[align=center] بسم الله الرحمن الرحيم
وهديناه النجدين ... نجد الدنيا ونجد الآخرة
بعد الحديث عن الضلالة في قوله تعالى: (ووجدك ضالاً فهدى(7) الضحى، وبينا فيه أن في هذه الآية شهادة تبرئة من الله عز وجل لرسوله من الشرك والكفر الذي اجتمع عليه أهل مكة قبل النبوة ...
فرأيت وجوب الحديث عن "الهُدى" بعد الحديث عن الضلالة ....
مادة "هدي" جرى استعمالها في القرآن الكريم واللغة العربية في الثبات؛ الثبات على الطريق، أو النهج الذي يريد الله عز وجل أن يسير عليه الإنسان.
فالله تعالى يريد من الإنسان أن يسير على نهج ثابت رباني بالأحكام أن أنزلها، فيه صلاح شأنه في الدنيا وفي الآخرة.
فجميع الهداية التي ذكرت في القرآن الكريم تفيد الثبات على الصلاح، بإرشاد ومنهج من أحكام الله، للسير في أمور الحياة وفق ما يحبه الله ويريده.
وطلب الهداية من الله إما لمسألة خاصة، وحدث مؤقت؛ كدعاء موسى عليه السلام : (وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاء مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَاء السَّبِيلِ (22) القصص، أو هداية دائمة من الله عز وجل في كل أعمال الإنسان وأفعاله الكثيرة.
و"الهديَّة" لأنها تثبت المحبة بين المتحابين سميت بهذا الاسم؛ وفي ذلك الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم : "تهادوا تحابوا".
و"الهَدْيُ" الذي يسوقه الحاج إلى الكعبة هو لتثبيت أهل مكة الذين يسكنون بواد غير زرع؛ وخاصة الفقراء ليظل بيت الله معمورًا، فيصنعوا من لحومها القديد الذي كان يكفيهم معظم أيام السنة، قال تعالى: (فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ (95) المائدة، وقال تعالى: (هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ (25) الفتح. وقوله تعالى : (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ (96) البقرة، وقال تعالى: (جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ (97) المائدة.
أما قوله تعالى : (احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ (22) مِن دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ (23) الصافات، فالهداية هنا تثبيت الكافرين في سوقهم إلى الجحيم؛ لأنه لا أحد منهم يريد أن يذهب إلى الجحيم، ويحاول أن يمتنع من سوقه إليها، فتثبته الملائكة حتى تدخله فيها.
أما قوله تعالى: (أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (8) وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ (9) وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ (10) البلد، فإن الله تعالى أعطى الإنسان ما يقوده إلى علو ثابت له في الدنيا والآخرة، والنجد هو المكان المرتفع؛ ولذلك سميت نجد لارتفاعها عن تهامة في الغرب، وساحل الخليج في الشرق.
أما تفسير النجدين بالشر والخير ففيه نظر ... فمتى كان الكفر والشرك له علو يريد الله له الثبات؟!
بل إن الله تعالى جعل العزة لله ورسوله وللمؤمنين، وما إرساله للرسل وإنزاله للكتب إلا ليزهق الباطل، ويزيل علوه، فالله تعالى هدى الإنسان ليكون له العلو بإيمانه في الدنيا ، والعلو بأعماله الصالحة في نعيم الجنة في الآخرة، برحمة وفضل من الله تعالى.
وما بيان الخير والشر من الله في آيات كثيرة إلا ليتبع الإنسان الخير، ويثبت عليه، ويجتنب الشر، ويبتعد عنه، وليس ليعلو ويرتفع به، فهداية الله تعالى الإنسان النجدين هي هداية لخيري الدنيا والآخرة، والآخرة أعظم درجة ورفعة وعلوًا ... والله تعالى أعلم.
أبو مسلم / عبد المجيد العرابلي
[/align]