- الإهدائات >> ابوفهد الي : كل عام وانتم الي الله اقرب وعن النار ابعد شهركم مبارك تقبل الله منا ومنكم الصيام والقيام وصالح الأعمال والله لكم وحشه ومن القلب دعوة صادقة أن يحفظكم ويسعدكم اينما كنتم ابوفهد الي : ابشركم انه سيتم الإبقاء على الدرر مفتوحة ولن تغلق إن شاء الله اتمنى تواجد من يستطيع التواجد وطرح مواضيع ولو للقرأة دون مشاركات مثل خواطر او معلومات عامة او تحقيقات وتقارير إعلامية الجوري الي I miss you all : اتمنى من الله ان يكون جميع في افضل حال وفي إتم صحه وعافية ابوفهد الي الجوري : تم ارسال كلمة السر اليك ابوفهد الي نبض العلم : تم ارسال كلمة السر لك ابوفهد الي : تم ارسال كلمات سر جديدة لكما امل ان اراكم هنا ابوفهد الي الأحبة : *نجـ سهيل ـم*, ألنشمي, ملك العالم, أحمد السعيد, BackShadow, الأصيـــــــــل, الدعم الفني*, الوفيه, القلب الدافىء, الكونكورد, ايفا مون, حياتي ألم, جنان نور .... ربي يسعدكم بالدارين كما اسعدتمني بتواجدكم واملى بالله أن يحضر البقية ابوفهد الي : من يريد التواصل معى شخصيا يرسل رسالة على ايميل الدرر سوف تصلني ابوفهد الي : اهلا بكم من جديد في واحتكم الغالية اتمنى زيارة الجميع للواحة ومن يريد شياء منها يحمله لديه لانها ستغلق بعد عام كما هو في الإعلان اتمنى ان الجميع بخير ملك العالم الي : السلام عليكم اسعد الله جميع اوقاتكم بكل خير ..
إضافه إهداء  

آخـــر الــمــواضــيــع

النتائج 1 إلى 4 من 4

الموضوع: شبهات ومسائل ضد الإسلام والرد عليها...!!

  1. #1
    تاريخ التسجيل : Aug 2003
    رقم العضوية : 1700
    الاقامة : السعوديه ( الطائف )
    المشاركات : 817
    MMS :
    الحالة غير متصل
    معدل تقييم المستوى : 205
    Array

    شبهات ومسائل ضد الإسلام والرد عليها...!!




    الحمد لله رب الناس، ملك الناس، إله الناس، خالق الخلق أجمعين، الإله الحق المبين، خلق الإنسان من سلالة من طين، وخلق الملائكة من نور مبين، وخلق الجان من مارج من نار، أرسل الرسل وجعل الجنة للمؤمنين دارًا، والنار للكافرين قرارًا، وصلى الله وسلم على خاتم أنبيائه، المبعوث رحمة للعالمين أجمعين، بالدين القويم والصراط المستقيم، فدعا إلى الله وجاهد في سبيله، وأقام منارات العلم والهدى والخير والعدل، وأثبت أحكام الإسلام في خير دولة أقيمت على وجه الأرض، وأنشأ مجتمعًا هو خير مجتمع ظهر على وجه البسيطة، أما بعد0
    فإن هداية الناس إلى توحيد الله وعبادته على الوجه الذي يحبه ويرضاه من أعظم الأعمال، وأشرف المقاصد وأنبل الخلال، وهي وظيفة الأنبياء والمرسلين عليهم السلام التي من أجلها بعثوا، وبسببها حصل لهم ما حصل من إيذاء ومحاربة وعداوة ومناوئة واتهامات، وهي نتيجة طبيعية للصدام بين الحق والباطل والفضيلة والرذيلة والاستقامة والانحراف0
    والدعاة والعلماء ورثة الأنبياء، ولكل واحد منهم نصيبه من إرث النبوة على قدر علمه وعمله، وينالهم ما نال متبوعيهم من أذى واتهام وتشكيك، وها نحن نرى أنه في هذا الزمان قد تخصص كل منهم في جانب من جوانب الدعوة إلى الإسلام والتبليغ به، واختط أسلوبًا يناسب مهمته، فمنهم من اشتغل بالتأليف والكتابة، ومنهم من استعمل أسلوب الوعظ والخطابة، ومنهم من اهتم بالتربية، ومنهم من اعتنى بالتزكية0
    ومن الدعاة من توجه لدعوة غير المسلمين إلى الإسلام، وهدايتهم إلى طريق النجاة في الدنيا والآخرة، واتخذ في سبيل ذلك من الأساليب ما يتوافق مع ما يحتاجه هذا الجانب، واستعمل الأدوات المناسبة لهذا الميدان0
    وقد قام هذا الصنف من الدعاة بأعباء هذا الواجب، وحصل لهم ما يحصل لغيرهم من الدعاة، ومن جنس ما حصل للأنبياء عليهم الصلاة والسلام من تكذيب واتهام وإعراض وصد عن الهدى الذي جاؤوا به، ومن ذلك استعمال أسلوب الأسئلة الشَّكِّية، والاعتراضات الريبية، والاستفهامات التي يحتاج صاحبها إلى إجابات شافية، والسؤالات المنطوية على اعتراضات وشكوك، تستهدف رد الحق وإنكاره وإبطاله لاسيما في هذا العصر الذي أصبحت فيه أمراض الشبهات والشهوات مؤصلة تدرَّس وتُحمى، ولها مراكز تعليم وإعلام، وقوى تدفعها وتدافع عنها0
    في هذا الخضم المتلاطم، وهذه الأجواء الصعبة، تصدى ثلة من نبلاء الإسلام لدعوة بعض الوافدين إلى جزيرة العرب من أهل الملل الأخرى من نصارى ووثنيين، فهدى الله على أيديهم من أراد له الهداية والسعادة، وآخرون على أبواب الهداية، يحول بينهم وبين نور الظلمات ريب وتردد من بقايا ماضيهم المعتم، وأخلاط مما كانوا فيه من شبهات الضلال، وهم يتحرَّون من يرفع عنهم غم هذه الغيوم، بإجابات شافية، ومعلومات كافية0
    وأهل هذا العمل من الدعاة يحتاجون أيضًا إلى زاد من العلم، في عملهم على رد الشبهات وكشف الزيوف وإبانة الحق وإظهار الحجة0
    لهذا كله وغيره، كان هذا الكتاب الذي عمل على إخراجه بهذه الكيفية جُلَّة من المشايخ والأساتذة الفضلاء، بعد طول درس وبحث وحوار0
    وقبل الولوج إلى أعماق هذا الكتاب، والدخول في تفصيل السؤالات والإجابات، لابد من مقدمة تحتوي على بعض القضايا، التي تعتبر سببًا في نشوء بعض الشُّبَه التي تتولد منها الإشكالات، عند من لم يرزق بَرْدَ اليقين في قلبه، وهذه القضايا هي:
    أولاً: الخلفية الثقافية:
    إن الخلفية الثقافية التي عاش عليها الإنسان تؤثر عليه في أحكامه ومعاييره، بعيدًا عن المعايير السليمة التي يجب أن يقيس بها الأمور والقضايا، وبالتالي يصبح بعيدًا عن الصواب جانحًا إلى الخطأ، أو يصبح -في أحسن أحواله- ملتبسًا عليه الحق بالباطل، ولنأخذ مثلاً إنسانًا يعيش في إحدى الغابات أو الجبال النائية مع قوم يؤمنون بالخرافات الوثنية، ويعيشون حياة متخلفة في أسلوبها وطريقة عيشها ومسالك أخلاقها، ثم انتقل هذا الإنسان إلى الحياة في جامعة علمية متطورة في أفكارها ونظمها وسائر مسالك الحياة فيها، وبمجرد أن اصطدم بهذا النوع من الحياة، المخالف لأنماط الحياة المتخلفة التي كان يعيشها في الغابة بدأ يحاكم الأفكار العلمية على ضوء خلفيته الثقافية الخرافية المتخلفة، ويحاكم النظم وأنواع السلوك التي لم يعرفها ولم يعهدها على ما كان يعهده في الغابة من سلوك بهيمي أو نظام فوضوي0
    ترى هل تصح هذه المقايسة والمحاكمة؟ وهل يخرج صاحبها منها بأي حقيقة أو فائدة؟
    إن كثيرًا من الذين يعترضون على الإسلام بصورة كيدية مباشرة، أو بطريقة التوائية غير مباشرة، يسلكون المسلك ذاته الذي يسلكه رجل الغابة المتخلف عندما يحاكم جامعة علمية متطورة على ميزان خلفيته الثقافية المتخلفة0
    إن الواحد من هؤلاء يقوم بإسقاط تصوراته السابقة عن الإسلام من غير أي التزام بمنهجية علمية، أو طريقة برهانية توضح الخطأ من الصواب والصحيح من الفاسد0
    فالنصراني مثلاً يأتي بخلفياته الخاطئة عن الله تعالى وأنبيائه ثم يبدأ بطرح الأسئلة وفق هذه الخلفية الخاطئة، فيقول مثلاً: أنتم تقولون بأنكم تعبدون إلهًا واحدًا والحقيقة غير ذلك، فأنتم تتشبهون بالنصارى القائلين: باسم الأب والابن وروح القدس، حيث تقولون بسم الله الرحمن الرحيم0
    ونحو ذلك من الأسئلة المبنية على مقدمات خاطئة، وخلفيات ثقافية باطلة0
    إن من المحتم على الإنسان أن يبحث عن الحق بدليله وبرهانه، ولا يدع خلفيته الثقافية السابقة مسيطرة عليه، بل عليه أن يفحصها تحت مجهر الحق والحقيقة بالبرهان والدليل0
    وبسبب سيطرة خلفيته الثقافية السابقة –قديمة كانت أو معاصرة- نجد أسئلة خاطئة، لأنها مبنية على معلومات خاطئة، وما الحديث عن الحرية والمساواة إلا مثالاً صريحًا على هذا الصنف من الأسئلة، بل يمكن القول إن معظم الأسئلة المستفهِمة أو المشكِّكَة تأتي من هذا الباب، ولهذا كان لزامًا تبيان هذه القضية لتصحيح تفكير الذين يتعاملون مع الإسلام مثل تعاملهم مع ديانة محرفة، أو وثنية مخرفة، أو نظريات باطلة أنتجتها عقول البشر لا تستند إلى منهجية علمية حقيقية0
    ثانيًا: الحرية:
    وهي من أوسع الأبواب التي ترد منها الأسئلة الشكية أو التشكيكية، وهي أيضًا من نماذج الخلفيات الثقافية الخاطئة التي تنتج أحكامًا خاطئة0
    وقد فتن العالم اليوم بما يسمونه "حرية" واعتبرها أساس التحضر والعدالة والتميز والتقدم والرقي0
    ذلك أن أوروبا كانت قد خرجت من الاستبداد والظلم الذي كان سائدًا قبل الثورة الفرنسية، والذي كانت تصادر فيه حقوق الضعفاء، وحريات الأفراد الذين لا يستطيعون انتزاع حقوقهم، وكانت الكنيسة ورجالاتها من أعظم وأبشع من رسخ المظالم بين فئات المجتمع وأفراده، ومن أكبر من سوغ للطبقات الحاكمة والثرية ظلم الناس واستعبادهم0
    فثار الناس في أوروبا عدة ثورات كان أهمها الثورة الفرنسية التي طرحت شعارات الحرية والمسواة والإخاء، واستغلت المنظمات والتوجهات ذات المطامح الخاصة شعار الحرية فوسعت مفاهيمه وكبرت دائرته في غفلة من الناس وانتكاس في مفاهيمهم، وذلك حين سيطرت على نفوسهم الشهوات وغلبت على عقولهم الشبهات0
    وأصبحت مكيدة التحرر المنفلت من أي ضابط أو قيد شائعة عامة تقضي حمم بركانها على منطق العقل ومبادئ الأخلاق ومصالح الناس أفرادًا وجماعات0
    واستغل مردة الفساد من اليهود وأدواتهم هذا السعار الهائج عند الناس فأججوا نيرانه، ومددوا حواشيه شيئًا فشيئًا ليشمل كل العقائد والقيم الخلقية والضوابط السلوكية، وذلك من خلال تدنيس كل مقدس، وتشويه كل القيم الدينية والأخلاقية، والقضاء على الوازع الديني والسلوكي في الفرد والمجتمع تحت لواء الدين الجديد والإله المعبود من دون الله المسمى "حرية وتحررًا"0
    وكان الهدف من وراء هذا المكر طمس إنسانية الإنسان وتحويله إلى وحش كاسر وحيوان هائم، يفسد ويدمر ويقضي على المبادئ والقيم والأخلاق والفضائل تحت شعار الحرية0
    واندفع الناس مفتونين بهذا الشعار كل يرتع في الفساد والإفساد بأقصى طاقاته وإمكانياته، فالمنحرفون في أفكارهم وعقائدهم استخدموا شعار الحرية لتحطيم العقائد الصحيحة والتشكيك فيها، وترويج الإلحاد والعدمية والانحرافات الاعتقادية0
    والمنحرفون في مجال النظم الاجتماعية والإدارية والسياسية وغيرها, استعملوا شعار الحرية لتفتيت المجتمعات، والاحتيال على النظم بألوان الغش والاحتكارات وحيل الربا والمضاربات، وألاعيب الأحزاب الانتخابات0
    ومع توسيع شعار الحرية واستيلائه الماكر على عقول وقلوب أكثر البشر أصبح كل ضابط للفكر من عقيدة صحيحة أو دين قويم، وكل ضابط للسلوك والقيم من مبادئ أو أعراف أو سلطات يعتبر عند عباد هذه الحرية المنفلتة عدوًا للإنسان، مدمرًا لكرامته مستبدًا بحقوقه!!
    وهكذا استحكمت حلقات هذا الكيد حتى أصبح المعروف منكرًا، والمنكر معروفًا، وأصبح المفسد مصلحًا والمصلح مفسدًا، وأصبح العاقل الرشيد النزيه منغلقًا ومتخلفًا ورجعيًّا، والأحمق الشهواني عاقلاً متحضرًا متقدمًا!!
    ولو نظرنا في الحرية التي فتنت بها البشرية في هذا الزمان، وأصبحت شعارًا يرفع لتسويغ كل انفلات وفساد وفوضى، ولو نظرنا في الحرية في ماهيتها وحقيقتها الوجودية، لوجدنا أنه لا توجد حرية مطلقة بلا ضوابط ولا حدود؛ وذلك لأن في الإنسان ميلاً طبيعيًا للالتزام والانضباط بأشياء معينة ينفذها، ولو وجد الإنسان نفسه منفلتًا من كل التزام يأتيه من خارج ذاته لفرض على نفسه قضايا معينة والتزم بها تلبية لما في طبيعته من رغبة في الالتزام؛ ذلك لأن حياته الفردية لا تستقيم إلا بالتزامه بنظام معين في حياته، فهناك مواعيد ليقظته ومنامه وطعامه وعمله وراحته، هذا في شأنه الفردي، أما في الشأن الاجتماعي فإنه لا يخلو من علاقات منظمة بأفراد أسرته وأفراد مجتمعه، وذلك لأن من المعلوم ضرورة أن حياة المجتمع لا تستقيم إلا بالتزام نظام معين يشمل العلاقات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية كما يشمل الأنماط السلوكية والأخلاقية0
    وخلاصة القول أنه لا يمكن تصور حياة فردية ولا جماعية بلا نظام أو ضابط أو التزام، وهذه جميعها قيد للحرية المطلقة، وبرهان جلي على أنه لا توجد حرية مطلقة من كل قيد0
    وبما أن الأمر كذلك في واقع الحال، فلا شك أن الدعوة إلى الحرية المطلقة ليست سوى دعوة لما لا وجود له حتى في واقع الداعين إليها، وشعار مخادع ينطوي على الغش والتلبيس؛ لأن الحرية المطلقة لا وجود لها، ولا يمكن أن توجد، لأنها ليست جزءًا من طبيعة الإنسان الذي خلقة الله وفيه ميل طَبَعِيٌّ للالتزام0
    فما المغزى من وراء هذا الصراخ الطويل عن الحرية؟
    إنه باختصار إجابة داعي الهوى (ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله)(1)0
    فحرية الفكر لدى التقدميين تعني الإلحاد وجحد الدين، وإنكار الوحي والرسالة، وتعني عند التحريين"الليبراليين" الشك في دين الله وأنبيائه وممارسة الانحلال الخلقي والفوضى الجنسية، وظلم الأقوام الآخرين، ونهب ثروات البلدان وخداع الناس، والتلاعب بعقول الشعوب، وممارسة الاحتكار والتحايل الاقتصادي والقانوني والسياسي، كل هذا وغيره من الفظائع تحت ستار"الحرية"، وتحت شعار حرية الفكر، وحقيقة القضية قضاء المأرب والأهواء والشهوات والرغبات، وتحقيق المطالب الخاصة، وليس الجانب الفكري إلا ستارًا يغطون به عبوديتهم للأهواء والشهوات، ثم يزعمون أنهم أحرار الفكر0
    ثالثًا: المساواة:
    وهو شعار آخر من الشعارات المعاصرة التي ولجت منها أدران الشبهات على عقول كثير من الناس، ودخلت منها المشكلات على حياتهم، حيث قامت الصراعات بين أفراد المجتمع وطبقاته بسبب مطالبتهم بالمساواة0
    وقد أحدث شعار المساواة أنواعًا من المغالطات والخداع للناس، وأصبح بعد أن مُدِّدت أطرافه وعُمِّمت مضامينه ينطوي على فتنة عظيمة للبشر، خاصة بعد أن اصبح عند المفكرين والكتاب والمنظرين أصلاً من أصول المبادئ الإنسانية، وقاعدة من قواعد التقدم والتحضر والرقي0
    وانطلقت تحت مظلة هذا الشعار الخادع عواصف الظلم والتعسف والعدوان، حيث اندفع البطالون والكسالى يطالبون بالمساواة مع الجادين والعاملين، وطفق الجاهلون ينشدون أن يكونوا على قدم المساواة مع العلماء، كما تطاول السفهاء والمفسدون يطالبون أن يكونوا في درجة واحدة مع أصحاب النزاهة والفضل والصلاح والاستقامة، وأخذت النساء يطالبن بالمساواة مع الرجال في كل أمر، وأخذ العالة الفاشلون يطالبون بالمساواة مع المجتهدين الناجحين، وهكذا اهتزت الموازين واضطربت ضوابط الحياة، وقامت في بلدان عديدة ثورات أفسدت الحرث والنسل، وقامت في بلدان أخرى منظمات وجمعيات تطالب بالمساواة الظالمة، ملغية في حسابها سنة الله في خلقه، وهي السنة الكونية القائمة على مبدأ التمايز والتفاضل0
    وإذا نظرنا إلى قضية المساواة نظرة حقيقية واقعية، وجدنا أنها تناقض العدل؛ إذ لا يكاد يوجد في الوجود شيئان متساويان من كل وجه تمام المساواة، ومن الظلم التسوية بين المتفاضلين0
    والتمايز - الذي هو سنة كونية - موجود في كل شيء، في الأحياء والجمادات والنباتات والحيوان والإنسان0
    فليس الحديد كالذهب، وليس الحنظل كالنخل، وليس الخنزير كالغزال، وليس الجاهل كالعالم ولا الذكي كالغبي ولا النافع كالضار0
    فلا يصح عقلاً ولا واقعًا التسوية بين الأجناس والأنواع والأفراد، وهي في حقيقة الأمر متمايزة متفاضلة فيما بينها0
    ولذلك لم تستطع الأنظمة والنظريات والمذاهب الفلسفية المعاصرة أن تقيم المساواة بين الناس، ومن أظهر الأمثلة على تلك الأنظمة؛ الاشتراكية والشيوعية، مع أن الأنظمة الديمقراطية مترعة بأنواع الظلم الجاري باسم المساواة، ولكنها مغطاة بآلة الدعاية والإعلام الضخمة، وبغلالات مزخرفة من الألاعيب الديمقراطية0
    إن المناداة بالمساواة المطلقة مجانبة لمبدأ العدل، ومناقضة لحقائق الأشياء، ومصادمة لقضية التمايز التي جعلها الله في الخلق، وبهذه المناداة القاسطة تقوم الأحكام على الظلم، وتسير الحياة سيرًا مضطربًا0
    ولا شك أن البشرية عاشت وتعيش ألوانًا من الاستبداد والظلم وطغيان بعض أفراد المجتمع وطبقاته على بعض، ومن هنا توجه الناس إلى مبدأ المساواة الذي رفع أخيرًا، معتقدين أن فيه الخلاص من الظلم والطغيان، ولكنهم كانوا بمثابة من استجار من الهيجاء بالنار0
    وكان من الأولى أن يتوجهوا إلى مبدأ العدل الذي تقوم موازينه على أحكام الحق، والتي منها مراعاة جوانب التفاضل والتمايز القائمة في الواقع، والثابتة في الحياة، وهو التمايز الذي ذكره الله تعالى في قوله: (وهو الذي جعلكم خلائف الأرض ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم فيما آتاكم إن ربك سريع العقاب وإنه لغفور رحيم)(2)0
    وهو التفاضل الذي ابتلى الله تعالى به الناس ليمتحنهم بالعطاء الذي أعطاهم إياه، قال تعالىكلاً نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورًا! انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلاً)(3)0
    ولأجل الاختلاف في هذا العطاء بين الناس نهى الله تعالى المؤمنين عن تمني ما فضل به بعضهم على بعض فقال: (ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيبٌ مما اكتسبوا وللنساء نصيبٌ مما اكتسبن واسألوا الله من فضله إن الله كان بكل شيء عليمًا)(4)0
    ولأجل هذا التمايز جعل الله تعالى القوامة للرجال على النساء، وهو تمايز قائم على خصائص في التكوين والخلقة والقدرة والاستعداد والصفات والمؤهلات الجسدية والعقلية والعاطفي، حيث جعل لكل من الجنسين وظيفة تناسبه وتؤهله للقيام بدوره الاجتماعي على الوجه الصحيح، قال الله تعالى: (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم)(5)0
    إذًا فالمساواة بين المتفاضلات ظلم وعدوان، ومخالفة لبرهان العقل ودلالة الواقع، وفي الكتاب الكريم الأدلة على عدم المساواة بين الأمور المختلفة، بل فيه بيان أن هذا التساوي لا يصح ولا يثبت ولا يستقيم، قال تعالى: (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب)، وقال سبحانه: (قل لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث)(7)، وقال U: (وما يستوي الأعمى والبصير! ولا الظلمات ولا النور ! ولا الظل ولا الحرور! وما يستوي الأحياء ولا الأموات)، وقال تعالى: (إن للمتقين عند ربهم جنات النعيم ! أفنجعل المسلمين كالمجرمين ! مالكم كيف تحكمون)(9)0
    فإذا كان التمايز والتفاضل موجودًا فالعدل يقتضي عدم المساواة، وأما الأمور المتساوية حقيقة فالعدل يقضي بلزوم التسوية بينها في الأحكام، ومن أمثلة ذلك:
    أن الناس متساوون في الخلق، فكلهم لآدم وآدم من تراب، ومتساوون في كونهم عبيدًا لله تعالى، وفي كونهم مطالبون بتوحيد الله وعبادته0
    ومتساوون في وجوب حفظ حقوقهم الخاصة من التعرض لها وانتهاكها بغير حق، في الجسد والمال والعرض والعقل والنفس وما إلى ذلك0
    ومتساوون في وجوب إعطائهم الحق الذي لهم، وأخذ الحق الذي عليهم، ومتساوون في حقوق التقاضي ومجريات القضاء في حال الإدعاء أو رد الدعوى0
    ومتساوون في أصل حق التملك وأصل حق التصرف في المُلك، ومتساوون في حق العمل والكسب وتعلم ما يلزمهم لصلاح دنياهم وأخراهم0
    وهكذا كل أمر فيه التساوي بين الخلق فإن العدل يكون في التسوية، كما أن التفاضل والتمايز بين الخلق فإن العدل فيه عدم التسوية بين المتفاضلات، إذ العدل هو وضع الشيء في موضعه الصحيح، وإعطاء كل ذي حق حقه، وأما المساواة فقد تكون بإعطاء غير ذي الحق حقَّ غيره، أو إشراكه فيه، وهذا ظلم وعدوان0
    رابعًا: العبودية لله تعالى:
    قضيتان لا ينفك عنهما إنسان:
    الأولى:خضوعه وانقياده لشيء ما، لقوة أعلى منه وأقوى من فرديته0
    الثانية: اتساؤه واقتداؤه بغيره0
    هاتان القضيتان من أهم الركائز الأساسية في الإنسان، ومن أكبر المؤثرات في تصرفاته ومشاعره وعلاقاته، ووجودها في الإنسان ضرورة، كوجود الحب والبغض والإرادة0
    ولهذا وجه الله تعالى الإنسان إلى ما به هدايته وصلاحه وسعادته انطلاقًا من هاتين القضيتين، ودل الإنسان على أنه لا نجاة له إلا بتوجهه السليم فيهما، وبين له هذا التوجه، وجعل له من الدلائل والبراهين والركائز ما يقوي هذا التوجه ويؤيده0
    فأما القضية الأولى: فقد خلصه الله من كل خضوع وانقياد يتعسه ويشقيه، ووجهه إلى أن يكون عبدًا لله تعالى وحده، وبذلك ينال الشرف والعزة والمكانة والسعادة، فإن أبى فإنه لن يتخلص من العبودية، ولكنه سيقع في شتات معبودات باطلة زائفة زائلة، وينحدر بذلك عن درجة الكرامة إلى دركات المهانة0
    وهذه قضية حتمية لا انفكاك منها بحال من الأحوال، وهي حاصلة في واقع الناس حصولاً حقيقيًا، وأساس حتميتها أن في الإنسان حاجةً وفقرًا إلى عبادة ما، وهو بين حالين لا ثالث لهما، إما أن يتوجه بعبادته لله وحده فيكون بذلك موحدًا مطيعًا سعيدًا في الدنيا والآخرة، وإما أن يتوجه بعبادته إلى غير الله من الآلهة الكثيرة المصطنعة، كالهوى والشهوة والمال والملذات والقوانين والأعراف والأحزاب، وكل ما تجاوز حده من محبوب أو متبوع أو مطاع0
    فإن كان الأمر بهذه المثابة -وهو كذلك في الواقع- فلا فلاح للإنسان إلا بعبوديته لخالقه ومالكه والقادر المهيمن عليه وعلى كل شيء0
    وهو إذا فعل ذلك فقد ترقى في درجات الكمال الإنساني، وأصبحت لحياته قيمة عالية غير تلك القيمة التي انحدر إليها من يعبد غير الله تعالى0
    وكلما كانت عبوديته لله أقوم كانت كمالاته أوفر، ولذلك فالمسلم الحق حريص على التحلي بصفة العبودية، التي تعني الاستسلام الكامل لأمر الله ونهيه من غير اعتراض ولا ارتياب، ذلك لأنه أضحى مستيقنًا أنه لا خلاص له ولا نجاح إلا بتحقيق هذه العبودية والسير في مدارجها نحو رضى الله تعالى الذي هو غاية كل مؤمن به0
    ومن أسس وأصول هذه العبودية أن المؤمن بالله ربًا وإلهاً يسير تحت ظلال الطاعة منفذًا كل ما يطلب منه ربه سواء عرف الحكمة من ذلك أو لم يعرف، وسواء أدرك عقله المغزى أو لم يدرك؛ لأنه حين شهد أنه لا إله له ولا معبود له إلا الله فقد التزم بناء على ذلك بطاعة الله طاعة مطلقة لا خيرة فيها ولا تردد ولا التواء0
    وبهذا المعنى المتكامل يتضح معنى العبودية لله وضرورته وشدة الحاجة إليه0
    فمن لم يفهم هذه المعاني العظيمة على وجهها فلا يُستغرَب أن تصدر منه الاعتراضات والشكوك، لأن عقله لم يستطع النهوض من حضيض الجهالات والعبوديات المنحرفة0
    أما القضية الثانية: فقد جعل الله الرسل الكرام وهم أفضل الخلق وأكمل البشر، جعلهم قدوة للناس، وجعل الاتساء بهم طريقًا للخير والفضل والبهجة، وسفينة للنجاة من أمواج وأهوال وظلمات القدوات البشرية منذ القدم وإلى اليوم0
    ومن أجل هذه الضرورة جعل الله الإيمان بالأنبياء قرينًا للإيمان به U0
    ومن أوضح الدلالات على ذلك أن الركن الأول من أركان الإسلام هو شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله0
    ومن حكم هذا الأمر أن النبي r هو المثال الواقعي لتطبيق العبودية الكاملة لله تعالى، ولذلك وجب أن يكون هو القدوة والأسوة الذي لا بد لكل مسلم من اقتفاء أثره والسير على منهجه0
    وبهذا تتكامل معاني العبودية والاقتداء في طريق مستقيم واحد يوصل السائر عليه إلى رضوان الله والجنة0
    أما من لم يفهم هذه المعاني فهو بمثابة الأكمه، الذي ولد أعمى، لو وصف له جمال الألوان فإنه لا يعي من ذلك شيئًا، وكذلك الذي لا يدرك معاني العبودية المتكاملة وآثارها الفاضلة يطرح أسئلة من قبيل: لماذا تقبل الحجر الأسود؟ ولماذا تضحي في عيد الحج؟ ولماذا تصلي الظهر أربعًا والمغرب ثلاثًا؟ ونحو ذلك من الأسئلة التي تنبعث من قلب من لم يفهم العبادة حق فهمها، ولم يذق حلاوتها ولم يعرف قدرها وثمرتها وشدة حاجة الناس إليها0
    نسأل الله الهداية والتوفيق لما يحب ويرضى، وصلى الله وسلم على بنينا محمد وعلى آله وصحبه0
    الباب الأول
    في رحاب العقيدة الإسلامية
    الفصل الأول
    الإيمان بالله تعالى
    س1) ما دامت الأديان الرئيسة الثلاثة قد نزلت من عند الله I فلم كانت هناك اختلافات في مفهوم ذات الله U بينها ؟ ولماذا يطلب من المسيحي أو اليهودي أن يترك دينه ليدخل في الإسلام ؟
    ج1) لاشك أن الأديان الثلاثة قد نزلت من عند الله U، ولا خلاف بين الأديان الثلاثة في إفراد الله تعالى بالعبادة ووصفه بكل كمال وتنزيهه عن كل نقص وعيب، وما الاختلاف بين هذه الأديان إلاَّ شيء طارئ ، وذلك بعد أن عمد أصحاب الديانتين اليهودية والنصرانية إلى تحريف وتبديل ما نزل إليهم من ربهم ، ومن هنا ظهر الاختلاف في ذات الله تعالى ، فالاختلاف إذن بين الإسلام الذي أنزله الله تعالى على رسوله وبين ديانات حرفت وبدلت، وعلى هذا فالاختلاف ليس بين ديانات صحيحة وإنَّما هو اختلاف بين دين صحيح حق وديانات باطلة محرفة، لعبت بها الأيدي الخبيثة فانحرفت بها عن جادة الصواب0
    ونحن نطلب من النصراني واليهودي أن يترك دينه ليدخل في الإسلام بقصد عودته إلى الدين الصحيح الذي جاءت به الرسل جميعاً .
    ثُمَّ إن الناظر المنصف إذا نظر إلى دين الإسلام وإلى غيره من الأديان فإنه يرى البون الشاسع بين الإسلام وغيره ، فيجد في الإسلام الحق والتوحيد ، ويجد في غيره البدع والشرك، ويجد في الإسلام العدالة والتسامح ويرى في غيره العنصرية والتمييز ، ويرى في الإسلام الالتزام والاحتشام ، ويرى في غيره الانحلال والفساد .
    س2) ما الحكمة من خلق الناس؟ وهل الله I في حاجة لأن يعبده الناس؟
    ج2) إن الحكمة من خلق الإنسان هي عبادة الله U قال تعالى :
    (وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ)(10)، وأول ما يطالب به الإنسان معرفة الله تعالى بالتوحيد حتى يعبده حق عبادته، ومن ثَمَّ يقوم بمهمة الاستخلاف التي خلق من أجلها، لينال السعادة في الدنيا والآخرة، وهو محتاج إلى هذا أشد من حاجته إلى الطعام والشراب والهواء ، قال الله تعالى : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الفُقَرَاءُ إِلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الغَنِيُّ الحَمِيدُ)(11)، والله تعالى غني عن عبادة الخلق، فلا تنفعه عبادتهم، ولا يضره كفرهم، ولكن قصة وجود الإنسان في هذه الأرض من بدايتها إلى نهايتها ابتلاءٌ واختبارٌ، وإن تعددت وتنوعت جوانبها وأشكالها .
    فالحياة دار ابتلاء يجتازها الفرد والجماعة، ومن هنا استحق بعض العباد المدح والثواب على أفعالهم، واستحق بعضهم الذم والعقاب .
    س3) تقولون : إنكم تعبدون إلهاً واحداً، والأمر في الحقيقة غير ذلك،فأنتم تشبهون النصارى؛ فالنصارى يقولون: "باسم الأب والابن والروح القدس إلهاً واحداً " وأنتم تقولون: "بسم الله الرحمن الرحيم " مثلهم ، فما إجابتكم ؟
    ج3) إن الأب عند النصارى هو الخالق ، والابن هو يسوع المخلص، والروح القدس هل هو حياته أو هو خلق من خلقه اتخذه الله ليكون رسولاً بينه وبين من يريد أن يلقي عليه وحياً من خلقه أو أمراً كونياً ، وسواء كان روح القدس هذا أم ذاك ، فإن النصارى يعتقدون بالأب والابن وروح القدس ثلاثة أقانيم ، وثلاثة وجوه ، وثلاث خواص، وكما يقولون ، وحدية في تثليث ، وتثليث في وحدية كيان واحد في ثلاثة أقانيم إله واحد ... إلخ .
    إذن فالإله الواحد عندهم مكون من ثلاثة أصول مختلفة منفصلة هو الثالوث عندهم، ففي الحقيقة ليس إلهاً واحداً ، وإنَّما هو ثلاثة آلهة في إله واحد ، قال تعالى : (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ)(12)، أي الله الخالق ثالث بالنسبة للابن وروح القدس.
    أمَّا قول المسلمين: "بسم الله الرحمن الرحيم" فالله والرحمن والرحيم ثلاثة أسماء من أسماء الله تعالى التي تزيد عن تسعة وتسعين اسماً كلها تدل على ذات واحدة .
    والاسم ليس شيئًا منفصلاً عن المسمى وإنَّما الذات المسماة والموصوفة لا توجد إلاَّ بأسمائها وصفاتها ، بخلاف أقانيم النصارى ، وهو الثالوث المنفصل المشتمل على أقانيم منفصلة هي : الأب ، والابن ، وروح القدس .
    س4) كيف تزعمون أن إلهكم رحمن رحيم وقد خلق الشرور في العالم من الأمراض والبراكين والسموم والزلازل والكراهية وغيرها من الشرور ؟
    ج4) الجواب على هذا من وجوه :
    الأول: أن الله تعالى هو رب العالمين وإله الخلق أجمعين ، قال تعالى: ( وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ) (13)0
    الثاني: لا ريب أن رحمة الله شاملة لجميع المخلوقات قال تعالى: ( وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ )(14)، فمن رحمته الإنعام على الخلق ورزقهم وما أعطاهم من سمع وبصر ونعم لا تعد ولا تحصى .
    الثالث: إن ما يوجد في هذا العالم من آلام وأمراض وسموم وزلال وبراكين وغيرها لا يعد شراً محضاً ، بل هو شر من وجه وخير من وجه آخر ، فهو شر بالنسبة لبعض الناس الذين نزلت بهم هذه الشرور عقوبة لهم على عصيانهم أو كفرهم ، وخير بالنسبة إلى غيرهم تذكيرًا وتنبيهًا لهم من غفلتهم ، فضلاً عما في ذلك من إظهار لقدرة الله وتصرفه في خلقه وملكه كما يشاء وفق عدله وحكمته ، وكل ذلك من رحمته I وحكمته وعدله .
    س5) هل يبيح الإسلام السجود لغير الله؟ وإذا كان الجواب بالنفي، فلم خرَّ إخوة يوسف ووالديه سجدًا له؟
    ج5) بداية يمكن القول إن السجود نوعان:
    1- سجود يراد منه العبادة والتقرب للمسجود له، وهذا لا يجوز إلا لله U، وهذا السجود إذا كان لغير الله فهو شرك0
    2- سجود يراد منه تكريم المسجود له على سبيل التحية والتشريف، وهذا النوع من السجود ليس شركًا، وقد كان مشروعًا في الشرائع السابقة ثم نسخ وحرم في شريعة الإسلام، ولو كان شركًا لما جازت شرعيته ولما وقع نسخه، لأن الشرك لا يحتمل الجواز والنسخ، وإنما يكون ذلك في الشرائع0
    ومن هذا القبيل كان سجود إخوة يوسف ووالديه له، فقد كان على سبيل التحية والتعظيم لا على سبيل العبادة، وكان هذا السجود بهذا الاعتبار جائزًا في شريعة يوسف u ثم نسخ وحرم في شريعتنا0
    روى عبد الله بن أبي أوفى قال: لما قدم معاذ من الشام سجد للنبي r فقال: ما هذا يا معاذ؟ قال: أتيت الشام فوافيتهم يسجدون لأساقفتهم وبطارقتهم فوددت في نفسي أن نفعل ذلك لك ، فقال النبي r: "فلا تفعلوا، فإني لو كنتُ آمراً أحدا أن يسجد لغير الله، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها ... الحديث"(15) .
    فسجود معاذ للنبي صلى الله عليه وسلم سجود تكريم لما رأى من حال أهل الكتاب، ولم يرد بسجوده العبادة قطعًا، كما يتقرب إلى الله بالسجود، ولما علم النبي r أن سجوده ليس عبادة نهاه عن ذلك ، فكان ذلك نسخًا لسجود التعظيم والتحية .
    وقد سجد أبو يوسف وإخوته له ، بل أمر الله تعالى الملائكة بالسجود لآدم، وليس ذلك سجودَ عبادةٍ ، وإنَّما هو سجودُ تكريمٍ وتشريف .
    الفصل الثاني
    الإيمان بالرسل والرسالات
    س6) ما الدليل القاطع على أن تعاليم محمد r كلها من عند الله ؟
    ج6) الأدلة القاطعة على أن ما جاء به النبي r هو من عند الله تعالى كثيرة منها:
    1- نفس ما أمر به ونهى عنه ، فمن نظر في ذلك وجد أنها كلها في غاية المصلحة والنفع لسائر البشر في كل زمان ومكان، وأنها تتفق مع العقل السليم والفطرة النقية مثل الأمر بصلة الرحم ومكارم الأخلاق والنهي عن أكل الربا وسائر الفواحش .
    2- نفس ما أخبر به ، فما من خبر أخبر به النبي r إلاَّ كان صدقًا، وإخباره على قسمين :
    الأول: إخبار عن أمور ماضية، وهي أخبار صادقة يؤيدها ما جاء في الكتب السابقة، وما ثبت في العلوم والمكتشفات الحديثة مثل ما يقوله علماء الجيولوجيا عن زمن الطوفان ومثل ما يرى من آثار ثمود والفراعنة .
    الثاني: إخبار عن أمور مستقبلية وقد وقعت أحداث أخبر بها النبي r كحدث الحريق الذي حصل في المدينة سنة 654 هـ ، وإصلاح الحسن بن علي بن أبي طالب -رضي الله عنهما- بين فئتين عظيمتين من المسلمين ، ومثل اجتماع اليهود في أرض فلسطين اليوم، ومثل ظهور النساء الكاسيات العاريات ، وانتشار الربا والفساد الخلقي وكثرة القتل وغير ذلك .
    3- نفس سيرته وأخلاقه -عليه الصلاة والسلام- فمن رأى كيف كانت حياته وأخلاقه أيقن بأن هذه الأعمال لا تصدر إلاَّ عن صادق أمين ، ومن نظر فيما تحقق له من نصر الله له وتأييده وقهر أعدائه وانتشار دينه جزم بأن هذا نبي مؤيد من الله وكل ما جاء به هو من عند الله تعالى .
    4- بعض المكتشفات العلمية المعاصرة الموافقة لما جاء به النبي r مثل مراحل حياة الجنين ، وكيفية تخلق اللبن في البهيمة ، ووجود الحاجز المائي بين البحرين الملتقيين، وكون الصعود في السماء سببًا للاختناق لانعدام الأكسجين ، وكون البحر الميت أخفض مكان على سطح الأرض ، وغير ذلك .
    5- المعجزات التي جرت على يديه، ورآها خلق كثير من موافقيه ومعارضيه ، مثل انشقاق القمر ، ونبع الماء من بين أصابعه ، وإبراء المرضى ، وغير ذلك ، ومن أعظم معجزاته القرآنُ العظيمُ الذي لا يزال يثبت في كل عصر دلائل صدق من جاء به 0
    س7) من هو النبي ؟
    ج7) النبي رجل من البشر اختاره الله تعالى ونبّأه بالوحي وأمره بتبليغه لمن بعث إليهم .
    س8) كيف يُمكن أن يكون محمد r إمام الأنبياء أجمعين في حين أنه آخر المرسلين ؟
    ج8) إن التفضيل حق لله تعالى وهو فضل منه يهبه لمن يشاء ويختص به من يشاء، وفق علمه وحكمته، ثُمَّ إن قضية التفضيل لا علاقة لها بالتقدم والتأخر، فهو وموسى وعيسى عليهما السلام من آخر الرسل وهما أفضل من جميع الأنبياء الذين سبقوهما ماعدا نوح وإبراهيم عليهما السلام .
    ثُمَّ إن دينه عليه الصلاة والسلام جاء بما جاء به الأنبياء من قبل من عقيدة وأخلاق، وأما الأحكام فعدل منها ونسخ منها وأضاف عليها بأمر من الله تعالى، وبذلك كانت رسالته أشمل وأكمل ، ولها الهيمنة على ما سبقها فاستحق أن يكون صاحبها إماماً لمن قبله، وإن الأنبياء الذين سبقوه قد أخذ عليهم العهد ليؤمنن به ولينصرنه، قال تعالى: (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ النَّبَيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ )(16) 0
    فمن كان هذا حاله فلاشك أنه هو الأفضل .
    س9) ما الدليل على أن عيسى لم يكن إلهًا، إنَّما كان رسولَ الله فحسبُ ؟
    ج9) إن المسيح عيسى u كما ورد في الإنجيل والقرآن كان مولوداً لمريم العذراء التي كانت واحدة من بنات آدم الذي خلقه الله من تراب ، والمعلوم أن من كان مولوداً فلا يصح أن يكون إلهاً،كما كان u يأكل ويشرب ويجوع ويحزن ويفرح، وله كل أحوال البشر، وأن خلقه بطريق المعجزة من غير أب ليس بأعجب من خلق آدم u من غير أب ولا أم.
    ويدل ذلك على قدرة الله I على كل شيء ، وقد كان عليه الصلاة والسلام، عبداً رسولاً فحسبُ، وأنزل عليه الإنجيل ليبلغه كسائر من اصطفاهم الله تعالى لتبليغ رسالته، ولهذا يبرأ يوم القيامة ممن اتخذه إلهاً من دون الله أو شريكًا معه، فيقول لله سبحانه كما أخبر U عن ذلك في القرآن الكريم: (إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم)(17)0
    ويقال أيضاً لمن أورد السؤال: ما الدليل على أن عيسى u إله، مع أنه لا يتصف بشيء من خصائص الإله ، وما أيد به من المعجزات فهي من تأييد الله له كما أيد غيره من الأنبياء .
    س10) على أي نحو كان عيسى مسلماً ؟ وكذلك سائر الأنبياء ؟ .
    ج10) لاشك أن دين الأنبياء جميعاً من آدم إلى محمد r واحد يدعو إلى عبادة الله وحده وترك عبادة ما دونه، وهذا هو الإسلام، قال تعالى: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الإِسْلامُ)(18)، وقال تعالى عن إبراهيم u: (مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِياً وَلا نَصَرَانَيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ المُشْرِكِينَ)(19)، وقال عن الحواريين أصحاب عيسى u: (وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَىْ الحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بَأَنَّا مُسْلِمُونَ)(20)0
    وفي الحديث : "الأنبياء إخوةٌ لعَلاَّتٍ، أمهاتهم شتَّى ودينهم واحد"(21(0
    س11) إذا كان الناس قد تمكنوا من تحريف رسالة عيسى أو تبديلها، أليس ذلك بدليل كافٍ على أنه قد أخفق في رسالته؟ وإذا كان عيسى u رسولاً عظيماً من عند الله فكيف يُمكن لله أن يجعل رسالته تؤول إلى الفشل؟
    ج11) لا يقال إن عيسى u أخفق في رسالته، بل بلَّغ رسالة ربه التي أُرسل بها بلاغًا مبينًا، وأيده الله بالمعجزات الباهرة والحجج القاهرة وآمن به جمعٌ من الناس، والتحريف الذي وقع للإنجيل الذي جاء به عيسى u إنَّما هو بعد رفع عيسىu والفشل والإخفاق إنَّما يُنسب إلى من وقع منه من الأتباع الذين لعبت بهم الأهواء.
    وفي هذا يقول الله تعالى: (وَإِذْ قَالَ اللهُ يَا عِيسَى ابن مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إَنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلامُ الغُيُوبِ ! مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنْ اعبُدُوا اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍٍ شَهِيدٌ)(22) 0
    س12) إذا كانت رسالة الله هي نفسها رسالة واحدة ، فلماذا تجزأ إرسالها إلى البشرية بدلاً من أن ترسل جملة واحدة؟
    ج12) إن رسالة الأنبياء جميعًا واحدة وهي تتضمن الدعوة إلى توحيد الله تعالى واجتناب الطاغوت (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ)(23)، وقال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ)(24)0
    أمَّا تعدد الرسل فلأسباب منها:
    1- إقامة الحجة على الناس في كل عصر (رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلاّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ)(25) 0
    2- تخصيص كل أمة بتشريع يتناسب مع طبعها وظروفها (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً) (26)0
    3- تنوع اللغات وتعددها اقتضت أن يرسل الله تعالى الرسول أو النبي بلسان قومه، قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسَاِن قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ)(27)0
    س13) هل يحق للمسلم أن يمزج إيمانه بعقائد أو مبادئ أخرى؟
    ج13) لا يجوز للمسلم أن يمزج إيمانه بعقائد أو مبادئ أخرى تنافي الأصول التي قامت عليها العقيدة الإسلاميَّة فلا يجتمع التوحيد مع الشرك أو اتباع السنة مع البدعة أو حب الله وحب غيره معه وهكذا ... .
    س14) لم بُعِثَ الرسل الأوائل إلى مناطق جغرافية محددة بعينها؟ وما حكم المناطق التي لم يرسل إليها رسول ؟ لماذا لم يبلغها رسل؟
    ج14) ثبت في الأحاديث أن عدد الأنبياء الذين بعثهم الله تعالى في الأمم مائة وأربعة وعشرون ألف نبي ، وأمَّا الرسل فعددهم ثلاثمائة وأربعة عشر رسولاً(28) .
    وهذا العدد الكبير من الأنبياء والرسل يؤكد انتفاء خلو أمة من الأمم أو منطقة ما من نبي أو رسول، قال الله تعالى: (وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلا فِيهَا نَذِيرٌ)(29)، وقال تعالى: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ)(30)0
    س15) لماذا يعد محمد r آخر الأنبياء في حين أن عيسى u سوف يعود للظهور مرة أخرى ؟
    ج15) إن محمداً r هو آخر الأنبياء فلا نبي بعده، كما قال عليه الصلاة والسلام، ونزول عيسى u من السماء ليست بعثة جديدة، وإنَّما هو عود إلى الأرض مرة أخرى ليقرر دين الإسلام وشريعته التي جاء بها نبينا محمد r والتي هي آخر الشرائع السماوية، كما أخبر بذلك نبينا محمد r بقوله: "يوشك أن ينزل فيكم ابن مريم حَكَماً مقسطاً يكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد "(31) .
    وفي حديث طويل: "ويدعو الناس إلى الإسلام فيُهلِك الله الملل كلها إلاَّ الإسلام"(32)
    فمجموع هذه الأدلة تدل دلالة واضحة على أن ما يأتي به عيسى u هو دين الإسلام وشريعة محمد r ولا يخرج عن ذلك، بل إنه يصلي خلف رجل من المسلمين، كما قال r: " كيف بكم إذا نزل فيكم عيسى ابن مريم وإمامكم منكم"(33) 0
    ومن الحكم التي ذكرها العلماء في نزول عيسى u في آخر الزمان :
    1 - تقرير دين الإسلام الذي جاء به محمد r.
    2 - الرد على اليهود والنصارى في زعمهم أن عيسى قُتِلَ وصُلِبَ .
    3 - أن نزوله u لدنوِّ أجله ليدفن في الأرض .
    4 - أن إخبار نبينا عليه الصلاة والسلام بنزول عيسى هو دليل على صدقه r إذ إنه أخبر بنزوله ولم يخفه، وهو الذي أخبرنا أنه خاتم الأنبياء ولا نبي بعده ، ولا يُمكن أن يتناقض فيما أخبر به لصدقه وتبليغه من ربه .
    س16) كيف يمكن القول بأن عيسى لم يمت في الوقت الذي يؤكد فيه القرآن وفاته في سورة آل عمران؟
    ج16) لم يرد في القرآن الكريم نص يدل على موت عيسى u الموتة النهائية ، وإنَّما الذي ورد لفظ الوفاة والتوفي ، وهذه ألفاظ لا ينحصر معناها في الموت ، بل تحتمل معاني أخرى منها : استيفاء المدة وعيسى u قد استوفى مدة مكثه الأول في الأرض ، ومنه قوله تعالى: (إِذْ قَالَ اللهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِليَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الذِّينَ كَفَرُوا)(34) أي : آخذك وافيًا بروحك وبدنك كما يراد بلفظ التوفي أيضًا النوم، قال تعالى: (وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِالَّليْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ) (35)0
    وقد جزم القرآن الكريم بأن عيسى u لم يقتل كما زعم النصارى ، بل رفعه الله تعالى إليه ، قال تعالى : (... وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا ! بَل رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيهِ ...)(36)0
    وأمَّا الآية التي في سورة مريم فهي قوله تعالى: (وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَومَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا)(37) لا تدل على وفاته، بل الآية ذكرت ثلاثة أيام يوم ولادته ويوم وفاته ، ويوم يبعث يوم القيامة .
    فمر منها يوم وبقي يومان ، هما يوم وفاته بعد نزوله إلى الأرض ، ويوم يبعث بعد الوفاة، والقول الصحيح أن عيسى u رفع إلى السماء حيّاً وسينزل حياً إلى الأرض.
    س17) كيف يُمكن إثبات أن المسيح u لم يصلب ؟
    ج17) يجاب على هذا بعدة أوجه:
    أولاً: إن كل ما يتعلق بالصلب محل اختلاف واضطراب بين الأناجيل المعتمدة عندهم مثل كيفية الصلب ومدته وتاريخه وحامل الصليب وعلة الصلب واللصان والمصلوب وصلاة المصلوب وصرخة اليأس على الصليب وشهود الصلب وما حدث في أعقاب الصلب ... فهي متناقضة في ذلك تناقضاً لا يقبل الجمع ، فدل هذا على بطلان عقيدة الصلب من أساسها .
    ثانيًا: إن علة الصلب مبنية على عقيدة الخطيئة والتكفير التي تخالف العقل والنقل، فهي باطلة لتضمنها القدح في عدل الله وحكمته وإيقاع العقوبة على من لا يستحقها، وتحميل البريء ما لا ذنب له فيه ، إذ كيف تتحمل ذرية آدم خطيئة ذنب لم يقترفوه وقد تاب آدم منه وتاب الله عليه .
    ثالثًا: أن القرآن الكريم الذي هو كلام الله حقيقة قد نفى وقوع الصلب نفيًا قاطعًا كما قال تعالى: (... وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً ! بَل رَّفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً) (38).
    الفصل الثالث
    الإيمان بالكتب الإلهية
    س18) تقولون دائما:إن التوراة والإنجيل محرفتان، فلماذا إذًا تستشهدون بهما أحيانًا في بعض المواضع التي تناسبكم؟
    ج18) أحب أن أوضح أن من عقائد المسلمين الثابتة والتي هي من أصول الإيمان عندهم الإيمان بإنزال الكتب من الله على أنبيائه، ومن ضمن هذه الكتب التوراةُ والإنجيلُ والقرآنُ والزبورُ وصحفُ إبراهيم0 فالمسلمون يؤمنون في الجملة بأن التوراة والإنجيل منزلة من عند الله U ولكن حرف أصحابها فيها كما أخبرنا الله I بذلك
    وعليه فليس كل التوراة والإنجيل محرفة، وليس كل ما يزعم اليهود والنصارى أنه من التوراة والإنجيل كله من عند الله، وأمام هذا الواقع قرر علماء الأمة الإسلامية منهجًا عدلاً لا جور فيه ولا لبس فيه على أحد في موقفهم من هذه الكتب وهذا الموقف يتجلى ويتضح في الآتي:
    أولاً: ما كان موافقًا للحق الذي بأيدينا آمنا به وصدقناه وقبلناه واستشهدنا به في إقامة الحجة على من يؤمن به0
    ثانيًا: ما كان مخالفًا للحق الذي أتانا من الله رددناه وعلمنا أنه من تحريف البشر ولم نستشهد به ولم نقره0
    ثالثًا: ما لم يكن موافقًا ولا مخالفًا للحق الذي جاءنا من الله U فهذا نسكت عنه لا نرده ولا نقبله خشية أن نرده وهو من عند الله أو نقبله وهو مما حرف وهذا الموقف أرشدنا إليه الصادق الأمين r، حيث ورد ما معناه "لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم"0
    وعلى هذا يتضح أننا عندما نستشهد بشيء من كتبهم نستشهد بشيء عندنا ما يؤيده أنه حق لا بمجرد الهوى أو اتباع الظن0
    س19) لِمَ لَمْ تُحفظ الرسالات السماوية كما حُفظ القرآن الكريم ؟
    ج19) لقد وكَلَ الله تعالى حفظ الكتب السابقة إلى أصحابها ، قال تعالى: (…بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِن كِتَابِ اللهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ)(39)، ولكنهم ضيعوها بالتحريف والتبديل والإخفاء، ولا ضير فإن الله يعلم أنه سينزل كتابًا أخيرًا تكون تعاليمه وأحكامه صالحة للبشرية مهما تطورت إلى أن تقوم الساعة0
    أمَّا القرآن الكريم فلم يكل الله حفظه إلى العباد ، بل تكفَّلَ بحفظه هو، فقال: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)(40)، لعلمه سبحانه بأنه خاتم الكتب المنزلة إلى بني آدم، فالضرورة قائمة بأن يكون محفوظًا مصونًا، ولذلك بقي القرآن الكريم محفوظاً بحفظ الله له ، فلا يستطيع الناس أن يصنعوا به ما صنع بالكتب السابقة .
    س20) هل هناك بقية من الصدق في الأناجيل الحالية ؟
    ج20) إن الأناجيل الحالية كما يقرر محققو النصارى إنَّما سجلها مؤرخون عن سيرة المسيح وتبشيره في الأمصار ، فهي ليست وحيًا من الله تعالى ، وبناءً على هذا فقد حوت حقًا من الأخبار وباطلاً، والحق الذي فيها قليل إذا قورن بما فيها من الباطل، ولاسيما فيما يتعلق بتأليه عيسى u وجعله ابنًا لله تعالى ، وكثيرٍ من العقائد والشرائع والأخبار المنحولة على عيسى u.
    وموقف المسلم مِمَّا ورد في الأناجيل الحالية أنه إذا ورد في شرعنا ما يدل على صدقه فيجب تصديقه وما جاء في شرعنا ما يدل على تكذيبه يجب تكذيبه ، وما لم يعلم صدقه من كذبه فلا يصح الجزم بتصديقه أو بتكذيبه .
    س21) ما المعايير التي بموجبها يُمكن للمرء أن يميز الدين الحق والدين المزيف ؟
    ج21) الدين الذي أرسل الله به جميع أنبيائه حق كله، وما طرأ على الأديان السابقة من فساد إنَّما كان بسبب طارئ على الدين وهو تحريف من قبل البشر الذين استحفظوا ذلك الدين ولم يحفظوه، وأمَّا المعايير التي بموجبها التمييز بين الحق والباطل فمنها:
    1- النظر في مضمون هذا الدين أمرًا وخبرًا، وذلك بعدم التناقض في الأخبار، بحيث يصدق بعضها بعضًا، وظهور المصلحة في الأوامر والنواهي .
    2- النظر في طرق وسائل نقل الدين، من حيث صدقها واتصالها، وتواتر بعضها .
    3- النظر في حياة وسيرة من جاء بهذا الدين وهو النبي عليه الصلاة والسلام، حيث تجده في غاية الصدق والأمانة والنصح والإصلاح .
    4- النظر في حياة وسيرة حملة هذا الدين بعد النبي r، إذ تجدهم أفضل الناس وأحسنهم سيرة، وأكثرهم صلاحاً .
    5- النظر في تضمن هذا المعتنق للتوحيد الخالص وبعده عن الشرك .
    6- عدم التناقض بين الدين وما ثبت من الحقائق العلمية .
    س22) ماذا كان موقف النبي r عندما رأى عمر بن الخطاب يقرأ في التوراة ؟ وهل يجوز للمسلم القراءة في كتب الديانات الأخرى ؟
    ج22) أنكر الرسول r حين أتاه عمر t فقال : إنَّما نسمع أحاديث من يهود تعجبنا، أفترى أن نكتب بعضها؟ فقال: "أمتهوكون أنتم (أي متحيرون في الإسلام) كما تهوكت اليهود والنصارى ، لقد جئتكم بها بيضاء نقية ، ولو كان أخي موسى حياً ما وسعه إلاَّ اتباعي"(41)0
    لقد أنكر الرسول r على أصحابه أن يقرؤوا في التوراة في بداية نزول الوحي، وذلك حتى لا يختلط الحق بالباطل ، فلما استقر التنزيل ولم يخش من ذلك أخبرهم النبي أن حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج ، وفي الصحيح : "لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم وقولوا (آمنا بالله وما أنزل..)(42)" (43)
    ويجوز للمسلم المتثبت من عقيدته وثقافته القراءة في كتب الديانات الأخرى بقصد أن يعرف ما فيها من حق وباطل، فما كان فيها من حق فقد جاءت شريعتنا بتصديقه وإثباته فهي تغني عنه، وما كان باطلاً أثبتنا تحريف هذه الشرائع وبطلانها وبينا وجوه الفساد فيها0
    س23) في أي موضع من الإنجيل ورد ذكر سيدنا محمد r؟
    ج23) جاء في إنجيل يوحنا الباب الرابع عشر الفقرتان 15 ، 16 قوله : "إن كنتم تحبوني فاحفظوا وصاياي ، وأنا أطلب من (الأب) فيعطيكم معزياً (فارقليط) آخر ليمكث معكم إلى الأبد".
    فالفارقليط ترجمته: محمد أو أحمد، وبقاؤه معهم إلى الأبد بقاء دينه وكتابه وسنته، إذ هي محفوظة بحفظ الله، وباقية ببقاء هذه الحياة، وهذا معنى إلى الأبد في قوله: "يبقى معكم إلى الأبد "
    س24) لماذا أنزل القرآن الكريم باللغة العربيَّة ولم ينزل بلغة أخرى ؟ وما الحكمة من ذلك ؟ .
    ج24) اقتضت مشيئة الله تعالى أن ينزل القرآن بالعربيَّة كما اقتضت مشيئته أن ينزل الكتب السابقة بلغات أخرى ، والله يفعل ما يشاء ويختار ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون .
    والنصوص دلت على هذا القول كقوله r في الحديث الصحيح : "إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشاً من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم"(44)0
    والحكمة من ذلك بإيجاز:
    أن النبي الذي نزل عليه القرآن عربي اللغة، فمن العبث أن ينزل عليه كتاب بغير لغته0
    أن القوم الذين بعث فيهم النبي ليكونوا حملة الرسالة ومبلغي الدعوة لغتهم العربية، ولو نزل بغير لغتهم لكان ذلك أعظم حجة لهم يدفعون بها دعوة النبي إياهم إلى الإيمان بأنهم لا يعرفون لغة هذا القرآن، ولا يفهمون مراميه، فكيف يؤمنون به ويصدقونه؟
    أن العربية أوسع اللغات استيعابًا لوجوه الإعجاز، وقد أريد لهذا القرآن المنزل أن يبقي المعجزة الأبدية الناطقة بصدق هذا الدين وبصدق رسوله، والله أعلم0
    الفصل الرابع
    مسائل في الملل والمذاهب
    س25) إذا كان لا يدخل الجَنَّة إلاَّ من كان مسلماً مؤمناً بمحمد r فما الأمر بالنسبة لأولئك الذين عاشوا قبله ؟
    ج25) من عاش قبل النبي r صنفان:
    الأول: قوم عبدوا الله وحده واتبعوا شريعته التي جاء بها نبي من أنبيائه فهم مؤمنون يثابون أو يعاقبون بحسب أعمالهم، ولكن مآلهم في الآخرة إلى الجَنَّة .
    الثاني: قوم لم تبلغهم رسالة ولم يصلهم دين فهؤلاء هم أهل الفترة الذين يختبرهم الله تعالى يوم القيامة بتكليف خاص بهم، فمن أطاعه دخل الجَنَّة ومن عصاه دخل النَّار.
    س26) ما أوجه الشبه والاختلاف - إن وجدت - بين السنة والشيعة ، وهل هناك فِرَقٌ أو مِللٌ أخرى مقبولة في نظر الإسلام ؟
    ج26) أمَّا أوجه الشبه فهو الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله وباليوم الآخر وبالقدر خيره وشره ، وكذلك في أركان الإسلام في الجملة .
    أمَّا أوجه الاختلاف فمنها:
    1- اعتقاد الشيعة العصمة في أئمة آل البيت ، والطعن في أصحاب رسول الله r
    2- اعتقادهم أن الإمامة امتداد للنبوة والإيمان بها ركن من أركان الإيمان .
    3- قولهم بالتقية وهي إظهارهم خلاف ما يبطنون في كل أحوالهم مع مخالفيهم .
    4- قولهم بجواز نكاح المتعة، وهو لا يعدو أن يكون زنا بصورة نكاح شرعي وقد ثبت تحريمه بأحاديث صحيحة بعضها مروي عن علي بن أبي طالب t نفسه وهو إمام الأئمة عندهم0
    ولاشك أن هناك فِرَقًا كثيرة تنتسب إلى الإسلام، والمعيار في قبولها إنَّما يرجع إلى قربها إلى الحق والهدى ، فبقدر قربها من الحق تكون أكثر قبولاً من غيرها .
    أمَّا الملل الأخرى كاليهودية والنصرانية وغيرهما فليست مقبولة في نظر الإسلام بعد البعثة المحمدية لأن الرسالة المحمدية ناسخة لكل الملل قبلها ولا يقبل الله دينًا بعد بعثة محمد r إلاَّ الإسلام : (ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين)(45).
    س27) إذا كان يسمح للمسلمين ببناء المساجد في روما، فلماذا لا يسمح للنصارى ببناء الكنائس في شبه الجزيرة العربيَّة؟ ولماذا لا يسمح لغير المسلمين بدخول مكة والمدينة بينما يسمح للمسلمين بدخول الفاتيكان مثلاً ؟
    ج27) إن روما أرض كغيرها من بقاع الأرض لا تختص بحرمة ولا شرف، فحكم بناء المساجد فيها كغيرها من البقاع، أمَّا شبه الجزيرة العربيَّة فلا يجوز بناء الكنائس فيها؛ لأن الرسول r أمر أن لا يبقى في جزيرة العرب دينان فليس في شبه الجزيرة العربيَّة إلاَّ الإسلام؛ لأنها قاعدة الإسلام، ونبع رسالته وموضع مقدساته .
    أمَّا قياس مكة المكرمة على الفاتيكان فهو قياس مع الفارق، فإن مكة جعل الله لها من الحرمة والخصائص ما ليس لغيرها، وأمَّا الفاتيكان فلم يرد في دين من الأديان في شأنه حرمة مخصوصة، بل إن سائر الطوائف النصرانية غير الكاثوليك لا تعترف بأي قداسة للفاتيكان .
    أضف إلى ذلك أن كل دولة تشترط لدخولها والهجرة إليها شروطاً معينة ، وما لم تتوفر تلك الشروط فإنه يمنع من الدخول إليها ، والشرط الوحيد لدخول الإنسان إلى مكة هو أن يشهد أن لا إله إلاَّ الله وأن محمداً رسول الله .
    س28) إذا كان الإسلام صالحاً لكل زمان ومكان فكيف أصبح المسلمون من أكثر شعوب العالم تخلفاً في هذا العصر ؟ .
    ج28) مِمَّا لاشك فيه أن الإسلام صالح لكل زمان ومكان، وقد ازدهرت الحضارة الإسلاميَّة مئات القرون في الوقت الذي كان العالم يعيش عصور الظلمات والجهل والتخلف0
    وقد تتلمذ الغربيون على الحضارة الإسلاميَّة وأفادوا منها كثيراً وأضافوا إليها وشادوا حضارتهم المادية في حين فرط المسلمون في الجانب المادي واشتغلوا بما لا ينفعهم ، فتخلفوا وتقدم غيرهم .
    وهذا اللوم لا يوجه للإسلام وإنَّما يوجه للمسلمين حينما قصّروا في الأخذ بتعاليمه، ومع ذلك فإن المسلمين يملكون عناصر القوة والتقدم والحضارة العظيمة، وذلك بما أكرمهم الله به من أصولهم الدينية الثابتة النقية في القرآن والسنة، وما يملكون من المصادر الطبيعية والموقع الجغرافي الهام والكثرة العددية، مِمَّا يجعلهم أهلاً لتسنم بعث حضاري جديد شريطة أن يرجعوا إلى دينهم ويأخذوا بالأسباب التي أودعها الله في هذا الكون ، والعاقبة للتقوى، والمستقبل لهذا الدين إن شاء الله .
    ومن المعلوم أن أي نظام مهما كان حظه من التميُّز والنجاح لا يُمكن أن يكون في الواقع كذلك إذا لم يقم به من هو أهل لذلك .
    س29) يدعي المسلمون بأنهم يحبون عيسى المسيح ويحترمونه ويؤمنون برسالته، إذا كان الأمر كذلك ، فلماذا يفضلون عليه محمداً r، خاصة وأن عيسى ليس مجرد رسول - إنه ابن الله - تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً ؟
    ج29) يجاب على هذا من وجهين :
    الأول: الحق أن عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام ابن الطاهرة الصديقة مريم عليها السلام والمسلمون يحترمونه ويجلونه ويؤمنون برسالته وأنه من أولي العزم من الرسل عبدٌ خلقه الله وليس كما زعم أنه ابن لله .
    الثاني: أن التفضيل حق لله تعالى، وهو فضل منه يهبه لمن يشاء وفق علمه وحكمته، وقد فضل النبي r بأمور عديدة؛ منها أنه خاتم الأنبياء، وبه ختمت الرسالات ونسخت جميع الشرائع، وأنه خليل الله عزّ وجل، وأرسل إلى الخلق كافة0
    س30) يدعي بعض المنصرين أن الإسلام ليس ديناً منزلاً من عند الله، إنَّما هو نسخة مشوهة عن اليهودية والنصرانية نرجو الإفادة حول هذا الموضوع .
    ج30) إن ما يدعيه المنصرون من أن الإسلام نسخة مشوهة عن اليهودية والنصرانية إنَّما هو محض افتراء ، وذلك أن الرسول r قد بعث واليهود والنصارى على أصول عقدية يؤمنون بها فخالفهم فيها مخالفة صريحة، مثل تمثيل اليهود الرب تعالى بالبشر، وقولهم : بأن عزيراً ابن الله، وزعمهم أن عيسى u ابن زنا، وأنهم قتلوه، ونسبة الكبائر للأنبياء، وادعاؤهم أنهم شعب الله المختار؛ لأنهم كما زعموا أبناء الله وأحباؤه .
    وادعاء النصارى أن المسيح ابن الله، وادعاؤهم بأن الله ثالث ثلاثة، واعتقادهم بأن المسيح قتل وصلب، وقولهم بالخطيئة والتكفير، وغير ذلك من اعتقاداتهم الضالة التي جاء النبي r بما يناقضها ويبطلها، وأول ذلك التوحيد وتنزيه الرب عن مماثلة الخلق، وأنه لم يتخذ صاحبة ولا ولدًا، وتنزيه الأنبياء عن الكبائر جميعًا، وتبرئة مريم من الزنا ، وأن ابنها عيسى عبد الله ورسوله، وأنه لم يقتل ولم يصلب، وأنه لا حقيقة للخطيئة والتكفير كما زعم النصارى، ولا صحة لدعوى اليهود أنهم أبناء الله وشعبه المختار بل الخلق جميعًا خلق الله، ولا فضل إلاَّ بالإيمان والتقوى .
    كما أنه أتى بأحكام كثيرة تخالف ما استقر عند اليهود والنصارى في كتبهم فكيف يقال بعد هذا أن الإسلام نسخة مشوهة عن اليهودية والنصرانية ؟ ! .
    س31) إن النصارى قوم متحضرون وعقلانيون، ولذا فهم يمارسون النقد المتواصل لكتبهم المقدسة بينما تجد المسلمين يجبنون عن مثل هذا النقد، ألا تعتقد أن عدم النقد هذا يمثل ضعفاً في تفكير المسلمين وتحجراً من جانبهم ؟
    ج31) يجاب عن هذه الدعوى من وجوه عدة:
    أولاً: الزعم بأن النصارى متحضرون وعقلانيون دعوى منافية للواقع، إذ كيف يكون متحضرًا وعقلانيًا من يؤمن بالخرافات والشركيات وغيرها مِمَّا يناقض العقل، إضافة إلى الانحطاط الخلقي الذي يعيشه هؤلاء0
    ثانيًا: إن ممارسة النقد لما ثبت صحة نسبته إلى الله لا يعد تحضراً ولا عقلانيةً تحمد، بل هذا مِمَّا يعد نقيصة لما فيه من الافتئات والجرأة على الله وعلى الحق المنزل من عنده
    ثالثًا: أمَّا نقدهم لكتبهم فلأن هذه الكتب قد دَاخَلَهَا التحريف والتبديل والزيادة والنقصان وفيها من التناقض ومخالفة العقل، والحقائق العلمية الثابتة، ما يقتضي أن تكون محلاً للنقد، ورغم ذلك فقد أفضى بهم نقدهم لهذه الكتب إلى مزيد من الضلالات والمفاسد، التي أوصلت كثيراً منهم إلى الإلحاد .
    رابعًا: أمَّا القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، فهي وحي من الله ثابت النسبة إليه سليم مِمَّا اعترى غيره من التناقض والتحريف ومناقضة العقل والحقائق العلمية الثابتة، ولذلك فهو ليس محلاً لنقد، والإنسان مهما بلغ من العلم والعقل، فهو مخلوق من مخلوقات الله تعالى وأنه علمه ما لم يكن يعلم، وبالتالي فهو ليس أهلاً لنقد وحي الله تعالى المعصوم0
    وحسب الإنسان في هذا المقام أن يتلقى الوحي الإلهي بالقبول والتسليم ثُمَّ يُعمل عقله في فهمه وتدبره والعمل بمقتضاه، وليس هذا حجراً على العقل، بل هو إطلاق للعقل في مجاله0
    س32) ما حكم اليهود والنصارى في هذا العصر من حيث الكفر والإيمان؟
    ج32) الجواب على هذا من وجهين :
    أولاً: ما عليه اليهود والنصارى اليوم من دين يتضمن عقائد منها التنقص والسب لله تعالى وذلك بالشرك، ونسبة البنوة لله تعالى، وادعاء التعب والنسيان والبكاء والندم والحزن، وكذلك التنقص والسب للأنبياء ونسبة الكبائر إليهم، وهذا وغيره مِمَّا في كتبهم من أباطيل يقتضي الجزم بأن من يعتقد هذا كافر بالله جل وعلا.
    ثانيًا: أنه منذ بعثه محمد r والبشرية كلها مخاطبة برسالته ومدعوة للإيمان به وبما جاء به فمن سمع بالنبي r من اليهود والنصارى وغيرهم، وبلغته الدعوة بلوغًا تقوم به الحجة ثُمَّ لم يؤمن به فهو كافر من أهل النَّار .
    س33) هل الإسلام على استعداد لمنح المسيحيين في البلاد الإسلاميَّة تلك الحريات التي يتمتع بها المسلمون في البلاد المسيحية بما في ذلك دخول المساجد والتعبير الحر عن دينهم ودعوة الجماهير لاعتناق المسيحية؟
    ج33) إن الإسلام قد منح النصارى في البلاد الإسلاميَّة حقوقاً تفوق الحقوق التي منحها النصارى للمسلمين في البلاد النصرانية، ومن هذه الحقوق والحريات:
    1- إبقاء النصارى على دينهم مع أداء الجزية مقابل حمايتهم.
    2- إعطاؤهم الأمان لأنفسهم وأموالهم وكنائسهم وصلبانهم ، لا تسكن كنائسهم ولا تهدم ... إلخ .
    3- الإسلام حرم الخمر وأقام الحد على شاربها من المسلمين، ومع ذلك أباح لغيرهم أن يشربوها، وكذلك لحم الخنزير .
    4- من مظاهر الحرية الدينية ما حض عليه الإسلام حين رسم أدب المناقشة مع أهل الكتاب بأن تكون مجادلة أساسها العقل والمنطق وعمادها الإقناع بالطريقة التي هي أحسن كما قال تعالى: (وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)(46).
    5- تسميتهم بأهل الذمة؛ فإن لفظ الذمة معناه: ذمة الله وعهده ورعايته ، وقد ورد النهي عن إيذاء أهل الذمة ، والوصية بهم خيرًا(47)، ومن ذلك ما ورد في الحديث عن النبي r قوله في التوصية بهم : "من قذف ذمياً حُد له يوم القيامة بسياط من نار"(48) .
    فهل يلقى المسلمون من الحرية والتكريم في بلاد النصارى ما يلقاه النصارى في بلاد المسلمين ؟!! إن بلداً ديموقراطيًا كفرنسا مثلاً لا يسمح للفتيات المسلمات أن يرتدين اللباس الإسلامي الذي يوجبه إسلامهن، والأمثلة كثيرة على هذا في بلاد نصرانية كثيرة .
    أمَّا دخولهم المساجد فسيأتي الجواب عليه في سؤال رقم(121)، أمَّا دعوتهم إلى اعتناق النصرانية فقد بينا آنفًا ما ينطوي عليه دينهم من أباطيل وضلالات وانحرافات لا يسوغ معها السماح لهم بإضلال الناس من خلال الدعوة إلى هذا الدين الباطل .
    س34) لماذا يقال بأن الله خلق البشر سواسية في الحقوق والواجبات بينما تقبلون عدم المساواة بين المسلمين وغيرهم لأسباب دينية؟
    ج34) يقال أولاً: إن القول بالمساواة المطلقة بين البشر في الحقوق والواجبات هو افتراض لا سند له من العقل ولا من الواقع، فالناس ليسو على حد سواء، حتى في الحقوق والواجبات، بل هم متمايزون ومختلفون، والمبدأ الذي يدعوا إليه الإسلام هو العدل (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالعَدْلِ وَالإِحْسَانِ)(49)0
    ثانيًا: مِمَّا لاشك فيه أن المسلم لا يسوى بغير المسلم ، باعتبار أنه قد اعتنق الدين الصحيح الذي رضيه الله تعالى للعالمين دينًا، رغم ما أقر عليه أصل الديانات الأخرى على دياناتهم ، ولم يرغمهم على الدخول في الإسلام .
    نعم إن الله تعالى قد جعل الأخوة في الدين هي الرابطة بين المسلم والمسلم: (إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)(50)، ولا تثبت هذه الأخوة لمن رضي لنفسه أن يكابر ويعاند الحق والهدى .
    وإذا كان الله تعالى قد فرق بين المسلمين وغيرهم فقال: (أَفَمَن يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّن يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)(51)، وقال: (أَفَنَجْعَلُ المُسْلِمِين كَالمُجْرِمِينَ ! مَالَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ)(52)، فكيف لنا أن نسوي بين المسلمين وغيرهم؟
    س35) إذا أسلم أحد الزوجين دون الآخر، فهل يجوز لمن لم يسلم منهما أن يصطحب الأولاد إلى الكنيسة؟ وهل يحق لمن أسلم منهما أن يمنعهم من الذهاب إليها؟
    ج35) إذا هدى الله تعالى الزوج إلى الإسلام فعليه واجب دعوة أولاده إلى الإسلام، وبالتالي لا يحق له إرسالهم إلى الكنيسة بعد أن هداه الله إلى الحق، وعرف طريق الهدى؛ لأن في ذلك إعانة لهم على الباطل، أمَّا الزوجة التي أسلمت حديثًا فعليها أن تحاول إقناع زوجها بالإسلام، وإن كان لها أولاد فعليها أن تعمل على إقناع أولادها بالإسلام بالحكمة والموعظة الحسنة، وفي حال إصرار الزوج على كفره وعدم قبوله الدخول في الإسلام فعليها أن تفارقه، ولا يصح أن تبقى زوجة له، لأن القوامة في الأسرة للرجل، ولا ولاية لكافر على مسلم، والله أعلم .
    س36) لماذا لا يسمح لغير المسلمين أن يدفنوا في مقابر المسلمين ؟
    ج36) إن الموت في المفهوم الإسلامي مرحلة انتقالية من حياة إلى حياة أخرى، وإن المؤمنين بعد وفاتهم يدفنون في مقابر خاصة بهم إكرامًا واحترامًا لهم، خصوصًا وهم في حالة لا يملكون أن يدفعوا عن أنفسهم ما قد يتأذون منه0
    ثم المطلوب شرعًا زيارة قبور المسلمين والدعاء لهم والاستغفار لهم، فعندما تختلط قبورهم بالمشركين يخشى من الوقوع في الدعاء لأهل هذه القبور والإسلام نهانا عن الدعاء لمن مات على الشرك0
    س37) كيف يتفق قتل المرتد عن الإسلام مع ما يزعم من حرية الاعتقاد التي يكفلها الإسلام لجميع البشر (لا إكراه في الدين)؟
    ج37) لا يكره أحد من غير المسلمين على الدخول في الإسلام، قال تعالى: (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الغَيِّ)(53)، فإذا تبين للإنسان الدين الحق ثُمَّ اختار الكفر فهو مسؤول عند الله يوم القيامة بما اختار ومعاقب على ذلك .
    أمَّا إذا اختار الإسلام فعليه أن يعرف أنه سيكلف بتكاليف إذا خالفها فقد يعرض نفسه للعقاب الذي قد يصل إلى القتل، ألا ترى أن من يريد أن يطلب جنسية دولة من الدول، فإن عليه أن يعلم أنه مسؤول عن الالتزام بقوانين تلك الدولة وأنظمتها، ومن هذه الأنظمة معاقبته على الخيانة العظمى بأقصى عقوبة .
    فمن دخل في الإسلام فعليه أن يلتزم بجميع أحكامه وأن يؤمن بجميع شرائعه التي منها قتل المرتد عن الإسلام، وليس في هذا إكراه له على الدخول في الدين، ولكن حمايةً للدين والأمة الإسلاميَّة من المتلاعبين والعابثين بنظام الدولة الإسلامية، إذ إنه يصبح بذلك عنصر إفساد في المجتمع ، فمن حق هذا المجتمع أن يعاقبه بالقتل إذا لم يتب وَيَعُد إلى حوزة عقيدة الأمة .
    س38) هل هناك مثوبة من عند الله لمن كان يؤمن بالله دون أن يؤمن بدينٍ من الأديان؟ إن كانت هناك مثوبة فما أهمية الإيمان برسول معين؟ وإذا لم يكن الأمر كذلك فهل معنى هذا أنه يتعين على المرء أن يؤمن بدين واحد مثل إيمانه بإله واحد ؟
    ج38) لا يُمكن للإنسان أن يؤمن بالله ويعبده على الوجه الذي يحبه تعالى إلاَّ إذا اتبع أنبياءه، وعلى هذا فلا مثوبة لمن لم يؤمن بالدين الذي ارتضاه الله تعالى لخلقه عن طريق الرسل؛ لأن الإيمان الحق بالله تعالى وحده إنَّما يثاب عليه المرء إذا كان إيماناً بالله وحده لا شريك، ثُمَّ متابعًا لرسول من الرسل أو نبي من الأنبياء في زمن رسالته أو نبوته .
    وجميع الأنبياء جاؤوا بدين الإسلام، وهو إفراد الله تعالى بالعبادة والطاعة وتصديق الأخبار التي أوحى الله بها إليهم، أمَّا بعد بعثة محمد r فإنه يتعين على كل من بلغه رسالة الرسول r أن يؤمن به ويطيع أمره ويصدق خبره، ولا يصح أن يكون مؤمنًا بالله إلاَّ باتباع رسوله r والإيمان الخالص بالدين الذي جاء به .
    س39) يقول: إنه مسيحي ولكنه يؤمن بالاستسلام الكامل لله، فهل هذا ينجيه من عذاب الله ؟
    ج39) إن الاستسلام لله تعالى يستلزم طاعة الله تعالى فيما أمر واجتناب ما نهى عنه وزجر وتصديق الرسول r فيما أخبر، والله تعالى بعث محمدًا لجميع البشر، وسدّ كل الطرق الموصلة إليه إلاَّ طريقاً واحدًا هو طريق نبيه محمد r ، واستسلام السائل ليس استسلامًا صحيحًا، فضلاً عن أن يكون كاملاً، لأنه لو كان كما يقول لكان مسلمًا من أتباع النبي r، وكان ذلك سببًا لنجاته من النَّار، أمَّا بقاؤه على نصرانيته وعدم إيمانه برسالة محمد r فلا ينجيه من النَّار، والله أعلم0
    س40) يقول: لدينا في النصرانية ملل مختلفة، ولديكم في الإسلام مثل ذلك كالسنة والشيعة والدروز والإسماعيلية، لماذا كل هذه الفِرَق؟ وما الفَرْق بينها؟
    ج40) إن الافتراق في هذه الأمة واقع كما وقع في الأمم السابقة وقد أخبرنا بذلك نبينا r بأن هذه الأمة ستفترق، غير أن الحق مع طائفة واحدة هم أهل السنة والجماعة الذين هم على مثل ما كان عليه النبي r وأصحابه y، أمَّا غيرهم من الطوائف التي نشأت في الأمة الإسلاميَّة، فهم في الجملة قد انحرفوا عن الحق الذي هو منهج هذه الطائفة الناجية لأسباب منها:
    ● الجهل بالدين والهوى والتعصب .
    ● أو الكيد لهذا الدين وأهله .
    وما أشار إليه السائل من الطوائف فهي تختلف في الحكم عليها بحسب قربها وبعدها من الحق، وفيها من يحكم بكفره وخروجه من الملة كالإسماعيلية والدروز .
    س41) لماذا تعتقدون أنكم أنتم أهل الصواب في المعتقدات وغيركم كافر خاطئ لا يعرف إلى الحقيقة طريقًا ولا إلى الحق سبيلاً؟
    ج41) القضية ليست دعوى مجردة، بل هي الفطرة السليمة والبراهين والحجج والأدلة القاطعة، التي تقرر صحة الاعتقاد في الإسلام خالصًا من كل شوائب الشرك لغير الله I.
    فإن اليهود مثلاً يؤمنون بإله "يهوه" ينسبون إليه ما لا يليق بجلال الله وعظمته من أن له ابنًا "عزير" (وَقَالَتِ اليَهُودُ عُزَيْرٌ ابن اللهِ)(54)، فكيف يكون لله ولد وهو I لا يشبهه شئ من خلقه، ونسبوا له I البخل فقالوا (يد الله مغلولة)(55)، ونسبوا له كثيراً من الأوصاف التي لا تليق بكماله وعظيم سلطانه.
    وجاء النصارى بعدهم وادعوا مثل ما ادعاه اليهود فقالوا المسيح ابن الله، وادَّعوا ألوهية المسيح وأمِّه قال تعالى: (وَإِذْ قَالَ اللهُ يَا عِيسَى ابن مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إَنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلامُ الغُيُوبِ)(56) 0
    وجاء الإسلام بصفاء ونقاء العقيدة وبتوحيد الله U: (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدْ اللهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ)(57)، وقال تعالى: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ)(58)0
    ولقد قامت الحروب في أوربا والتي سميت بـ"الحروب المقدسة" وكان الدافع لها اختلاف القوم حول طبيعة السيد المسيح فمن قائل: هو الله، قال تعالى: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ المَسِيحُ ابن مَرْيَمَ)(59)، ومن قائل: هو ابن الله، قال تعالى: (وَقَالَتِ النَّصَارَى المَسِيحُ ابن اللهِ)(60)، ومن قائل: هو ثالث ثلاثة، قال تعالى: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ)(61)0
    ولم يحدث في الإسلام اختلاف حول الإله سبحانه وأسمائه وصفاته0 ومن هنا يتبين لنا أن الفرق شاسع كالبعد بين الثرى والثريا، لا تعصبًا ولا حميةً على باطل (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ العِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أبناءَنا وأبناءَكم وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللهِ عَلَى الكَاذِبِينَ)(62)0
    فلا نخطِّئ إلا من حكم الإسلام بخطئه وانحرافه لا حسب الهوى والتشهي، فقد جاءنا في كتاب الله I أن من أشرك بالله فهو كافر به I، ومن حاد عن الدين الحق فقد جانب الصواب ولم يهتد إلى الطريق الصحيح قال تعالى: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)(63)0
    س42) ما موقع الوطنية "القومية" في الإسلام ؟
    ج42) إن حب القوم والوطن شيء حض عليه الإسلام ورغب فيه ولكن لا يعني ذلك أن يكون ولاؤه وبراؤه للوطن والقوم فحسب، فهو مفهوم جاهل أبطله الإسلام
    إن مفهوم الوطنية والقومية عند دعاتهما المعاصرين تعني أن رابطة الإنسانية لأبناء القوم والوطن الواحد هي مجرد الانتماء إلى القوم أو الوطن بقطع النظر عن رابطة الدين والصلاح والتقوى ، ولاشك أن هذا مفهوم جاهلي، فقد كان للقبلية والقومية والإقليمية قبل مجيء الإسلام أثر كبير في حياة البشر، ولما جاء الإسلام هذب هذه المعاني ووضع لها ضوابط وأحكامًا منها: أنه لا تعصب لقبيلة أو لجنس أو لوطن أو للون، ولا براء ولا ولاء بناء على ذلك، إذ الولاء كل الولاء لله تعالى ولرسوله rوللمؤمنين في مشارق الأرض ومغاربها، ثُمَّ إن حب الوطن والقوم تَبَعٌ لهذا الدين العظيم وليس العكس .
    س43) هل من مات دفاعاً عن وطنه شهيد ؟
    ج43) للنية دور كبير في الدفاع عن الوطن، فمن قتل في سبيل وطنه بنية إعلاء كلمة الله فهو شهيد، ومن قتل دفاعًا عن وطنه بنية الدفاع عن الحرمات والأموال فهو إن شاء الله شهيد، أمَّا من قتل دفاعًا عن وطنه بقصد كسب مال أو شهرة أو ما شابه ذلك، فلا يعتبر ذلك استشهادًا، والشهادة هنا لا ينالها إلاَّ من قُتل مسلمًا ، دون غيره . والضابط في ما تقدم قول النبي r: "من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله " .
    الباب الثاني
    في رحاب الفقه الإسلامي
    حكم ومقاصد
    الفصل الأول
    التشريع الإسلامي حِكَمٌ ومقاصد
    س44) ما معنى الإسلام ؟
    ج44) الإسلام هو الاستسلام لأمر الله تعالى والانقياد له بالطاعة في جميع شرائعه وأحكامه التي أساسها الأركان الخمسة المشهورة وهي:
    الشهادتان - والصلاة - والزكاة - والصوم - والحج0
    وتمام الإسلام أن تنصبغ حياة المسلم في جميع أحواله بصبغة الإسلام، قال تعالى: (ِصْبَغَة الله وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ الله صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ)(64)، وقال تعالىقُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ العَالَمِين)(65)0
    س45) ما معنى الإيمان ؟
    ج45) الإيمان هو اليقين والتصديق الكامل -الذي محله القلب- مقترن بقول اللسان وعمل الأركان – أي الجوارح -، وأساس هذا الإيمان هو الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره من الله تعالى0
    فلا بد من اليقين بهذه الأسس والأركان، والذي يدل على هذا اليقين قول اللسان، وكمال الأمر إنما يصدقه العمل بالإسلام في ميادين الحياة الخاصة والعامة0
    س46) ما معنى الإحسان ؟
    ج46) الإحسان هو كما قال الرسول r:" أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك"(66)0
    إنها درجة عالية عندما يكون شعور المسلم حيًا يقظًا يتعامل مع ربه وكأنه يراه أمام عينيه بقدرته وعظمته وسلطانه وسطوته ورحمته وبره وعونه وكرمه…. إن من يستشعر هذه الصفات الربانية وغيرها في كل أحواله، فسيكون صادقًا خيرًا في جميع أعماله وسلوكه وأخلاقه، صدقًا ينبع من القلب، ولا يتأثر بالناس في مصالحهم ومنافعهم المادية والشخصية، صدقًا يمثله قول النبي r لعقبة بن عامر حين سأله عن فواضل الأخلاق: "يا عقبة صِلْ من قطعك، وأعط من حرمك، وأعرض عمن ظلمك"(67)، صدقًا يجعل نفس المؤمن طاهرة نقية في السر والعلن، في الخلوة والجلوة، في المنع والعطاء، في الولاء والبراء، في دِقِّ الأمور وجلِّها، إنها نفس آمنت بالله وتعلقت به وهي تنظر إليه في كل حين، وإن غفلت فهي على يقين بأن عين الله لا تغفل عنه بحال.. ذلكم هو الإحسان0
    س47) متى عرف الإنسان الإيمان لأول مرة؟ وهل كان الناس قديمًا يؤمنون بالله تعالى أم كانوا كفارًا كما يزعم علماء الإنسان "الانثربولوجيا"؟
    ج47) إن الإيمان بالله تعالى عميق الجذور وأصيل في الفطرة التي فطر الله الناس عليها، يقول r: "كل مولود يولد على الفطرة، وأبواه يُهَوِّدَانه أو يُنَصِّرَانه أو يُمَجِّسَانه"(68)، أي كل مولود يولد على الإيمان بالله تعالى والإسلام له سبحانه، هذا وللإسلام تصوره الخاص عن بداية الخلق والنشأة الإنسانية، وخلاصة ذلك: أن الله تعالى خلق آدم - أبا البشر- من تراب ثم ألقى فيه الروح، ثم خلق منه زوجه حواء، ثم حصل التناسل بعد ذلك، حتى كثر الناس وعمروا الحياة0
    وقد كان آدم u أول المؤمنين بالله المعترفين بعظمته وقدرته، ولذلك لما نسي أمر الله وخالف تعاليمه تاب وأناب واستغفر ربه وسجد له طالبًا رضاه ومغفرته، قال تعالى: (قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الظَّالِمِينَ)(69)، وقال تعالى: (وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الجَنَّةَ فَكُلا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ ! فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ ! فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوابُ الرَّحِيمُ)(70)0
    واضح من الآيات الكريمات أن آدم u كان مؤمنًا بالله ويسكن الجنة هو وزوجته، ثم طرأ الزلل والخطأ من وسوسة الشيطان، ثم حصلت التوبة من آدم u وتم القبول من الله تعالى0
    فالإيمان هو الأصل، والمعصية والكفر والشرك طارئ من البشر بعد ذلك، ويؤكد هذا قول الرسول r عن الله: "خلق الخلق حنفاء فاجتالتهم الشياطين"(71)، أي أضلت وزينت لهم الشرك والكفر والانحراف عن منهج الله تعالى0
    س48) كيف يمكن للمرء أن يؤمن بدين من الأديان ولم يحدث قط أن بعث أي من الأموات ليخبر عما حدث له؟ كما لم يسبق لأي من الأحياء أن رأى الله U ؟
    ج48) إن هذا السؤال مبني على أن عالم المادة والحس هو المرجع في تقرير حقائق الكون، وهذا الأساس باطلٌ أصلاً، وذلك لأننا في هذه الحياة نؤمن بأشياء كثيرة دون أن نراها أو نلمسها لمسًا أو نحس بها إحساسًا ماديًا، كالروح مثلاً، ما حقيقتها؟ ماسرها؟ أين تكمن في أجسادنا؟ كل ذلك مجهول للعلماء وللمختبرات العلمية وللأشعة الدقيقة وللمجاهر التي ينظر علماء الأحياء والطب وغيرهم من خلالها، ونحن -مع ذلك- نؤمن جازمين بوجودها0
    وكذلك المغناطيس والأثير والتيار الكهربائي وغيرها كثير لا نحس بها إحساسًا ماديًا ولكنها موجودة، ونؤمن بها من خلال آثارها الظاهرة لنا0
    ثم إن الدين - أيَّ دين صحيح- يقوم أصلاً على المعجزات وهي الأمور التي يجريها الله تعالى على أيدي رسله مما يعجز البشر عن الإتيان بمثلها، وذلك تصديق من الله لرسله وإثبات منه لدعواهم أنهم يحملون رسالة ربانية إلى الناس، فما من نبي إلا آتاه الله من المعجزات ما آمن البشر على مثله , وهذه قضية مسلَّمة وحقيقة تاريخية بدهية0
    فالنبي موسى u من معجزاته عصاه التي انقلبت حيةً، ومنها انفلاق البحر بضربة عصاه، وانفجار الماء من الحجر لما ضربه بالعصا فجرى في الأرض اثنتا عشرة عينًا يشرب منها قومه، والنبي عيسى u من معجزاته أنه كان يشفي الأكمه والأبرص ويحيي الموتى بإذن الله0
    وأما خاتم الأنبياء محمد r فمعجزاته كثيرة منها انشقاق القمر، ونبع الماء من بين يديه الشريفتين، والإسراء والمعراج، وأعظم معجزاته الخالدة المستمرة إلى قيام الساعة القرآن الكريم الذي ما زال يتحدى العالم أن يأتوا بمثله، سواء في ذلك بيانه وبلاغته أو تشريعه وتنظيمه أو أخباره الغيبية أو إشاراته العلمية الكونية0
    وهكذا تشعر أن الإيمان بالله تعالى والإيمان بالغيب أمر بدهي فطري لا تستقيم الحياة بدونه ولا تستقر النفس بعيداً عنه، وحياة الناس اليوم وقبل اليوم تؤكد ذلك لو صدق الناس في الحديث عما بداخلهم وعما يجول في خواطرهم ومشاعرهم وأحاسيسهم0
    س49) هل يتوارث الناس الإسلام عن آبائهم ؟
    ج49) لقد تقدم معنا أن كل مولود يولد على الفطرة - أي الإسلام- وعليه فالولد قبل بلوغه سن الرشد في نظر الإسلام تابع لوالديه في الدين والمعتقد، فإذا بلغ سن الرشد قد يكون تأهل لحمل المسؤولية والتكليف، وهنا لا بد له من تبني الإسلام عن فكر وقناعة واختيار، فإن لم يفعل فلا يعد في عداد المسلمين، ولو مات الطفل قبل بلوغ سن الرشد - خمسة عشر عامًا - فهو عند الله من الناجين ومن أهل الجنة حتى ولو كان أبواه كافرين، وهذا مقتضى عدل الله I وهو القائل: (وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) (72)0
    س50) هل يفرض الإسلام على المرء فرضًا أم هو بمحض إرادته ؟
    ج50) الإسلام دين لله، والله تعالى هو الأعلم بنفوس البشر وسبل إصلاحها وإفسادها، وقد علم الله أن الصلاح الحقيقي للبشر إنما ينشأ عن الاقتناع والاختيار والمحبة والرغبة الصادقة في اتباع المنهج الذي أنزله الله للناس ليكون لهم هادياً ومخلصًا ومنقذًا، وقد بين الله تعالى ذلك واضحًا جليًا في قوله U : (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالعُرْوَةِ الوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) (73)0
    ولم يحدث في تاريخ الإسلام أن أكره المسلمون أحدًا على الدخول في دينهم حتى وهم في أعلى مراكز القوة والاقتدار، ولا يمكن لأحد أن يثبت غير ذلك0
    س51) هل يمكن لنظام هذا الكون أن يكون مَرَدُّه للمصادفة ؟
    ج51) لا يمكن ذلك بحال من الأحوال بل لا يستطيع عاقل أن يتصور أن هذا الكون وجد بالصدفة - أي بدون صانع حكيم عليم قادر- وبأدنى تأمل يدرك العاقل بطلان الصدفة0 فعندما ينظر الإنسان إلى بناء جميل منظم بشكل هندسي بديع ومحكم فإنه بداهة يوقن أن وراء هذا البناء مَن نَظَمه وخطط أصوله وصمم أساساته وردهاته وشرفاته، وعندما ينظر الإنسان إلى الساعة في يده فلا يمكنه أن يصدق أن صانعها الأول وجدها تلقائيًا بهذا الشكل الذي هو عليه، فكيف بخلق الإنسان الذي حارت فيه العقول، كيف يمكن أن يكون صدفة؟ وكيف لهذا الكون الذي يسير على نظام محكم ودقيق جدًا، في ليله ونهاره ونجومه وأجرامه ومجراته وفق سنن لا تتخلف، كيف يمكن أن يكون وُجِد صدفة؟!!
    إن القول بالصدفة قد عفا عليه الزمن، وأصبح خارج نطاق المعقول في عالم العلم والمعرفة، وعالم الأسباب والمسببات0
    س52) هل يقبل إسلام شخص أراد أن يسلم لغرض شخصي كالزواج من مسلمة ؟
    ج52) الإسلام دين الله تعالى وهذا الدين يجب أن يكون خالصًا لله تعالى، قال الله U: (أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الخَالِصُ)(74)0
    فمن أظهر الإسلام لمصلحة معينة وهو يبطن الكفر فإسلامه غير مقبول عند الله تعالى، قال رسول الله r: "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله؛ فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها، أو امرأة ينكحها؛ فهجرته إلى ما هاجر إليه" (75)0
    هذا هو الأساس والأصل، ولكن قد يظهر شخص الإسلام لغرض خاص بنفسه، ثم بعد الدخول في الإسلام تتحسن نيته وتخلص لله تعالى ويحسن إسلامه، وهنا يكون إسلامه صحيحا ومقبولاًً عند الله U0
    ثم إن أظهر أحد الإسلام ظاهرًا فقط فالمسلمون في هذه الحياة الدنيا يعاملونه بحسب ما أظهر ولا يكلفون بالشق على قلبه لمعرفة ما فيه، ومن الآثار الشائعة بين علمائنا (لنا الظاهر والله يتولى السرائر)، ولكنه إن استمر على هذا الحال فهو غاشُّ للمسلمين وهو منافق أيضًا، ولن يقبل الله منه إلا ما كان صادرًا عن قلب واعتقادٍ سليم0
    أما إن أعلن أمام الناس أنه إنما يتظاهر بالإسلام من أجل الزواج أو غيره وهو على دينه وكفره فهنا يؤخذ بجريرته ويحاسب على إعلانه الكفر بعد الإسلام وتطبق عليه أحكام الردة 0
    س53) هل النية تكفي في إسلام الشخص أم لابد من النطق بالشهادتين ؟
    ج53) لا تكفي النية ولابد من النطق بالشهادتين لأن إعلانهما هو الذي يميز المسلم من الكافر، وهو دليل الصدق والقناعة بالإسلام، ثم كيف لنا أن نعرف أن هذا الشخص مسلم إذا لم يعلن الشهادة؟ وكيف يؤدي المسلم حقوق إخوانه عليه إذا لم يعرفهم ولم يعرفوه؟ وكيف له أن يقوم بواجباته نحو الإسلام والمسلمين إذا لم يعلن إسلامه؟ اللهم إلا إذا كان إنسان يخاف على نفسه من القتل لو أعلن إسلامه لوجوده في بيئة كافرة متعصبة فيكفيه أن يسلم سرًا وينطق بالشهادتين بلسانه ويقوم بشعائر الإسلام سرًا ريثما يتمكن من الجهر بدينه، وفي مثل هذا الحال يجب عليه أن يسعى لتغيير هذه البيئة إلى بيئة أخرى يستطيع أن يمارس فيها دينه وشعائره بحرية وأمان0
    س54) هل يصح النطق بالشهادتين بغير اللغة العربية لمن لا يعرف العربية ويريد الدخول في الإسلام ؟
    ج54) نعم يصح النطق بالشهادتين بأي لغة ولا تشترط العربية لذلك، ولكن حتى يشهد إسلامه ويتعرف عليه إخوانه من العرب لابد من إعلان هذا الإسلام باللغة العربية عند الحاجة لذلك وعندما يكون مستطيعًا وإن عجز فلا حرج عليه إن شاء الله تعالى0
    س55) هل تلقن المرأة أختها التي تريد أن تدخل الإسلام الشهادة أم لابد أن يقوم بذلك رجل؟ وهل يلزم لذلك شاهدان أم يكفي أن ينطق المهتدي أو المهتدية بالشهادتين بنفسه دون حضور أحد ؟
    ج55) الإسلام دين الله تعالى وهو دعوة للعالمين الرجال والنساء، وكل من نطق بالشهادتين وهو يقصد معناهما ويعلم أنهما بمثابة الباب الذي يدخل منه لهذا الدين كل من فعل ذلك فهو مسلم ولا يحتاج أن يلقن الإسلام من أحد، ولو حصل ولقن مسلم من يريد الدخول في الإسلام الشهادتين فهو من باب التعليم ليس أكثر0
    ولا يحتاج الأمر إلى شهود لصحة الدخول في الإسلام، لأن الدخول في الإسلام يبدأ بالشهادتين ثم يتبع ذلك سلوك وأعمال هي أركان وشعائر لهذا الدين كالصلاة والصوم وسائر العبادات والمعاملات الإسلامية وهي كفيلة بتمييز المسلم عن الكافر وإلحاقه بإخوانه في الإسلام، أما إن ترتب على الإسلام حقوق تتعلق بالقضاء والمحاكم الشرعية واحتاج الأمر إلى إثبات إسلام المدعي منذ زمن معين فلابد من شهود يعتمد عليهم في ذلك0
    س56) ما مفهوم الشرك؟ وما الحكمة من رفض الإسلام له ؟
    ج56) معنى الشرك هو عبادة غير الله مع الله، سواء كان هذا الغير نبيًا أو رسولاً أو أحدًا من الناس كالحكام والأغنياء والوجهاء أو كان حجرًا أو كوكبًا أو غير ذلك
    وقد رفض الإسلام الشرك بل وجعله نقيض الإيمان بحيث لا يجتمعان معًا بحال وذلك لأمور كثيرة أهمها:
    أ) أن من عرف الله حقًا بأسمائه وصفاته وأفعاله وأفضاله فإنه يحتقر أن يجعل له ندًا من الكائنات الضعيفة العاجزة0
    ب) أن الشرك بالله لا يستقيم مع الفطرة السليمة التي فطر الله الخلق عليها، فالنفس المؤمنة بالله تعالى وحده تشعر بالراحة والطمأنينة والاستقرار، أما المشرك فإنه يعيش حياته ممزق النفس مضطرب المشاعر مهتزَّ الضمير مشتت التفكير لا يعرف الراحة والاستقرار0
    وإن أدنى دراسة اجتماعية للمجتمعات الإسلامية والمجتمعات الغير إسلامية لتوضح لنا الفوارق الجمة بين هذه وتلك، والنتيجة إنما هي مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بعقائد هذه المجتمعات التي توجهها في مسيرة حياتها الخاصة والعامة0
    جـ) أن الشرك يناقض التفكير السليم والعقل السليم، فإن العقل لا يمكن أن يساوي بين الخالق والمخلوق وبين العالم والجاهل وبين القادر والعاجز، وعند التأمل في الكون من حولنا ندرك بيقين أنه لابد له من خالق عظيم عليم قادر على كل شيء يكون هو الذي أبدع هذا الكون وخلق كل ما فيه من حياة وأحياء وفق نظام دقيق لا يتخلف، ويجزم العقل أيضًا بأن هذا الخالق لابد أن يكون واحدًا، لأنه لو تعددت الآلهة لوُجِدَ الاختلاف والتنازع، ولو كان فيهما آلهة غير الله لفسدتا، ولعلا بعضهم على بعض0
    س57) ما هي صفات الروح ؟
    ج57) الروح هي سر الحياة الغامض الخفي الذي استأثر الله بعلمه ومعرفة حقيقته وكنهه الأزلي، قال الله تعالى: ( وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ العِلْمِ إِلا قَلِيلاً) (76)0
    ولقد بحث العلماء المعاصرون عن حقيقة هذا السر، وعقدوا المؤتمرات لذلك، ولكن كان قرارهم أن الروح سر مجهول لم يدرك البشر حقيقته بعد0
    من ذلك، المؤتمر الذي عقد في نيويورك عام 1959م حيث التقى فيه ستة من علماء الشرق والغرب على مائدة مستديرة للتعاون في سبيل فهم شيء عن أصل الحياة ونشأتها على ظهر هذه الأرض، وكان فيهم العالم الروسي ألكسندر أوبارين أستاذ الكيمياء الحيوية بأكاديمية العلوم السوفييتية، وأخطر المهتمين بأمر نشأة الحياة، وقد انتهى المؤتمر كما بدأ، دون أن يصل المؤتمرون إلا إلى مزيد من التأكد بأن أول الحياة لا يزال مجهولاً، ولا مطمع في أن يصل إليه العلم يومًا ما (77)0
    وإنما نؤمن بالروح ووجودها من آثارها البارزة في عالمنا المحسوس الذي يعج بالحياة والأحياء0
    والفرق بين حياة البشر وحياة الحيوان، أن حياة الحيوان غريزية قاصرة على عالم المادة المحسوسة من طعام وشراب وشهوة0
    أما حياة الإنسان فهي تمتاز فوق ذلك بعالم القيم والأخلاق والمثل والفضائل والمشاعر النبيلة، وحياة العلم والتفكير والبحث عن أسرار الكون والاستفادة منها، فإن تخلى الناس عن تلك القيم العليا فإنهم يرتكسون إلى عالم الحيوان والبهائم، ويصور القرآن الكريم هذا المعنى تصويرًا بليغًا بقوله تعالى: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأَنْعَامُ والنَّارُ مَثْوَىً لَهُمْ) (78)، وبقوله تعالى: ( وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الجِنِّ وَالإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الغَافِلُونَ) (79)0
    س58) ما العلاقة بين الحياة والموت والآخرة ؟
    ج58) إن الله تعالى هو الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً0
    هذا هو محور الدائرة وقطب الرحى (ليبلوكم أيكم أحسن عملاً)(80)، فقد خلق الله الكون وأظهر فيه عجائب قدرته ليعرفه خلقه حق معرفته ويقدروه حق قدره، ويلتزموا المنهج الذي رسمه لهم، ويقيموا الحياة وفق شرعه I، فيدين حينها الكون كله -إنسه وجنه وأرضه وسماؤه وفضاؤه- يدين لله بالعبودية الحقة الصادقة، والحياة الدنيا هي مسرح الحدث، أراد الله أن يظهر فيها الطائع من العاصي والمستقيم من المنحرف والعادل من الظالم والضال من المهتدي والمؤمن من الكافر، فوهب الله للإنسان عقلاً وإدراكًا، ومنحه حريةً واختيارًا، وأعطاه قدرة وسلطانًا، ووضع بين يديه الخيارات المتعددة من خير وشر وهداية وضلال واستقامة وانحراف، وأرسل له الرسل المؤيَّدين بالمعجزات الدالة على صدقهم ليبلغوه أنه الخليفة عن الله في أرضه والمسؤول عن إقامة الحق والعدل فيها0
    وقد زود الله الإنسان - بواسطة الرسل عليهم الصلاة والسلام- بالمنهج الكامل للحياة تصورًا وسلوكًا بما يتفق مع العقل والفطرة المستيقمة0
    وقد أعلن الله تعالى للخلق جميعًا أن الحياة الدنيا كلها هي ميدان العمل وحلبة الصراع، وأن الجزاء والحساب والقصاص العادل إنما هو في الدار الآخرة التي سيفضي إليها الخلق جميعًا، وهناك يكون الثواب والعقاب لأن الحياة الدنيا بقصرها وحدودها الضيقة لا تتسع للجزاء واستيفاء الحقوق في ميزان الله تعالى، ولذلك كانت هذه الحياة دارًا للعمل والبناء وكان الموت جسرًا يعبر عليه الأحياء إلى دار الخلود ليأخذ كل ذي حق حقه وفق موازين القسط التي لا تغادر صغيرة ولا كبيرة، قال الله تعالى: ( فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه ُ! وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًا يَرَهُ)(81) 0
    وقال أحد الشعراء راسمًا هذا المشهد:
    وما الموت إلا رحلة غير أنها من المنزل الفاني إلى المنزل الباقي
    س59) هل تبعث الكائنات الأخرى ؟
    ج59) نعم إن الله تعالى يبعث يوم القيامة جميع الكائنات الحية، وبعد أن يقضي سبحانه بين خلقه وينصف المظلوم ممن ظلمه، ويعطي كل ذي حق حقه -حتى البهائم- بعد ذلك يكرم الله عباده المؤمنين الصادقين بدخول الجنة، ويكتب لهم الخلود الأبدي فيها، وكذلك يجازي الكفرة والمشركين بدخول النار، ويكتب لهم الخلود الأبدي فيها0
    ومما يدل على حشر الحيوانات يوم القيامة قول رسولنا محمد r: "لَتُؤَدُّنَّ الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى ليقاد للشاة الحلجاء من الشاة القرناء" (82)0
    س60) هل الإنسان بفطرته يحمل الخطيئة ؟
    ج60) لقد خلق الله الإنسان وفطره على الإسلام الدين الحق، وجعل الله لهذا الإنسان استعدادًا وميولاً للخير والشر والصواب والخطأ والعدل والظلم، ورزقه الله من المواهب والقدرات ما يكون قادرًا بها على فعل جميع ذلك بحريته واختياره0
    ثم أرسل الله الرسل إلى الخلق فوضحوا لهم سبل الهداية والرشاد من الغواية والضلال، وحذروهم من المصير إن هم اتبعوا الباطل وفعلوا الآثام وضلوا عن الطريق المستقيم0
    وبهذا التصور يستقيم الاختبار والامتحان، ويمكن للإنسان أن ينجح أو يرسب في النهاية، ويستحق بعد ذلك الثواب أو العقاب، أما لو فُطِرَ الإنسان على الخير وحده وحيل بيته وبين الشر؛ فكيف يستحق ثوابًا؟ وكذلك لو فُطِرَ على الشر وحده، وحيل بينه وبين الخير، فكيف يستحق عقابًا على شيء لا يملك سواه؟!!
    س61) لو مات الإنسان على غير الإسلام هل يكون مثواه الجنة أم النار ؟
    ج61) الدين الحق عند الله هو الإسلام والإسلام وحده، وأما الرسالات السماوية السابقة فهي إرهاصات ومبشرات بالدين الخالد - الإسلام- وقد كانت تلك الرسالات محدودة الزمان والمكان، وهي تهيئ الناس لقبول الحق الرباني النهائي في رسالة خاتم الأنبياء محمد r 0
    قال الله تعالى: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الخَاسِرِينَ)(83)0
    س62) ما الذي يدخل الإنسان الجنة ؟
    ج62) الجنة في مفهوم الإسلام هي دار نعيم أعدها الله للمؤمنين به يدخلونها في الدار الآخرة بعد البعث من القبور، ويدخل هذه الجنة كل مسلم مات على الإسلام وهو لا يشرك بالله شيئًا0
    ومعنى هذا أن المسلم الذي يقع بفعل بعض المعاصي في حياته فهو إن تاب منها توبة صادقة فقد وعد الله تعالى بقبول توبة التائبين الصادقين وأنه تعالى يغفر لعم ذنبهم الذي اقترفوه، قال تعالى: ( وَهُوَ الذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ )(84)0
    أما إن مات العاصي المذنب دون توبة فأمره إلى الله تعالى إن شاء عفا عنه وإن شاء عذبه وعاقبه، وقد بين لنا الرسول r أنه يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان، وهذا يعني أن العصاة والفسقة ممن مات على الإيمان وعدم الشرك قد يعذبون في النار فترة يعلمها الله ثم يخرجون منها إلى الجنة لتكون مقرهم الدائم بإذن الله تعالى0
    هذا ومن عقائد المسلمين أن دخول الجنة إنما هو بفضل الله ورحمته وأن العمل الصالح وحده لا يؤهل صاحبه لدخول الجنة، مالم ينتج عن هذا العمل رضى الله تعالى ورحمته بالعبد0
    قال رسول الله r: "لن يُدخِل أحدَكم عملُه الجنة، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله بفضله ورحمته"(85)0ومع هذا فقد أخبرنا الله أنه لا يضيع عمل عامل منكم من ذكرٍ أو أنثى 0
    كل هذا ليكون المسلم دائم الاتصال بالله والالتجاء إليه والتضرع له، وفي هذا ما يساعد على تحسن السلوك لدى المسلم في حياته الخاصة والعامة0
    س63) هل تلاوة القرآن الكريم وحدها دون تدبر لمعانيه تعتبر عبادة ؟
    ج63) نعم تعتبر عبادة ، ولكن ليس من يقرأ القرآن الكريم وهو غافل لاهٍ كمن يقرأه وهو يقظٌ مفكر، وللجميع أجر ولكن فرق بين من يصيد عصفورًا وبين من يصيد غزالاً والكل صياد فمن شاء أن يقل ومن شاء أن يكثر0
    وإنما الحياة السعيدة في ظلال القرآن الكريم لن تكون إلا لمن يتدبرونه ويخشعون عند سماعه ويؤثر في حياتهم ويغير مجرى تاريخهم، كما سبق أن حدث مثل ذلك في حياة الصحابة الكرام y الذين عاصروا نزول القرآن الكريم على رسول الله محمد r 0
    س64) ما الحكمة من كل ركن من أركان الإسلام ؟
    ج64) أركان الإسلام خمسة وهي:
    1) شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله
    2) وإقام الصلاة 3) وإيتاء الزكاة
    4) وصوم رمضان 5) وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلاً
    وهذه الأركان مبني عليها الإسلام كله، والسؤال هنا عن الحكمة منها سؤال كبير وواسع، وتحتاج الإجابة عليه إلى معرفة كاملة بهذا الدين أصوله وفروعه، ولكن هذا لا يمنع من أن نذكِّر بطرف من حكمة تلك الأسس و الأركان حسب ما يوفق الله إليه ويعين عليه0
    لا إله إلا الله محمد رسول الله
    إنها شهادة الحق وأساس الإيمان والإسلام، فلا إله يعبد ويستسلم له ويلجأ إليه عند الشدائد إلا الله، إنه التوحيد الذي يضمن استقرار النفس وسلامة الفكر ويتسق مع الفطرة والعقل، ولو كان فيهما - السماوات والأرض - آلهة إلا الله لفسدتا، ولعلا بعضهم على بعض0
    محمد رسول الله فهو الهادي إلى الله، والمبلغ عنه نظم الحياة وسننها التي يسيرها الله عليها، وهو الذي هدى الناس إلى ربهم وعرفهم مناهج الحياة الفاضلة السعيدة0
    وبهذه الشهادة يتوحد مصدر العبودية ومصدر التلقي عن الله، فلا يعيش الإنسان بعد ذلك هائمًا مضطربًا لا يعرف أين يتوجه ولمن يستسلم، ولا يحتار الإنسان في الطريق الذي يسلكه في حياته، فإنه مرسوم واضح قد بينه الرسول عن ربه نظامًا شاملاً متكاملاً، سمحًا ميسرًا، تصورًا وسلوكًا، ومنهاجًا للحياة العامة والخاصة0
    وأما إقامة الصلاة:
    فإنها الصلة بين العبد وربه، فيها الخضوع والخشوع لله، وفيها المناجاة والدعاء وطلب الهداية من الله، وهي عنوان الاستسلام لله في أمره ونهيه، وهي غذاء الروح والعاطفة، وهي التي تغرس في النفس حب الطهارة والنظام، وهي تحفز المشاعر بين الحين والآخر فلا تدعها خاملة، ولا تترك لها الفرصة للتبلد والموت، كيف لا والمسلم يستعد لهذه الفريضة خمس مرات في اليوم، فلا تكاد الحياة تشغله وتحيط بعقله وتفكيره ويستسلم لها حتى ينادى بالصلاة فيهب المسلم ليتوضأ ويتطهر ويتحرك إلى المسجد، ليقف في صفٍ مَهيب يناجي ربه في مكان طاهر ويردد دعوات وابتهالات وآيات قرآنية كريمة، فلا بد أن يشده جميع ذلك ويحيي قلبه ويوقظ ضميره، مما ينعكس آثاره على سجاياه وأخلاقه ومعاملاته للمجتمع من حوله، ابتداءً من أسرته وأهل بيته وانتهاءً بأبعد الناس عنه0
    ولنتصور الفرق بين حياة رجل مسلم يصلي الصلاة الخاشعة المطمئنة ويحافظ على أوقاتها وآدابها، وبين رجل لا يعرف الصلاة ولا الطهارة ولا يلزمه دين ولا عقيدة بشيء من ذلك، لنتصور الفرق على مستوى حياة كلا الرجلين النفسية والشخصية والاجتماعية والخاصة والعامة، إن نحن فعلنا ذلك؛ فسنجد الفرق كبيرًا والبون شاسعًا، اللهم إن كان عندنا قلب يميز بين الأحياء والأموات0
    وأما إيتاء الزكاة:
    إن الزكاة في الإسلام هي أساس التكافل الاجتماعي في الأمة وهي الضمان لحقوق الفقراء فَرضها الله لهم على الأغنياء، لتوجد التواصل والتراحم بين طبقات المجتمع، ولتشيع فيه روح المحبة والتعاون، ولتقضي على بواعث الحقد والاستكبار بين المؤمنين المسلمين، والزكاة أيضًا عنوان البناء الاقتصادي المتكامل في هذا الدين، وإشارة واضحة إلى أن الإسلام ليس مجرد عواطف يحس بها الضمير وتعيش داخل النفس، بل هو نظام حياة شاملة، مع كونه عقيدة حية قوية في النفس0
    إنه دين يعيش مع هموم الناس ويحل لهم ما قد يعترضهم من إشكالات، وييسر لهم سبل الحياة الكريمة الفاضلة بما يسعد الجميع ويحقق الأمن والاستقرار في جنبات الحياة كلها، ولعل الإجابات على الأسئلة المتعلقة بالزكاة تزيد الأمر إيضاحًا إن شاء الله0
    وأما صوم رمضان :
    فالصيام هو الإمساك عن الطعام والشراب والشهوة، ابتغاء رضوان الله U، وفي الصيام قوة للنفس والإرادة لتعلو عن أَسْرِ الضرورات والشهوات، وتسمو إلى آفاق ما وراء المادة والحس، وفيه الانضباط والنظام الذي يجب أن يألفه المسلم في حياته، فلا يبقى مسترسلاً في شؤونه دون مبالاة0
    فالصوم يعوده على أن هناك وقت دقيق للإمساك عن الطعام والشراب، ووقت آخر يجب أن يسرع فيه المسلم للإفطار وتناول الغذاء، فإذا انتهى شهر الصوم؛ فالمسلم في ضيافة الله يوم العيد، ويحرم عليه صوم ذلك اليوم بعد أن كان الصوم واجبًا بالأمس، إنه النظام والطاعة والتربية العظيمة للنفوس الكبيرة0
    كما أن الصوم في الإسلام يذكِّر الأغنياء والأصحاء بهموم الفقراء والمرضى والضعفاء، فعندما يجوع الغني الصائم؛ سيتذكر الفقراء الذين قد يدركهم الجوع دائمًا، فيُحسِن إليهم ويهتم بشؤونهم، وهكذا يخرج الصائم من صومه بدروس روحية ونفسية واجتماعية عظيمة0
    وأما حج بيت الله الحرام لمن استطاع إليه سبيلاً:
    فهو أيضًا عبادة عظيمة تعود الفرد المسلم على التضحية بالمال والراحة في سبيل الله، ومن أجل التعالي على المادة، والارتقاء إلى عالم القيم والمثل العليا0
    ثم إن الحج حلقة قوية في سلسلة الأنظمة الإسلامية التي يتربى عليها المجتمع المسلم كالتعارف والتعاون التشاور، ولننظر إلى المنظومة التربوية في هذا السياق:
    لقد شرع الإسلام صلاة الجماعة التي تتيح للمسلمين على مستوى الحي أن يلتقوا خمس مرات يوميًا، يتعرف بعضهم هموم وأشجان وأحوال البعض الآخر0
    ثم شرع الإسلام لقاءً على مستوى كل بلدة أو قرية كل أسبوع وذلك يوم الجمعة في صلاة الجمعة، ليقوم بالمسلمين أحد علمائهم فيذكرهم وينصحهم ويوجههم إلى أفضل ما ينبغي أن يكونوا عليه، ويعالج خطيب الجمعة المشكلات التي قد تقع خلال الأسبوع من منظور إسلامي تربوي واعٍ، ليخرج الناس من صلاة الجمعة وقد فقهوا وأخذوا جرعة من التوجيه والتوعية يشقون بها الطريق إلى المستقبل الأفضل0
    ثم شرع الإسلام للمسلمين لقاءً أوسع وعلى مستوى العالم الإسلامي كل عام مرة وذلك هو الحج إلى بيت الله الحرام، ذلك التجمع المبارك الذي يتخلى الناس فيه عن عاداتهم وتقاليدهم ولباسهم ولغاتهم المحلية، ليقوموا بأداء شعائر موحدة من الإحرام والوقوف بعرفة والطواف والسعي والتلبية ونحو ذلك، ملتفين حول رمز عظيم يجمع قلوبهم ووجوههم وهو الكعبة المشرفة، والالتفاف حولها بشكل دائري في صلاتهم يرى بعضهم بعضًا، ويهتفون جميعًا معظم وقتهم: "لبيك اللهم لبيك.. لبيك لا شريك لك لبيك.. إن الحمد والنعمة لك والملك.. لا شريك لك"0
    يلتقي العالم الإسلامي في الحج ليشهدوا منافع لهم، فيظهر المسلمون عزة الإسلام وعظمته بوحدة هدفهم وقوة وحدتهم، ثم يتبادلون الرأي والمشورة حول همومهم ومشكلاتهم الملحة عالميًا ومحليًا ليخرجوا بالدروس النافعة والعبر والعظات التي تنير لهم الطريق في حياتهم، وتعينهم على أداء رسالتهم ومهامهم الكبرى، وهكذا يكون الحج، تضحيةٌ وتعاونٌ وتشاورٌ وتعارفٌ ونظامٌ وتربيةٌ ورمزُ وحدةٍ وقوةٍ، ومنافع كثيرة يأخذ كل مسلم منها بنصيب مقدر0
    تلك هي إجابة سريعة وإلماحة معبرة عن حِكَمِ وأسرار أركان الإسلام العظيم، وأهم من جميع ذلك هو تذوق حلاوة العبودية لله تعالى من خلال التطبيق العملي لتلك الأركان مع ملاحظة الإخلاص والصدق مع الله تعالى ومع النفس، والحرص الشديد على اتباع السنة والتأسي بالرسول الهادي المعلم عليه الصلاة والسلام في جميع الشرائع والأحوال0
    فمن محراب العبودية تتعالى أنوار الهداية فتبدد ظلمات الحياة الداكنة، قال الله U: (أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا )(86)0
    س65) هل للمسلم أن يعتبر أن عدم التوفيق في حياته نوع من ابتلاء الله تعالى له ؟
    ج65) إن عدم التوفيق في الحياة قد يكون له أسباب منها:
    أ) العجز عن فهم سنن الحياة وعدم إدراك قانون الأسباب وآثارها على النتائج، وقد أمر الإسلام بالحركة والسير في الأرض بحثًا عن السنن وطلبًا للرزق وابتغاء فضل الله U، فالذي يقعد عن الحركة والكسب ويستسلم لليأس والكآبة منتظرًا فضل الله وتوفيقه أن يأتيه دون جهد، إن مثل هذا يكون مخالفًا لأمر الله تعالى ولتعاليم الإسلام، وقد قال الله U: (فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ)(87)0
    ب) وقد يكون عدم التوفيق جزاءً من الله على أعمال ونوايا غير طيبة قد يقع فيها الإنسان، فالتوفيق في الحياة نعمة من الله قد يحرمها بعض الناس، فمثلاً من لا يتعاون مع الناس ولا ييسر على معسرهم ولا يحمل ضعيفهم ولا يعينه، ولا يفرج كربة مضطر ولا يسد حاجة محتاج، مثل هذا إذا وقع هو في ضيق وكرب وحاجة ثم لم يدركه توفيق الله لينقذه من همه وغمه فعليه أن يعرف أن الجزاء من جنس العمل، والرسول محمد r يقول: "من يسَّر على مُعسِر يسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة"(88)، وقال تعالى: (فَأَمَّا مَنْ َأعْطَى وَاتَّقَى! وَصَدَّقَ بِالحُسْنَى! فَسَنُيَسِّرُهُ لَلْيُسْرَى! وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى! وَكَذَّبَ بِالحُسْنَى! فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى)(89)، وقال تعالى: (وَلا يَحِيقُ المَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ)(90)0
    جـ) وقد يكون الابتلاء من الله لعباده ليظهر مدى صبرهم وإيمانهم به، نعم قد لا يوجد عند المسلم عجز عن فهم السنن الربانية التي تحكم الحياة، وقد لا يكون مقصرًا في عمل من الأعمال، وقد لا يكون عنده نية سيئة تجاه الآخرين، ومع ذلك يجد بعض العقبات في طريق حياته، وهنا يكون هذا الابتلاء من الله ليظهر مدى إيمان هذا المبتلى ومدى يقينه وثباته على هذا الإيمان، قال تعالى: (وَنَبْلُوكُمْ بَالشَّرِّ وَالخَيْرِ فَتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ)(91)0
    والمؤمن الحق يكون عند الابتلاء صابرًا محتسبًا راضيًا مطمئنًا لا تذهب نفسه حسرات على بعض ما يفوته من متع الحياة، والرسول r يقول: "عجبًا لأمر المؤمن إن أمره كله خير له؛ إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن"(92)0
    ا
    الخــاتمـــــة
    وبعـــــــد .
    فالحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات والحمد لله على كل حال، نحمده تعالى الذي يسر لنا إتمام هذا الجهد المتواضع، ونسأل الله أن يجعله خالصًا لوجهه الكريم، وأن ينفعنا به والمسلمين، كما نسأله أن يعظم الأجر لكل من ساهم في إخراج هذا الكتاب، وأن يجعله في ميزان حسناتهم يوم لا ينفع مال ولا بنون0
    ولابد من التذكير في خاتمة هذا البحث بأنه إنما كان إجابات على تساؤلات وردت من قبل بعض الناس الذين يفكرون في الدخول في الإسلام، أو هم حديثو عهد به، أو ممن يعيشون قريبًا من المسلمين من خلال عملهم أو حياتهم العامة، وقد روعي في الإجابات هذه المستويات بشكل عام، وكان الكتاب مقتصرًا على الأسئلة الواردة واقعيًا وليست أسئلة مختارة أو متوقعة0
    ولعل هذا الكتاب المتواضع يكون بداية وإرهاصًا لدراسات مركزة تهم الدعاة إلى الإسلام في أوساط الجاليات التي تعيش في المجتمعات الإسلامية، ولعل العاملين للإسلام يخصصون جزءًا مباركًا من وقتهم، يتلمسون فيه احتياجات الدعوة لغير المسلمين على اختلاف مشاربهم ونزعاتهم، والأفكار التي يتوقع أن تكون سائدة بينهم، وعلى اختلاف الملل والمذاهب التي يدينون بها، ويكتبون الكتابات المدعومة بالأدلة والبراهين والحجج العلمية والعقلية التي تفند الشبهات وتجلي معالم الحق وترفع منار الإسلام في وجه الراغبين فيه أو المعرضين عنه والحاقدين عليه على حد سواء0
    ويجب على الدعاة الإسلاميين أن يعيشوا عصرهم ويدركوا عظمة التحديات الجاهلية وخطرها، ويعدوا أنفسهم ليكونوا على قدر المسؤولية التي حملوها من يوم آمنوا بالله تعالى ربًا وبالإسلام دينًا وبمحمد r نبيًا ورسولاً0
    هذا والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم0

  2. #2
    الصورة الرمزية إشراقة أمل
    تاريخ التسجيل : Apr 2002
    رقم العضوية : 249



    جزاك الله خيرا أخي ابو دعاء ونفع بك
    قرأت جزءا منها.. وحفظت الباقي لأهميتها ولأعود لها بوقت أوسع

    لا حرمت أجر جهودك

    [ المؤمن يألف ويؤلف ، ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف ، وخير الناس أنفعهم للناس ]
    ( حسن صحيح )


  3. #3
    الصورة الرمزية ألنشمي
    تاريخ التسجيل : Mar 2006
    رقم العضوية : 5557
    الاقامة : جـــ في احضان ــدة
    المشاركات : 16,959
    هواياتى : السفر 000 والسياحة
    MMS :
    الحالة غير متصل
    معدل تقييم المستوى : 523
    Array



    000
    00
    0


    الموضوع طويل جدا



    مشكور على كل حال



    وكتب الله لك الاجر والثواب


    دمت بحفظ الرحمن
    [align=center]

    لزيارة موقعي اضغط على الصورة

    اللهم من أرادني بسوء فأشغله في نفسه، اللهم إني ادرأ بك في نحره واعوذ بك من شره ،
    اللهم إنك تعلم سرى وعلانيتى فأقبل معذرتي وتعلم حاجتي فأعطني سؤلي،
    اللهم إنى أسألك إيمانا يباشر قلبي ويقينا صادقا حتى أعلم أنه لن يصيبني
    إلا ما كتبت لي وإن ما أصابني لم يكن ليخطئني وما أخطأني لم يكن ليصيبني 0 [/align]

  4. #4
    تاريخ التسجيل : Nov 2006
    رقم العضوية : 16050



    اثابك الله عنا خير الثواب
    و الله ما لنا الا اتباع السلف يا اخي النشمي
    الانهم من خير التابعين

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. الزي الإسلامي الصحيح للمرأة
    بواسطة ابوالخير في المنتدى الــدرة الإسـلاميـة
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 22-04-2006, 12:46 AM
  2. من صور تكريم الإسلام للمرأة ...!!!
    بواسطة ابو دعاء في المنتدى الــدرة الإسـلاميـة
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 23-11-2005, 12:44 PM
  3. مات البابا واستيقظ سؤال!!!!!
    بواسطة أحمد النجار في المنتدى اســتراحـة الــدرر
    مشاركات: 32
    آخر مشاركة: 14-04-2005, 02:04 AM
  4. بدأ مسابقة صيف الدرر ( الفرديه )
    بواسطة ملك العالم في المنتدى اســتراحـة الــدرر
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 07-07-2003, 12:03 AM
  5. بدأ مسابقة صيف الدرر ( الفرديه )
    بواسطة ملك العالم في المنتدى اســتراحـة الــدرر
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 06-07-2003, 11:50 PM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة واحة الدرر 1432هـ - 2011م
كل ما يكتب في هذا المنتدى يمثل وجهة نظر كاتبها الشخصية فقط