائنا ملوث به...أوهمتني يا أمي انه سكن الجول فانطلقت بأمنياتي أحققها ...دون أن انظر يمنة أو يسرة
    أمي لماذا تجعلينني انتظر...وانتظر...و أرقب لهفة السجناء حين استقبالهم أمهاتهم..و أخواتهم..و زوجاتهم..وأطفالهم...حتى بعض السجناء كانت تزورهم جداتهم على عكازات..!!
    أمي..هل استبعدت المسافة ..اعلم انك متعبة..أنهكك...الوقت و نحن.. والقدر...و كنت قلعة متينة في وجه قسوة الحياة...سامحيني يا أمي..كنت أريد أن اعمل ثقبا في جدار هذا السجن الكبير و أخرجكم كلكم كما تفعل القطة ألام حين تنقل أبناءها بأسنانها..كنت رسمت في بالي..وطنا آخر و بيتا آخر...
    اعذريني يا أمي لأنني لم اعد أقوى على بعادكم...
    أمي ولو زيارة..عند السياج ..و ارجعي.. دعيني أرى وجهك من بعيد...لا تتعبي نفسك..أو ابعثي لي بصورتك..أو فوطتك..أمي...لا تخذليني في هذه الزيارة..انتظرتك مدة طويلة..ألم يلين رأس أبو لطيف بعد لكي يعطيك موافقة بزيارتي...
    اليوم أعطتني والدة أحد السجناء صمونة بداخلها بعض البطاطا...كانت لذيذة..هل حقا كانت لذيذة؟ أم إنها الحاجة لتذوق طعام من يد امرأة...؟ أم أو أخت أو زوجة....كانت تنظر لي برثاء...
    - يمة ؟ أنت ما عندك أهل؟
    - لا والله عندي بس بعيدين...قابل طلعت من فطر الحايط..شنو ما عندي أهل...؟
    - وين يعني بعيدين؟
    - بالرميثة ....بالسماوة
    - يمة ..شنو السماوة بعيدة؟ تدري آنا منين جاية؟
    و قبل أن أجيب ...أكملت
    - يمة اجي كل أسبوع من البصرة ...من الفاو...وما راح اقطع الجية إلا لمن ينقطع النفس...يمة شلون تنام عين أمك وما تجيلك؟
    أخجلتني و أبكتني.....و أغضبتني حين انتقصت من حنان أمي الذي لو وزع على الكرة الأرضية ليكفيها..و يقمع الحروب من على سطحها...كانت تشتم أمي ضمنا...
    كأنها أرادت إذلالي لأنها أعطتني صمونة البطاطس..وقفت اللقمة في منتصف بلعومي..هل ابلعها أو اقذفها من فمي....
    قلت لها...بعد أن بلعت الصمونة.. (لا بد أن ابلعها رجوة كنت جائعا جدا...و أكاد اقيء معدتي)
    - خالة ..أمي مرة كبيرة بالعمر وما عندي أحد يجيبها..ما تعرف درب السجن
    - يمة هو احنه وين نعرف...سألنا و اجينا..هية هاي ينراد لها واحد يعرف لو ما يعرف..
    غضبت و ركب رأسي عفريت و كدت اضربها...
    - خالة شوفي.... هاي الصمونة اللي انطيتيني إياها..أخذيها بلا ما تمرمرين...روحي...ترى آنا مو ناقصج..اللي بية مكفيني...
    تركت ثلاثة أرباع الصمونة..على الأرض....و أنا جائع جدا...و نهضت خارجا..لحق بي ابنها زميلي موفق...
    - معود...شبيك؟ ترى هن النسوان كلهن هيج..تعال تعال..
    - لا والله موفق..خليني الله يخليك...
    وعندما أحس موفق , إنني لن أتمكن من العودة إلى سريري بوجود أمه...تركني و رحل..كنت انظر للسجناء فرحين بزوارهم..وأنا ما من يزورني..كأنني فجأة أصبحت..كأبينا آدم...بلا أم أو أب أو اخوة أو أخوات...
    رجوة..أكلتني القذارة..استحم كل واحد و عشرين يوما...رائحتي أصبحت نتنة...ليس عندي ملابس..حتى التي أعطوها لي النزلاء عطفا منهم علي..أصبحت لا تكفيني..أكلتها القذارة بالإضافة إلى أن الجو اصبح باردا جدا..لم اعد احتمل البرد..ليتكم تبعثون لي بملابسي..لا أريدكم أن تأتون...ابعثوا لي ملابس على الأقل.....رجوة اخذ الناس يتصدقون علي بلقمة..ويمارسون إذلالي بشدة...لو رأيتني يا حبيبتي..لبكيت دما بدلا من الدموع...
    هل غرفتي ما تزال عند غرفتك..و أغراضي التي على الطاولة..؟ هل كما تركتها..و كتبي...أرجو أن تعتني بكل شيء ليوم قد أعود به...و السدرة في الحديقة هل أثمرت "نبق" و البمبرة مالتي..هي الأخرى ابلغيها اشتياقي ..و الزيتونة...خبئ لي زيتونها قبل أن يتسلقها لطيف واخوته...اسقي الجهنميات التي تحبينها واكره اسمها ..
    - رجوة لماذا اسم هذه الوردة "الجهنمية" ...
    - لان لونها ..احمر يا كريم..مخلوطا..بصفرة تشبه نار جهنم...
    - و يا فيلسوفة زمانك وين شفتي جهنم...
    - اوهووووه كريم اشقد تسأل؟وين ادري...أبوي كان يسميها جهنمية ويداريها.. وانة حبيتها..و قمت أداريها..بعد ما أداريها...زين؟
    - لا لا لا... رجوة...والله اتشاقى وياج يا بعد روحي...يالله حبوبة...امشي نروح للحلاقة....شعرك صاير طويل
    - عوفني كرومي...أمي بعدين تزعل..
    - ما عليك منها...تزعل ثانية و ترضى...ترى عيب أروح للحلاق بلياك...
    ونتضاحك...رغم ما يجللنا من حزن نضحك على ذقنه ونقول له...خذ إننا ما زلنا قادرين على أن نضحك...و لو زيفا..و رغم انكساراتنا المبكرة...
    أتتذكرين هذه اللحظات..رجوة...كيف أيامك..؟ هل هناك من يطرق باب البيت يسأل عني؟...هل عتبة بيتنا كما تركتها؟...ارسمي لي..آووه نسيت انك لا تتقنين الرسم...ابعثي أية خربشات توحي بأن هذا بيتنا...وأنني لي بيت و ليس سجن أبو غريب...
    اليوم..الزيارة الأسبوعية...اليوم عندي حدس ما ..أن الحاجة ليلة ستزورني...عيني اليمنى رفت..لابد أن هناك شيء مفرح...هاهاهاهاهاهاهاهاهاهاهاه اها...مفرح؟
    في وسط هذه القذارة؟
    نعم....مجيء الحاجة ليلة ..هو الفرح بذاته...ومنه يشتق الآخرين أفراحهم...ليتك يا أمي لا تخيبين ظني...
    نهضت منذ السادسة..كان الجو باردا...استحممت...لبست الملابس الوحيدة التي املكها...بعد أن غسلتها في الليل ولففت نفسي ليلا بالبطانية ونمت ظنا مني إنني سأجدها جافة عند الصباح..إلا أن برد الليل جعلها تزداد رطوبة..قلت لا يهم ألبسها...لبستها...كانت باردة جدا..أنت أضلعي...واسكت أنينها ..بأن لففت ذراعي حول بطني كما علمتني رجوة أن افعل كلما عدنا من الجامعة في فصل الشتاء حين يداهمنا هواء المغرب ..رجوة تعلمت منك الكثير..ترى هل تعلمت مني شيئا....

    "لو غيمت غيم
    كل يوم شمس نصير
    ونتحمل الضيم
    نضوي بفرح للغير
    نوبات نغدي شموع
    و نوبات بحر دموع
    بلكي الله ينطي مراد للصابرين"

    خرجت لارى بعض السجناء وقد افترش الأرض ..انتظارا لزوارهم..البعض الآخر ذهب إلى عند السياج الخارجي الأخير لحجز مكان يستطيعون أن يروا منه زوارهم...قبل وصولهم إليهم بمسافة طويلة..وقفت..

    "دنيانة زينة
    لوما تعذب الناس
    والفرقة هينة
    لو ما تشيب الراس
    والوصل دربه بعيد
    وما يوم يوصل عيد
    بلكي الله ينطي مراد للصابرين"

    وقفت انتظر...بدأت سيول النسوة يفدن محملات..بأثقال للنزلاء..كنت أميز بينهن نساء ستينيات..و صبايا... و أطفال....مرت ساعة...بدأت قدماي وركبتاي تؤلمانني...عيناني كنت أمدهما قدر المستطاع..لاتمكن من رؤيتك...
    ثلاث ساعات مرت...دون أن يلوح طيف منك...هل تخذلينني اليوم أيضا؟ لا يا أمي مو عادتك....أتوسل إليك يا رب لا تجعلني اليوم حزينا..اليوم اشحذ رؤية أمي..يا رب..أرجوك..كادت دموعي تطفر...وأنا أدعو الله سرا...

    يأست...لم يبقى بقربي على السياج سوى نفر أو اثنين..كنا خائبين بعدم مجيء زوار لنا..كان الانكسار على وجوه رجال...أراه بقسوة بالغة يمارسها الزمن ضدهم....حين تسجن رجلا فأنك لا تقتص من حريته بل من رجولته أيضا...هذه القناعة أخذت تدريجيا تحتل مساحة من ذهني بعد أن كنت أنكرها في بداية أيام سجني
    كنت سألتفت..و أعود إلى الردهة..حيث احبس دموعي على سريري..دون أن أزعج الآخرين...فرأيت أحد الحراس..يفتش بعصاه..كيس امرأة..مددت قامتي..لعلي أميز وجهها...اصبح جانب وجهها مرئيا بالنسبة لي...يا رب هذا هيكل جسد أمي...هذه أمي...أمي الحجية...و صرخت.....يمممممممممممممممممممم مممممة
    حجية...يمة...يمة..آنا كريم...يمة باوعيلي..انة هنا..وراك..التفتي ..يمة...
    سمعتني..سمعتني..لفت عباءتها على وجهها..نظرت إلى جهة صوتي...تركت الكيس..و عبرت لوحدها من نقطة التفتيش..نسيت أغراضها...صرخ عليها الضابط..
    - أنتي ؟حجية؟...تعالي اخذي أغراضك...
    عادت..له..و رقبتها نحوي...سحبت الكيس سحبا..أخالها لم تعد تقوى على حمله بعد... و تركته بمنتصف المسافة...كانت تمشي وراءها امرأة شابة تحمل كيسا فوق رأسها وتسحب طفلا بيدها..بعامه الرابع ربما أو الثالث...كان يتعثر....صرخت المرأة علي أمي
    - حجية؟ أغراضك وقعت على الأرض...
    لكن أمي لم تكن تسمع توجهت إلى السياج ألي...الى حيث اقف ولم تعد قدماي تحملني...جلست الى الأرض...جلست أمي على الأرض قبالتي والسياج بينا..أصابعي لامست أصابع أمي...صرخت هي ودموعها تغسل وجهها الذي اصبح قانيا...
    - يمة كرومي يا بعد بيتي يا يمة...اسم الله عليك وعلى شبابك ...اروحلك فدوة آنة وبناتي و عشيرتي لدوسة رجلك......ليش هيج سويت بروحك...ولك يمة كتلني الفراق...ولك يا بعد روحي يا يمة..ليش؟ ليش؟
    قتلتني هذه ال"ليش"...أرجوكم لا تكررونها علي بعد......يمة لا تفتدون أخواتي لي...نساءنا ذخر يا أمي لا تفتدينهن..لي أنا الأناني البائس...
    كنت ابكي واحاول الوقوف...وقفت وضعت يدها على الأرض تريد أن تنهض...تلوثت عباءتها من أرضية السجن المتربة...قدتها..قائلا...
    - دوري يمة..دوري من هنانة.....
    تغيرت أمي كثيرا...هل بسببي..؟ امتلأ وجهها تجاعيد...هناك حفرا حفرها الدمع تحت عينيها...وصلت الى الباب الذي يؤدي الى الردهة..فحضنتني..حضنتني أمي فأزاحت كل التعذيب الذي مارسوه على جسدي..تلمست كل مسامة بجسدي...كأنها تهبني الحياة مرة أخرى...تلمست وجهي ..عيناي ...بيديها...احتضنت أمي وأنا اصرخ وابكي كطفل ...نسيت إنني رجل للحظات..كانت أمي..نعم التي حلمت بزيارتها...دفعني أحد الحراس من ظهري..
    - روح لردهتك احسن ما تبيع عواطف قدامنا..يا الله تحرك...بسرعة..
    كانت المرأة الشابة قد حملت كيس أمي معها.. و عندما رأت أمي مستغرقة بالبكاء معي...أوصلت الكيس لعندنا..قالت لها أمي
    - الله يستر عليك يمة ويفرج عن همك وهمومنا...
    "انا غريبان ها هنا و كل غريب للغريب قريب"....إيه يا بدر ابن السياب...كيف كنت غريبا...الغربة مسألة نسبية يا بدر..انا الآن غريب..و هذه المرأة التي عطفت على أمي و حملت أغراضها..هي الأخرى غريبة...كيف نتساوى كلنا بهذه اللفظة...أما من يسعفنا بلفظ آخر؟

    حملت الكيس..كان ثقيلا جدا..فكرت..كيف حملته أمي..من حمله لها...هل استأجرت حمالا؟ كانت تسير قربي..أنا أطول منها...كانت بين الحين والآخر ترفع وجهها نحوي مثلي تريد التأكد إنها التقتني كما أنا فاعل كل برهة حين انظر أليها..لم يبقى على انتهاء المواجهة سوى نصف ساعة...فكرت مع نفسي ...أمي "غشيمة" ما تعرف أدبيات زيارة السجون..كان عليها أن تنهض من الفجر وتأتي..لكن الآن لا يهم..إنها أتت ذلك يعني إنني ذقت طعم الإفراج
    أي نعم طعم الإفراج بعينه أن أرى أمي اليوم...قدتها..مزهوا بها أمام كل رفاقي بالردهة الذي اخذوا يتهامسون بالفترة الأخيرة من إنني لابد فعلت عملا مشينا ولم يزورني أحد منذ ايداعي السجن منذ ثلاثة اشهر..كنت احضن كف أمي بيد وباليد الأخرى احمل الكيس...للسجناء فلسفتهم الخاصة بهم حين يتعاملون مع بعض...فيرفعون من يشاءون اعتمادا على الزوار الذين يزورونه...والكلام الذي يتحدثون به.. ومدى ثراءهم...و كمية الكذب والتلفيق القادرين على جلبها إلى داخلهم في تلك اللحظة
    سلم عليها موفق ووالدته وحجي موسى جاء لالقاء السلام على أمي ...كنت فرحا..جذلا..لم تسع الحياة منخرين فقط لإدخال الهواء...كنت أريد شيئا إضافيا أعب منه كل رائحة أمي كي تكفيني...للأيام القادمة....اريد الاحتفاظ بهذه اللحظات لاخر يوم من عمري..
    افترشت أمي الأرض..مسحت دموعها...بادرتها أم موفق الثرثارة
    - والله يا حجية ترى انتم كلش مقصرين بحق هالولد
    لم ترد..أمي بطبعها قليلة الكلام ..ومع الغرباء تعدم حتى هذه القلة
    انا رمقت موفق بنظرة أن يسكت أمه..اخذ يحادثها..التفتت أمي ألي بكلها
    كنت أريد أن أعاتبها..لماذا لم يزورونني..إلا إنها..سحبت الكيس نحوها...فتحته....أخرجت بيجامة رائحتها....رائعة...ربما هي رائحة بيتنا أو رجوة أو غرفتي أو السماوة أو مسحوق غسيل أو...لا ادري....بيجامة جديدة نظيفة..أخرجت شرشف سرير و شرشف وسادة..عدة حلاقة...عطر...ملابس داخلية..و كيس مملوء "كليجة"..."معجنات تعمل عادة في العيدين فقط"...و آآآه..تمر..تمر السماوة..يا الهي كل شيء سوف يهون...أين أنت أيها الغالي الحبيب....تمر السماوة...شفائي و دائي و دوائي....ليتك يا أمي جلبت لي نخلة...أو طين من أرضنا...ليتك اقتلعت طابوقة أتوسدها ليلا كما وسادة ريش النعام....
    أكملت أمي ...قائلة
    هذه سوتها لك رجوة..الليل كله كانت مقابلة الفرن وتسوي بيها..و دموعها ما نشفت ...يمكن عجنتها بدموعها
    وهاي البيجاما ودتها ميادة
    وهاي رسائل من رجوة و ميادة و ......
    واخواني؟ يمة؟ ماكو احد ودا لي رسالة؟
    نكست رأسها للأرض...فهمت..ما يزال التجمع الاخواني معلنا غضبه علي..لا يهم..لا أريد إفساد فرحتي الآن..أمي قربي..أخرجت..فطورا شهيا أعدته أختي سناء...كان رائعا..قالت
    - شنو تحتاج يمة؟...قلت
    - محتاج لك أنت يمة ....قالت...و قتلتني بما قالت.. و ليتها لم تقل ما قالت...
    - والله لو يرضون انظف المراحيض بس يخلوني هنانة ...أبقى..إي والله يا يمة...و انحنت تقبل قدمي القذرة...
    قبلت يديها الممتلئتان بالوشم البدوي الذي كنت أحبذ أن امزح معها عندما أقول لها أن هناك قطارا مشى عليك وأنت نائمة فرسم هذا الوشم على صدغيك و ذقنك وكفيك و قدميك..كانت رائعة أمي..شممت فوطتها..نظر لي موفق باستغراب...
    - شبيك عبالك واحد زغيرون ..؟ مو عيب؟ الزم نفسك شوية؟النزلاء يباوعون عليك..الليلة تصير فلم بينهم...
    - ما عليك انتة..سد حلقك واسكت..افتهمت؟...مو أنت تتباهى أمك كل أسبوع تزورك و لا كأنك مسجون...
    كنت أريد لامي أن تعلم أن والدة موفق تزوره أسبوعيا وأنا كذلك لي حق عندها....
    أخذت تضع لي اللقمات في فمي...جلب موفق قدحين من الشاي لي و لها..أجالت نظرها بالمكان..نفضت يدها من الأكل
    - يمة؟ كريم؟ هنا تنام؟ وتأكل؟
    - إي يمة
    - ولك حسافة يا المدلل...حسافة يا يمة...سودة بوجهي..بس بعد ما تنفع...الله كريم

    "على الأخوات الزائرات مغادرة الردهات فورا"

    الله اكبر...لم اشبع بعد يا ناس..أمي وصلت للتو..من سيفهمني...شلون؟..شأسوي؟...أمي لم تفهم شيئا مما قيل بالسماعة..قالت
    - شبيك يمة؟
    قلت لها
    - يجب المغادرة..انتهت الزيارة..
    - ليش؟ (مسكينة أنت يا يمة..ما تعرفين السجون و أنظمتها...يا لي من قميء...)
    - شنو ليش؟..هو وقت الزيارة من الساعة ثمانية الى الساعة 12 وأنت وصلت الساعة 11:30...
    سكتت...لم تجب..كمن صفعها على وجهها...
    - ابني صير سبع و لا تبكي...عيب..اليوم شفتك تبكي ..بعد ما أريد أشوفك تبكي افتهمت؟
    - افتهمت يمة افتهمت
    - يالله عليك ...والله يمة ترى انة ما اعرف من وين اصعد بأي باص حتى أوصل
    طعنتني بهذه الكلمات..قتلتني و جعلتني أحس بقسوة وصف سجين أو مكبل..نعم..هي لا تقرأ و لا تكتب و لا تعرف الطريق وهذا سبب تأخرها بالمجيء و الآن تريد العودة ولا تعرف الطريق..كم انا حقير وأناني و كريه..هل سأسامح نفسي؟
    قلت
    - يمة اسألي النسوان وهن راح يدلنك...
    قبلت وجهها...يديها..حضنتها بشدة..كانت بي رغبة شديدة بهذه اللحظة أن تتلقفني مشيمتي واعود الى رحمها واخرج من هذا المعتقل القذر...لففت ضفيرتيها حول بلعومي..أريد أن أتزود..أتزود من أمي ...
    مدت يدها الى جيب ثوبها..أخرجت مبلغا..وضعته بيدي قائلة
    - دبر أمورك بيه الى أن اجي بالزيارة القادمة إذا خلاني أبو لطيف اجي...ترى يمة اجيت من غير ما يعرف..والله ...إذا عرف...ما ادري شنو راح يصير
    سكتت غالبت دمعة أمامها.....قلت
    - الله يطول عمرك يمة..يمة آنا ما أريد فلوس...أريد شوفتك بس...يمة فدوة اروحلك خلي رجوة تجي... والله عطشان على شوفتها...مثل الماي...فدوة يمة...
    قبلت يديها....ووجدت نفسي على الأرض اقبل نعالها....نظر لي أهالي السجناء بغرابة حين نهضت...رفعتني بيديها أو حاولت..
    - قوم يمة قوم...إنشاء الله اجيلك بعد أسبوعين...وصير سبع..هاي هية الدنيا يوم بصعود و يوم بنزول..ما يصير تمشي عدلة دوم
    - بس يا أمي الدنيا ابد ويانة ما صعدت كل دهرها بنزول ..ليش؟
    - لا لا تقول هيج...ربك كريم....يحفظك الله وليدي...صير سبع...بعد لا تبكي
    ودعتني....
    وقفت ارقبها تسير متباطئة الخطى.....بكيت بشدة و بنشيج..مرت بقربي امرأة ...همست لمرافقتها..
    "والله خطية..هالشاب..هذا"
    أي نعم انا "خطية"..انا خطيئة ظرف اخرق شاءت اقداري أن أولد به.....انا خطية لاني عراقي..انا خطية لاني انتمي لال جمعة المغضوب عليهم....
    وقفت ارقب انصراف أمي و غيابها عن ناظري..و بكيت..لم أفي بوعدي بعدم البكاء..عدت الى الردهة...تلقفت الرسائل...أول رسالة بحث عنها قلبي..رسالتك....



    ملاحظة : هناك جزء اخير لطفا..


    مودتي
    رجاء جمعة سلمان

  3. #3
    تاريخ التسجيل : Sep 2002
    رقم العضوية : 1038
    الاقامة : المنفى
    المشاركات : 132
    هواياتى : Golf
    MMS :
    الحالة غير متصل
    معدل تقييم المستوى : 22
    Array



    الغالي الحبيب..كرومي
    لون الأيام اسود يا كريم والبيت تملأه الأشباح..كريم احمل ذنبا لن يسامحني الله عليه...لأنني كنت اعلم ما أنت عازم عليه ولم اثنيك أو اخبر أبو لطيف...
    كريم...أمي تبكي كما لم أرها تبكي من قبل..و تهلوس ليليا..أخذت أنام معها في غرفتها..وادخل إلى غرفتك خلسة...سلمات الدرج تسألني عنك..وطابوقاتنا تسألني عنك...أرخت تاريخ محكمتك و تاريخ سجنك..هل يا ترى سأؤرخ تاريخ خروجك؟...كلمة مؤبد تقتلني يا كريم..أحس أن جزءا من جسدي انفصل عني..ألححت على أمي أن تتأكد فيما إذا كنا توأمين أم لا..فأكدت إنني اكبر منك..مع الأسف..كان بودي أن أحس إنني اصغر منك.."اضحك شوية".
    كرومي..لا ادري ما هو شكل السجن..هل كما نراه في الأفلام..و هل تعودت عليه.....أمس نظفت غرفتك..ووجدت شريط لفؤاد سالم..تعودت..تتذكر لما كنا نسمعه مع بعض بالمرجوحة بالحديقة وقت الضحى؟
    تتذكر كلمات "اتعودت"...دعني اكتبها لك
    "عودتني انتظر
    وارسم على الأيام موعد
    عودتني العيد
    يعني الناس وياهم أعيد
    كتلي من يعتق جرح جرحين
    يتلاقى وجعها
    وعودتني
    عودتني السفن من تصفح إقبال الريح
    تتمزع شرعها
    كتلي ما تبقى سفن والناس يعيروها خشب عادي
    ويغرقها دمعها
    قتلي يا سفان
    من ضلع السفينة ينكسر
    كل ضلع من عدنه ضلعها
    ردت اقلك...والتهينا
    وفارقتني.....ردت أقلك
    عودتني
    عودتني اترك ببيتك بطاقة عيد...موعد
    واكتب ببابك إذا مسافر...
    ولقيتك سافرت من غير رجعة
    وعودتني
    تعودت
    كل يوم أشوفك يا حبيبي
    تعودت
    و لا تظن اقدر اعوفك عني لو يوم
    يوم أبعدت
    انته دنياي و حياتي
    وانته دفتر ذكرياتي
    وصورة بعيوني أصبحت
    تعودت بعيونك أبحر
    مركب لشاطي الأماني
    شراعي بالرحلة ...حنيني
    شوقي للملقى ...أغاني
    دنياي عيونك حبيبي
    ما شفتها بكل زماني
    صورة بعيوني أصبحت
    يا ما عشنا سنين فرحة
    الشوق ماخذنا بحنينه
    الليالي تفوت واحنة بالليالي ما درينا
    ومن سعادتنا حبيبي
    ضحكنا و ضحكنا و بكينا
    صورة بعيوني أصبحت"


    تعودت أن تكون أبا و صديقا وأخا...و أختا..و الآن...يمارس القدر اليتم معي للمرة الآلف..بأن يجعلني افتقدك..في قلبي...أبو لطيف لا يقبل أن نأتي بذكرك أمامه ويصبح عصبيا جدا...و تشاجر مع أمي حين قالت إنها تود زيارتك..و خرج من عندنا زعلان....لكن أمي مصرة على الذهاب..سأعمل لك "كليجة العيد" انتة مو تحبها من أيدي..أي عيد يا كرومي؟.....لم يعد للعيد من معنى..رغم أن الصغار جاءوا ليعايدوا أمي وأنا..إلا إننا كنا نبكي غيابك كالخرس...
    كرومي عندي هواية حجي...وما ادري اشلون اكتبه..بس كل اللي أقوله..اصبر...والله كريم..واخبر أمي عن احتياجاتك لان ليس لدينا صورة واضحة عن أين أنت وما وضعك وما احتياجاتك؟
    اكتب لي ولو حرفين...

    اختك رجوة
    ...........

    ولم اكتب لك يا حبيبتي..يا أختي التي كانت عالمي الصغير و تتحول إلى صبي في ثواني و من ثم إلى صديق و من ثم صديقة...فأفتح لها قلبي وكل ما لا يجرؤ الآخرين على النقاش به..كنت اكثر من صديق أو أخ..هل كنا توأمين روحين و جسدين أخا و أخته تكبره بعام واحد فقط..يا ترى يا رجاء هل عندما اخرج سأجدك قد تزوجت و شخت و عندك كومة من الأطفال.. وأنا أتوكأ على عصا ؟..إن كان علي الانتظار 25 سنة..كيف سأعتاد على عدهن؟ لا ادري

    كتبت لي ميادة
    ابني الغالي الذي أبكى عيني
    ليش يا كريم؟ ليش يا كريم...تحسسني بفشلي في تلقيمك التربية الحسنة انا التي أخذت على عاتقي الاعتناء بك منذ ولادتك ....أمي وهبتك الحياة وأنا من وهبك الصح والخطأ و ها أنت تثبت لي خطأ تربيتي ...أخذت أغير تعاملي مع أطفالي..لأنني قلت ...أخطأت في تربية كريم..
    هل حقا كانت تربيتك خطأ؟
    ناقمة جدا عليك و غير راضية عما فعلته...لماذا لم تفتح لي قلبك؟ لماذا لم تخبرني بنيتك؟ هل كنت محتاجا لشيء ما...؟
    أريد أن أعاتبك...إلى حين أستطيع زيارتك انا و عبد الرحمن ان استطعنا اخذ إجازة من الدوام ونترك الأطفال عند أمي و رجوة...ليش كريم...أتعرف ان أمي لا تنام من الليل سوى دقائق والباقي نحيب...أمي لم تبكي على داود أو مرتضى كما أنت الآن...أنت لا حي و لا ميت....هل تعلم ان رجوة...هي الأخرى مريضة..أرافقها إلى المستشفى في زيارات أسبوعية وكلما التقينا بالطريق بشاب بعمرك...أخذتنا العبرات في حناجرنا و نكاد نصرخ...نصرخ بوجه من كريم...أريد ان أناديك كرومي...لكن لا...لن ادلعك ...لا تستحق...كسرتنا و خذلتنا...كنا في غنى جدا عما نحن فيه الآن...
    أعاتب فيك الرجل والأخ....أتتذكر حين كانت أمي تطلب مننا ان ننهض نحن البنات الثمانية حين يدخل أي ذكر منكم إلى الصالة...ترى هل فهمت لماذا...أمي كانت تبرر ذلك.."انهم أعمدة البيت وانتن تعيشن تحت ظلهم للابد...هؤلاء رجالكن و سدكن الأمين و ليس رجالكن الذين تزوجتموهن"
    لماذا يا أحد أعمدة البيت تركته متهدلا من جهتنا ونحن مختنقات بما تهدل فوق رؤوسنا من بيتنا ...لماذا يا كريم..من قصر بحقك؟ عن ماذا كنت تبحث خارج الحدود؟ ثراء؟ لست بحاجة إليه....لم نعرف الثراء كما لا نريد ان نعرفه...حرية؟ ما الداعي لها حين نحن مدجنون على العبودية...تصبح مرضا لا نعرف كيف التعامل معه و نافذة لا نعرف إطارها من درفاتها...الحرية لها معجبيها أما نحن فلن تعنينا...
    عن ماذا كنت تبحث؟
    ليتك كنت قربي الآن لقمت ألوي أذنك كما كنت صغيرا و أعاقبك..أعاقبك...أنت بعيد في السجن و تتوقع مني كلاما عاطفيا تملؤه الحنية والعطف
    لا لن افعل...انا ساخطة عليك
    أنت خذلتني حين كنت أشير إليك وأنا اكلم أولادي الأربعة قائلة لهم
    أريدكم مثل خالو كريم
    لم يعد لي لسان ينطقها وحين يسألونني أين خالو كريم
    ما أقول؟
    رد علي كريم رد..كن شجاعا و رد...
    أختك ميادة

    آلمتني ...تبللت الورقة بدمعي ..ارتجفت يداي...سحب مني موفق الرسالة...انطويت فوق سريري...الذي اصبح يعزف معزوفته المعتادة...ميادة و أبو لطيف ينتمون لنفس الجيل البعيد عننا...لن يستطيعون فهمي..إنها نسخة من لطيف...و ربما رجاء نسخة مني...
    سامحيني ميادة...حين خذلتك...لم اكن ابحث إلا عن هواء نظيف...فقط..والله طموح مشروع يا ميادة...
    تفتت فرحتي...أخذت رسالة رجوة لاقرأها مرة أخرى..لعلني أحس بشيء من الفرح...لكن هيهات..كانت كلمات ميادة قاسية كمسمار صدئ يحفر في الجسد..انتقت كلماتها و هي التربوية...انتقتها بعناية فائقة لدرجة تزلزل روحي و تحسسني بضآلة ما فعلت....هل كانت خائفة على منصبها الوزاري...حين كتبت ما كتبت؟ هل كانت خجلة من زوجها...الذي شهد كل مآسينا (انكساراتنا؟)...لا ادري لماذا كتبت لي ميادة أول رسالة لتكون طلقة مسدس كاتم للصوت أضعه تحت وسادتي وإمعانا في تعذيب نفسي كنت اقرأها كل يوم....
    السجن...السجن...البيت الآخر لقذر الذي يتناوب فيه النزلاء على تلقف العقوبات والمآسي بشتى ألوانها...عفونة المكان و رطوبته و خيانات النزلاء...أقضت مضجعي..كنت قلقا على كريم الذي بداخلي ان كان سيخرج سليما معافى..روحيا..جسديا...ذهنيا..

    ((ليه بالمرة قطعتوا
    قلتوا نرجع
    ما رجعتوا
    وانشغل بالي عليكم
    صار مدة ما تجون
    من سماه النور غايب
    والله يا أغلى الحبايب
    من سمانا القمر غايب
    والله يا أغلى الحبايب
    والله او وحشتوا العيون
    بعدكم طول علينا
    شو السبب ؟
    لا ما درينا...
    وانتظاري طال صره
    والهجر ساعاته مرة
    عيننا على الدرب ظلت
    تنتظركم ترجعون
    والله او وحشتوا العيون
    ليه
    ليه بالمرة قطعتوا
    بالعهد احنة وفينا
    من هواكم ما انتهينا
    ناس ياما ناس شفنا
    غير حبكم ما عرفنا
    بس كلام الناس والله يعذب القلب الحنون
    والله او وحشتوا العيون
    ليه
    ليه بالمرة قطعتوا))




    مودتي
    رجاء جمعة سلمان

    [RAM]http://song.6arab.com/7atim...leeh-belmarah-ge6a3to.rm[/RAM]

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة واحة الدرر 1432هـ - 2011م
كل ما يكتب في هذا المنتدى يمثل وجهة نظر كاتبها الشخصية فقط