لا تحسبوه شرا لكمإن الحمد لله رب العالمين، واشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، واشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه من خلفه وخليله، أدى الأمانة وبلغ الرسالة ونصح الأمة فكشف الله به الغمة، وجاهد فى الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، فاللهم اجزه عنا خير ما جزيت نبيا عن أمته، ورسولا عن دعوته ورسالته، وصل اللهم وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله واصحابه وأحبابه وأتباعه وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين.

أما بعد فحياكم الله هذه الوجوه الطيبة المشرقة، وزكى الله هذه الأنفس وشرح الله هذه الصدور، وطبتم جميعاً وطاب ممشاكم وتبوأتم من الجنة منزلاً ، وأسأل الله جل وعلا بأسمائه الجسنى وصفاته العلا أن يجمعنا فى هذه الدنيا دائماً وأبدا على طاعته أن يجمعنا فى الآخرة مع سيد الدعاة المصطفى فى جنته ودار مقامته، إنه ولى ذلك
والقادر عليه...


أحبتى فى الله ... ( لا تحسبوه شراً لكم )

هذا هو عنوان لقائنا مع حضراتكم فى هذا اليوم الكريم المبارك وكعادتى حتى لا ينسحب بساط الوقت سريعاً من تحت أقدامنا فسوف ينتظم حديثى مع حضراتكم فى هذا الموضوع الجريح النازف فى العناصر المحددة التالية:

أولاً: كل شئ يقع فى الكون بقدر وعلم وحكمة.

ثانياً جولة طويلة مع التاريخ.

ثالثاً: والعاقبة للمتقين.

فأعيرونى القلوب والأسماع جيداً والله أسأل أن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه { أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ} (18) سورة الزمر

أولاً: كل شئ يقع فى الكون بقدر وعلم وحكمة:

أيها الأحبة! إننى ألمح رياحا عاتية من القنوط واليأس تعصف الآن بكثير من القلوب لضغط هذا الواقع المؤلم، وألمح من بين ثنايا هذه الريح المظلمة بعض القلوب التى تتشكك فى قدرة الله وعلم الله، وحكمة الله فلو امتنع أحد المسلمين أن يعبر بلسانه، فإن قلبه يكاد أن يتقطع أو أن يتمزق حسرات وربما يمنعه حياؤه وخجله من أن يعبر بلسانه، وربما يعبر عن ذلك بلسان حاله فيقول: ألا يسمع الله عز وجل صراخ هؤلاء الطفال الصغار فى القدس ؟! ألا يرى الله عز وجل أحوال هؤلاء المظلومين فى الأقصى؟! ألا يسمع الله عبرات الأقصى وأنينه؟! ألا يرى الله أشلاء تمزق ودماء تسفك فى الشيشان؟! ألا يسمع الله صراخ المقهورين؟! ألا يعلم الله أحوال المعذبين من الموحدين؟!.

أين قول الله: { وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ } (8) سورة المنافقون ؟ أين قول الله: { وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً} (141) سورة النساء. اين قول الله: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا } (55) سورة النــور.

أتقول لى بأن الله يرى ويسمع؟ نعم! الله يسمع ويرى ولا يقع شئ فى كونه إلا بقدره، إلا بعلمه، وإلا بحكمته، وإن من وراء قدر الله حكما غابت عنا، حكم أخرى والله لا يغيب عنه شئ فى الأرض ولا فى السماء والله لا يعجل بعجلة أحدا، والله لا يعجل بعجلة أحد وإنما لله تبارك وتعالى وراء كل حدث حكمة، ولله تبارك وتعالى وراء كل ابتلاء حكمة علمها العباد أو لم يعلموها.

فإن العاقل من البشر لا يقول قولاً إلا بحكمة ولا يفعل فعلا إلا بحكمة أفننسب الحكمة لحكماء الأرض من البشر وننسى أن ننسب الحكمة لخالق البشر جميعا جل وعلا؟!! قال الله تعالى: {وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ} (59) سورة الأنعام: قال الله جل وعلا : {وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلَا يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} (11) سورة فاطر. قال جل وعلا: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} (49) سورة القمر .

والله الذى لا إله غيره لا يحدث شئ فى كون الله إلا بعلمه وقدره
وحكمته، فالله سبحانه هو العليم الذى يعلم ما كان وما هو كائن وما سيكون، والله
جل وعلا هو الحكيم الذى لا تغيب حكمته عن فعل يقع فى كونه ولكن أكثر
الناس لا يعلمون.


من أجل ذلك اخترت هذه العنوان : (لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم)

ففى كل محنة وابتلاء من الخير ما الله به عليم ولكن أكثر الناس لا يعلمون قال تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} هل تصدقون الله:
{وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} (216) سورة البقرة . الله لا يغيب عنه شئ ونحن لسنا أرحم بالمستضعفين من خالقهم، ولسنا أرحم بالمستذلين من رازقهم كلا ورب الكعبة لكن الله حكماً لا يعلمها إلا هو، لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم- قال الله تعالى: {وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} لكن الله بحكمته وعدله قد خلق الخلق وجعل فى الكون سننا ربانية لا تتبدل، ولا تتغير، ولا تتبدل ولا تتغير، ولا تحابى أحدا من الخلق بأى حال مهما ادعى لنفسه من مقومات المحاباه من سنن الله فى الكون سنن الابتلاء وسنن التدافع قال تعالى: {فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاء وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ} (251) سورة البقرة وقال تعالى: {الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} (40) سورة الحـج . قال تعالى: { ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاء اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ } (4) سورة محمد .


هل تظنون أن رعاة البقر من الأمريكان يعجزون الله؟ هل تظنون أن إخوان القردة والخنازير من اليهود يعجزون الملك القدير؟ لا والله! ولكنها سنة الله فى خلقه ألا وهى سنة التدافع ولكن ليبلو بعضكم ببعض {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ} (2) سورة الملك.

يا موحدون: ألم تقرؤوا قول الله: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ* الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ * وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ * وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ * الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ * فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ* إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} (6 - 14) سورة الفجر . الم تقرأ قول الله: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ * أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ * وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ * تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ * فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ} (1 ، 5) سورة الفيل لكن متى يتدخل ربنا جل وعلا للنصره إذا نصر العباد دين الله { وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ } (40) سورة الحـج إن وجد أهل الإيمان الخلاص نصرهم من وعد المؤمنين بالنصرة { وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} (47) سورة الروم { وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ } (8) سورة المنافقون {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا}(النور: 55).

فالوعد بالنصرة والعزة والاستخلاف والتمكين للمؤمنين فإن وجدتم العزة والنصرة والاستخلاف والتمكين قد رفعوا، فاعلموا بأن القاعدة المؤمنة الخالصة التى تستحق هذا لم توجد فى الأرض، وإن وجد من الأفراد من أتباع الطائفة المنصورة ما وجد فإن رسول الله قد وعد ألا يخلو منهم زمان ولا مكان ولكن لابد للأمة أن تبذل أقصى ما فى طوقها، وأن تستعد بأقصى ما تملك ثم بعد ذلك لا تعلق الأمة قلوبها بالأسباب وإنما تعلق قلوبها بمسبب الأسباب، جل جلاله الذى يقدر وحده على كل شئ.

أين الظالمون؟ وأين التابعون لهم

أين من دوخوا الدنيا بسطوتهم
هل أبقى الموت ذا عز لعزته؟
لا والذى خلق الأكوان من عدم





فى الغى؟ بل أين فرعون وهامان
وذكرهم فى الورى ظلم وطغيان
أو هل نجا منه للسلطان إنسان؟
الكل يفنى فلا إنس ولا جان




فالله وحده قادر على كل شئ ها نحن نرى الفيضانات قد أربكت بريطانيا تلك المملكة التى قبل عنها يوما: المملكة التى لا تغيب عنها الشمس رأينا الفيضانات فى الأيام القليلة الماضية قد أربكت بريطانيا حتى قالت وكالات الأنباء: وكادت الفيضانات أن تعزل بريطانيا عزلاً كاملاً عن العالم، ورأينا ريحا عاتية تحرق آلاف الأفدنة من المزارع فى أمريكا وعجزت الطائرات فى السماء أن تطفئ النيران فى الأرض، ورأينا الزلازل التى فى ثوان معدودة تجعل أسفل الأرض عاليها وأعلى الأرض أسفلها فالله يقدر على كل شئ، ولا يعجزه شئ فى الأرض ولا فى السماء لكنها السنن التى أودعها كونه تلك السنن التى لا تتبدل ولا تتغير، تلك السنن التى لا تحابى أحداً من الخلق بحال مهما أدعى لنفسه من مقومات المحاباه.

فقد يظن بعض الناس فى الابتلاء والمحن شراً ولكن الله الذى قدر بعلم وحكمه يعلم أن فى هذه المحن وأن فى هذه الفتن وأن فى هذه الابتلاءات خيراً كثيرا للمؤمنين الصابرين الصادقين لو علموا ولو لم يعلموا فإن الله تعالى يقول: { وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} (232) سورة البقرة.

وها هو التاريخ بين أيدينا سأستخرج لحضراتكم منه بعض الدروس والعظات والعبر، لأبين لحضراتكم مع كل حدث قول الله تعالى: { لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم } (11) سورة النــور وأبدأ بالآية التى اخترت العنوان منها ألا وهى قول الله تعالى فى سورة النور {إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (11) سورة النــور لا تحسبوه شراً لكم إفك يدمر القلوب ويحطم الأفئدة هل تعلمون ما هو؟ إنه إفك يرمى به المصطفى فى شرفه وعرضه ارجو أن تتدبر ما أقول.

أقول: إفك يرمى به المصطفى فى شرفه وعرضه وفى من؟ فى عائشة التى أحبها من كل قلبة وأعلن حبه لها قيل: يا رسول الله من أحب الناس إليك؟ اقل: "عائشة"" قيل: من الرجال؟ قال:" أبوها" . قيل : ثم من؟ قال: " ثم عمر" ([1])

يرمى فى عائشة. والحديث فى الصحيحين بطوله لا أريد أن اقف مع الحديث كله تتأخر عائشة خلف الجيش لقصة معلومة فيأتى بها صفوان بن المعطل السلمى- رضى الله عنه- فيرى عائشة رأس النفاق عبد الله بن سلول فيقول: من هذه؟ فى غير رواية الصحيحين: من هذه؟ فيقولون: عائشة أم المؤمنين.. فيقول الخبيث المنافق: زوج نبيكم تبيت مع رجل حتى الصباح ثم جاء يقودها- أو يقود لها الدابة – والله ما نجت منه وما نجا منها...

قولة خبيثة: والله ما نجت منه وما نجا منها، فيرمى الصديقة بنت الصديق بالزنا هكذا- يا إلهى- ويسمع الخبر رسول الله .

أرجو أن تعيش معى بقلبك ماذا لو سمعت هذا الآن عن امرأتك أنت كيف يكون حالك؟ فها هو المصطفى يرمى فى عائشة التى أحبها من كل قلبه وهى الزهرة التى تفتحت فى أرض الإسلام واستمعت إلى القرآن غضا طريا فلم تعرف الشرك يوما.

نشأت فى بيت الصديق يصلى رضى الله عنه طفلة صغيرة زهرة جميلة سمعت القرآن من الصديق، ورأت الصديق يصلى بنت الطاهر، ورسول الله يقرأ القرآن ويعلم الصديق الإسلام فى بيتها: الطاهرة بنت الطاهر، ورسول الله يرمى فى عرضه وفى شرفه وفى طهارته وهو الطاهر الذى فاضت طهارته على العالمين، يرمى فى صيانة حرمته وهو القائم على صيانة كل الحرمات فى أمته، والصديق صديق الأمة يرمى بهذه الفرية العظيمة فيبكى ويقول: والله ما رمينا بهذا فى الجاهلية أفنرمى به فى الإسلام؟!.

وأم عائشة التى يهدهد الألم فؤادها ويحطم الحزن كبدها ترمى إبنتها زوج رسول الله ... وينطلق الحبيب ليسأل عن عائشة ليسأل أسامة، ليسأل عليا، ليسأل جاريتها، ليسأل زوجاته عن عائشة.

يا إلهى!! إنه الألم، إنه الحزن يحطم كبده وفؤاده وتستأذن عائشة رسول الله فأذن لها فذهبت إلى بيتها وفى اليوم الموعود دخل عليها رسول الله وهى تنام على فراشها فجلس إلى جوارها وقال: " يا عائشة إن كنت قد ألممت بذنب فاستغفرى الله وتوبى إليه فإن العبد إذا أذنب وتاب إلى الله تاب الله عليه".

يا أخى! تدبر فى كل كلمة ، لتعلم مدى الألم ومدى الهم الذى يعانيه رسول الله يقول هذا لعائشة،" يا عائشة إن كنت قد ألممت بذنب فاستغفرى الله وتوبى إليه فإن العبد إذا أذنب وتاب إلى الله تاب الله عليه وإن كنت بريئة فسيبرئك الله
عز وجل".


تقول عائشة: فقلص دمعى.. جف الدمع فى عينها لما سمعته من رسول الله ظنت أن رسول الله جاء لها بالبراءة فجاء يقول لها مثل هذا الكلام الذى يحطم الجبال الرواسى تقول: فالتفت إلى أبى – التفتت إلى الصديق وقالت- : يا ابى ! أجب عنى رسول الله أجب عنى رسول الله ... فالتفت الصديق إلى ابنته المحطمة وقال لها: والله ما أدرى يا ابنتى ماذا أقول لرسول الله؟ فتركت البنت أباها والتفتت إلى أمها وقالت: يا اماه اجيبى عنى رسول الله؟ فقالت الأم الباكية: والله ما أدرى يا ابنتى ماذا أقول لرسول الله ؟ تقول عائشة فقلت: والله ما أجد لى ولكم مثلا إلا كما قال أبو يوسف:" فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون" فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون.

قالت: والله ما برح رسول الله مجلسه وما تحرك منا احد وإذ بالوحى يتنزل على رسول الله وكان الوحى إذا نزل عليه يتحدر منه عرق كالجمان- أى: كحبات اللؤلؤ فى اليوم الشديد البرد- تقول: فسرى عن رسول الله وهو يبتسم ويقول لعائشة: "أبشرى يا عائشة لقد برأك الله من السماء".. فقالت الأم بسعادة وغبطة فقالت: قومى يا ابنتى لرسول الله فاشكريه... فقالت عائشة الصديقه: لا والله لا أشكر رسول الله ولا أقوم إليه، بل لا أشكر إلا الله عز وجل الذى أنزل براءتى من السماء([2]) .. وقرأ عليها الآيات التى برأها الله بها فى سورة النور {إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم} سورة النور (11)

لا تحسبوا شرا لكم كل هذا والله يقول: لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم نعم بل (بل هو خير لكم) ... أين الخير؟ هذا هو السؤال الذى يسأله بعض أصحاب القلوب القلقة، اين الخير فى مثل هذه المحنة؟ أين الخير فى مثل هذه الفتنة؟ أين الخير فى مثل هذا الابتلاء العاصف؟ تدبر لو لم يكن فى هذه المحنة من خير إلا أن الله أراد أن يعلم الأمة أن النبى لا يعلم الغيب لكفى، لو كان رسول الله بعلم الغيب ما حطم الألم كبده وفتت الحزن فؤاده شهرا بكامله ما انطلق رسول الله، ليسأل عن أمرأته أصحابه، ما أنطلق رسول الله ليسأل عن أمرأته وزوجته الحبيبة جارتها ثم لقد أندس فى الصف المسلم المنافقون ، والمنافقون شر عظيم وخطر داهم، لأن المسلم يعلم عدوه الكافر ويعد العدة للقاءه لكن المنافق يندس فى الصف فإن جلس مع المؤمنين تكلم بكلامهم تيعر إلى هذه تارة وإلى هذه تارة {مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لاَ إِلَى هَؤُلاء وَلاَ إِلَى هَؤُلاء وَمَن يُضْلِلِ اللّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً} (143) سورة النساء والمؤمنون لا يعلمون شرهم ولا خطرهم إلا بمثل
هذه المحن والفتن.


لقد ظهر المنافقون ظهوراً جليا للموحدين بعد هذه الفتنة الحالكة فمثل هذه المحن تخرج المخبوء مثل هذه الفتن تكشف عن السرائر وتبين الجوهر الحقيقى لأن الإنسان فى حال الرخاء قد لا يعرف دروب نفسه وقد لا تعرف مجاهلها وقد لا يعرف عيوبها وقد لا يعرف خطرها فإذا ما تعرض للمحنة انكشف له كل شئ المؤمن الصادق هو الذى يثبت فى المحن والفتن والابتلاء.

أما الذى يعبد الله على حرف فإذا اعترضته فتنة أو ابتلاء ترك الطريق وانحرف على وجهه فأصبح من الخاسرين فى الدنيا والآخرة قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} (11) سورة الحـج وقال تعالى {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ} (214) سورة البقرة وقال تعالى {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} (142) سورة آل عمران وقال تعالى {أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} (2، 3) سورة العنكبوت.

ثم لقد ارتفعت مكانة عائشة بعد هذه المحنة عند الله وعند رسوله أى كرامة لعائشة!! هى نفسها تقول: والله ما كنت أظن أن ينزل الله فى شأنى قرآنا يتلى فشأن نفسى كان أحقر من ذلك ولكنى كنت أود أن يرى رسول اله رؤيا ليبرئنى الله فيها.

فتصور معى أن ينزل الله فى حقها قرآنا يتلى إلى يوم القيامة أى كرامة هذه! وأى شرف!! ويظل رسول الله بعد هذه المحنة يعرف قدر عائشة ومكانة عائشة ولم لا؟! ولقد برأها ربها من فوق سبع سماوات وكانت تفخر بذلك وحق لها أن تفخر بذلك فكانت تقول: لقد برأنى الله من فوق سبع سماوات وشرفها الله بذلك حتى آخر لحظات رسول الله معها تقول: إن من أعظم نعم الله على أن رسول الله مات فى بيتى وفى نوبتى وبين حانقتى وذاقنتى أو بين سحرى ونحرى وجمع الله بين ريقى وريقه([3]) فى آخر يوم من ايام الدنيا وأول يوم من أيام الأخرة..

من كان يظن أن فى هذه المحنة الذى ذكرت وهذا شئ قليل ولا أريد أن أستطرد – لا تحسبوه شراً لكم- ثم تأتى غزوة أحد التى خالف فيها المسلمون أمر رسول الله ، وشج رسول الله وكسرت رباعيته ونزل الدم الشريف من جسده الشريف الطاهر بل وكاد الرسول أن يقتل بها وانتشر خبر قتل النبى فى احد ورمى بعض الصحابة أسلحتهم حتى قال لهم أنس بن النضر كما فى الصحيحين: قوموا فموتوا على ما مات عليه.

للمسلمين والأمة من بعدهم دروس غالية بهذه المحنة فنزل قول الله تعالى: {وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ * أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ * وَلَقَدْ كُنتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِن قَبْلِ أَن تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ * وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ} (139 ، 144) سورة آل عمران . لقد أعلم الله الأمة بهذه المحنة بأن رسول الله بشر، وأنه سيموت وبأنه ما جاء ليخلد فى هذه الحياة بل جاء ليربط الناس بالعروة الوثقى من عند الله، ثم يمضى إلى ربه وهم بها مستمسكون، ليعلمهم أن الدعوة أبقى من الداعية ولو كان المصطفى، وأن الدعاة يقتلون ويموتون وستبقى الدعوة خالدة على مر الأجيال والقرون فلو ماتت دعوة بموت دعاتها لماتت دعوة الإسلام بموت الدعاة.

(لا تحسبوه شراً لكم) ثم تأتى الحدبيبة- أحداث من التاريخ- تأتى الحديبية ويرى فيها المسلمون ظلماً وإجحافا قال عمر قولته الخالدة: يا رسول الله: أو لسنا على الحق؟ أو ليسوا على الباطل؟ ورسول الله يقول: "بلى" يقول: إذا فلم نعطى الدنية فى ديننا؟ وغضب عمر وانفعل ثم ذهب للصديق ليردد عليه مثل هذا الكلام: يا ابا بكر أو لسنا على الحق؟ يقول: بللا .. أو ليسوا على الباطل؟ .. يقول: بلى. يقول: إذا فلم نعطى الدنية فى ديننا؟ يقول عمر: ألم يعدنا أن نطوف بالبيت؟ فيقول له الصديق: وهل وعدك أن تطوف به العام يا عمر الزم غرزه فإنه رسول الله حقا وإن الله سينصره الزم غرزة يا ابن الخطاب وإن رسول الله قد وعد بالطواف حول البيت وستطوف يوما حول البيت .. وعاد الصحابة والدماء تغلى فى عروقهم وسمى الله هذا الصلح فتحا {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا} (1) سورة الفتح {لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا} (27) سورة الفتح . وكان صلح الحديبية فتحا عظيماً للإسلام والمسلمين أعطى لرسول الله هدنة فراح يرسل إلى الملوك والحكام وراح ينشر دين الله عز وجل حتى قواه الله تبارك وتعالى وصار المسلمون قوة كبيرة لا يستهان بها وعاد رسول الله لمكة فاتحاً منتصراً بموعود الله ونزل عليه قوله تعالى: {إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ *وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا* فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} (1 ، 3) سورة النصر .

أيها الأحبة: أستطيع لو وقفت مع حضراتكم مع أحداث التاريخ أن استخرج منها كنوز الخير المخبوءة التى لا يعلمها كثير من الناس ويظن كثير من الناس أنها للوهلة الأولى شر ولكنها خير وصدق ربى إذ يقول:" { لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ} (11) سورة النــور.

إمام أهل السنة أحمد بن حنبل سُجن وقبض عليه وتعرض للبلاء فى فتنة خلق القرآن فى عهد المأمون، وفى عهد الواثق وفى عهد المعتصم حتى جاء المتوكل أن ترى بعينيها فقط الإمام أحمد اشتاقت أم الخليفة أن ترى الإمام فقالت: يا بنى! أريد أن أرى هذا الرجل.

ثبت الإمام فى هذه المحنة عذب وثبت ما يقرب من ثلاثين شهراً وجُلد بالسوط من أجل أن يقول: إن القرآن مخلوق فأبى أن يقول وهو يجلد يقول: اثنونى بآية من آيات الله وبحديث من أحاديث رسول الله لأقول به وهو يجلد .. وصبر الإمام الإمام على ذلك حتى صار بعد هذه المحنة إماما لأهل السنة وعلماً على الصبر فى البلاء.

ورحم الله ابن المدينى إمام الجرح والتعديل إذ يقول: لقد أعز الله الدين بأبى بكر يوم الردة وبأحمد بن حنبل يوم المحنة.. لقد أعز الله الدين بأبى بكر يوم الردة وبأحمد بن حنبل يوم المحنة، ظهر الخير فى صدره وظهر الخير فى هذه المحنة.

ثم بدأت الهجمات التتارية الغاشمة واحتل التتار عاصمة الخلافة بغداد أسأل الله أن يفرج كربها، وذبحت التتار المسلمين أربعين يوما لا يكفون عن الذبح والقتل، ومنعت صلاة الجماعة كل الصلوات فى كل المساجد فى بغداد منع التتار الصلاة لم يجرؤ كان الرجل التترى والمسلم خارج بيته يقول له: يا مسلم قف مكانك حتى آتى بسيفى لأرجع لأذبحك فيظل المسلم فى مكانة من الرعب متى يرجع التترى ليأتى بالسيف ليذبح به المسلم، وهو مستسلم وانتهت المحنة والفتنة، وقيض الله للأمة الأطهار الأبرار الذين هزموا التتار شر هزيمة وظهرت الأمة على حقيقتها.

ثم بدأت شرارة الصراع الصليبى الحاقد وسيطر الصليبيون على القدس الأسير، ووضعوا الصلبان على جدران المسجد الأقصى تدبر معى، ومنعوا صلاة الجماعة فى المسجد واحد وتسعين عاما هكذا.

ثم قيض الله عز وجل للأمة الأبرار الأطهار بقيادة صلاح الدين فاسترد القدس الأسير وهزموا الصليبيين شر هزيمة ويومها علم صلاح الدين الصليبيين سماحة الإسلام وعظمة الإسلام.

ثم تأتى المحنة التى تحياها الأمة بعد زوال الخلافة تلك المحنة التى طالت وبحق، لأن الأمة فى جل المحن الماضية كانت تملك كل مقومات النصر من ثقة بالله واعتزاز به وبذل ورفع لراية الجهاد ولكن الأمة فى السنوات الماضية القليلة لقد غيرت الشريعة
وابتعدت عن المنهج الربانى والنبوى وضحك الأعداء على الأمة غيبوا عن ساحة
الأمة قضية الجهاد فذلت الأمة ولمن؟ لمن كتب الله عليهم الذل فهل رأيتم أذل ممن أذلهم الله للأذل؟


نعم: إنها فتنة نعم إنها فتنة عاصفة وبحق وشديدة على أصحاب القلوب الحية الذين يحترقون لا يملكون أن يفعلوا أى شئ فضاعت القدس مرة أخرى يوم انشغل
قادة العرب بالعروش والكروش، وغيبوا عن الأمة قضية الجهاد وحاولوا بشتى الطرق
أن لا تصبغ قضية للأمة بالصبغة الإسلامية أبداً. أذل الله الأمة وأصبحت غثاء كغثاء السيل، وأصبحت الأمة الواحدة أمما متفرقة متشرذمة متهارجة متقاتلة، دق المستعمر الغبى الظالم مسماراً خطيراً بين حدود دولها يوم سمى بمسمار الحدود يطرق على رأس هذا المسمار خطيراً بين حدود دولها يوم سمى بمسمار الحدود يطرق على رأس هذا المسمار بقوة من آن لأخر فتشتعل الحروب بين كل دولتين مسلمتين متجاورتين، ولا حول ولا قوة إلا بالله.


ضاعت القدس وضاعت الأندلس قبل القدس وضاعت كشمير والحرب مشتعلة فى الشيشان وقبل ذلك فى البوسنة وفى طاجكستان، وفى ليبيريا والآن فى تركستان، وفى الفلبين وفى السودان، وفى أفغانستان، وفى كل مكان إلا من رحم ربك أسأل الله أن يجعل مصر أمنا وأمانا وسائر بلاد المسلمين.

فتن ومحن:

هذه المحن والفتن أثرت كثيراً على قلوب كثير من المسلمين فعصفت رياح القنوط واليأس بهذه القلوب لكننى أود أيضاً أن أقول فى كل هذه المحن: (لا تحسبوه شراً لكم) مع هذه الدماء والأشلاء (لا تحسبوه شراً لكم) فإن غابت عنا حكماً فإن لله حكما فى كل شئ لا تغيب.

نعم يا إخوة بعد حرب البوسنة ولأول مرة يعلم البوسنيون الإسلام كانت المرأة البوسنية تتزوج من الصربى الكافر بدون حرج وكانت الحياة بين هؤلاء البوسنيين وهؤلاء الصربيين الكافرين الحاقدين عادية جداً، وجاءت هذه الحرب وقالت يومها: لو علم الغرب خطر هذه الحرب فى منطقة البلقان وفى قلب أوروبا ما أشعلوا يوما نارهاً.

فى كل محنة سترى خيراً، فى كل بلاء سترى خيراً كثيراً من ورائه والله يعلم، وأنتم لا تعلمون فى الحرب الضروس التى يعلنها أنجس خلق الله فى الأرض اليوم من اليهود على المستضعفين فى فلسطين من الشباب الطاهر المبارك والشيوخ والأطفال والنساء.

ألمح فى هذه المحنة خيراً كثيراً فلقد علمت هذه المحنة العالم كله حقيقة الغرب الكافر الكاذب، سقطت ورقة التوت التى طالما وارى وراءها النظام الغربى سوءته وعورته، سقطت حتى عند العلمانيين الذين كانوا يعزفون على وتر التقديس والتمجيد للغرب سقطت ورقة التوت، وتمزقت خيوط العنكبوت التى طالما اختفى وراءها الغربى بوجهه الكالح الظلوم، ظهرت حقيقة أمريكا وحقيقة الاتحاد الأوروبى، ويعلم يقيناً المسلمون العباد الصادقون الآن يعلمون أن الكفر ملة واحدة وأن الغرب الكافر لن ينصر توحيداً قط وبدا مجلس الأمن على حقيقته، وهيئة الأمم على حقيقتها، وظهرت كل من الأحلاف والهيئات والمنظمات على حقيقتها.

كنا نقول حينما كنا نقول: إن الغرب لا يزن بمكيالين. كلا. كلا. كما تقول وكالات الأنباء ، بل يزن الغرب بمكيال واحد ألا وهو مكيال الانتقاص والعداء للإسلام والمسلمين، فالكفر ملة واحدة أظهرت الأزمة الأخيرة العالم الغربى على حقيقته أين السلام العالى؟ أين السلام العالمى؟

أين النظام العالمى؟ ألم تنعق به الأبواق؟

أين السلام العالمى؟ لقد بدا كذب السلام وزاعت الأحداق.

يا مجلس الأمن عذرا!!!.

يا مجلس الخوف الذى فى ظله كسر الأمان وضيع الميثاق.

أو ما يحركك الذى يجرى لنا أو ما يثيرك جرحنا الدفاق.

وحشية يقف الخيال أمامها متضائلا وتمجها الأذواق.

أولادنا فى فلسطين ناموا على أحلامهم وعلى لهيب القاذفات أفاقوا.

اين الغرب؟ لقد أظهرت المحنة الغرب الكاذب لا للمؤمنين كلا فالمؤمنون يعلمون يقينا عقيدة الولاء والبراء المؤمنون الصادقون يعلمون يقينا قول ربهم {وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ } (120) سورة البقرة المؤمنون الصادقون يعلمون يقينا قول ربهم: {وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ } (109) سورة البقرة المؤمنون الصادقون يعلمون يقينا قول ربهم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}
(51) سورة المائدة.


المؤمنون الصادقون يعلمون يقينا قول ربهم يعلمون الولاء والبراء يعلمون
قول الله عز وجل:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ
بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي
سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}
(54) سورة المائدة


فالمؤمن الصادق لا يحتاج إلى هذا الواقع ليصدق بهذا الواقع قول ربه وقول نبيه أكرر فالمؤمن الصادق لا يحتاج إلى هذا الواقع ليصدق بهذا الواقع قول ربه وقول نبيه، كلا بل المؤمن الصادق يصدق قول ربه وقول نبيه تصديقا لا تهب عليه رياح الشكوك قط: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} (15) سورة الحجرات {ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا} أى : لم تعصف رياح الشكوك بالإيمان فى قلوبهم.

إن اصحاب القلوب القلقة بدا لهم الآن أن الغرب لا يزن بمكيالين، بل يزن بمكيال واحد بدا لهم أن الكفر ملة واحدة قالوا لنا: الغرب أكرر هذا دائماً قالوا لنا: الغرب الغرب الغرب أمريكا هى راعية عملية السلام، لابد من تدخل الأتحاد الأوروبى يطالبون الآن بقوة عالمية دولية لتحمى الفلسطينيين فى إسرائيل أو فى دولة اليهود إلى الآن لكن اصحاب القلوب القلقة أصبحوا يعلمون الآن أن الغرب لم ينصر قضية المسلمين فى فلسطين ولا فى الشيشان، ولا فى أى مكان اليوم وغداً وبعد غد وإلى أن تقوم الساعة وإلا كذبنا القرآن والسنة.

حقائق لابد أن تثبت الآن وقد ظهرت الآن بجلاء وأنتم تسمعون بآذانكم ما تقوله كل وكالات الأنباء لقد قضح الإعلام الغربى لا أقول بكلام الإعلاميين.

وإنما بما ينقله الإعلام من صور تدمى القلوب على أرض الواقع فى فلسطين.

قالوا لنا الغرب قلت: صناعة

لكنه خاو من الإيمان لا
الغرب مقبرة المبادئ لم يزل





وسياحة ومظاهر تغرينا
يرعى ضعيفا أو يسر حزينا
يرمى بسهم المغريات الدينا




الغرب مقبرة العدالة ، الغرب مقبرة العدالة

الغرب مقبرة العدالة كلما

الغرب يكفر بالسلام وإنما
فالغرب يحمل خنجرا ورصاصة
كفر وإسلام فأنى يلتقى
أنا لا ألوم الغرب فى تخطيطه
وألوم أمتنا التى رحلت على
وألوم فينا نخوة لم تنتفض





رفعت يد أبدى لها السكينا
بسلامة الموهوم بستهوينا
فعلام يحمل قومنا زيتونا
هذا بذلك أيها اللاهونا
ولكن ألوم المسلم المفتونا
درب الخضوع ترافق التنبنا
لا لتضربنا على أيدينا










يا مجلس الأمن


يا مجلس الأمن المخيف إلى متى تبقى لتجار الحروب رهينا
إلى متى ترضى بسلب حقوقنا منا وتطلبنا ولا تعطينا
لعبت بك الدول الكبار فصرت فى ميدانهم اللاعب الميمونا
يا مجلسا غدا فى جسم عالمنا مرضا خفيا يشبه الطاعونا
شكراً شكراً لمجلس الأمن شكراً
لقد أبرزت وجه حضارة غربية لبس القناع سنينا
شكراً لقد نبهت غافل قومنا وجعلت شك الواهنين يقينا
يا مجلس الأمن انتظر إسلامنا سيريك ميزان الهدى ويرينا
إنى أراك على شفير نهاية ستصير تحت ركامها مدفونا
يا مجلس الأمن أنتظر إسلامنا سيريك ميزان الهدى ويرينا
إنى أراك على شفير نهاية ستصير تحت ركامها مدفونا
إن كنت فى شك فسل فرعون عن غرق وسل عن خسفه قارونا








نعم! لقد أظهرت هذه المحنة العالم الغربى وأظهرت حقيقة الزعماء فى الدول العربية وأظهرت أن الأمة قد ماتت مشاعرها إلا من رحم ربك من أفراد وأظهرت أن الأمل فى الله لا ينقطع ثم فى شباب طاهر وأطفال علموا الرجال حقيقة العطاء لقد أظهرت المحنة حقيقة الرجال، وأظهرت كثيرا من العلماء وأظهرت حقيقة كثير ممن ينتمون إلى الإسلام، فالمحن تهر المخبوء والفتن تظهر وأظهرت لنا عن شباب فى أرض فلسطين علم يقينا أن قضيته لن تحل بالمفاوضات وإنما برفع راية الجهاد فى سبيل رب الأرض والمساوات نعم! هؤلاء الأبطال الأطهار أقول لهم:

يا من بزغتم بهذا الليل أوسمة

يا من بزغتم بهذا الليل أوسمة
أنتم سنابل هذا العمر فى بلدى
ظنوا بأنكم موتى للا حفر
من قال إن بنان الطفل يا وطنى
من قال إن خطا الأطفال مرعبة
من أين جاءوا ولم يحمل بهم نبأ
جبل من الصخر قد قدت ملامحه
جبل تألق فى آفاقه حجر
أستغفر الله بل هز الورى حجر
وأول الغيث قطر ثم ينهمر
إن اليهود بتاريخ الورى بؤر
إن اليهود رؤوس كلها يبست
فقاتلوهم إن الله فاتلهم
وقد رميتم بأحجار مسمومة
وما رميتم ولكن الإله رمى





ولست للأنجم الزهراء أعتذر
ولست للأنجم الزهراء أعتذر
وفى لهاة الصحارى أنتم المطر
وهالهم أنها تدعوهم الحفر
يوما سيلمس تاريخا فينفجر
وأن من خطاهم يبدأ السفر
ولا تمخض عنهم قط مؤتمر
ومن رماد الشظايا أورق الشجر
أستغفر الله بل هز الورى حجر
وكان ما كان من صحو ومن مطر
وكان ما كان من صحو ومن مطر
ألم إن يحن بعد أن تستأصل البؤر
لكنها تحت عنيف الطرق تنكسر
وقد تولوا على الأدبار وانقهروا
على رؤوسهم ألقت بها سقر
فكيف يهزم من بالله ينتصر؟




أسألأ الله عز وجل أن يقر أعيننا جميعا بنصرة إخواننا فى فلسطين وبهزيمة كبيرة لليهود والمجرمين ومن عاونهم من الخائنين الظالمين إنه ولى ذلك والقادر عليه ... وأقول قولى هذا وأستغفر الله لى ولكم...


الخطبة الثانية:

إن الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه من خلقه وخليله أدى الأمانة وبلغ الرسالة ونصح الأمة فكشف الله به الغمة وجاهد فى الله حق جهاده حتى أتاه اليقين فاللهم اجزه عنا خير ما جزيت نبيا عن أمته ورسولاً عن دعوته ورسالته.

وبعد فأخيرا أيها الأحبة: والعاقبة للمتقين:

نعم هذا وعد الله تبارك وتعالى هذا وعد الله سبحانه وتعالى: {قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللّهِ وَاصْبِرُواْ إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} (128) سورة الأعراف {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاء وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ } (110) سورة يوسف وقال سبحانه: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} (105) سورة الأنبياء والآيات كثيرة.

تدبر معى هذه الآية التى تسكب الأمل فى القلوب الجريحة {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ} (36) سورة الأنفال وقال تعالى فى شأن اليهود: {لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأَدُبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ} (111) سورة آل عمران .

أقول: بداية الأمل أن شبابنا فى فلسطين بدأ يعلم أن قضيته لن تحل على مائدة المفاوضات وإنما برفع راية الجاهد فى سبيل رب الأرض والسماوات والقلوب إذا قطعت كل علائقها بأسباب الأرض وتعلقت برب السماء وألرض كانت بدايات الخير إن شاء الله فنسأل الله سبحانه وتعالى أن يمدهم بمدد من عنده وأن يسدد رميهم.

لا أريد أن أطيل أكثر من ذلك فإنى أرى الإخوة قد وقفوا قبل أن أرتقى المنبر أسأل الله عز وجل أن يجعل هذا الألم، وهذا الوقت فى ميزان حسناتنا جميعا يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.

فلا تنسوا إخواتكم من ان تمدوهم بالمال إن استطعتم ثم لا تغفلوا
عن الدعاء وأسأل الله عز وجل الذى قال:
{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي
فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي
لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}
(186) سورة البقرة ... أن يستجيب منا الدعاء وأن يرحم
ضعفنا وأن يقبل عذرنا.



(1) رواه البخارى فى فضائل أصحاب النبى (3662)، ومسلم فى فضائل الصحابة (2384/8).


(1) حديث الإفك: رواه البخارى فى الشهادات (2661)، ومسلم فى التوبة (2770) والترمذى فى التفسير (3180)..


(1) رواه البخارى فى فرض الخمس (3100).