- الإهدائات >> ابوفهد الي : كل عام وانتم الي الله اقرب وعن النار ابعد شهركم مبارك تقبل الله منا ومنكم الصيام والقيام وصالح الأعمال والله لكم وحشه ومن القلب دعوة صادقة أن يحفظكم ويسعدكم اينما كنتم ابوفهد الي : ابشركم انه سيتم الإبقاء على الدرر مفتوحة ولن تغلق إن شاء الله اتمنى تواجد من يستطيع التواجد وطرح مواضيع ولو للقرأة دون مشاركات مثل خواطر او معلومات عامة او تحقيقات وتقارير إعلامية الجوري الي I miss you all : اتمنى من الله ان يكون جميع في افضل حال وفي إتم صحه وعافية ابوفهد الي الجوري : تم ارسال كلمة السر اليك ابوفهد الي نبض العلم : تم ارسال كلمة السر لك ابوفهد الي : تم ارسال كلمات سر جديدة لكما امل ان اراكم هنا ابوفهد الي الأحبة : *نجـ سهيل ـم*, ألنشمي, ملك العالم, أحمد السعيد, BackShadow, الأصيـــــــــل, الدعم الفني*, الوفيه, القلب الدافىء, الكونكورد, ايفا مون, حياتي ألم, جنان نور .... ربي يسعدكم بالدارين كما اسعدتمني بتواجدكم واملى بالله أن يحضر البقية ابوفهد الي : من يريد التواصل معى شخصيا يرسل رسالة على ايميل الدرر سوف تصلني ابوفهد الي : اهلا بكم من جديد في واحتكم الغالية اتمنى زيارة الجميع للواحة ومن يريد شياء منها يحمله لديه لانها ستغلق بعد عام كما هو في الإعلان اتمنى ان الجميع بخير ملك العالم الي : السلام عليكم اسعد الله جميع اوقاتكم بكل خير ..
إضافه إهداء  

آخـــر الــمــواضــيــع

صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 15 من 16

الموضوع: رواية "الشمس التي رحلت " على حلقات (1 )

  1. #1
    تاريخ التسجيل : Sep 2005
    رقم العضوية : 4432

    رواية "الشمس التي رحلت " على حلقات (1 )




    الأحبة في هذا المنتدى الجميل :
    ساطرح لكم حلقات روايتي " الشمس التي رحلت " :
    وهي رواية طويلة أتعشم ان تمنحكم المتعة وجولة في حياة مكدودة بظروف إنسانية متنوعة التحفت مزيجاً من الأسى والسعادة والفراق والقرب والقسوة والرضا .. هي لكم ومنكم :
    أخوكم : محمد



    ( الشمس التي رحلت 0000)
    -------------



    الفصـــــل الأول



    لم يعكر سكون ذلك الليل المطبق إلاّ تلك الصفعة التي هوت على ذلك الجبين الغض ، وما مزّق هدوءه إلاّ ذلك الصوت الغاضب الذي شق السكون قائلاً:

    - " لقد نفد صبري معك 00ولم أعد أحتمل ما تفعلين 00قولي لي بالله لماذا فعلت ذلك؟00والي ماذا تهدفين ؟00ألا يكفي ما أعانيه بسببك أنت ومن في هذا البيت من حقارة المهنة وشظف العيش؟00"

    ثم صمت وهو يزفر في شدة في حين نهضت الفتاة بقامتها الممشوقة وقد وضعت أناملها على جبينها تتحسس موقع الصفعة ، وعلى غير المتوقع منها في مثل هذه الأحوال اقتربت من ضاربها وفي عينيها تحد عجيب وقالت :

    =" أعرف أنه يمكنك أن تفعل بي ماتشاء 00لا لشئ00إلاّ لأنني ابنتك00ولعل هذا سرّ شقائي 00اضرب كما تريد ولكن لن أرضخ لعصاك00فانا لم أكن في يوم من الأياممثلما يدور في بالك00ويعتلج في داخلك00"

    ثم صمتت قليلا لتعكس دموعها بريقا سريعا عادت تقول بعده :

    =" لم أفكر فيكم يوما ما00لأنكم جميعا ماشعرتم بي ، ولا حسستموني لحظة بأنني أعني لكم شيئا00لعل الإنسان في نظرك -يامن تحمل لقب الأب- مجرد حيوان يأكل ويشرب وينام فقط!!00لا00ليس كذلك أبدا 00لم أعتد منك الاّ الضرب والقسوة ، ولم ألمس فيك الحنان يوما ما00وتريد الآن أن تصلح ما أفسدته في سنين بين يوم وليلة 00نعم قد أكون مذنبة ولكنك أنت من زرع في الجرم وغرس في نفسي الإثم000"

    ولم تستطع أن تكمل إذ انخرطت في بكاء مرير ، في حين وقف ذلك الرجل المتوسط القامة يتحسس ذقنه المدببة ولايدر ماذا يفعل؟00إذ شعر بغضبه يذوب في مصداقية كلامها00تقدم نحو النافذة وفتحها ليتدفق منها نسيم عذب تفيض به ليال الربيع الساحرة في مثل ذلك الوقت من السنة00ثم التفت نحو الفتاة التي كانت قد تراجعت واستندت الى الجدار وهي تنشج00ورغم ذلك كان يرى بان الموقف لايحتمل التهاون 00هكذا اعتاد أن يفعل00تقدم نحوها وأمسك بخصلات شعرها في غير قسوة ورفع ذقنها فراعته نظرات التحدي في عينيها رغم عبراتها الهاطلة00بادرته:

    - أتظن أنك في هذا الموقف تذلني00وبخطئ تقهرني00لا00لم يعد يهمني أحد00كل ليلة تعود كالغريب المروع00لا يشعرون بك00 أنا فقط أشعر بك00في تلك الساعة التي تأتي فيها لتوقع العقاب على ابنتك الآثمة00أبدا لم تكن في وعيك لحظة ما و000"

    ودوّت الصفعة من جديد لتلقي الفتاة في غير وعي هذه المرة00 وخرج الرجل من الغرفة وهو يتمتم :

    -" في المرة القادمة سأقتلها ولا شك 00ساقتلها00"

    وما أن فتح الباب المقفل حتى اندفعت منه امراة في العقد الرابع من عمرها ذات ملامح حلوة وان كان وجهها قد علاه من معالم الحزن مايوحي بشقائها00اندفعت نحو ابنتها المسجاة ورفعتها وهي تتمتم :

    -" رباه ارحمهـــا00"

    وشيعت الرجل الخارج بنظرات قاسية عادت بعدها تحاول افاقة ابنتها التي مالبثت أن فتحت عينيها اللتيين لم تكد تتبين الملامح التي امامها حتى قالت في قسوة :

    = " ابتعدي عني 00"

    وحاولت النهوض بنفسها الا انها مالبثت ان تهاوت في اغمائتها من جديد00



    اشرقت شمس الربيع في اليوم التالي وتسللت اشعتها الدافئة الى الغرفة ذات الأثاث المتواضع والسرير الخشبي الذي احتضن فتاة بدت في الخامسة عشرة من عمرها وقد اوحى منظرها بانها تغط في نوم عميق في حين حملت تقاطيع وجهها خطوطا حمراء وانتفخ طرف شفتها السفلى بشكل واضح بينما عند قدميها جلست نفس المرأة ترقب ابنتها وهي تكاد بين الفينة والفينة أن تسقط بفعل النعاس00وأخيرا نهضت بتثاقل وقبل أن تغادر الغرفة أشارت لطفل صغير في الرابعة من عمره كان يلهو بجانب السرير أن يلتزم الهدوء وألاّ يزعج أخته فكان رده أن نظر اليها غير عابئ ، وما كادت تخرج حتى ارتقى حافة السرير وأقترب من جسم الفتاة وهو يهتف :

    -" سمر00سمر00"

    وفعلا بدأت الفتاة تفتح عينيها ثم تعيد اغلاقهما الاّ أن النداء المتكرر نجح أخيرا ليس في فتح عينيها فحسب بل وفي مبادلتها للصبي ابتسامته 00وفيما مال عليها احتضنته وهي تقول :



    =" وحيد00أخي الحبيب 00أنت الوحيد الذي يبدو مصدر عزائي في هذا البيت 00أنت الوحيد ياوحيد00لكم أحبك00"

    ثم رفعته أمامها ونظرت في عينيه اللتين تشعان بالبراءة وعادت تقول:

    =" ستكبر غدا ياوحيد وتعرف لماذا أنا حزينة 00ولعلك ستحزن أنت أيضا فانت لا تدري ماذا يحدث في بيتنا الآن00الكل هنا لا يفكر الا في نفسه 00وأبوك لكم هو قاس علينا لا أعتقد أن قلبه عرف الحب يوما أو لعله لم يسمع به بعد00أما أمك فهي تحبنا ولكنها مثقلة بالمتاعب 00ولست أقول هذا لأننا فقراء ولكن000وأشقائك الثلاثة كل واحد منهم قد اختار له شارعا ليتجول فيه ليل نهار و000"

    وقطعت حديثها فجأة عندما تذكرت أن الصبي لن يفهم شيئا مما تقول 00ولكنها اضافت في خفوت:

    =" من أجلك أنت فقط لن أغضب منهم 00وستكون انت نقطة ضعفي دائمـــا "

    * * *



    كانت " سمر " تسكن مع أسرتها المكونة من سبعة أفراد وكان والدها رجلا بسيطا ويعمل موظفا باحدى الدوائر الحكوميــــة في وظيفة متدنية ولكنها على أية حال كانت تكفيهم ، أما أمها فكانت امرأة صبورة تقوم بكل شئون البيت دون أن تطلب المساعدة حتى أن جمالها بدأ يذوي سريعا رغم أنها لازالت في بداية العقد الرابع من عمرها 00وكان اشقائها الأربعة يتدرجون في سنوات المرحلة الابتدائية ماعدا " وحيد" فهو لم يدرس بعد 00كان سجل اخوانها حافلا بالفشل واسعدهم حظا كان قد قضى في السنة التي هو فيها مالا يقل عن السنتين 00وتشعر سمر بان أسرتها منكوبة وتعاني من التفكك الشديد فوالدها لايكاد يعيرهم مايكفي من الاهتمام وجلّ همه أن يذهب الى عمله ثم يعود لينام وهذا من حقه ولكن ليس من حقه أن يسهر الليل كله 00ولذلك كان من النادر ان يجتمعوا معا 00ولم تكن تشعر أن لها أبا الا عندما تختصم من أحد أشقائها فيشكوها اليه فتكون حصتها من العقاب قاسية على يد والدها الذي يعتقد دوما أن العصا هي الحل الأمثل دائما والأقدر على اعادة المذنب الى صوابه باسرع وقت00وعلى ذلك المنوال سار في تعامله معهم 00كما أن اهتمامه كان مقصورا على الأشياء التي يجد نفسه مجبرا على الالتفات اليها وبذلك غدا كل فرد من الأسرة اشبه ما يكون بالمسئول عن نفسه بغض النظر عن سنه00أما " سمر " فقد كانت شديدة الشقاوة والعناد لذا كانت حصتها من العقاب هي الأوفر دائما ، وكان يغيظها كثيرا أن أمها لم تكن تتدخل لتشهد لصالحها مثلا بل كانت دائما تاتي لتتفقد حال المخطئ بعد أن ينال جزاءه وهي تأسف لما حصل له00ومن الأشياء التي تعرفها سمر عن نفسها أنها تملك ذكاءاً لماحاً أدركته من تصرفاتها وتعاملها مع زميلاتها في المدرســـــة رغم أنها غير متفوقة دراسيا لا لشئ الا لإهمالها ولو بحثت عن التفوق لحصلت عليه 00بالاضافة الى ذلك فهي لم تعبأ يوما بما يقولونه عنها سواء أهلها أو الجيران أو داخل نطاق المدرسة وكانت كثيرا ما تشعر بعدم ترابط اسرتها وأن ذلك كان وراء حالة التسيب أو الحرية الواسعة التي تنعم بها وان كانت تعرف ان عواقب ذلك ربما كانت وخيمة جدا 00كانت أحيانا تبرر أخطائها بان الذنب ليس ذنبها في محاولة للتهرب من مواجهة مع نفسها 00وكان ديدنها أن تقول لمن لأمها على تصرف ما أن ثقتها في نفسها واعتزازها بكرامتها هي سلاحها وليست تأبه لما يقولون وعنها يرددون 0000 تشعر أنها متقلبة المزاج جدا أو هكذا يحلو لها أن تسمع زميلاتها يصفنها00وأتاح لها ذلك مرونة كبرى في تصرفاتها متعللة بنفس السبب وأحيانا كانت تخالف كل التوقعات فتؤدي كل أعمالها المنزلية بكل نشاط وتؤدي فروضها المدرسية بشكل يدفع معلماتها الى الى الاشادة بها 00ولا تلبث غير قليل حتى تعود الى سابق عهدها 00هي نفسها تشعر بذلك وتحس بانها لا تملك القدرة على مسح ذلك الطبع فهو جزء منها 00كانت كثيرا ما تفتعل المشاكل مع اشقائها ولقوة حجتها كانت كثيرا ما تغلبهم ولم يكن غريبا عندما تفعل ذلك أن تعود معاندة وتعترف بذنبها وتنال عقابها كاملا وهي أثناء ذلك تظهر شجاعتها وعنادها أيضا ، وحتى عندما صارحتها احدى زميلاتها بانها تمتكل شخصية فريدة ابتسمت في سخرية وقالت :

    = " لا أحب هذا النوع من المزاح "

    ولكن عندما أردفت أنها تخشى عليها من المستقبل تجهمت سمر ولم تدر بماذا ترد 00

  2. #2
    الصورة الرمزية عابده لله
    تاريخ التسجيل : Apr 2002
    رقم العضوية : 286
    الاقامة : جدة
    المشاركات : 13,754
    هواياتى : القــراءة
    My SMS : الدرر في القلب مهما طال الزمن أو قَصُر
    MMS :
    إم إم إس
    23
    الحالة غير متصل
    معدل تقييم المستوى : 765
    Array






    لـ اليل اخر ..

    وقد كان بـ نهايتي لهذا الجزء الأكثر من رائع سيدي ..
    أبدعت بـ روايتك وتألقت ايما تألق ..

    متابعة شغفة سـ اكون ..
    فلا تطيل علينا الغيبة ...

    أنتظر الجزء الثاني من ( الشمس التي رحلت )
    وسمر وما سيكن نصيبها من العقاب ...





    لحينها كن بألف خير ..




    عابده
    [flash=https://dorarr.ws/forum/uploaded/897/3abdh.swf]width=300 height=200[/flash]











    ولأننا نُتقن الصمـت
    حملـونا وزر النـوايا
    ـــــــــــــــــ
    ,, عــهد ,,

  3. #3
    الصورة الرمزية Oscar
    تاريخ التسجيل : Aug 2005
    رقم العضوية : 4335



    أخي محمد..
    سلمت أناملك على هذه الأسطر المبدعة..
    فإلى أن ترحل شمسها..سأظل على موعد مع سماء الرواية..
    دمت مبدعاً..
    ذهب الذين كانت قلوبهم واسعة سعة البحر تتحمل الأخضر
    واليابس وتمضي نحو حتفها وصدقها ولا تسأل.

    واسيني الأعرج

  4. #4
    تاريخ التسجيل : Sep 2005
    رقم العضوية : 4432



    لكم أخوتي وأخواتي كل التقدير وأعتز بكل حرف سطرتموه ..فشكراً .

  5. #5
    تاريخ التسجيل : Sep 2005
    رقم العضوية : 4432

    الحلقة الثانية




    الحلقة الثانية


    ومن الأشياء التي تفخر بها أيضا جمالها الرائع00مرة كتب لها أحدهم انها اذا وقفت امام المرآة فسترى لها قواما رشيقا ، وعينان بعمق لامتناهي ، ووجه صغير بديع وشعر كلون الليل الداجي 00ويوم قالت لها احدى صديقاتها أنها تمتلك بياضا ناصعا بدأ فيه فمها كجرح صغير00انتشت بذلك كثيرا وشكرتها أكثر عندما أضافت أنها تذكرها بأميرة احدى الروايات الخيالية 0

    لازالت تذكر يوم نالت شهادة المرحلة الابتدائية ورغم أن معدلها لم يكن يشير الى تفوقها الا أنها كانت تعتقد أن ذلك كفيل بنيل رضا والدها ولعله يشعره بحنان الأبوة فيجود به عليها ولو في هذا الموقف فقط 00هي لاترى أنه قاس لهذه الدرجة ولكن من كثر اهماله لهم وكثرة نوبات العقاب التي تنالها منه أصبحت لا ترى لحنان الأبوة وجودا لديه 00تذكر أنها عندما عادت بشهادتها ذلك اليوم هنأتها أمها بسرور عميق وقبلتها مما جعل شعورها المتعطش يدفعها الى احتضان امها كما لم تفعل من قبل ، كما أن والدها ابتسم لها في حنان استغربته وعقب بقوله:

    -" آه لو تتركين شقائك واهمالك فقط لأصبحت شيئا آخر00"

    لم يطل الأمر إذ في نفس الليلة حدثت مشادة بينها وبين شقيقها فيصل الذي كان يلعب الكرة في ساحة المنزل وعندما حاولت أخذ الكرة منه ركلها بقوة فاصابت آنية زجاجية فحطمتها فقامت بتعنيفه واشتدت الخصومة بينهما وكانت النتيجة أن ضربته فاشتكاها الى والده الذي لم يعر حجتها أي اهتمام ولقنهما درسا قاسيا من عصاه 00وفيما قنع فيصل بنصيبه شعرت سمر بالغيظ الشديد من والدها الذي لم يفرق بين المخطئ والمصيب 00عبثا حاولت أن تفهم لماذا يقسو عليها 00وفي موقف آخر كانت تتطلع من النافذة الى الشارع فلحظها أخوها عبدالرحمن فقال في خبث:

    -" هيــه00عما تبحثين ؟ انه لن يمر اليوم من هنا."

    فقالت مغتاظة :

    =" أخرس ياقذر "

    فأبتسم في هزء وقال وهو خارج من الغرفة :

    -" أنا القذر اذن !00أوليس صاحب السيارة السوداء بقذر أيضا00أتمنى لك حظا سعيدا "

    وقبل أن تتمكن من الامساك به كان قد عبر الباب بسرعة فائقة 00فاصطدم بوحيد الذي كان يرقب الموقف عند الباب وهو يلوك قطعة كبيرة من الحلوى فشغلت باللعب معه 00كانت تحبه كثيرا لدرجة أن أمها كانت كلما رأتها متضايقة طلبت من وحيد أن يلهو معها فلا تملك سمر الا الاستجابة00أما صاحب السيارة السوداء فقد كان شاباً وسيما يمر في الشارع المجاور باستمرار كما يتوقف أحيانا أمام البيت ويتظاهر بالحديث مع اشقائها الذين ظنوا أنه يطمح الى كسب صداقتهم حتى لايرموا سيارته بالحجارة كلما عبر شارعهم00 وفي كثير من الأحيان كان يمنحهم بعض الهدايا التي لا تلبث أن تأخذ طريقها الى يد سمر التي كانت تشعر أنها هي المقصودة 00ورغم أن شقيقها فيص لمحها كذا مرة وهي تشير له من النافذة الا أنه استجاب لرغبتها في كتمان الأمر مقابل بعض النقود00تعتبر سمر الأمر مجرد تسلية وان كانت تعرف ان هؤلاء الفتيان يغلب على طبعهم الفساد وأنهم كالذئاب لا يهمهم الا تصيّد الغريرات 00نعم كانت تحاول جذبهم وسلاحها في ذلك ثقتها في نفسها وتعرف انها ربما دفعت في مقابل ذلك الكثير من سمعتها 00كانت كثيرا ما تشير لبعضهم ببعض الحركات التي تستثيرهم، كأن تقف في النافذة وتبتسم لهم وما أن يتوقف أحدهم حتى تصفق النافذة في وجهه في عنف أو كأن تلقي لأحدهم ورقة فيسارع بالتقاطها حتى اذا فتحها فاذا هي مليئة بالسباب بينما تضحك هي بملء فيها 00ومن جمالها الرائع أضحت حديث مجالسهم حتى أصبح شارعهم غاية الشباب ، ورغم أن الخبر طرق مسامع والدها أكثر من مرة وما أنزله بها من عقاب الا ان الأمر بقي كما هو وان أخذت بعض الحذر فيه 00ولكم فكرت لما تفعل ذلك ؟00لعلها الرغبة في تعذيب الآخرين00أو الهزء بمشاعرهم00وفي كل ليس لها الحق في ذلك00هي لاتريد ذلك في قرارة نفسها فماذا حدث لها؟00تناقض في شخصيتها عاد يداهمها كثيرا 00حاولت أن تتخلص منه أكثر ولما عجزت وصفته بالمزاجية 00يوم طلبت منها أمها أن تغسل ثياب أشقائها رفضت وقالت :

    =" أنا لست خادمة "

    فقالت الأم في غضب :

    -" المسألة ليست أنك خادمة ولكن ياابنتي هذا واجب عليك أن تساعدينني في شئون المنزل "

    فقالت سمر متذمرة :

    =" أنا متعبة الآن كما أنني مشغولة بدروسي "

    قالت ذلك وأشاحت بيدها مما أثار غضب أمها فصاحت في وجهها:

    -" لقد أصبحت كسولة وقليلة الأدب أيضا "

    فانتفضت سمر وقالت في حدة :

    =" لست قليلة ألأدب "

    -" بل قليلة الأدب 00ولكن الذنب ليس ذنبك "

    فابتمست سمر وقالت في خبث :

    =" ذنب من اذن ؟"

    -" ذنبنا نحن أننا لم نعرف كيف نربيك 00لقد أطلقنا لك الحبل على الغارب وسأدفع أنا ثمن ذلك00 صحتي 00ايتها الشقيــــــة " .

    00وفي ذلك اليوم نالت من عصا والدها ما أنكى جسدها وشعرت بعده بالآسى ورددت في نفسها :=" ما أشقاني بأبي هذا "

    انها لاتريد أن تكون مثلما قالت عنها أمها فعلا.. انها تحبها ولكن أحيانا تقوم بأعمال لاتدرك عواقبها ثم تندم بعد ذلك متى ماخلت بنفسها00وتجد نفسها في اليوم التالي تلقي بنفسها في احضان أمها وهي تتمتم :

    =" أه يا أمي لكم أنا آسفة00أبدا ياامي لم اشعر بكياني يهتز الا كلما رايتك حزينة 00وكلما كنت سببا في ذلك00أمي 00في البارحة بكيت كثيرا00هل تسامحينني؟"





    * * *







    - الفصـــــل الثاني -

    تلت تلك الأيام أيام نشطت فيها سمر في القيام بكل أعمالها المنزلية لدرجة جعلت أمها تقول لها يوما :-" بارك الله فيك يابنية لقد ارحتيني فعلا "

    00أشعرتها تلك الكلمات لأيام بانها من الصالحات 00 كانت تبتسم مرارا كلما تذكرت ذلك 00الا أن سمر مالبثت أن عادت لحججها الواهية مرة خرى وعندما نبهتها أمها الى ذلك لم تدر بماذا ترد؟00

    جاءت ايام المدرسة وكان عليها ان تقوم بمساعدة اشقائها في أداء فروضهم المدرسية، وكانت تتذمر من ذلك كثيرا ولربما زاد صياحها في وجوههم وتذكيرهم بغبائهم واهمالهم ولكن ما أن ترى وحيد حتى تعود فتحنو عليهم وتعود الى مساعدتهم .

    ذات يوم جاءها أخوها سلطان ذو السنوات التسع والذي كان في نظرها ابلها وغبيا وقال لها وهي تلقنه بعض دروسه :

    -" سمر00أريد أن أقول لك شيئا 00ولكن لاتغضبي مني "

    00شدتها كلماته فاستحثته باشارة من رأسها00فقال:

    -" ولكن لاتخبري أبي 00هل تعدينني ؟"

    فقالت وقد نفد صبرها :

    =" نعم أعدك00ولكن تكلم بسرعة لا شك انها احدى حماقاتك مرة أخرى "

    ولكنه من خوفه الشديد قال:

    -" احلفي لي أنك لا تفعلي "

    فابتسمت ووضعت ذقنها على قبضتها وقالت:

    =" أحلفلك00هاه00خلاص 00يالله قول الله لا يبارك فيك00 "

    فقال مرتبكاً:

    -" لقد قابلني صاحب السيارة السوداء وسألني عنك وقال أبلغها تحياتي وأنني لن أنس سبابها أبدا "

    تلقت سمر الخبر بهدوء وابتسامة لم تكن تتوقعها من نفسها 00آلهذه الدرجة !!00وبقيت صامتة قليلة ثم انتبهت والتفتت الى أخيها وقالت :



    =" اسمعني جيـــداً00قل له ان حاول مرة أخرى أن يقوم بهذه الحركة فانك ستخبر أبي 00آفهمت00؟"

    فقال الصبي وصدى صوتها الحازم يتردد في داخله :

    -" نعم00نعم00سأفعل "

    ولما همّ سلطان بالنهوض استوقفته وقالت في خبث :

    =" هيا00أرني ماذا أعطاك00ولا تحاول الكذب "

    فوجم الصبي ورفع يديه وقال :

    -" ولكنه فعلا لم يعطني شيئا "

    فقطبت جبينها وقالت مهددة :

    =" حسنا00يمكنك أن تقنع أباك بذلك "

    فأرتجف وتمتم في ضيق :

    -" أوووف 00سمر أنت دائما تأخذين أشيائي00لم أحلم بان أمتلكها يوما ما "

    ولكن سمر لم تلن لتذمره وقالت :

    =" دعني آراها أولاً00فربما لاتعجبني "

    وفعلا أدخل يده في جيبه وأخرجها حاملة لعبة اكترونية صغيرة وناولها لاخته وهو يقول مستعطفا:

    -" انها تافهة جدا ولا تليق بك00انها حتى لا تعمل "

    فقالت سمر وهي تتأملها:

    =" تمشّي الحال00يا الله 00مقبولة "

    وهنا حدث ماتوقعته اذ ارتمى عليها سلطان محاولا اختطاف مافي يدها فدفعته عنها وقالت في مرح:

    =" حسنا00حسنا00يمكنك أن تأخذها00ولكن بعد أن تعد لي سبعة من كبار السن من حارتنا "

    00 غير أنها رمتها اليه بعد أن رأت أنه لم يعد يحتمل مزاحها فالتقطها وهو يرمقها في غضب في حين بقيت هي تردد في خفوت وألم عبارته" لم أحلم بان امتلكها يوما ما"00



    والحقيقة أن الأمر شغلها كثيرا وبدأت تحس في نفسها ميلا للتعرف على ذلك المجهول 00هل هي الغريزة اتجاههم؟00ورغم الحيرة التي جالت في نفسها حول ذلك الموضوع الا أنها حلمت باشياء كثيرة عن ذلك الموضوع 00كانت أحلاما جميلة 00الا أن الموضوع مالبث أن وجد طريقه الى النسيــــان 0

  6. #6
    الصورة الرمزية الأصيـــــــــل
    تاريخ التسجيل : Mar 2002
    رقم العضوية : 9
    الاقامة : السعودية-جدة
    المشاركات : 3,056
    هواياتى : القراءة-الكتابة-التمثيل-ركوب الخيل
    MMS :
    الحالة غير متصل
    معدل تقييم المستوى : 53
    Array



    استاذي الرائع المبدع محمد عطيف

    يشرفني أن أكون من المتابعين لأطروحاتك الأدبية المميزة

    فأنا بانتظارك على الدوام ان شاء الله


    لك كل التحية والتقدير،،،،،
    [align=center][/align]

  7. #7
    تاريخ التسجيل : Sep 2005
    رقم العضوية : 4432



    "الأصيل" .. دائماً أصيل ونبيل ... لك امتناني وتقديري لما طوقتني به من شرف بزيارتك .

  8. #8
    تاريخ التسجيل : Sep 2005
    رقم العضوية : 4432



    الحلقة الثالثة :

    سارت أيام سمر على ذلك المنوال حتى دخلت المرحلة المتوسطة وتجاوزت السنة الأولى بهدوء 00كانت شخصيتها في المدرسة مختلفة تماما عما هي في المنزل فقد التزمت الصمت وقلة الحركة ولم تحاول ان تحتك بزميلاتها قدر المستطاع ، ولعل ذلك آتى ثماره إذ أضفى ذلك على حياتها الدراسية هدوءا جميلا لم تحاول أن تستثمره في الجد والاجتهاد بل كانت دائما كسولة 00كثيرة الغياب00وحججها الواهية دائمة التكرار 00المرض00التعب00ظروف عائلية00الا أنها رغم ذلك كانت تعرف متى تتوقف عن اللعب 00عندما يقترب موعد الامتحان00فقد كانت تتغير كثيرا وتجتهد بشكل كبير وفي النهاية تحصد النجاح الذي كان رغم تواضعه مرضيا لها إذ لم تشعر يوما بان هناك مايدفعها للتفوق أو الحاجة اليه 00حتى أفراد اسرتها لم يطالبوها يوما بان تحقق نتيجة عالية 00كانوا يريدون النجاح وقد حققته لهم 00وكثيرا ماكانت تسمع من اباها بان البنت لا مكان لها الا بيت زوجها وأن تعلمها هو أمر ثانوي00ولاتذكر أنه وقّع لها تقريرها الشهري ولو مرة واحدة بل ولم يكن يسألها عن ذلك 00حتى مع أشقائها رفض كل دعوات المدرسة لحضور مجالس الأباء.

    في السنة الثانية حدث شئ مهم في حياة سمر 00لقد جاءت زميلة جديدة00زميلة مختلفة جدا00اقتحمت حياة سمر دون اســـــتئذان 00كانت علياء طيبة لدرجة كبيرة ، كثيرة الابتسامة ، عذبة الحديث 00غير أنها لم تكن تمتلك ذلك الحظ الوافر من الجمال00ومنذ جاءت استطاعت أن تغير بعض طباع سمر فقد استطاعت أن تنتزع منها الكثير من المرح والحيوية 00الا أن البداية لم تكن سهلة ابدا00فأول مرة رأت فيها علياء سمر لم تتمالك نفسها من أن تهتف في داخلها " يالله 00ماشاء الله 00كل هذا الجمال الرائع00ولكن علام هذا الحزن!!؟" 00 ولما كانت علياء تعشق المرح بقدر ماتكره الحزن فقد شغفت بها زميلاتها منذ أول يوم جاءت فيه وسرعان ما أصبحت لا تسير في بهو المدرسة الا وتحيط بها ثلاث أو أربع من زميلاتها 00كان مرحها بلا حدود وطرفها تجبر الجميع على نسيان همومهم ولو للحظات00في حين كانت سمر تلتزم الصمت أغلب الوقت 00بعيدة عن مجال فرح زميلاتها الا فيما تفرضه أمور الدراسة 00وكانت في تلك الفترة لايهمها الا أن تذهب للمدرسة وتعود 00وهذا ماتريده أسرتها00أما فيما يخص الاهتمام بالدرس فذلك آخر ماتفكر فيه الا اذا قرب الامتحان 00لقد اعتادت على اسطوانة اللوم والتقريع التي تسمعها من كل معلماتها تقريبا ,اصبحت كثيرا ماتقف لتسمع ذلك منهن ثم تعود لتجلس وكأن شيئا لم يحدث! ومتى ماطلبت منها احدى معلماتها مغادرة الفصل كانت تفعل ذلك في هدوء يثير تعجب الجميع 00الا علياء00فقد كان ذلك يجرف تعاطفها أكثر من أي شئ آخر00ولو رأت سمر تلك النظرات في عيني علياء لساءها الأمر جدا 00أبدا لم تتقبل هذا النوع من النظرات في عين أحد00كان اعتدادها بنفسها لاحدود له وخاصة أمامهن فهي قوية الشخصية 00وزاد ذلك من كثرة صمتها كما أنها ثاقبة النظرات لم تعتد يوما أن تسمح لإحداهن أن تكسر نظراتها أو تمط شفتيها بازدراء أمامها 00كان ذلك ممتعا جدا لها ولكنها اذا ماخلت بنفسها كانت تشعر بانها لاتساوي شيئا وأن أسلوب تعاملها معهن لم يكن يثمر الا المزيد من العزلة لها 00لم تشعر أن لإسلوبها هذا قيمة الا متى ماسمعت عن صديق غدر بصديقه أو احداهن خذلت رفيقتها00
    ذات يوم وبعد مجئ علياء بنحو اسبوعين و لم تكن قد تحدثت مع سمر بعد جاءت مدرسة مادة التعبير وطلبت منهن أن يقمن باعداد موضوع سطرت عنوانه على السبورة ، وما أن قرأته سمر حتى شعرت بالألم يجتاحها اذ كان المسطور يقول ( ترابط الأسرة وأثره في نجاحها )00شعرت يومها بان لديها مايمكن أن تقوله00وفعلا بدأت تكتب في ورقة اقتطعتها اذ نسيت دفترها كالعادة 00كانت تكتب وهي تشعر أنها تسطر واقعا تعايشه 00ولما سلمت ورقتها نظرت اليها معلمتها وقالت :
    -" سمر00متى تفيقين؟00والإم الآسراف في الكسل ؟ والتمادي في التخاذل ؟00أم أنك لاتدركين مصلحتك بعد!؟ ولا تعرفين كيف تسندين مستقبلك ؟ 00ألا تدركين أن والديك ماوفرا لك هذه الملابس ولا منحاك مصروفك الا لتردي لهما الجميل بنجاحك ورسمك البسمة على محياهما ؟00"
    نظرت اليها سمر بثبات ثم قالت في شئ من السخرية :
    =" معلمتي00معذرة إذ نسيت دفتري00ومايشعرني بالخجل فعلا هو أنني اعتدت مثل هذه الأخطاء 00وأما مستقبلي فمن الصعب الحكم بقوة بنائه لمجرد أنني نسيت دفتري أو لإهمالي وكسلي 00أما ابي وأمي فاطمئنك أن فشلي لن يزعجهما كثيرا 00هذا ان حدث 00"
    ازدردت معلمتها دهشتها ربما لقوة الرد00أما علياء فقد ذهلت من ذلك وتمتمت للجالسة بجانبها:
    -" يالها من فتاة !!00لم أر في حياتي مثلها00كم هي جريئة !!"
    فردت الزميلة: " انك لم تعرفيها بعد "
    وما أن قرأت المعلمة ورقة سمر حتى وضعتها جانبا ونظرت الى سمر ثم نهضت وسارت حتى وقفت الى جانبها 00وبسطتها أمامها لتلحظ أنها نالت درجة عالية جدا00في حين همست معلمتها :

    -" ما أروع ماسطرت00وما أجمل ماكتبت00انيّ لأشعر بما تعانين ولكن تأكدي بان الدنيا لم تصفو لأحد الاّ وخانته 00ولا عاهدت أحدا الا وغدرته00ودائما يوجد حل لكل معضلة00 فقط لا تستسلمي00” ثم عادت المعلمة حتى اذا أولت السبورة ظهرها قالت لتلميذاتها :
    -" أتمنى أن تطالعوا موضوع زميلتكم سمر فهو رائع بكل المقاييس 00وأنا الآن وأمامكم أطالبها بان تنمي موهبتها في التعبير وتنمي احساسها وموهبتها بكثرة المطالعـــة "00ثم غادرت الفصل فيما تجهت الأنظار الى سمر التي واجهت نظراتهن بابتسامة ساخرة00
    وذلك اليوم هابت جميع التلميذات أن يسألهن موضوعها لمطالعته ولكن علياء انتظرت حتى خلا الفصل من الجميع تقريبا ونهضت في هدوء واتجهت نحو سمر00لن تتردد هذه المرة00ألقت عليها التحية ثم قالت وهي مرتبكة ولا تدر كيف تبدأ 00كانت تريد الموضوع فأرتج عليها فقالت لسمر:
    -" هل من الممكن أن أحظى باستعارة قلمك ؟"
    وفعلا مدت لها سمر بالقلم دون أن تنظر اليها فتناولته علياء وعادت الى مقعدها وهي تفكر في الخطوة التالية 00كانت في حيرة 00وخدمتها الصدفة عندما حاولت الكتابة فلم يساندها القلم فعادت به الى صاحبته وهي تقول -ودقات قلبها تتسارع- "
    =" يبدو قلمك مجدبا مثلما هو حال ابتسامتك00"
    وهزّت الجملة سمر00لم يشعر بها أحد منذ زمن ولم تكن تتوقع مثل هذه العبارة00رفعت رأسها وتمتمت في دهشة :
    =" ماذا قلت ؟!"
    وهنا تمالكت علياء نفسها وقالت وهي تخشى في داخلها أن تضيع منها هذه الفرصة:
    -" صدقيني لكم تسيئين لجمالك هذا00لما التجهم وكئابة الروح 00حرام والله ياسمر "
    كانت دهشة سمر تزداد من هذا الهجوم المفاجئ00ورغم ذلك قالت هازئة :
    =" انك تستخدمين كلمات لا أعرف معناها00ماذا تريدين بالضبــــط ؟"
    فتجاهلت علياء سخرية سمر وقالت في مرح :
    -" صدقيني مهما كانت مشاكلك فعندي الحل 00هيا اخبريني ماذا تجنين من صمتك الرهيب ؟ ومن تقوقعك المخيف ؟ 00حقا أنت تبدين مرعبة 00مرعبة جدا00انني أخشى أحيانا اختلاس النظر اليك مثلما افعل دائما "
    00 وفوجئت سمر بالموقف تماما 00ووجدت نفسها تبتسم للعبارة الأخيرة وقالت :
    =" صدقيني لاشئ 00ثم ألا ترين أنك تقتحمين خصوصياتي دون رحمة 00انني أرفض هذا الأسلوب تماما "
    أدركت علياء أنها قاربت النجاح فقالت :
    -" من المستحيل ياسمر أن يعيش الإنسان دون مشاركة الآخرين 00أتظنين ذلك يحدث !!؟00"
    دون شعـــور هتفت ســمر :
    =" لا00"
    وفجأة انتبهت وعاودها عنادها فتداركت قائلة:
    =" أحيانا00نعم يمكن ذلك "
    فردت علياء وهي تسحب كرسيا وتجلس في مواجهة ســمر :
    -" لا00هذا مستحيل00وأنت تقولين هذا لمجرد العناد00بينما أنت في دخيلتك تقرين باستحالة ذلك00تصوري 00أنا منذ رايتك على مدى الأيام القليلة الماضية كنت أشعر أحيانا بان لك شخصية يمكنها أن تعيش في جزيرة (روبنسن كروزو) لوحدها دون أن تطلب النجدة أبدا 00ولمئات السنين"
    وهنا ضحكت سمر بشكل لم تتصوره علياء التي أدركت أنها نجحت وأن سمر ليست بالدرجة التي تتصورها منذ رأتها00فيما قالت سمر :
    =" ماذا تريدين بالضبط ؟"
    قالت علياء وهي تختلس النظر حولها وكأنها تريد إفشاء سر ما :
    -" سأكون كريمة جدا معك وسأدعوك لكوب من الشاي وهي فرصة لا تعوض مع مقترة مثلي 00أرجوك لا تتعذري 00"
    سكتت سمر قليلا فيما علياء تنظر اليها على آمل 00ومالبثت أن ابتسمت عندما هتفت سمر :
    =" حسنا00هيا بنا00"
    ومنذ لك اليوم اقتحمت سمر حياة علياء وأصبحت بعد أيام قليلة تعرف عنها أشياء كثيرة00اشياء أحزنتها00وجعلتها تلتمس لها الأعذار في كل ماتفعل ، وأدركت أن واجب صداقتها يتطلب منها أن تساعدها وتقف معها كلما احتاجت اليها00كان عليها أولا أن تخرجها من عزلتها 00فعلا كان لجهود علياء أثرها على سمر فبدأت ابتسامتها تشرق من جديد 00حتى في المنزل قررت أن تؤدي واجبها وكل ماهو مطلوب منها أن تؤديه نحو أسرتها00في أحد تلك الأيام عادت الى المنزل فوجدت أمها مريضة ولقد آلمها ذلك جدا إذ كانت حالة المنزل في فوضى تامة ورغم شعورها بالإرهاق إلاّ أنها أبدلت ثيابها ومضت تنظف المنزل حتى قلبته الى وضع رائع واتبعت ذلك بان جمعت ثياب أشقائها ثم غسلتها ونشرتها وهي تكاد تسقط من الإعياء00انهت عملها 00ثم جلست الى أمها التي قالت لها في حنان بالغ :"
    -" بارك الله فيك يابنية 00لقد أرحتيني فعلا00"
    ثم سكتت قليلا وأردفت :
    -" بقي أن تضعي لإشقائك طعامهم فهم لم يتغدوا بعد "
    فقالت سمر :
    =" ولكن أبي لم يعد بعد "
    -" أباك00ان أباك قد سافر البارحة الى نجران لزيارة عمك وسيعود بعد غد ان شاء الله "
    فقالت سمر في حدة :
    =" وهل هذا وقته00ان ابي غريب الاطوار حقا "
    فنهرتها أمها قائلة :
    -" عيب يابنت00انه ابوك ولقد ترك لنا مايكفي "
    =" ولكن النقود ليست كل شئ ياامي 00هناك ماهو أهم من النقود 00انظري الى اطفالك 00ان أبي مثلا لايعرف في أي مرحلة دراسية يدرس كل منهم !00"
    لم تدر الأم بماذا ترد اذ ادركت حقيقة مايقال لها 0 أما سمر فقد نهضت ووضعت الطعام لإشقائها غير مبالية بدعاباتهم الساخرة ثم جلست تلهو مع وحيد لفترة شعرت بعدها بالتعب يجتاحها وما ان استلقت على سريرها حتى استغرقت في نوم عميق لم تستيقظ منه الا قرابة الواحدة ليلا 00ولكن ماذا عساها تصنع الآن ؟00 تطلعت في حنان بالغ الى ذلك الطفل النائم عند قدميها ثم مسحت على رأسه وعادت تحاول النوم من جديد وفي مخيلتها الكثير من الرؤى الجميلة .

    * * *

  9. #9
    تاريخ التسجيل : Sep 2005
    رقم العضوية : 4432

    نواصل




    - الفصـــــل الثالث -



    أصبحت علياء في نظر سمر شيئا لابد منه ، وعلياء بدورها لم تعد ترضى عن سمر بديلا 00كانت دائمة التسلية لها بالحكايات المثيرة أو بتدبير المقالب للزميلات وان كانت سمر تأبى أن تجرح أي زميلة وتكتفي غالبا بالفرجة 00أصبحت المدرسة شيئا محببا لسمر بوجود علياء 00والتغيّر الكبير الذي حدث أن سمر أصبحت مثالا للشقاوة والمرح وصارت صورتها الصارمة والانطوائية تبتعد شيئا فشيئا عن أذهان زميلاتها اللواتي صار بامكانهن المزح معها وتبادل بعض المقالب ولكن كن يخسرن دائما أمامها 00سار الحال على ذلك المنوال الى أن كان ذات يوم ذهبت الى المدرسة وقد نالت عقابا صارما من والدها لأنها تجرأت ونبهته الى أنه يخطئ كثيرا في عدم متابعة أبنائه وأن بامكانه أن يجد في كل شارع في الحي ابنا له ( يصيع) ويتجول 00ورغم أن تلك هي الحقيقة الا أن ذلك كان في نظر والدها ذنبا لايغتفر 00ومما يزيدها آسى أن أشقائها كانوا يعودون من الشارع وثيابهم في غاية القذارة وعندما تحاول تعنيفهم وعقابهم أحيانا كانت تنال هي العقاب الرادع لتدخلها فيما لايخصها كما يقول والدها 00على كل جاءت الى المدرسة وعلى جانب وجهها بدأ جرح صغير ما أن لمحته علياء حتى قالت مازحة :

    -" ويله من فعلها00لاشك انه لم يحتمل المزيد من دلالك "

    نظرت اليها سمر في هدوء ثم قالت :

    =" أرجوك ياعلياء أنا أشعر بالتعب ولا أرغب في المزاح فما عادت نفسي تحتمل "

    سكتت علياء قليلا مقدرة الموقف بعد أن شعرت أن زميلتها تعني ماتقوله حقا 00 ولكن سمر شعرت هي الأخرى بانها أجهضت مرح زميلتها فأغتصبت ابتسامتها ثم قالت :

    = هيا أيتها المقترة الى المقصف 00ولكن هذه المرة على حسابي "

    ولبت علياء الدعوة مسرورة ولما جلستا تشربا الشاي قالت علياء وهي تتأمل عصفورا على الغصن المقابل :

    - " هل أديت واجب الرياضيات ؟00انه طويل وصعب للغاية 00"

    ردت سمر في لامبالاة :

    =" لم يبق الا هو !!"



    عادت علياء تقول :

    -" لا عليك00سننقله من سهام عبقرية الفصل فبقليل من الإطراء سندير رأسها و000"

    فقاطعتها سمر في حدة

    =" لا00لست أنا من تفعل ذلك "

    شعرت علياء أنها جرحت شعور صديقتها فصمتت وهي تتمتم لنفسها كم هي غريبة هذه الفتاة !!) 00

    ولما عادتا الى الفصل استطاعت علياء نقل واجب الرياضيات كما خططت له 00فعلت ذلك وهي تردد لحن أغنية شائعة ولما قامت لتعيده شاكرة قالت سهام وهي ترمق سمر :

    - " وسمر؟00ألا تريد هي أيضا الدفتر ؟"

    وفيما ابتسمت علياء حدجت سمر سهام بنظرات قاسية وقالت في حنق :

    =" لست أنا من يعتمد على الآخرين 00وأفضل الإعتراف بخطئ على أن أقم بنقل الواجب إذ لوشئت لحللته بنفسي "

    فقالت سهام مشككة :

    -" يجوز00ليش لا ؟"

    لحظت علياء أن سمر تشعر بالغيظ الشديد وظهر ذلك واضحا على معالم وجهها وأدركت في نفس الوقت أنها عزمت على أمر ما00ولسف تنفذه00ذلك واضح في عينيها 00

    وحاولت علياء تلطيف الجو إذ رأت غضب سمر فقالت لسمر :

    =" سمر00انها لا تقصد ماتظنين "

    فنظرت اليها سمر في عتب في حين اقتربت منها علياء وقالت مازحة :

    -" أتعرفين أنك تبدين أكثر جمالا عندما تغضبين "

    فهمست سمر ساخرة :

    =" بودي أن أعرف هل أنت حقا رجل أم امرأة من كثر اعجابك "

    فاستغرقت علياء عندها في الضحك لدرجة لفتت نظر سهام التي أخذت ترقب الموقف في دهشــــــــــة .

    عندما عادت سمر الى البيت لم يكن يشغل تفكيرها الا الانتقام لنفسها00ستثبت لتلك المغرورة أنها قادرة على التفوق عليها 00لم تكن لتغفر لها ماوصمتها به من كسل وتهاون 00وحتى لو كانت تلك هي الحقيقة فهي لن تسمح لأحد بان يعيّرها بها00شعرت بنفسها تغلي 00وهي تخشى أن تقتلها عصبيتها يوما ما0


    كانت الاختبارات الشهرية على الأبواب ودفعها التحدي الى أن تقبل على دروسها في شراهة وبالمقابل أهملت شئون البيت00ذات مرة سمعت فيصل يصيح :

    -" لاشك أننا سنموت جوعا في هذا البيت "

    وحين طلبت منه أمه التريث قليلا صاح :

    -" والأمــيرة سمر 00متى ستشرفنا وتشرب الشاي معنا؟00انها حتى لاتعده لنفسها "

    ففاجآته بان ضحكت بشدة مما أغاضه كثيرا ويبدو أنه حاول أن يشكوها الى والده الذي عنفها قليلا ولكنه مالبث أن قبل عذرها وانشغالها بالاختبارات00هي لاتزعم أنه وحش ولكنه كان دائم الانشغال بعمله وبقية وقته مقصور على سهره ونومه 00مصيبته انه يحصر مسئوليته اتجاههم في توفير الآكل والشرب والملابس وعدا ذلك فليس مهما00وقسوته الشديدة كانت أمرا شديد الوطأة عليهم أيضا 00وعليها بالذات00في حياة والدها سر نحوها لاتدر ماهو00وتشعر أنها ستعرفه يوما00

    مرت الأيام وجاءت نتائج الامتحان الشهري غير متوقعة 00وكم كانت دهشة المعلمات عندما حصدت سمر أعلى الدرجات في الفصل وصعقت سهام التي كادت أن تخسر مكانها في المقدمة لولا تقدير المعلمات لنشاطها المدرسي 00وعندما تسلمت سمر تقريرها الشهري كانت درجاته رائعة ولم تشعر الا بسهام تقف بجانبها وتقول في غيظ :

    -" اذا فقد كسبت التحدي00ولكن هذا ليس سوى اختبار شهر واحد00وسنرى الكاسب في النهاية"

    00ولم ترد عليها سمر مما أغاظها كثيرا فقالت :

    -" يالك من مغرورة متعجرفة "

    وهنا انتفضت سمر ووقفت وقالت في حزم :

    =" اذا لم تحفظي لسانك وتبتعدي من هنا فأشك أنك ستتمكنين من أكمال يومك الدراسي "

    00وهنا رأت علياء التي كانت تتابع الموقف أنه بدأ يشتعل وقد يؤدي الى مالا تحمد عقباه00وقبل أن تقرر ماذا ستفعل لتهدئة الوضع كانت المشرفة الإجتماعية تقف في مدخل الغرفة وتلحظ الموقف فتدخلت وطلبت من الفتاتين أن تتبعاها الى مكتبها وهناك حذرتهما من مغبة تكرار مافعلتاه وصرفت سهام فيما طلبت من سمر أن تبقى ففعلت 00أخرجت المشرفة بعض الأوراق من أدراجها ونظرت اليها لفترة ثم تطلعت الى سمر وقالت :

    -" سمر00ان سجلك هنا لايشفع لك في المزيد من السلوك المشين 00لقد فرحنا لتفوقك في الامتحان الأخير ودعونا الله في داخلنا أن يكون بداية الانطلاقة 00نتمنى ان لا يكون ذلك مجرد صدفة و000"

    قاطعتها سمر في حدة :

    =" ليست مجرد صدفة00لايمكن أن تفهمونني أبدا 00أنا قادرة على تحقيق التفوق متى أردت00"

    كانت صوت سمر عاليا00لوهلة مضت ثم أدركت خطئها فقالت في هدوء"

    =" آسفة 00معلمتي آسفة "

    فقالت المشرفة باسمة :

    -" لا عليك 00لكن احذري فالمديرة غاضبة من تصرفاتك 00وأنت كما ترين لا زلت صغيرة ولابد أن تنتبهي لنفسك من الآن00فكري ياسمر كيف سيكون مستقبلك؟00تخيلي كيف سيفخر بك من حولك 00كيف ستنهال عليك نظرات الإعجاب 00"

    صمتت سمر قليلا ثم قالت في نبرة حزن واضحة :

    =" للآسف معلمتي00لا أشعر بميل لذلك ولا أود حدوثه فليس لدي من يقدر ذلك لوحدث00"

    00 تأملتها المشرفة وشعر يخالجها أن هذه الفتاة الجالسة أمامها تعاني الكثير00ولكن من ماذا؟00"

    عادت تسألها من جديد :

    -" سمر00كم عدد أفراد أسرتك ؟"

    صمتت سمر فاستحثتها المشرفة فقالت :

    =" أنا وأمي وأربعة أشقاء 00"

    -" ووالدك ؟"

    فقالت سمر في لهجة ساخرة :

    =" أظنه توفي منذ زمن بعيد "

    فدهشت المشرفة وقالت :

    -" ماذا تعنين بـ( أظن ) ؟"

    فأغضت سمر ببصرها مما حدا بالمشرفة الى استشعارأنها لاتريد الاجابة00سمحت لها بالإنصراف00فعادت الى الفصل وابتسامتها الساخرة لاتفارقها ..

    الا أن تلك الأيام شهدت عودة سمر الى عزلتها شيئا فشيئا رغم محاولات علياء التي كانت كثيرا ماتنفرد بها وتتحدث اليها فلا تلق منها الى الصمت00ولا ترى في عينيها الا الحزن 0قالت لها يومـــا :

    -" سمر00لوعاش الناس مثلك يدمنون الحزن00ويعشقون الآسى لماتوا مبكرين ولما آسف أحد عليهم00ولأصبحت الحياة جحيما لا يطاق 00الابتسامة لغة رائعة بل هي دواء يشرح النفوس، ويقرب بين الناس 00آُتراك بسهومك وشرودك تسعدين؟00كلا 00لا داعي لكل هذا ورفقا بنفسك "

    فردت سمر وقد أخفت وجهها بيديها :

    =" علياء00أنت لاتدركين مافي داخلي 00ولعلك بوضعي لاتشعرين 00ان ماأقاسيه من حالتي النفسية وما آراه من واقعي يجعلان ابتسامتي بطرءا ورياءا ولست أحب أن أكون كذلك 00"

    -" أقدر مايحدث لك 00ولكن متى قاوم الانسان مايعترضه بالحزن!؟ ومتى عالجها بالآسى ؟! لابد أن نعمل ونسعى حتى نظفر بما نريد 00لم تساليني يوما عن مشاكلي ؟ وهل أنا في ظنك أخلو منهـــا ؟ !00كلا00ولكني أدرك أن العمر يمضي ولحظاته تمر عجلى ، واحساسنا بهذه اللحظات يعتمد على مدى سعادتنا فيها ومتى ماشعرنا بذلك فنحن لم نخسرها من عمرنا 00ترى هل تريدين أن تخسري المزيد ؟"

    هنا رفعت سمر راسها الى صديقتها وابتسمت قائلة :

    =" حسنا00انا أوافقك00ولكن لماذا لاتحدثينني عن نفسك قليلا 00انت فتحت على نفسك "

    ابتسمت علياء وكسرت غصنا صغيرا كان في يدها ثم قالت :

    - " نحن ياسيدتي أغنياء ولا أنكر ذلك والحمدلله 00وأبي رجل أشرف على الخامسة بعد الخمسين 00وقد فجعنا بوفاة أمي ونحن صغار ولإن ابي كان يحبها أو هكذا برر لنا عدم زواجه مرة أخرى وتفرغه لي أنا وشقيقي الذي يكبرني بسنة واحدة 00لقد سهر علينا كثيرا 00دائما يتابعنا في كل كبيرة وصغيرة وان كان يعطينا الحرية الكاملة داخل المنزل 00لاتتصوري كم يحثنا دائما على الصبر والجد 00والمرح أيضا 00كثيرا ماكان يردد أن الحياة بدون الضحك لاطعم لها 00ولا لون00"

    صمتت علياء قليلا عندما سمعت سمر تتمتم :

    =" كم أنت محظوظة "

    -" آسفة اذا كنت أثرت أحزانك00ولكم ألم نتفق !؟
    وسارعت لتمسح دمعة تحدرت على خد سمر 00لم تصدق علياء لحظتها أن تلك الفناة التي تبكي أمامها الآن هي نفسها تلك الفتاة العنيدة ذات الشخصية الفريدة00سارعت الى تهدئتها قائلة :

    -" سمر00لا00كفي عن هذا00بهذا الشكل لن تصمدي 00إذ ما أكثر لحظات الحزن في حياة الانسان 00انني جد آسفة 00كوني شجاعة أرجوك00"

    مضت لحظات قالت بعدها سمر :

    =" لا عليك00آسفة00أرجوك أكملي "

    بلهجة مرحة واصلت علياء:

    -" دعيني أخبرك بحكاية طريفة00ولكن اياك أن تسخري مني 00فقد جربت الحب يوما 00"

    صمتت قليلا ثم عادت تقول في حركة مسرحية :

    -" آه00أيام لاتنسى00كم كان ذلك ممتعا "

    ابتسمت سمر ووضعت ذقنها الجميل على قبضتها وهتفت :

    =" حسنا00انني انصت أيتها العاشقة00لقد اثرت شوقي "

    -" كنت في الثانية عشرة من عمري في الصف السادس الإبتدائي ، ولم اكن أفكر في مثل هذه الأمور قبلا رغم أنني أسمع به كثيرا وان كنت عرفت أن الحب شئ رائع 00كما أن أبي كان دائما يحضنا على أن نحب الناس لأن ذلك من أسباب السعـــادة00على كل ستبدو كقصة ملفقة ومقلدة00كان ابن الجيران وكان للحق وسيما جدا وقد لفت نظري كثيرا بأدبه وأيضا بكياسته 00رغم أنني سمعت من شقيقي كذا مرة أنه صعلوك00كان أكثر ما آراه عندما يمارس فتيان الحارة لعبة كرة القدم في الشارع المحاذي لمنزلنا وكان يتعمد قذف الكرة بقوة فتتجاوز السور الى داخل المنزل ولم أكن حينها أحجب وجهي فكان ينطلق خلف الكرة وعندما يصل يجدها بين يدي فيلتقطها وهو يهمس بكلمات لو قلتها لك الآن لضحكت 00ويوما بعد يوم لمحت اهتمامه بي يتزابد 00ولما كنت متوسطة الجمال ولست مثلك طبعا000"

    فقالت سمر مهددة:

    =" وبعدين معاك00"

    -" لا أنكر أنني ملت اليه كثيرا 00وكنت أحادثه من نافذة المنزل المطلة على ساحة منزلهم 00كان يروي لي قصصا عجيبة 00أما الهدايا فقد أرسل لي مرة مشبك شعر ورغم بساطته الا أنه كان لايفارق شعري الا نادرا00تطورت العلاقة حتى كان حديثنا بشكل يومي وكنا نتحدث في أشياء كثيرة بعيدة عما نشعر به في داخلنا على أنني مالبثت ان أستغربت تصرفي وخشيت عواقبه خاصة عندما دعاني الى منزله سرا كما قال ليريني لعبة اكترونية اشتراها مؤخرا كانت حديث الحارة حينها فرفضت وأظنني لو فعلت لكانت مصيبة ما بعدها 000"

    فضحكت سمر وعقبت :

    =" ولكان حبك لا ينسى فعلا "

    ضحكت علياء بشدة واكملت :

    - " كان كثير الحديث عن جمالي وأنني مثل ( القمر ) كما يقول وكان ذلك يأخذ بلبي فأدخل الى حيث المرأة لأتأكد وأحيانا كنت أرى ذلك حقيقة فأشعر بسعادة غامرة ، وأحيانا كنت أخرج من المدرسة لأجده واقفا على الرصيف يرقب الباص لعله يراني 00ورغم حظنا الردي الا أننا تبادلنا العديد من الرسائل وأحيانا كان يجنح بي الشوق فاندم على أنني رفضت دعوته 00والحقيقة أن هذا الآسف لم يتكرر كثيرا اذ أن النهاية كانت حزينة فقد انتقلت اسرته الى مدينة أخرى 00وهكذا فشل حبى الأول00ولم يترك لنا سوى القليل من الذكريات الجميلة00"

    صمتت سمر وعلياء في نفس الوقت مفكرتين 00ثم قالت علياء وفي عبارتها نغمة الآسف:

    -" لا أدري ياسمر كيف أصف شوقي لتلك الأيام الحلوة00كم كان طيشها عذبا وجميلا00"

    قالت سمر دون أن تنظر اليها :

    =" تقولين اياما حلوة ورائعة00ترى ماالذي جعلها كذلك ؟00وما روعة الحب ؟"

    بعد فترة صمت قالت علياء:

    -" نعم مالذي جعلها رائعة ؟00ربما أستطيع الآن أن آصف ذلك00قبلا لم أكن قادرة على تصور ذلك الجمال أو حتى التعبير عنه00كنت أشعر بسعادة غامرة ربما مردها شعوري بان هناك شئ جميل في حياتي 00اسعى اليه00وأفرح للقاءه 00الأمل 00الحنين00الشوق00اللهفة00وروعة اللقاء00حتى الخوف من أن يكشف أمرنا أحد00كانت له بعض الروعة00لا أدري كيف لم يعرف أبي بذلك؟00مأروع احساسي بان هناك من يهتم بي00ويسعى للقائي00اشياء كانت تدفعني دائما الى أن أهتم بمظهري كثيرا00وما كنت أفعل ذلك قبلا00كنت أحس بشئ يدفعني ألا أفعل الا مايرضي الجميع 00أن أسمو فوق أخطائي00ولقد فعلت ذلك حينها حتى أن ذلك لفت نظر أبي وشقيقي الى التغيير الجديد00وأكذب على نفسي اذا قلت أنني حينها كنت أشعر أن الحب هو الذي صنع ذلك00لم أدرك ذلك الا بعد رحيله 00"

    صمتت قليلا تلتقط أنفاسها ثم اضافت في حركة مصطنعة :

    -" لذا -ياصديقتي - اذا ماحلت بك الهموم ، وطافت بقلبك الأحزان فابحثي عن الحب00يصفو قلبك00وتنقو سريرتك00وتحلو لياليك و00


    وهنا قاطعتها سمر :
    -" رويدك00رويدك00ماأجمل ماتقولين 00أ جعلك الحب شاعرة أيضا ؟!"

    فقالت علياء باسمة :

    -" بل هي الحقيقة أيتها العزيزة00أنا أعني ما أقول00"



    يومها عادت سمر الى البيت وحديث علياء يتردد داخلها 00لكم تود فعلا أن تجرب الحب الذي ماتشعر يوما أنها عرفته00


  10. #10
    تاريخ التسجيل : Sep 2005
    رقم العضوية : 4432

    مرحباً




    على مر الليالي التي تلت ذلك ظلت حكاية علياء عن الحب تطاردها ، وأضحت مسلسلات التلفاز والروايات العاطفية تشغل معظم وقتها 00ورغم ذلك كانت تدرك أن عليها أن تتعقل قليلا 00وأن لاتنس أن عليها أن تحافظ على ديدنها المتمثل في أن تنجح كل عام بغض النظر عن كل شئ آخر00لوهلة لاحت رؤى سهام أمامها وطاف بخلدها كلام مشرفتها 00ليكن التحدي 00ولسوف تكسبه 00ولما أفصحت لعلياء عن ذلك ذات مرة شعرت علياء بانها فعلا قادرة على ذلك 00



    دخلت فترة الاختبارات النهائية وجاءت النتائج أيضا تحمل مفاجأة كبيرة فقد احتلت سمر مكانة متقدمة وعادت بشهادة وخطاب تفوق فكان وقع ذلك على اشقائها الكثير من علامات الدهشة والتعجب حتى لقد علّق أخوها عبدالرحمن الذي يليها مباشرة بقوله:

    -" هذا زمن العجائب فعلا "

    فردت سمر في غيظ :

    =" بالنسبة لأمثالك ايها الشقي "

    فنظر اليها وقال ساخرا:

    -" لا تغتري لهذه الدرجة00فالسنة القادمة سيعاودك الاهمال 00فالتقلب طبعك00و(المزاجية) داؤك0"

    صمتت سمر وهي لا تدر بماذا ترد 00كانت تدرك فعلا ان التقلب طبعها العنيد 00

    ورغم أن اباها أحاطها بالكثير من الحنان وأن أمها قبلتها مرارا واعلنت انها ستقيم حفلة بتلك المناسبة الا أن سمر شعرت بانها لم تلق التقدير الذي يتناسب وما حققت00ولم يسمعها أحد وهي تهمس:

    = " لقد قلت لك مشرفتي ولكن لم لاتصدقين 00"



    أما في المدرسة فقد كانت حديث الجميع وأصبحت في نظر الكثيرات غريبة الأطوار وهي قادرة على تحقيق ماتريد 00ووقتما تشاء00



    عندما جاءت العطلة الصيفية لم تكن قد فكرت ماذا ستفعل فيها 00كانت تعرف أن أسرتها لايمكن أن تفكر في قضاء العطلة خارج المنزل ولا حتى في زيارة المتنزهات القريبة 00كان عمل البيت غالبا مايستغرق وقتها وأحيانا تفيض لياليها بالعقاب اذا مارفضت أداء مهامها المنزلية 00ولعل ايام الدراسة كانت عذرا مناسبا للتنصل من ذلك 00تذكر مرة انها عرضت على الأسرة الخروج للتنزة قليلا الا أن رأيها قوبل بمعارضة الأب لانشغاله بعمله ولعدم وجود الوقت والمال الكافيين ، ولما صاحت أمامهم تنعي حظها التعس كاد والدها أن ينال منها لولا فرارها من امامه.

    في اليوم التالي عاد والدها من عمله متعبا ومرهقا بينما كانت هي تداعب وحيد فقالت لأخيها هامسة :

    =" أنظر الى أبيك 00من يراه يقول أن العمل أرهقه ، وماذاك الا داء السهر أشقاه وأهلكه00 "

    ذهب والدها لينام الا أنه مالبث أن استيقظ على صياح الأولاد وهم يلعبون الورق وسمر تتوسطهم وقد أجلست الى جانبها أخاها وحيد ومالبث أن احتد النقاش بينها وبين عبد الرحمن ووصل الأمر الى درجة الشتائم وسرعان مانهض الأب غاضبا وما أن رآه عبد الرحمن حتى سارع الى القول :

    -" أبي00ان سمر دائما تتدخل فيما لايعنيها 00لقد كنا نلعب الورق وفجأة تدخلت ولعبت غصبا عنا بل وهي تظلمنا عيانا00"

    فانبرت سمر مدافعة:

    =" ان وحيد كان مظلوما من قبل هذا الكاذب وسمعته يبكي ويشتكي خداعهم فجلست معه لاسانده "

    نظر اليها والده في حدة وقال غاضبا :

    -" لاشأن لك بلعبهم فهم اخوانه على كل حال وسيتدبرون أمرهم أما أنت فقد كبرت على هذه الاشياء فمتى ستدركين هذا ؟00انهضي الآن واعدي لي كوبا من الشاي فالصداع يكاد يفجر رأسي 00هيا انهضي "

    تضايقت سمر وشعرت بنفسها تغلي 00هي دائما المخطئة 00وزادها غيظا أن عبدالرحمن علّق قائلا:

    -" هيا00اذهبي الى مكانك المناسب00"

    ورغم أن والده رماه بآنية الشرب وأنه تفاداها ضاحكا الا أن سمر شعرت بالحنق الشديد وهي تسير نحو المطبخ 00صداع عنيف اجتاحها00وما أن وصلت باب المطبخ حتى شعرت بان الرؤية غير متضحة امامها 00أنفاسها تتسارع00تشعر بانها تختنق وما لبثت أن سقطت على الأرض بعد ان استجمعت مابقي في صدرها من هواء لاطلاق صرخة قوية00وهرع الجميع00



    * * *





    - الفصـــــل الرابـــــــــــــــع -





    عندما أفاقت سمر لم تدر أين هي ؟00وان كانت شعرت بنفسها في مكان آخر00وفعلا تأكد حسها عندما لمحت الممرضة برداءها الأبيض وهي تميل عليها وتقول بحنان :

    -" سلامـــات00الحمدلله على ســـــــــلامتــــك "

    نظرت اليها سمر وقالت وهي تشعر بصوتها أجشا ثقيلا :

    =" ماذا حدث بالضبط؟00لماذا أنا هنــا ؟"

    فقالت الممرضة باســـمة :

    -" عارض بســــيط ان شاء الله "

    لوهلة تذكرت سمر كل ماحدث00لم تدر أتشعر بالحزن00أم بالرضى00ولماذا الآخيرة !؟00

    بعد الظهيرة جاءت الأسرة لزيارتها 00دمعت عيناها في حين جلست أمها بجانبها وقبلتها وهي تقول في حنان بالغ :

    -" الحمدلله على سلامتك "

    احتضنتها سمر وهي تقول :

    =" آسفة ياامي لكل ماحدث ؟00ماالذي يجري لنا ؟ "

    وقبل أن ترد الأم اقترب والدها قائلا وعلى شفتيه ابتسامة لاتذكر متى رأتها آخر مرة :

    -" الحمدلله على سلامتك يابنية 00الأمر بسيط 00وان شاء ستعودين الى المنزل باسرع وقت "

    في حين سارع وحيد كعادته الى ارتقاء السرير متفاديا اعتراض الممرضة لطريقه وهي تبدي استغرابها من كيفية دخوله 00رفض وحيد النزول فقبلته سمروهي تهمس :

    =" لعلك أكثر من حزن لأجلي "

    كان رده ابتسامة طفولية رائعـــة .







    عندما عادت سمر الى البيت في اليوم التالي حظيت بالحنان بشكل لم تتصوره وخاصة من قبل والدها الذي كان يأتي مابين فترة وأخرى ليطمئن عليها 00تسائلت في نفسها :

    =" أهكــــذا نحن بحاجة للمصائب دائما لنشعر بأننا نعني لمن حولنا شيئا ذا قيمة! 00"

    كانت تدرك أن تلك فترة مؤقتة ومرهونة بشفائها من مرضها الذي حاولت عبثا أن تعرف ماهو 00وسنحت الفرصة عندما رأت التقرير الطبي في يد والدها الذي قال لها أن مرضها بسيط 00فقط يحتاج منها الى ترك العصبية والإجهـــاد " 00وناولها التقرير فالتهمت السطور ثم شعرت بالآسى يجتاحها 00تمتمت :

    =" لم يبق الا هذا الربو00يبدو ان المصائب لا تاتي فرادى "

    ثم أضافت وهي تغطي وجهها بيديها :

    = لقد بت أخشى كثيرا من المستقبل "

    كان مطلوبا منها أن تحافظ على هدوءها وبرودة أعصابها لأن هذا المرض ربما أودى بها في لحظة انفعال 00على كل عاشت سمر أياما هادئة لم يحدث فيها مايعكر حياتها00عاشت فيها من الحنان ماتمنت معه لو أنها بقيت مريضة العمر كله .



    كان الجديد في تلك الفترة هو ادخال الخدمة الهاتفية الى حيّهــم وهو أمر كانوا ينتظرونه بفارغ الصبر 00كانت تعرف من خلال قراءتها للصحف أنه سلاح ذو حدين 00على مر الليالي التي تلت ذلك وكما يحدث للناس في مثل هذه الأحوال انهالت الاتصالات العشوائية والتي قصد منها العابثون معاكسة الآخرين00كان الهاتف كثيرا مايرن وتبتسم هي عندما تشعر أنها هي المقصودة فهي أجمل فتيات الحي وأشهرهن للأسف00 كان الهاتف يرن بالحاح فاذا ما ردّ أحد أشقائها كان الصمت هو مايناله فلا يلبث أن ينهال فمه بالسباب ثم يقفل الخط في غضب00واذا ماردت هي كان الأمر مختلف جدا00ذات ليلة حدث ذلك00رفعت السماعة وقالت في حزم :

    =" نعم00من تريد ؟"

    فاجابها صوت خفيض :

    -" مساء الخير أولا 00"

    لا تدري لماذا كان الازدراء هو ماشعرت به فقالت في سخرية :

    =" من أنت ؟"

    -" واحد ! "

    لم تفقد روحها الساخرة فقالت :

    =" كنت أظنك أربعـــة "

    وأقفلت السماعة في عنف والطرف الآخر يضحك00"

    وعندما عاد الهاتف الى الرنين لم ترفعه مرة أخرى .

    كانت حازمة في مثل هذه الأمور 00في البداية فقط00كانت تعرف الاما يهدف هؤلاء الخاملون ؟00يغيظها من الأمر أن يظنوها 00يظنوها مجرد فريسة يسعون للإيقاع بها00تكره ابدا أن يخدعها أحد00ولو نظرت الى الأمر من ناحية أخرى لرأت انه بسيط00بسيط جدا00ورغم ميلها للخيار الثاني الا انها كانت شديدة الحذر00لا تنس أنها كانت تعاكس الفتيان حتى عهد قريب ولازالت تجد الكثير من الميل لذلك0 ولكن لن تسمح لأحد بخداعها وان حدث فهي التي ستفعل..

    لم يمض وقت طويل حتى اتصلت بها علياء ذات ليلة 00دهشت سمر كثيرا 00كـــيف عرفت علـــياء الرقم بسرعة وهو حديث الادخال وهي لم تخبرها به بعد !!00 ولما سألتها عن ذلك قالت علياء ضاحكة :

    -" لاتغضبي ياصديقتي العزيزة00اذا قلت لك أن رقم هاتفك قد أصبح شهيرا في أيام قليلة 00لست أدري كيف حدث ذلك ؟00وردا على سؤالك فقد حصلت عليه من شقيقي الذي أخذه بدوره من أحد أصدقائه الذي أخبره أن صاحبة الرقم وحيدة زمانها وفريدة عصرها00وأقول أن الشباب ربما عرفوه عن طريق الصدفة وتناقلوه كعادتهم في مثل هذه الأمور00

    كانت سمر صامتة وشعرت علياء بامتعاضها وأدركت مافي نفسها فقالت بسرعة :

    -" أخبرني شقيقي انه لم يجربه بعد على حد قوله 00انه لايستطيع أن يحفي عني أي شئ ، وان كان الشئ الوحيد الذي يعرفه أن صاحبة الرقم تدعى سمر00نعم تدعى سمر00 ولكن ارجوك لا تتسرعي في الحكم فأخي ليس من تلك النوعية ولكن أحيانا يفكر في مثل هذه الأمور ولو فعلها لعرفت00لقد حذرته من مغبة الاقدام مع هذا الرقم واخبرته أنها صديقة العمر كما أن صديقه قد أخطأ العنوان كثيرا وسوف يجد من يردعه 00"

    بعد وهلة من الصمت قالت سمر في هدوء :

    =" استغرب مثل هذا ياصديقتي 00ولكن الأمر لا يسبب لي قلقا ابدا00وأعرف كيف اتعامل مع هؤلاء الأوغاد00افضل شئ أن أقفل السماعة في هدوء 00ولكن حدثيني عن اخبارك 00اشتقت اليك كثيرا "

    -" شكرا لك00لقد سافرت مع اسرتي الى الطائف 00وهو مصيف رائع كما تعرفين00ولكن اقسم لك رغم روعة الرحلة الا أن رؤاك لم تغب عن عيني 00وكنت أنوي زيارتك في أقرب فرصة وكانت الصدفة عندما وجدت هذا الرقم عند أخي ومن الاسم خمنت وكان صحيحا 00لقد عدنا بألأمس فقط اذ اضطر والدي لقطع الاجازة لبعض الأعمال الطارئة 00"

    قالت سمر مازحة :

    = وهل طلب منك شقيقك أن تجربي الرقم ؟ لاتنكري ؟"

    -" نعم 00وسوف أخبره باشياء رائعة00لقد وقع على صيد أثمن مما كان يتصور بكثير "

    فقالت سمر وهي تكاد تضحك :

    -" ماشاء الله على التربية00 وبماذا ستخبريه ؟"

    قالت علياء وهي تريد أن تغيظ صديقتها :

    -" ساخبره أنك في الجمال آية ، وفي الروعة غاية وانه سيكون محظوظا لو وفق "

    فردت سمر في لهجة وعيد :

    =" صدقيني لو فعلها فسيندم00واشك في أنه سيحطم رأسك لإيقاعه في هذا المأزق ؟

    ضحكت علياء بشدة :

    -" حرام عليك00"

    تجاهلت سمر النبرة الساخرة وقالت :

    =" سترين ايتها الغالية00دعيه فقط يجرب "

    قالت علياء مهونة :

    -" ايتها الحبيبة 00كم اشعر بالراحة للمزاح معك00ارجو الا تحرميني من اتصالاتك00والرقم تعرفينه طبعا00الى اللقاء00"

    ورددت سمر " الى اللقاء" وهي تقفل الخط بدورها 00



    يوما بعد يوم هدأت الاتصالات الهادفة الى سمر حتى بدأ لها أنهم قطعوا الأمل فيها 00ولم تكن سمر تتصل بعلياء الا نادرا 00لم تكن تقترب من الجهاز الا اذا رنّ أثناء مرورها بالصدفة بجانبه او اذا طلبتها احدى صديقاتها فسارعت للرد عليها00ولكن تلك الليلة كانت مختلفة جدا بالنسبة لها00

    كانت الساعة تشير الى الواحدة ليلا00وبدأ الجو رائعا عندما سمعت وقع قطرات المطر في ذلك الوقت من هدأة الليل000جافاها النوم اذ كانت قد نامت الظهيرة كلها دون أن يزعجها أحد00نظرت الى وحيد الذي كان مسجى على فراشها يغط في نوم عميق بعد ان حكت له حكايته الليلية00كان كثيرا مايأتي لينام عندها 00أو ليلعب معها الورق 00كان يبدو مستغرقا في النوم 00فكرت بان تقرأ 00ولكن لاتشعر بالميل لذلك00خرجت من الغرفة 00راعها وميض البرق الخاطف00كان المطر يتساقط بهدوء00وكان الهواء المصاحب عليلا 00وقفت أمام غرفة الجلوس ودفعت الباب فاصدر صريرا مزعجا 00شعرت ببعض الرهبة 00أضاءت النور واجالت بصرها في الغرفة00تناولت الصحيفة الملقاة وجلست تقرأ00سئمت بسرعة00لمحت عيناها جهاز الهاتف00خفق قلبها في قوة00عادت عيناها الى القرأءة بسرعة 00لم تع شيئا مما تقرأ00اختلطت الأفكار00لا لن تفعلها00لوهلة شعرت بنفسها تضعف بسرعة00ماذا سيحدث لو فعلتها؟00هل ستنتهي الدنيا !00مدت يدها00ارتجفت00لأول مرة سترفعها من اجل ذلك الشئ00انها خائفة00مترددة00وحلاوة الإقدام تجتاحها00خسرت المقاومة الجولة الأولى 00وبدأت الأصابع الرشيقة تدير الأرقام عشوائيا00حركة ما في الخارج00ستكون مصيبة لو كان والدها عائدا من سهرته00وضعت السماعة واطفأت النور 00مضى وقت بسيط دون أن يظهر أحد 00فتحت الباب ونظرت 00مازال المطر يتساقط00لا أحد00عادت الى الداخل وهذه المرة لم تتردد00ياتيها الرد من الطرف الآخر فتصمت00تجبن00تغلق الخط00تعاود الإتصال فيروعها السباب00تقفل مرة اخرى00حكاية علياء تلهب خيالها00تثير غريزتها00الخوف من المجهول لم يعد يستطع كبح جماح تلك الأفكار 00ستجرب وليحـــدث ما يحدث00ضربت أرقاما كثيرة كان الصمت والسباب فيها سيد الموقف00احيانا حاولت الحديث ولا تلبث ان تقفل بسرعة 00شعرت بالتعب 00ارادت النهوض وهي تشعر بما يشبه الإحباط0000نهضت وخطت نحو الباب 00لما لا تجرب لإخر مرة00عادت 00ضربت رقما بدأ لها مألوفا00لم تلق بالا لذلك00جاءها الصوت هادئا رزينا00وبسرعة أقفلت الخط00فكرت قليلا 00لماذا لم ترد00كم هي مشجعة تلك النبرة الهادئة00أعادت الكرة وجاءها صوته مرة أخرى هادئا جميلا00يستحثها على النطق00وتأبى مرة أخرى00وما ان تقفل الخط حتى تندم أنها لم ترد00فهو لم يشتمها00لم يصرخ00شجعت نفسها من جديد واتصلت 00نفس الصوت الهادئ 00كأنما شعرهو بانها لاتقوى على الحديث00فانطلق يتحدث لها عن أشياء كثيرة00لم تصدق انه جاد فيها00بعضها خاص جدا00فكيف يفعل وهو حتى لايعرف من يتحدث معه!!ورغم أنها شعرت أنه يستميلها الا أنها لم تستطع أن تقاطعه أو حتى أن تفكر في انهاء المكالمة 00كان يتحدث دون ينتظر منها ردا الا اذا شك انها لم تعد معه فبادرها فلا تملك الا ان ترد 00نعم00كلمة واحدة فقط00ولكنها اشعرتها انه نجح في اجبارها على الكلام00كلامه معسول وهذا مايخيفها00في لحظة غضبت من نفسها 00وكأنها في حلم وسارعت لغلق الخط00ولما يكمل حديثه بعد00في حين حاول هو أن يعرف من تكون00ولكن عبثا00وماذا يمكنه ان يفعل غير الانتظار00اما هي فشعرت بشئ من السعادة لما اعتبرته صمودا منها00ولكن لا تدري لماذا تشعر بان الرقم مألوف00وتقسم في نفس الوقت انها لم تتعمده00اليست هنا تناقظ ماوعدت به زميلتها0000تحاول أن تقنع نفسها بانها كانت تعبث فحسب00في لحظة اخافتها همست لنفسها بانه مختلف جدا عن كل ما توقعت00لربما هذا ماتبحث عنه00ابتسمت دون خجل 00لقد تجاهلت أشياء كثيرة هذه الليلة00



    كان تعاود الاتصال به في بعض الليالي وتظن انها تفاجئه فتفاجأ هي بانه يرد وكأنه على موعد معها00تنصت لأحاديثه ولا ترد الا نادرا00تشعر بمتعة كبرى حتى أصبح الأمر مصدرا من مصادر سلوتها00متى ماجنّ الليل وألقى باســتاره00ذات ليلة ضربت نفس الرقم 00كانت تريد علياء وفعلا وجدتها 00وفي نفس الوقت ادركت تفسيرا واضحا00تحدثت مع صديقتها بهدوء ولم تملك من أن تخبرها بانها تعرفت على أحدهم 00وهي الآن تتسلى به00لم تستطع أن تمنع نفسها من اضافة بعض الأكاذيب حول ذلك00لم تنجح في التخلص من هذه العادة أيضا00كانت تريد ان تعرف ما اذا كانت علياء قد أحست بشئ ما00لكم تود الا يحدث ذلك00ولكن رد علياء كان لايوحي بشئ 00فقط اوصتها - ضاحكــة- بزيادة الحذر00 اما سمر فحتى بعد مضي اسبوع على اتصالها به فانها لم تعرّفــه بنفسها ولا طلبت منه حتى أن يعرفها بنفسه00وكيف تفعل ذلك وقد عرفته!!00طلبت منه فقط كشرط للإستمرار معها ان يبقى الأمر فقط محصورا في التسلية دون المساس بالأمور الشخصيــــة00كانت خشيته من فقدانها تجعله يقبل بكل شروطهــا00أصبح يشعر بانها تملك عليه نفسه شيئا فشيئا00ولا يحاول ابدا تخليص نفسه00فقد كان شيئا رائعا ولذيذا00أما هي فقد كانت تشعر أنها تخدع نفسها 00بينها وبين نفسها تعلل بان الأمر مجرد تسلية وان من الممكن الانسحاب من الأمر متى تشاء00كانت تشعر انها تنجرف نحوه بسرعة مخيفة 00التجربة الأولى ربما كانت الأخــــيرة00وللحق فقد استسلم بسرعة لم تتوقعها اذ صارحها بعد اسبوعين فقط بانه لم يعد يطيق الحديث وهي تنصت وتؤمن بكلمة أو تعرض بجملة مقتضبة 00مرة قال في مرارة :

    -" انني حتى لا أعرف من أنت ؟00ولم تحدثيني عن نفسك قط00"

    صمتت قليلا مفكرة 00لم تكن تدري ماذا تقول حقا00بعد قليل هتفت :

    =" أرجوك لا تغضب مني 00قد لاتصدقني اذا قلت أنني حقا لا أعرف عن ماذا أتحدث معك00ليس فقط عن نفسي00ولكن حتى في أيّ جانب أخر قد ترى أنه من السهل أن أتحدث عنه 00

    -" أرجوك قولي أي شئ00أي شئ00


  11. #11
    تاريخ التسجيل : Sep 2005
    رقم العضوية : 4432



    = " حسنا 00قبل أخر يوم من أيام الامتحانات كنت جالسة في مكتبة المدرسة00لمحت قصة قديمة 00تناولتها 00وقرأت سطورها00أعجبتني كثيرا00هل تريد أن أخبرك عن محتواها ؟"
    هتف في لهفة وليس في باله الا أن تواصل حديثها العذب :
    -" نعم أرجوك 00"
    =" كانت أســـطورة قديمـــة00 تقول أنه في مكان ما من هذه الدنيا كانت تعيش احدى القبائل البدائية 00كان ذلك في غابر الزمان00وتقول الأسطورة أن لهم شمسا جميلة كانت تحبهم ويحبونها00تتحدث اليهم ويفضون اليها00متى ماحل الشتاء كانت تمدهم بالدفء00ومتى ما أقبل الصيف رفقت بهم وحنت عليهم00كان أطفالهم دائمي المرح معها00وكثيرا مايجلسون وتقص عليهم حكاياتها العجيبة التي تراها من عليائها 00 حتى كان ذات يوم ...
    اتريد أن تابع00 لعلك مللت ..
    -" بالله عليك أكملي00لاتتصوري كم انا سعيد بحروفك العذبة 00والقصة من النوع الذي أقبل على قراءته 00اكملي ماذا حدث ؟00يبدو انه امر مريع00
    ضحكت سمر ثم قالت :
    =" نعم00تقول الأسطورة أن أطفال هذه القبيلة استيقظوا ذات يوم فاذا الدنيا مظلمة واذا شمسهم المحبوبة غائبة00دهشوا00وتألموا أيضا00 واجتمعت القبيلة ولم يدروا ماالذي يمكنهم فعله؟00كان منظر النجوم البديع لايثير الا حزنهم00ونسيم الليل العليل لايحرك الا أساهم 00وقف الجميع وسط صراخ وحزن الأطفال يصلون من أجلها00ولكن الوقت مر بما يكفي أيام عديدة وليس يرون الا النجوم وسماء مظلمة00لم يتصوروا ابدا انهم سيفقدونها 00كانوا يخشون هجوم الشتاء وهي لم تعد بعد00في خيمة رجل فقير وقف طفله الصغير وهو يبكي ويصيح00أين شمسنا الحبيبة ياابي00لما لم تقل لنا انها راحلة00هلى اغضبناها ياابي ؟00وقال الأب في الم 00كلا يابني00ولكن لعل لها عذرا قاهرا00انا متأكد أنها ستعود 00ولكن الطفل لم يصدق ومضى مسرعا الى التل القريب وجلس يبكي00 ، صمتت سمر قليلا ثم قالت في مرح : البقية في العدد القادم 00
    لم تتوقع ماذا سيقول ابراهيم 00بينما كان هو فعلا في أشد الشوق لمعرفة بقية القصة00قال :
    -" شكرا يا شهرزاد00ولكنني فعلا متشوق جدا لمعرفة النهاية00لا تتصوري كم تعجبني هذه الأساطير 00الا يمكنك أن تكملي الآن حقا ؟00"
    كانت سمر سعيدة بانها تحدثت اليه دون خجل00المهم انها تحدثت00كانت تود ان تواصل ولكن تخشى ان يداهمها أحد00 قالت :
    =" نعم 00اخشى أن يأتي أبي في أي لحظة00"
    - أرجوك فقط اكملي لي الحكاية "
    كان فعلا يتمنى لو أنها أكملت 00كان يأمل أن يزل لسانها ولو مرة بما يساعده على معرفتها 00
    صمتت قليلا00 لم تتمالك نفسها من الاستجابة لرجاءه00 قالت :
    =" مرت شهور طويلة00واعتادت أعينهم الظلام 00ولكنهم لم ينسوها أبدا 00كانوا يتمنون لو يعرفون ماذا حدث لها؟00ذات ليلة أقبل نفس الطفل وهو يصيح00لقد رايتها00نعم لقد رايتها00انها تقول انها ستعود قريبا00أحاط به الجميع فرحين ولكنهم تفرقوا بنفس السرعة التي تجمعوا بها عندما قال والد الطفل أن طفله كان نائما ثم صحا فجأة وهو يردد ماسمعوه00لعله رأها في المنام00 كان برد الشتاء قاسيا هذه المرة وعانوا منه كثيرا00وعتبوا أكثر على شمسهم المحبوبة اذ لم يتصوروا أن تتخلى عنهم في هذا الظرف00 مرت سنين ولم تعد00حتى يئسوا من عودتها وأيقنوا أنها لو كانت تريد أن تعود لعادت00وحده ذلك الطفل كان متأكدا من عودتها00وصدق حدسه عندما أطلت ذات يوم 00كانوا غير مصدقين00وكانت فرحتهم لا توصف00ولكنهم في نفس الوقت كانوا غاضبين منها جدا00 لذلك قرروا الا يتحدثوا اليها00ولم ينتبهوا ولم تنتبه هي الى ان اعينهم لم تعد قادرة على النظر اليها00لذا ما ان ظهرت حتى أصيبوا جميعا بالعمى 00دهشت هي ولم تدرك ماحدث الا عندما اخبرها ذلك الطفل بكل شئ00تألمت كثيرا ولم يتمكن من رؤيتها وهي تذرف الدمع00سمعها تقول ان الأمر لم يكن بيدها وان ماحدث سطرته الأقدار، ولم يكن بيدها الخيار00ورغم أنه لم يكن يستطيع رؤيتها الا أنه قال لها أنه يحبها مهما حدث وانه كان ينتظرها دائما لأنه احبها وعلى من يحب ان يقبل عذر أحبابه 00متى ما أخطئوا أو متى ما اخلفوا عادتهم مع من أحبوا مادام الخطأ ليس منهم وحتى لو كان00 شكرته بحزن وصاحت : شكرا ولكنني سأرمي نفسي في ذلك البحر العميق0ساغوص في دياجيه 00فذلك هو جزائي العادل00مادمتم لن تسامحونني00أنا راحلة ولكن هذه المرة الى غير عودة00 جزع الصبي جزعا شديدا وهرع الى قومه وأخبرهم ماذا سيحدث00 كان يتنقل بين الخيام، ويلهث بين المراعي ، ويصيح وسط الزروع حتى سقط في ترعة النهر وهو ينادي الصيادين00لم ينتبهوا الا عندما سقط فهرعوا جميعا اليه00 قال لهم وهو محمول بين يدي والده أرجوكم سامحوها00فهي سترمي نفسها في البحر00ازرعوا الحب في نفوسكم00وامسحوا الحقد والضغينة من قلوبكم00 أرجوكم00
    ساد الصمت قليلا فيما هرعت الشمس الراحلة الى صديقها الصغير وهتفت : من أجلك أيها الصديق العزيز لن أرحل أبدا00ولن أفارق من أحببتهم 00 وتقول الأسطورة أن قومه عندما سمعوا ذلك خجلوا من أنفسهم وصاحوا 00نعم لقد سامحناها00سنبقى أحبابا أبدا00 عندها حدثت المعجزة وعادوا يبصرون من جديد 00كانت فرحتهم لاتوصف 00لولا أنهم فقدوا طفلهم المحبوب وخسرت الشمس صديقها المخلص00عندما أرداوا دفنه طلبت منهم أن يتركوها تذهب به الى عالم السعداء فوافقوا بعد أن وعدتهم أنهم ستعود وانه مادام الحب يجمع قلوبهم فانهم لن يفترقوا أبدا00وهذه المرة عادت من رحلتها بسرعة00وكانت تنقل لهم أخباره السعيدة دائما00وحكاياته كانت تقصها لأطفالهم كل يوم . 00انتهت الأسـطورة .. مارايك 00أنا اعجبتني كثيرأ 00
    -" نعم انها رائعة حقا00والأروع أن تحدثيني ولو قليلا عن نفسك."
    قالت سمر وقد أزمعت أمرا:
    =" حسنا 00اذا فقد اخترت النهاية بيننا بنفسك 00ستكون هذه أخر مكالمة بيننا فقد خالفت الشروط 00أتوافق ؟"
    اندفع صوته عبر الهاتف في جزع واضح:
    -" وهل أجرؤ00لايمكنك أن تفعلي بي هذا أبدا 00أرجوك "
    شعرت كم ملكت عليه نفسه 00وفي فترة وجيزة.
    ***

    عندما زارتها علياء لأول مرة أخبرتها بتطور الأمر وهي واثقة أنه كتم السر تماما00كان الدليل على ذلك حديث علياء الذي يدل على أنها تجهل أدنى التفاصيل 00قالت علياء وابتسامة تعلو محياها:
    -" يبدو أنك ملت اليه كثيرا 00على كل فالحب شئ رائع وان كنت لا أريده لك من هذه الطريق 00ولكن لا أستغرب فهو دائما يأتي من حيث لا نتوقع 00لكم هو عالم عذب جميل و000"
    قاطعتها سمر :
    =" وهل هذا وقته ؟00اسمعي 00ليكن مايكون ولكن الأمر على كل حال ليس للدرجة التي تتصورينها00اننا نعطي الأمر أكثر مما يستحق 00ثم ألم يخطر ببالك أنني غير جادة00أنها مزحة ؟"
    لم تشأ علياء أن توصيها بالحذر مرة أخرى فهي تشعر بانها قادرة على العناية بنفسها 00ولكن هناك شئ ما في عينيها لم تقله لها بعد00ستنتظر وترى مايحدث0

    في اليوم التالي كانت المفاجآة عندما صحت سمر من نومها إذ أيقظها فيصل وهو يصيح :
    -" انهضي ايتها الحمقاء الكسولة00لن تصدقي ماسيحدث اليوم00لقد أصيب أبي بالجنون حتما "
    نهضت غاضبة وهي تظنها مزحة سخيفة :
    =" فيصل 00اياك ان تكذب مرة أخرى00مللت مزاحك السخيف 00"
    قال فيصل وهو ويشدها من يدها :
    -" هيا 00انها الحقيقة اننا ذاهبون الى البحر 00ابي قرر اصطحابنا 00لاتفوتي الفرصة "
    كانت غير مصدقة حتى وصلوا الى هناك 00ورأت ذلك المنظر البديع 00لكم حلمت بزيارة البحر 00كان المنظر رائعا جدا00أذكرها أشياء كثيرة00الشموخ00الخلود00الجبروت 00صياح أشقائها على الشاطئ أضفى على جو الرحلة عبقا خاصا 00كانت بحاجة للإنطلاق والمرح00أرادت أن تترك الأمور على سجيتها في مثل هذه الأحوال00كانت تشعر أن ذلك هو الذي سيشعرها بروعة الرحلة00وقفت تلعب بالكرة مع أخيها وحيد مستترة بالخيمة00نظرت اليه وتأملته 00لازال صغيرا ولم يعرف من الحياة ماعرفت 00حيويته الفائقة 00نشاطه الطفولي الرائع 00قذفت الكرة اليه00اعادها بقوة 00ردتها اليه 00تجاوزته 00حاول اللحاق بها 00واصلت طريقها نحو الأمواج 00وهو لن يتركها00انتابها الفزع00لم تتردد 00ولم تبالي بمنظرها وهي تندفع خلفه 00لحقت به وأوقفته 00نظرت اليه والموج يتلاعب بشعرها الحريري بعد أن سقط شالها من اندفاع النسيم العذب00قالت له: =" احذر 00احذر ياوحيد00فالبحر اليوم مثل هؤلاء البشر 00الغدر سمتهم 00والكذب ديدنهم00"
    الكثير ممن كانوا يسبحون وقفوا ينظرون دون حياء00
    الا أن الروعة لم تعش طويلا ففي غمرة استمتاعهم يأتي والدها عجلا وينادي الجميع قائلاً :
    -" لابد أن نعود 00لدي موعد هام لابد من حضوره00"
    ورغم صيحات الاحتجاج الا أنهم عادوا00لم يستطيعوا أبدا الاعتراض00شعرت سمر بالآسى ولكنها رغم ذلك لم تشأ أن تستعطف والدها 00كانت تدرك أنه لن يتراجع00هكذا عهدته00 في المنزل عادت الى سريرها وقد استغرقها التفكير 00كل يوم تشعر بان أحزانها تتزايد ، مللها يتضاعف00بقيت في نفس الوضع لساعات دون أن يزعجها أحد00كادت أن تبكي في بعض الآحيان كلما تذكرت وضعها الذي تعيشه00أشرق وجهها فجآة عندما تذكرت جهاز الهاتف00لقد أصبحت تشعر أنه ينتزعها من عالمها كلما تسلل حديثه العذب الى أذنيها 00لن تجرؤ أن تتصل به الآن 00انهم جميعا مستيقظون 00 فجآة00 ودون مقدمات اقتحم سلطان غرفتها صائحا :
    -" أووف 00لم يبق الا هذا00لقد جاءت خالتي وأولادها00وذلك الثور السمين المتعجرف 00لكم أمقته.."
    شعرت سمر بدورها بالغيظ الشديد00الأخبار السيئة تنهال 00جال حينها ببالها منظر خالتها التي كانت على العكس تماما من أمها 00قوية الشخصية00عذبة الحديث ، وان كانت أقل جمالا 00وهناك ذلك المغرور الذي نعته سلطان بالثور السمين 00حسان00شاب في مقتبل العمر00هو ابن خالتها على كل حال 00 عهدته منذ الصغر شديد الغرور 0كان كبرياءه يحجب كل وسامته وثقافته وينفر كل المقربين منه 00وهم منذ انتقالهم الى العاصمة لا يأتون الا في الإجازات 00كان أكثر ما يغيظ سمر تصنعهم لهجة أبناء العاصمة وهم أصلا ليسوا من أهلها 00وهناك ابنتي الخالة "سمية" و"هند" اللتان تشبهان أخاهما كثيرا في أخلاقه ، وقد أصبحتا اليوم على وشك التخرج00لم تجد سمر بدا من أن تخرج مرحبة وما أن رأتها خالتها حتى قالت :
    -" ماشاء الله00تبارك الله 00ماهذا الجمال الرائع ياسمر لقد كبرت حقا وأصبحت عروسة00"
    ويبدو أن هذا الترحيب لم يرق كثيرا لسمية فارادت قطعه بقولها :
    -" سمر00تعالي اجلسي بجانبي 00لقد اشتقت اليك00"
    وفعلا جلست سمر بجانبها ومضتا تتحدثان عن وضع الاسرتين في حديث طغت فيه المجاملة 00فجآة قالت هند :
    -" سمر00 أمازلت في المرحلة الاعدادية ؟!"
    ران الصمت لوهلة ثم أردفت :
    _" يبدو أنك لاتحبين التغيير00"
    نظرت اليها سمر شزرا ونسيت واجب المجاملة اذ سارعت الىالقول في حدة :
    =" هذا ليس من شأنك00واذا كنت لا أحب التغيير فانت بحاجة لتغيير الكثير من أخلاقك00"
    ثم نهضت غاضبة وارادت مغادرة المكان لولا أن أمها قالت في حزم :
    -" سمر عودي الى مكانك00"
    استجابت سمر في حين أشارت لها خالتها باسمة أن تجلس بجانبها فلبت وهي تشعر بانها على وشك الانفجار 00قالت الخالة :
    -" سمر00ابنتي الحبيبة 00ما أحسب هند الا أغضبتك 00اعذريها فهي متوترة ودائما لاتجيد اختيار المناسب من الحديث و000"
    وقطع حديث الخالة صوت الباب وهو يفتح ويطل من خلفه حسان الذي توقف فجآة بعد أن لحظ وجود سمر التي ما أن رأته حتى أغضت ببصرها في حين قال هو في خجل :

    -" سمر كيف حالك؟00لم أكن أعرف أنك هنا00"
    همست سمر :
    =" شكرا00بخير00مرحبا بكم "
    أما هو فشعر بالحرج فقال وهو يفتح الباب من جديد:
    -" أمي00كنت بحاجة للحديث اليك 00ساعود مرة أخرى "
    ثم غادر المكان في حين تسللت البسمة الى شفتي أمه وقد أدركت ماتركه منظر سمر في عيني ابنها في الوقت الذي همست فيه هند في اذن شقيقتها :
    -" يبدو أن أخاك ضعيف المقاومة جدا00هل رايت كيف احمر وجهه00ولم يستطع أن يرفع عينيه عنها حتى خرج ؟!"
    ثم التفتت الخالة الى ابنتيها قائلة :
    -" يابنات 00هل سننتظر أكثر لترى سمر ما الهدية التي أحضرناها لها ؟0

    لم تصدق سمر أن بقية ذلك اليوم مضت في تثاقل00ورحل أبناء الخالة بعد العاشرة ليلا 00وقفت سمر ترقبهم وقد أسندت مرفقها الى عتبة النافذة فلمحت حسان وهو يهم بركوب السيارة يحدق فيها 00فحولت نظرها الى هند وسمية وهما يتحدثتان مع أشقائها 00كان نظرة الغرور واضحة00ابتسمت سمر في سخرية في نفس الوقت الذي شعرت فيه بحركة بجانبها فالتفتت فاذا حسان يقف بجانبها00وقبل أن تقرر ماذا ستفعل سمعته يقول في حنان :
    -" سمر00المعذرة 00كنت أود أن أقول 000"
    قاطعته بحدة:
    =" الا تخجل من نفسك ؟ آهذه هي حصيلة تربيتك الرفيعة00"
    قال بهدوء:
    -" قولي ماتشائين00لم أكن أتصورك ستصبحين بهذه الروعة "
    فقالت وهي تحدجه بعينين يذيبان الصخر :
    =" صحيح قليل الأدب 00وما تستحي على وجهك "
    ثم تركته ومضت الى غرفتها في حين وقف يرقبها في حنق00وتمتم :
    -" سنلتقي يوما ياسمر00وساجعلك تدفعين ثمت تصرفك هذا00سنلتقي0؟


    * * *


    - الفصل الخامس-
    سيطر الهاتف على حياة سمر بقوة وليلتها سهرت معه حتى الصباح ولما قالت مودعة:
    =" يبدو أنك لا تسأم 00ولاتعرف الكلل "
    -" نعم 00فقط معك أنت "
    =" ولكن ألا تعرف المثل00(ابعد حبة000) "
    -" لست آمن الدهر حتى أبعد لفترة 00من يضمن لي أن تعود الفرصة مرة أخرى00لم أصدق أبدا أنني سأجد لنفسي بلسما ككلامك العذب ولا من أبثه همومي كصدرك الرحب00"
    =" أتعني أنك أصبحت شغوفا بي لهذه الدرجة ؟"
    -" والى أبعد مما تتصورين "
    =" أتملك برهانا ؟"
    -" أقسم على ذلك 00فلم يعد لي من حلم أرجوه ، ولا أمنية أبتغيها الا000"
    بتر عبارته فجآة فقالت:
    =" أكمل ياجبان "
    -" شريطة ألا تغضبي "
    =" حسنا قل ولن أغضب "
    -" أن أراك00نعم أن أراك ولو لمرة واحدة في عمري "
    صمتت لوهلة وهي تشعر بصدق مايقول 00ثم أزمعت أمرا 00قالت:
    =" هكذا أذن 00أنت الآن تخالف الاتفاق مرة أخرى 00وتضع نهاية محزنة لكل مابيننا00وداعا"
    00وأقفلت السماعة00لوهلة لم تصدق أنها أغلقت الخط فعلا00كيف فعلتها!! شعرت بانها فعلت شيئا لم تكن تريده أبدا00لابد أن تصلح الخطأ 00لاشك أنه الآن يشعر بالغضب 00ولكن الا يعني هذا أنها هي نفسها مولعة به 00ماذا لو غضب منها وقاطعها00 أزعجها هذا الخاطر بقوة وكشف لها دخيلة نفسها00ستعتذر له رغم أنها لم تعتذر له قبلا ولا فكرت في ذلك أبداً00لم تعد تستطيع أن تنكر 00قررت أن تعتذر ليس لأنها فعلا أخطأت00 ولكن لأنها فعلا لا تريد أن تفقده00نعم تشعر بحقيقة ذلك00كان قد مضى على اقفالها الخط حوالي عشر دقائق 00وما أن ضربت الرقم حتى رفعه بسرعة لم تتوقعها00قال:
    -" ما أقسى قلبك00لكم احساسك بارد !0

  12. #12
    تاريخ التسجيل : Sep 2005
    رقم العضوية : 4432



    شعرت بسعادة غامرة لوجوده مرة أخرى00وضحكت بملء فيها وهي تقول:
    =" هييه00سأقفل السماعة مرة أخرى اذا لم تبلع لسانك "
    أدهشها أنه سارع الى القول :
    -" لا00لا--حنانيك سيدتي 00عفوك00ولكن ألا تدركين ماذا فعلت بي ؟أقسم أنني كدت أجن 00لو تأخرت أكثر لفعلت مالا تحمد عقباه00ولو كنت أعرف أين أنت لأتيت اليك ولو كنت في آخر الدنيا00"
    ضحكت مرة أخرى وهو تقول :
    =" يالك من مراهق 00يبدو أنني لست المجنونة الوحيدة00"
    -" نعم مجنون 00لكن بك00أرجوك لا تكرري هذا الفعلة الشنعاء مرة أخرى00وأنا بدوري لن أخالف النظام00"
    صمتت سمر قليلا وهي تشعر بتأثر بالغ من حديثه00كان كل شئ يدل على أنه وصل لدرجة لم يعد الانسحاب فيها ممكناً00قالت في تأثر:
    =" آسفة حقا لما سببته لك 00ولكني فعلا قررت أن أحدثك عما تمنيته أنت دائما00فقط عدني بان يبقى الأمر سرا 00ان شئت ان نبقى معا00 "
    أدرك من حديثها أنها فعلا قررت أن تصارحه بكل شئ عن نفسها00فقال في لهجة صادقة :
    -" أعدك00لن تندمي أبدا00"
    بقيت صامتة لدقائق لم يقاطعها فيها00كان يدرك أنها تحاول تخطي أخر عقبة00 أخيرا همست:
    =" أنا أعرف أننا نسلك طريقا خاطئا 00ولكن من حقك أن تعرف عني أشياء تجهلها وهي بالنسبة لك في غاية الأهمية00وقبل أن تقول أي شئ أريد أن أخبرك أنني أعرف عنك الكثير 00أقلها أن أسمك00ابراهيم00وأبوك اسمه علي حسن وهو تاجر مشهور ولك أخت اسمها علياء 00هي زميلتي في المدرسة وهي طبعا مصدر معلوماتي00أنا سمر00"
    صعق ابراهيم من المفاجآة وقال متلعثما :
    -" ماذا00لا أصدق "
    =" بل صدق00أنا سمر 00أنا من أعطاك أحد أصدقائك رقم هاتفها لتستخدمه لتلك الأغراض 00أنا التي منعتك شقيقتك من محاولة الوصول اليها بذلك الأسلوب الرخيص00لأن صاحبة الرقم هي صديقتها00انها لاتعلم باي شئ وكل ما أرجوه هو ألا تعلم باي شئ مطلقا00هل يكفي هذا ؟"
    لم يستطع ابراهيم أن يجيب من شدة دهشته00لوهلة 00ثم قال :
    -" أنت سمر؟00لاشك أنك تمزحين 00و000"
    قاطعته :
    =" أرجوك دعني أكمل00أقسم أنني لم أشأ ولم أتعمد أن أعبث بك 00ولا الإساءة اليك00ولكن في تلك الليلة ضربت الرقم دون أي هدف محدد00نعم كنت أعبث ، ولكن عندما رددت أنت لم أشأ أن أفعل بك مثلهم 00أحترمتك كثيرا ولا أدري لماذا انجذبت اليك 00والأن وقد حدث ماحدث وعرفت كل شئ فلك الحرية أن تقرر مصير ما بدأته أنا 00وقبل أن تصدر حكمك لابد أن تعرف شيئا أحسبه مهما وهو أنك أصبحت بالنسبة لي شيئا لايمكن الاستغناء عنه 00لازلت أذكر بكل الامتنان أنك ماحاولت أن تخبر علياء بشئ ولو أنك حكيت لها بعض تصرفاتي لعرفتني 00فليكن سرنا لنا فقط00هذا اذا قررت00"
    صمت ابراهيم مفكرا 00ثم قال :
    -" رغم أنك أخفيت عني أشياء كثيرة وأنت تدركين مقدار حيرتي 00ولم تشعرينني طوال الفترة الماضية أنني أعني لك شيئا ذا قيمة00رغم كل ذلك وحتى لولم تقولي شيئا فانا بدوري لايمكن لي الاستغناء عنك أبدا00لأنني باختصار لا أقوى على ذلك 00صدقيني أشعر بأنني سعيد الحظ فعلا00أظنك عرفت الحكم وهو أصلا بيدك00"
    قالت سمر وهي تشعر بانها لم تفقد التأثر الذي تشعر به :
    =" ألم تقل بانك تريد أن تراني ؟"
    لم يرد ابراهيم 00كان يخشى أنها تستدرجه مرة أخرى ليخالف ماعاهدها على عدم المساس به00 وأدركت ذلك فضحكت وقالت :
    =" لا تخف 00أنا أيضا أتمنى ذلك00 ثم لتنس من الآن فذلك الاتفاق لم يعد له وجود00"
    قال بلهفة :
    -" وهل هناك سبيل الى ذلك ؟"
    فكرت قليلا ثم قالت :
    =" ربما00غدا في العاشرة مساءا سأقف في النافذة لبضع دقائق00ولكن احذر00"
    -" سافعل بالتأكيد00"
    قالت ضاحكة :
    =" ولكن تأكذ اذا لم يعجبني شكلك فستكون النهاية مؤسفة 00أقله ألا يكون شكلك كتلك الساحرة علياء00 أرجو الا تخبرها فانا أمزح على كل حال"
    استغرق ابراهيم في الضحك ثم قال:
    -" لا 00أطمئني 00"
    =" حسنا الى الغد 00وداعا00"
    - " وداعا00أرجو ألا تنس شيئا00"
    عندما أقفلت السماعة كانت مدهوشة من نفسها 00من جراءتها00لاتـــدري ماذا 00ولماذا تفعل هذه الأشياء ؟!!00
    لم تلحظ أثناء تفكيرها دخول والدها الا عندما سمعته يقول :
    -" ماشاء الله 00بمن كنت تتصلين ؟00"
    لم تجد ماترد به 00فبدأ له أنها كانت تعبث 00صرخت بقوة عندما جرها من شعرها ثم دفعها نحو الخارج في قسوة وهو يقول :
    -" اياك أن تدخلي هذه الغرفة مرة أخرى00"
    ثم فصل جهاز الهاتف وحمله معه00 ولم يلمحها تقف عند باب غرفتها وهي تقول في سخرية :
    =" لن تستطيع أبدا أن تجبرني على ما لا أريده00"

    في اليوم التالي بقيت سمر طوال النهار تفكر فيما فعلته 00كان القلق يعتصرها غالب الوقت 00هل ستنتنظره أم لا؟00ولكن كأنما سايرها القدر فسارت الأمور على ما ارادت 00كانت تريد رؤيته 00ولقد حدث00كان حقا وسيما ، متوسط الطول ، حسن الطلعة00ولكن ما أن أغلقت النافذة والتفتت خلفها حتى شعرت بانها على وشك أن تتصبب عرقا إذ رأت أخاها عبد الرحمن واقفا ينظر اليها 00ياللمصيبة لقد كان نائما فمتى استيقظ؟00في حين قال هو في خبث:
    -" أرى وقوفك طال عند النافذة00حتما ساخبر أبي كم هو الهواء عليل هذه الليلة؟"
    فقالت ساخرة :
    =" ولاتنس أن تقول له أن تهوئة الغرفة ليس أمرا محرماً "
    فقال وهو ينظر من النافذة :
    -" بل سأخبره بصاحب السيارة الأنيقة 00ان ذوقك رائع ياأختاه "
    همت بان تصفعه 00ولكنها الآن بحاجة الى مهادنته00قالت :
    =" افعل ماتشاء ولكن حتما أنت الخسران 00"
    -" وكيف ذلك ؟"
    دفعته عن النافذة ثم أشارت منها الى غرفة حديثة البناء على الجانب الثاني من الشارع وقالت هازئة:
    =" صاحبة هذه الغرفة ستعود غدا من جدة مع أسرتها00هل نسيتها ياترى؟"
    أدرك عبد الرحمن ماتعنيه بسرعة 00وتذكر أن أخته هي الوحيدة التي توصل رسائله الى الحبيبة المسافرة00 فكر قليلا ثم قال :
    -" يمكننا أن نتفق 00أليس كذلك00أنا لم أر شيئا ، وأنت ستؤدين المطلوب منك كما يجب 00اتفقنا "
    وفيما أشارت برأسها موافقة غادر هو الغرفة واجما00لقد لعبت بالورقة الرابحة هذه المرة00


    استمرت سمر تحادث ابراهيم سرا كلما غاب والدها بعد أن أكتشفت المخبأ الجديد لجهاز الهاتف00أصبحت تشعر أن حديثه يزودها بالكثير مما تحتاجه لتواصل حياتها00لهذه الدرجة00كانت أحيانا تتصل بعلياء وتتمنى أن يرد هو00ولكن لم يكن ينتظرها الا في موعدهما المحدد00لشدة رغبتها في التواصل معه كانت تشعر أحيانا بانها على وشك بان تقوم بعمل مجنون 00بدأ لها خاطر ظنته هو الحل الأمثل00ترددت كثيرا00وفكرت أكثر00بعدها بايام اتصلت به 00كان صوتها خافتا خلاف المعتاد00استـشعر أنها حزينة لسبب ما00 قالت:
    =" أتدرك أنك تحبيني فعلا ؟"
    -" وأقسم على ذلك "
    =" ألا ترى انه من الغباء أن تدعي الحب وأنت لم تعرفني الا من خلال هذا الجهاز ؟
    -" لن تصدقي أبدا ما أشعر به 00ولكني حقا أعني ما أقول "
    =" أترى أنك لا تستطيع الاستغناء عني 00كما تردد دائما ؟"
    -" وأقسم على هذا أيضا"
    =" وتتمنى الا نحرم من بعضنا ؟"
    -" نعم "
    =" اذا لماذالا تختصر الطريق الىّ ؟"
    -" وكيف ذلك بالله عليك "
    =" أن نسلك الطريق الطبيعي في مثل هذه الأشياء00ولكن ذلك يعني أن تصطحب والدك معك لمقابلة أبي 00ربما ستدرك الآن حقيقة شعورك "
    -" ولكن000"
    صمت قليلا فيما بدأت تحس انها تشعر بالآسى ثم قالت بصوت واهن :
    =" أرجوك لا توجع قلبي أكثر ممافيه فما عاد يحتمل 00كنت أدرك أنه من السخف أن أعتقد أن علاقة محورها بعض الاتصالات الهاتفية ستنتهي الى علاقة أبدية00لكم كنت سخيفة00يمكنك أن تختار اما أن نكون او لانكون00وداعا "
    أقفلت السماعة ومازال هو صامتا 00شعرت هي أنها قست عليه كثيرا 00فليس من السهل اتخاذ قرار قد يمتد بامتداد الحياة على ضوء علاقة قصيرة كهذه 00ولكنها تحبه أو هكذا تشعر00 وهو يقسم أنه يبادلها ذلك 00انها على الأقل أحرص منه على اختصار الطريق اليه00ثم انه لا ينقصه شئ 00والده ميسور الحال 00وهو طالب يشق طريقه بنجاح ومستقبله مضمون 00واذا كان صادقا فلن يرفض أسهل الطرق 00
    مضت أيام لم تتصل به ورفضت حتى أن ترد عليه عندما تجرأ واتصل بهــامرة 00كانت تريد أن تراه في منزلها لا أن تسمعه00 في الليلة الرابعة كانت جالسة في الردهة ترقب هلالا وليدا 00كانت تفكر فيما فعلت00احتقرت نفسها عندما بدأ لها كما لو كانت عرضت نفسها في السوق00ثار كبريائها قليلا00ولكنها فعلا لا تريد أن تفقده00تشعر أن رغبتها في الخروج من واقعها باي شكل هي وراء الأمر كله00ماذا لو فكر أنها انما تفكر في كونه ابن تاجر وليس حبيبا مخلصا00حيرة كبيرة تجتاحها00شئ ما في داخلها يؤنبها على مافعلت00ظنت نفسها واهمة عندما تسلل الى أذنيها رنين جرس الهاتف00نهضت مسرعة 00دون شعور التقطت السماعة :
    =" الو 00نعم "
    جاءها صوت غريب :
    -" مساء الخيرو000"
    اقفلت الخط في عنف 00عادت الى الردهة وهي تسمع الهاتف يعاود الرنين00ذهبت الى غرفتها وتناولت البوم صور قديم00انتزعت بعض صورها القديمة00عادت الى الردهة 00هذه صورتها وعمرها اربع سنوات00انها جميلة منذ الصغر 00وهذا والدها ايام كان موظفا في الجيش00 حدقت في صورة امها وهتفت 00أمي ما اروعك00 كانت الصورة لأمها وعمرها في العشرينات00عاود الهاتف الرنين00لم تملك نفسها من أن تهتف 00يارب يكون هو00 رفعت السماعة:
    =" نعم 00"
    -" فيصل موجود ؟"
    = انه نائم "
    -" وسلطان ؟"
    =" جميعهم نائمون ؟"
    -" وأنت 00لما لم تنامي حتى الآن ؟
    شعرت بالقرف وقالت :
    =" لاتتصل مرة أخرى يا ابن000"
    وأقفلت الخط في عنف 00وزفرت في عنف وهي تتمتم 00وأنت أيضا ياابراهيم 00كانت محبطة جدا00
    00عادت تتطالع صورها00هذه اول صورة لوحيد بعد ولادته باسبوع واحد فقط00ياالهي الهاتف يعاود الرنين00كان الأمل في أن يكون هو يدفعها لتذهب مرة أخرى 00رفعت السماعة :
    = نعم 00من ؟ "
    -" سمر 00مساء الخير00توقعت ان اجدك مستيقظة ؟
    ورغم شعور سمر بخيبة الآمل الا أنها تمالكت نفسها وهتفت :
    =" علياء 00يالها من مفاجآة ســـــــعيدة "؟
    -" سمر00اشتقت اليك كثيرا00هاه حدثيني عن احوالك ؟
    كانت سمر تشعر بعدم الرغبة في الحديث مطلقا00ضغطت الى نفسها وقالت:
    =" بخير حال ايتها الحبيبة 00لا جديد 00كنت ساقفل الخط في وجهك "‎"
    -" ولماذا بحق الله ؟
    = في الحقيقة قبل ان تتصلي اتصل بعض الأشقياء وازعجونني00وعندما رفعت السماعة الآن ظننته أحدهم وكنت اوشك على رمي الجهاز من النافذة00"
    ضحكت علياء وهي تقول :
    -" لكم التمس لهم الأعذار 00انهم جديرون بالعطف "
    ورغم روح المرح الا ان علياء شعرت بان صديقتها ليس على مايرام فهي لم تضحك حتى 00
    -" سمر 00هل هناك شئ ؟00آسفة اذا كنت اتصلت في وقت غير مناسب ؟
    =" لا عليك 00فقط كنت مرهقة جدا 00كما انني لست على وفاق مع ابي 00ساحدثك عن الموضوع لاحقا 00ارجوك ان تعذرينني 00"
    -" لاباس 00تذكري ان الحزن ليس علاجا للمشاكل00ساتصل بك لاحقا00وداعا"
    =" تصبحين على خير "
    شعرت سمر بانها فعلا لا تشعربالرغبة للتحدث الى أحد حتى لو كانت علياء00
    00بقيت تراقب ذلك الهلال حتى رحل 00ثم نهضت الى سريرها وهي تشعر بانها لن تسامحه00لن تسامحه ابدا0

    مع تأخر ابراهيم في اتخاذ القرار الحاسم ساءت نفسية سمر لدرجة كبيرة ، وضجت أوقاتها بالمشاكل مع اشقائها حتى حول اتفه الأمور اذ أصبحت لا تحتمل أدنى اخطائهم وكثيرا ما داهمتها نوبات الربو أثناء ذلك فتكاد تقضي عليها ، وكان والدها شديد الحزم كالعادة وخاصة عندما تخطئ هي فكانت ترى أنه يكفيه سبب واحد لتنال حصة جيدة من العقاب 00كان أكثر ما يحمله عليها أنها تتهرب من مساعدة أمها في اعمال البيت 00بدا النحول ينال من جسمها 00كانت تشعر ان الهم يكاد يقتلها00لم يحاول أن يتصل بها ولو مرة واحدة00ورغم أنه مر أسبوعان لم تسمع فيها صوته الا أنها عدت ذلك دهرا وأصبحت تظن أنه فشل في الامتحان الذي وضعته فيه وان كانت تشعر احيانا انها تبالغ كثيرا في احساسها نحوه وانه لا يستحق أن تآسى عليه لهذه الدرة مادام قد خــــــذلــــــــها 00لعله مثلهم 00مثلهم تماما00 ذات ليلة وفي وقت متــــــــأخر قــــــــررت أن تتصــــــــــل به مهما حدث00رغم أنها شــــعرت ان كرامتها ترفض ذلك 00 وما أن اقتربت من جهاز الهاتف حتى أخذ في الرنين00 رفعت السماعة وخفق قلبها في قوة وهي تقول :
    =" نعم 00من تريد "
    - سمر 00ايتها الحبيبة00هذا انا ابراهيم00"
    شعرت بسعادة غامرة 00حتى انها لم تستطع ان ترد لوهلة00ثم قالت:
    =" مرحبا00ياقاسي القلب00ايها المتحجر الشعور00"
    شعر ابراهيم كم هي غاضبة00ادرك ان لها الحق فيما تفعل 00
    -" سمر 00اعرف كما سببت لك من الأذى خلال الفترة الماضية00ولكن التمس منك العذر00انت لاتعرفين كم بذلت من الجهد لـ000"
    = " ياسلام00كم بذلت من الجهد؟00لم تتصل ولو مرة واحدة 00لما لم تقل لي أنك تحاول00تركتني لهواجسي 00 كادت تحطمني00كادت تقتلني00"
    -" اقسم لك انني لم اتعمد هذا 00ولكن كنت لا اريد محادثتك وانا لم اطلع باي نتيجة بعد00كنت اعرف انني ربما فقدتك عندها00"
    زفرت سمر ثم قالت في توجس :
    =" وهل يمكن ان تقول لي مالذي حققته ايها المغوار ؟"
    صمت قليلا قبل أن يقول :
    -" سمر أنت نفسك00قلت انه ليس من السهل ان يتم هذا الأمر 00انني في طريقي لإنجازه00تعرفين ان اقناع والدي بهذا الأمر يحتاج الى وقت و000"
    قاطعته بغضب :
    =" لا داعي لما تفعله 00اعرف انك صارحته ولكنه رفض00انت تعرف سبب الرفض 00مابيننا وبينكم جدُّ شاسع 00لعله قال ليسوا من ثوينا00اليس كذلك ؟؟"
    حاولت أن تقفل الخط رغم الصراع في داخلها 00في داخلها ترفض تركه00قال بسرعة وهو يدرك ماتزمع القيام به :
    -" ارجوك لاتستعجلي الحكم 00ستجدين رسالة في نفس المكان و000"
    اقفلت الخط اذ شعرت انها لم تعد تحتمل المزيد 00آلمها كثيرا انه لم يفعل شيئا بعد00
    وتذكرت المكان00كانا قد اتفقا على حفرة صغيرة في جدار منزلها يضعان فيه الرسائل لبعضهما00قاومت كثيرا لكي لا تذهب الى ذلك المكان00ولكنها في اليوم التالي رضخت فلم تستطع أن تصبر أكثر 00أدركت كم هي آملة في أن ينجح00وجدت الرسالة 00فردتها فاذا فيها:
    " أيتها الحبيبة 00لك كل العذر أن تغضبي00ولي أن ألهج بكل معاني الآسف لأحظى برضاك00أعرف انني كنت طوال حياتي عديم الحظ ، قليل التوفيق، الا يوما00 يوما واحدا فقط00هو ذلك اليوم الذي سمعت فيك صوتك ، وكحلت فيــه عيناي برؤيتك 00فرفقا في الحكم علي 00لو كنت ممن تجردوا من الوفاء ، ونبذوا العهود لتخليت عنك منذ طلبت الىّ اختصار الطريق00ولو كان الأمر مجرد لهو لرضيت منك قفل السماعة وليكن مايكون وأبحث عن غيرك00ولكنني أشعر أنني لفراقك لا أستطيع ، ولبعدك لا أحتمل00ولسوف أثبت لك غدا ، أو بعد غد أنني أبعد الناس عما تظنين ، وأقربهم الى ما تاملين00فهبيني وقتا وصبرا بمقدار مايسمح وفائك ، وصدق مشاعرك نحوي00
    ابراهيم
    11صفر 1402هـ"

    شعرت سمر لما أنهت سطوره أن كل كلمة من كلماته تتغلغل في داخلها ، وكل سطر ينقش في داخلها00أدركت كم تحبه وتتمناه00فكرت كثيرا بماذا ترد عليه ؟00بسطت ورقتها وسطرت اليه :
    " اليك أيها الضعيف00ان كلماتك وأسلوبك رائعين 00ولكنهما افتقدا لأهم شئ00وهو المصداقية00لقد أظهرت نفسك كرجل شريف يخشى على سمعته ، ويخاف السنة الناس ، ولم تفكر لحظة في فتاة غريرة يائسة استدرجتها بمعسول كلامك ، وعذوبة لسانك 00لست آسف إلاّ على الأيام التي عشتها وأنا أفكر فيك 00ولست أبكي إلاّ على اللحظات التي قضيتها وأنا أمنح من لايستحق خلاصة قلبي المسكين وفكري البائس00فقط تذكر شيئا واحدا 00أنني لا أريد منك شيئا لأنك ماكنت يوما على قدر كلامك ولا تمتلك الشخصية التي تجعلك أقدر على الوفاء بوعودك 00ان لأشكر ربي كثيرا اذ أنقذني قبل فوات الآوان 00وداعاً "
    ضحيتك البائسة"

    عندما وضعت القلم أدركت كم هي قاسية في كلماتها ولكم ستؤثر فيه00ولكنها على كل حال ترى أن هذه القسوة اما أن تدفعه بقوة نحوها أوبعيدا عنها 00وفي كلا الحالتين ترى خلاصها00لكم تكره الخيار الثاني0

    خلال اليومين اللذين تليا ذلك لم تستطع سمر أن تتخلص من هواجسها00كثيرا ما شعرت بالندم 00ولكنها لم تشعر بمثل هذا الندم من قبل00لماذا كتبت له تلك السطور القاسية؟00كانت مشغولة التفكير حينما اصطدمت بها كرة وحيد00استقبلته بين ذراعيها عندما جاء ليلحق بكرته 00وخلفه جاء سلطان مسرعا00وحاول اختطاف الكرة من يد وحيد ولكن سمر دفعته عنه فسقط وتعالى صراخه بشكل مزعج في حين سمعت والدها يصيح من الداخل ( الا استطيع النوم في هذا البيت00الله لا يبارك فيكم00)00

  13. #13
    تاريخ التسجيل : Sep 2005
    رقم العضوية : 4432



    وحيد بترك الكرة لسلطان وفيما استغرب الأخير موقفها تركته وسحبت وحيد معها الى المطبخ وهت تقول:
    =" تعال لنساعد أمك في المطبخ "
    ولكن ما أن بدأت تساعد أمه فعلا حتى كان والدها واقفا في باب المطبخ قائلا:
    -" ماشاء الله يازينب00لقد أصبحت عجوزا 00متى سنأكل؟"
    تطلعت سمر الى أمها وهي ترد قائلة:
    -" بعد قليل ان شاء الله 00لقد كنت متعبة اليوم ولم استطع الطبخ مبكرة00"
    حول الأب بصره الى سمر وقال :
    -" ولماذا لم تقم هذه الخاملة بدلا منك ؟00فكل ماتستطيع فعله هو مجاراة الأولاد في اللعب00"
    شعرت سمر بالغيظ فقالت:
    =" ابي00أرجوك لاداعي لتحقيري00انها لم تطلب مني ذلك "
    -" اخرسي يابنت00عندما اتكلم اياك ان تفتحي فمك00"
    لم تتمالك سمر من نفسها من القول :
    =" لماذا تكرهني ؟ ماذا فعلت لك ؟00يمكنك ان ترميني في الشارع اذا كنت لا ترغب في وجودي هنا00؟
    علت الدهشة وجه والدها ثم قال في حزم :
    -" أكرهك لماذا ؟ 00ولماذا أحبك أصلا ؟00لكسلك ؟ أم لتهاونك؟00أم لقلة أدبك؟ أم للفضائح التي تلحقينها بي ؟و000"
    قاطعته الام :
    -" حسين 00ماهذا الكلام القبيح ؟00ارجوك اخرج من هنا 00اخرج 00"
    شعرت سمر بكلماتها تتوقف في منتصف حلقها فاستندت الى جدار المطبخ وعيناها تترقرق بالدموع 00فيما استجاب والدها لنداء زوجته وغادر المكان00التفتت الأم الى ابنتها الباكية واحتضنتها وهي تقول مهدئة:
    -" لا عليك ياابنتي 00فوالدك قاس الطبع منذ عرفته00لقد نلت منه الكثير رغم عشرتنا الطويلة 00حتى ماعدت أشعر بالفرح من الحزن00هوني عليك ياسمر00"
    تحاملت سمر على نفسها وقالت :
    =" ولكن يا أمي ماذا فعلت له؟00انه لا يعاملني كبقية اشقائي00"
    _ ان والدك يحبك ولكنه لا يقبل ابدا أن تردي على كلامه00ان ذلك يجعله شديد العناد00"
    سحبت سمر نفسها وخرجت الى غرفتها 00اقترب منها وحيد00قائلا:
    -" سمر تعالي لنلعب "
    مسحت على رأسه وقالت :
    = ارجوك اتركني لوحدي قليلا فانا متعبة واريد ان انام00كانت تلك اول مرة تطلب من وحيد ان يبتعد عنها00تالمت اذ ذكرت ذلك00ولكنها كانت تريد الانفراد بنفسها00فتحت درجها وأخرجت مذكرتها 00بحثت عن ورقة جديدة فيها 00كانت تريد ات تكتب00فالكتابة تريحها00 سطرت:
    (" صديقتي العزيزة علياء00لست في حاجة الى القول بأنني أفتقدك كثيرا هنا حيث لا سلوى ولاعزاء ، هنا حيث تثور عليك الأحزان ، وتسلّ عليك النوائب سيفا كانه القضاء المحكم فلا معينا تجد ولا صديقا تشكو 00لقد قسوت عليه كثيرا لما حاولت اجباره على أن يفعلها 00لكم آسفت لما قوبل به 00واليوم منذ بدايته اختصمنا أنا وأبي 00هو دائم التحقير لي 00أشعر في كثير من الأحيان أنني لست ابنته وانما أنا لقيطة تبناها رغبة في الثواب00") 00قطعت رسالتها اذ سمعت جلبة في الخارج00نهضت وتطلعت من النافذة 00لم تصدق مارأته عيناها00فركتهما بقوة 00وعادت تنظر00أمر لا يصدق 00لقد فعلها 00ذلك الرجل الأشيب الوقور لاشك أنه والده00 استلقت على سريرها غير عابئة بالورقة التي سقطت على الأرض وهي تشعر بسعادة غامرة.
    غي أن ماحدث خلا ل الساعة التي تلت ذلك جعلها تشعر بالاحباط الشديد00عادت الى ورقتها وازالت ماعلق بها من تراب 00ثم بسطتها من جديد وأكملت :
    ( " آتصدقين00لقد فعلها00لعلك لا تدرين بشئ حتى الآن 00جاء وأثبت أنه الأكثر اخلاصاً00كم كان رائعا ومعه والده00وقور00أشيب00كما تصفينه دائماً00أنا لم أخبرك بعد أنني أرسلت له رسالة أظهرت له فيها كم هو جبان00وكم هو محب لنفسه00وهاهو الآن يبرهن على صدقه00ووفاءه00لقد جاء وليته لم يفعل 00لقد وقف ابي بكل عنجهية 00بعد أن رحب بهما بطريقة تشعر بان كل شئ سيسير على مايرام00وقف في طريق ســـعادتي00قال لهما من سئ القول ماكان يجدر به أن يسكت لأنهما على الأقل في بيته 00لقد اتهمهما بانهما أظهرا لي سمعة كنت في غنى عنها وأن الطريق التي سلكها ولده هي غاية في الخسة00ثم أن البنت على حد قوله لابد أن تكمل دراستها00منذ متى وأبي يهتم بدراستي00ومستقبلي؟!! خرجا وفي نفسي حسرة ولوعة لا استطيع وصفهما00ورايت وأنا أرقبه خارجا حزنه الشديد ورايت والده يميل عليه هامسا ، وما أحسبه يقول له الا ( هذا ماجنيناه منك ومن سوء اختيارك) 00فواحسرتاه على نفسي وحظي00ولم ينتهي الأمر عند هذا الحد فقد جاء أبي وعيناه يتطاير منهما الشرر وقال مزمجرا :-" منذ متى وأنت تعرفيه أيتها الدنئية "
    نعم قال أنني دنيئة00 بل لقد أضاف :
    -" لم أصدق ما سمعت الناس يرددونه في المجالس ، ويلّمحون به أمامي ويغمزونني به وكأنهم يقولون أن لإبنتك كذا وكذا00كنت أعلل نفسي بكذبهم 00وماجاء هذا الشقي الذي لا أعرفه ولا يعرفه أحد هنا الا بتشجيعك ورغبتك00الا تخجلين من نفسك00ولكن الخطأ خطئ أنا00"
    وكعادته جعل من ليلتي ليلة سوداء ونلت منه ماجعلني أشك في أدميته00آه ايتها الصديقة العزيزة أشك أنني ساحتمل المزيد00ولربما صنعت في نفسي مايريد ابي أن يدفعني اليه وليكن مايكون و000"
    ولم تستطع ان تكمل اذ انخرطت في بكاء مرير خلط دموعها بحروفها00
    ***

    ظلت سمر أياماً طوالاً تعاني مما حدث لها حتى يئست مما كانت ترجوه في حياتها وباتت روح التشاؤم تغلف حياتها حتى استبد بها الضعف والهزال بشكل مخيف00وزادت بها نوبات الربو مما أجبر والدها على أخذها الى الطبيب الذي دهش من تردي حالتها وأوصى بتنويمها فورا وعندما حاول منها أن يعرف سبب ماحدث لها لم يجد منها الا الشرود ولم ير في عينيها الا آمالاً محطمة00ولما عرف من أمها الظروف التي مرت بها مؤخراً أدرك أنها تعاني من صدمة نفسية شديدة الوطأة 00أدت الى تلك الى الحالة التي هي عليها الآن 00وعندما زارتها أمها وأشقائها شعرت بانها لا ترغب في التحدث اليهم خاصة وأن وحيد لم يأتي معهم 00سألت نفسها :
    =" وما ذنبهم ياسمر؟ "
    غالبت نفسها ونظرت الى أمها وهمست :
    =" لاتقلقي يا أمي فأنا بخير 00"
    ورغم محاولتهم رفع روحها المعنوية الا أن نجاح ذلك كان معدوماً تقريباً 00قال لهم الطبيب مطمئناً:
    -" أرجوكم حاولوا بث الفرح في نفسها بكل الوسائل00تعرضت لصدمة نفسية قوية جددت مرضها العضوي 00ستشفى قريبا أن شاء الله00و000"
    قاطعته الأم :
    -" لا أحد يستطيع ذلك مثل أخوها وحيدة00فهو الوحيد القادرعلى اضحاكها00"
    =" واين هو وحيد هذا ؟ لماذا لم تحضروه؟"
    -" لقد منعوه من الدخول لصغر سنه ؟
    =" ساعطيكم تصريحاً بادخاله 00أرجو ان تبذلوا كل جهدكم00الى اللقاء"
    وفيما غادر الطبيب اقتربت الأم من ابنتها ومسحت على رأسها في حنان بالغ وقالت :
    -" ابنتي الحبيبة00ويل لنا مما ارتكبناه بحقك 00اغفري لنا ذلك00إن أباك من كثر مايحس به اسف لما فعله بك لم يجرؤ على زيارتك00"
    لحظت الأم ان سمر كانها لم تسمع ولا كلمة واحدة مما قالت 00إذ ذاك تسلل شبح صغير وأعتلى السرير كعادته وقال في طفولة عذبة :
    -" سمر لقد أحضرت الكرة معي 00وسافوز هذه المرة 00لقد حاول ذلك الرجل المتين الواقف عند الباب أخذها مني 00"
    الا أن سمر نظرت اليه دون أن تحرك ساكنا 00فبدأ عليه الغضب وقال:
    -" سمر 00انت غاضبة 00لا أحب رؤيتك هكذا00هيا ياأمي سأعود الى البيت00"
    وفعلا بدأ ينزل من على السري الا أن سمر مدت يدها في سرعة وجذبته اليها دون أن تتكلم ثم ضمته اليها وقد دمعت عيناها 00ربما نجح وحيد 00

    خلال الأيام التي تلت ذلك عادت سمر الى طبيعتها شيئاً فشيئاً ، ولما عادت الى البيت حرصت أمها على أن يبقى وحيد دائما معها 00وفعلا نجح وحيد في اعادة روح المرح الى محياها 000أدركت سمر كم عصفت الليالي بأحلامها ؟ وكيف قوّض الزمن آمالها00كان النوم مايأتيها نهاراً ، وهو هاجرها ليلاً فلا تنام من سواده الا قليلا00 ذات ليلة وقعت عيناها على ساعة الحائط فاذا هي تشير الى الواحدة والثلث ليلاً00ونظرت الى ورقة التقويم التي حملت الرقم 12 من شهر صفر 00خرجت الى مكانها المفضل في الردهة00وبقيت تتأمل ذلك البدر الفتي 00سحرها المنظر00فلم تشعر برنين الهاتف00 بعد دقائق عاود الهاتف الرنين 00لم تشعر بميل لرفع السماعة00آتراه قد ُمسح من داخلها بهذه السرعة!00كانت تظنه لن يفارقها ، وأنه نقش في داخلها بشكل لا يمحى 00نهضت في تثاقل 00رفعت السماعة وسمعت صوته00 من الظلم أن تقفل الخط00لقد أثبت وفاءه 00ولكن من أجل أنه لا نصيب لهما في بعضهما فلتطوي صفحتها معه 00استجابت لهذا الخاطر وأقفلت السماعة 00عاد الرنين بعد لحظات 00أيضا أقفلتها00كانت تفكر00ماالضرر لو استمعت اليه 00ثم طلبت منه أن ينتهي كل شئ00نعم ما الضرر00لذا ما أن عاد الهاتف الى الرنين للمرة الثالثة حتى هتفت:
    =" نعم 00"
    -" سمر00أرجوك اعطيني فرصة للحديث00لا أدري مانوعية القلب الذي تعيشين به؟!00"
    =" ابراهيم 00ماذا تريد هذه المرة 00انت تعرف أن كل مابيننا قد انتهى 00لا داعي أن نستمر في طريق لا نهاية له "
    -" سمر00لايمكن أن يحدث هذا00أعرف أنك تعانين الكثير00ولكني ماذنبي أنا00كيف تطغى عليك الأنانية00لتكوني أنت دائما التي تقررين متى يبدأ الأمر ومتى ينتهي00كوني منصفة00أنا لم أفعل مايوجب طردي من حياتك و000"
    قاطعته في هدوء:
    =" أشكرك على كل مابذلته00نعم معك حق00كنت أنانية دائماً00لا أريد لك التعاسة ولا أرغب في المزيد منها00لقد أديت ماعليك ولم يكن الخطأ خطئك00ولكن لا ينبغي أن نستمر ونحن نعرف أننا سنخسر حتما00"
    -" سمر اسمعيني جيدا00ليس كل الناس يوفقون من أول محاولة00والنفوس تتغير دائما 00وقد يحمل المستقبل فرجة لأمرنا و000"
    قاطعته للمرة الثانية :
    =" ابراهيم اسمعني جيداً 00أنت لـ000"
    قاطعها بصوت غاضب :
    -" بل أنت اسمعيني جيدا00لن أسمح لنفسيتك المتعبة أن تغتال احلامنا00لا يمكن أن توصليني لمنتصف الطريق ثم تنسحبي في بساطة00سمر أنا أحبك 00أنا أريدك00لايمكن أن أتخلي عنك00افهمي ذلك 00لن أطلب منك أي اجابة الآن00فكري جيدا ولكن عندما تشعرين أنك في حالة جيدة00تصبحين على خير00"
    أقفل الخط00 تعجبت سمر 00من اين لإبراهيم كل هذه الجرأة عليها00ولكن لما قاله معاني كثيرة00 عليها أن تفكر جيداً00الشئ الوحيد الذي تأكدت منه الآن أن ابراهيم يستحق أن تفكر به00كما يجب00

    00في الليلة الثانية كانت كانت قد فكرت جيدا 00عندما رفع السماعة ليرد عليها قالت :
    =" ابراهيم 00مساء الخير00"
    -" مساء الخير 00سعدت بسماعك جدا "
    =" ابراهيم لن أطيل عليك00فكرت كثيرا فيما قلته البارحة00أريد أن أقول أنني لم أحب ولن أحب أي شخص يسمعني نغمة العطف والشفقة 00خاصة من أحببتهم00ذلك أمر لا أقبله أبداً00أرجو ألا تكررها00الشئ الثاني : ارجو أن تغفر لي ما أوقعتك فيه من الحرج ، وما القيت بك فيه أمام ذويك وأهلك 00وكأني بوالدك يقول لك ويلك مما سببت لنا أما من يستحق ومن لا يستحق00أنتم ذوو الشأن والمكانة تلقيتم الكلام الموجع ممن هم أهون شاناً ، وأدنى مكانة00أرجوك اذا سمعت من والك ذلك أن تقول له أن لكل انسان كرامة مهما حقرت مهنته ،و تدنت مكانته ، 00أما أنا فتأكد أنني كنت دائماً الوفيــــــــــة المخلصة00ولا يمكن أن أتخلى عنك 00الا في اللحظة التي تتطلب فيها أنت ذلك00 لكم أسعدني حديثك البارحة00البارحة صرخت في وجهي كثيراً00صدقني لم أغضب فقد كنت بحاجة لمن يصرخ في وجهي لعلني أفيق00أشعر أنني كالتائهة في بيداء واسعة00يسعدها أي صوت 00أي صرخة00لتعرف وجهتها00أشكرك على شعورك الخالص00 فقط هناك سؤال مهم 00أرجو أن تجيب عليه في صراحة 00 هلى مقتنع بأن وضعكم يسمح لكم بان تناسبوا أمثالنا ؟00"
    كان ابراهيم يشعر براحة شديدة لموقفها الجديد00فكر قليلاً ثم قال:
    -" نعم 00سمر لم يعد الناس ينظرون لمثل هذه الأشياء00لن تصدقي اذا قلت لك أن أبي رجل يعارض مبدأ الفوقية00فقد كان في بداية حياته عامل نظافة في مدرسة صغيرة00وهو يتحدث عن ذلك دون خجل مردداً أن العمل شرف00مهما كان متدنياً00أقسم لك أنه يوم خرجنا من داركم دون نصيب 00مال عليّ هامسا ( يابني لا تآسف00سنعود مرة أخرى ربما لدى هؤلاء الناس سبباً يبرر ردهم00والدنيا تتغير فلتعذرهم ) 00اقسم ياسمر أن هذا ماحدث00لسنا أبداً مثلما تتصورين00 سمر لنبدأ الرحلة من جديد00هذه المرة سننجح00أتعدينني ؟"
    كانت سمر في داخلها سعيدة بما قال وشعرت براحة كبيرة وهي تقول :
    =" اعدك00شكراً لكل كلمــة قلتهـــا00الى اللقاء00"
    الموقف الرائع لإبراهيم أعاد لسمر الكثير من روحها المعنوية رغم أن تلك الأيام كانت تفيض بالمشاكل داخل نطاق الأسرة وأكثرها ناتج عن تصرف أشقائها فمثلا كان من المألوف أن يأتي أحد الجيران متذمراً شاكياً لما بدر من سوء تصرف أشقائها ، كان يدهشها أن والدها كان في أكثر الحالات خطورة يكتفي بتحذير المخطئ00أما هي فويل لها إن أخطأت 00كان ذلك يشعرها بالظلم ويزيد من ثقل همومها00كانت تتذمر كثيرا كلما رأت الثياب المتسخة تملأ المكان ، وترى أمها وقد أنهكها التعب فتضطر لمساعدتها 00هي لا تنكر أن ذلك جزء من واجباتها ولكن لو حرص أشقائها على حسن مظهرهم لهان الأمر ولكنهم ابداُ غير مبالين ، وكلما شكت الأمر الى أمها وطالبتها بتحريض أبوها عليهم ترد الأمر في حزم ( أن هذا هو عمل المرأة ويجب ألاّ تتذمر منه) 00ولم يكف ذلك فقد كان سهر الأب المبكر يتيح لأولاده أيضا السهر في الأزقة والشوارع حتى في أيام الدراسة فلم تكن المذاكرة أمراً وارداً في جدولهم اليومي 00وعندما تحاول مساعدتهم فيما يصعب عليهم فهمه فانهم يستجيبون لوقت قصير ، وعندما يريدون الخلاص منها كانوا يفتعلون معها المشاكل فتخشى مجاراتهم فيشكونها الى أبيهم وبالتالي ستكون هي صاحبة النصيب الأوفر من العقاب .
    00ذات ليلة سمعت طرقاً مزعجاً على الباب وعندما خرج والــــدهــــــــامستطلعا الأمر سمعت نقاشاً حاداً فهمت منه أن أحد أشقائها كان يلعب في الشارع بشكل أهوج فكادت سيارة أن تدوسه وعندما نزل صاحبها ناقماّ وجاء ليشكوه الى والده فوجئ بان الأب قلب الحجة عليه وسمعت والدها يصفق الباب في عنف وهو يقول :
    -" أن أصحاب هذه السيارات يريدون الطيران في السماء00أعوذ بالله "
    تخشى عندئذ أن تتدخل وتقول أن أخوتها هم المخطئون فيصب نقمته عليها00كانت كثيرا ماتاخذ بيد وحيد وتحذره من اللعب في الشارع وأماكن عبور السيارات فيومئ براسه موافقاً00كانت تخشى عليه كثيراً فهو الوحيد الذي ينشر الفرح في نفسها في هذا البيت 0

    لم يتبق على موعد الدراسة سوى أسبوعين 00 قالت لنفسها وهي تتصفح التقويم 00رن جرس الهاتف 00رفعته :
    =" نعم00 علياء00عاش من شافك00اين كنت كل هذه المدة ؟"
    -" كنت في المريخ00حتما أيتها الشقية تعرفين أنني متواجدة ولكنك لا تريدين الاتصال بي00؟
    سارعت سمر الى دحض التهمة :
    =" لا والله ايتها الغالية00اعترف بتقصيري00انت تعرفين معزتك عندي ولكن000"
    قاطعتها علياء:
    - لا تعتذري 00أنا أعرف الأسباب 00هنيئاً لك00"
    =" لا تكوني سخيفة فليس هناك ماتتصورينه "
    -" المهم 00حدثيني عن أحوالك00والدراسة على الأبواب00"
    =" لا جديد ياصديقتي00وأنت ؟"
    -" أنا أيضاً أشعر بالملل 00وسعيدة بقدوم الدراسة 00أعني أنها ستنقذني من هذا الملل السخيف00و لكن أنت لا تتهربي هل هناك من جديد في ذلك الموضوع؟"
    صمتت سمر قليلا وهي لا تدر ماذا تقول 00وأخيراً تمتمت :
    =" آه 00أرجوك ياعلياء لا تفتحي هذا الموضوع مرة أخرى 00يمكنك أن تعتبري أن كل شئ انتهى 00"
    -" ماذا حدث ياسمر؟ "
    = لاشئ00اكتشفت أنه مثل بقية الذئاب فأنهيت كل شئ00 لقد طلب مني مثل ماطلبه منك ابن الجيران00"
    ضحكت علياء وقالت :
    -" يا لهولاء الخبثاء00جميعهم على هذه الشاكلة 00أحسنت صنعاً"

    =" وأنت كيف أحوال أسرتك؟00هل من جديد00سمعت أن والدك أشترى لك سيارة فارهة ولشقيقك سـ000"
    قاطعتها ضاحكة :
    -" نعم 00ولكنها لم تعجبني فاعدناها الى الوكالة00 في الحقيقة أننا هذه الأيام نعاني من بعض المتاعب00أبي في عمله 00كما أن شقيقي مريض وأنا أيضا لا أدري كيف أساعدهم 00"
    =" وهل ذهبتم به الى الطبيب ؟
    -" نعم ولقد وصف له عدة أدوية ولكنه لم يتحسن كثيراً00انه يهذي كثيراً في الليل "
    شعرت سمر بغصة من حكاية الهذيان00ترى هل عرفت علياء بشئ 00ربما قال شيئاً دون أن يحس00قالت في توجس:
    =" يبدو أن حالته صعبة؟00بما كان يهذي ؟
    صمتت علياء مفكرة لوهلة كادت سمر تموت فيها قلقاً00ثم قالت في لهجة عادية :
    -" في الحقيقة يهذي بأشيئاء غير مفهومة 00 ولكن الشئ الذي لاحظته أنه وابي يخفيان أمراً عني00كذا مرة يستغرقان في الحديث وعند دخولي يصمتان فجآة ثم يغيران الموضوع بسرعة00على العموم أرجو الا تشغلي نفسك00 ساتصل بك لاحقاً00الى اللقاء "00
    كانت سمر تحس بقلبها يكاد يقفز بين ضلوعها مع كل كلمة تقولها علياء ، وحمدت الله أنها لم تعرف شيئاً 00أما ابراهيم فأحست بشوق كبير للإطمئنان عليه ولكن لتصبر الآن فلن تفضح نفسها00
    في اليوم التالي أدارت الرقم وكما هو متوقع ردت علياء :
    =" علياء00صباح الخير 00كيف حالك ؟"
    -" سمر00غير معقول 00ماهذه المفاجآة السارة ؟"
    =" أردت فقط الإطمئنان على أحوالك فقد استشعرت البارحة أنك تعانين من بعض المصاعب00أرجو أن تكون تحسنت الأحوال قليلا 00"
    -" الحمدلله 00كل شئ على مايرام00"
    =" وماذا فعل والدك في متاعبه ؟ ألا يمكنك مساعدته ؟00في الحسابات مثلا00أو أي شئ آخر يمكنك عمله ؟"
    _" في الحقيقة هناك أشياء يمكنني مساعدته فيها00ولكن يبدو أنه لا يثق فيّ لهذه الدرجة 00"
    = " يعني شقيقك هو الوحيد الذي يعتمد عليه ؟"
    -" هذا صحيح ولكن بما أنه مريض فان والدي يقوم بجميع العمل الآن 00"
    كانت فرصة جيدة لسمر فقالت :
    =" ألم يتحسن حتى الآن ؟"
    -" في الحقيقة تحسنه طفيف حتى الآن00"
    قالت سمر مازحة :
    =" طبعاً مع ممرضة غبية مثلك سيزداد سؤءاً ولاشك "
    قالت علياء في خبث :
    -" نعم مسكينة أنا00آه لو أطاعني فقط في 000"
    صمتت عمداّ فقالت سمر تستحثها :
    =" في ماذا ؟"
    -" صدقيني لو رآك ماكان ليمرض أبداً00"
    وفيما توقعت علياء رداً قاسياً قالت سمر في هدوء:
    =" هو المخطئ 00ماكنت لأبخل عليه ابداً"
    كانت تعني ماتقول 00فيما دهشت علياء وقالت :
    -" عجيب والله00سوف أناوله السماعة حالا ً00انتظري 00"
    =" هل أنت مجنونة 00إنما كنت أمزح 00أتمنى له الشفاء العاجل00"
    -" يبدو أنك ياعزيزتي رائقة المزاج جداً00أرجو أن تحدثيني عن حقيقة أحوالك فأنت تخفين الكثير كالعادة00"
    =" في الحقيقة 00لا جديد 00تعرفين أحوالي 00تسوء ثم تفرج بمرور الوقت00سنلتقي قريباً 00الى اللقاء "
    -" مع ألف سلامة "
    كانت سمر في غاية السرور فعلياء لا تعرف أي شئ 00كان خوف سمر من المستقبل يتزايد 00ابراهيم يصارع المرض00وأحوالها هي لا تسر صديقاً ولا عدواً00
    قبل دخول موعدالدراسة بليلة قررت سمر أن تستشف دخيلة أمها فيما لو عاود ابراهيم ووالده الكرة00كانت تساعد أمها في المطبخ عندما قالت:
    =" أمي 00لربما غلبني الحياء كلما عزمت أن أطلعك على أشياء تخصني00"
    التفتت اليها أمها وقالت مشجعة :
    -" قولي يأبنتي مافي نفسك00أنا أمك00من ستسمعك اذا لم أسمعك أنا "
    = " أنت تعرفين ماحدث0وبصراحة سواء أكنت يجدر بي أن أتحدث في ذها الموضوع أولا 00فلا أدري لماذا رفضتموه ؟ "
    ابتسمت الأم وقالت :
    -" يابنتي 00الأمر ليس سهلاً00أنت لازلت صغيرة00يدفعك الهوى ، ويعبث بك الطيش00ومثل هذه الأمور لا تكون بدايتها دالة على نهايتها00فقـبـل الحـب هناك مسئولية ، هناك مشاكل ، هناك الحاجة الى المال00هناك مصادر الدخل ، لابد أن يكون لديه وظيفة تسنده00وحتى لوكان والده غنياً فيجب ألاّ يتناسى هذه الأمور "
    تململت سمر قليلا ثم قالت :
    =" ولكن ذلك لا يعني أننا لا ندرك حجم المسئولية تماما و000"
    وهنا يترت عبارتها وأحمر وجهها بشدة وهي ترى ابتسامة والدتها المتعجبة تزداد اتساعاً00صمتت قليلا ثم تغلبت على خجلها وقالت :
    =" وليت أبي أحسن الرد 00أشعر أن أبي يكرهني00لماذا هو قاس عليّ جداً من بين جميع أشقائي؟انني حتى أستطيع أن أحصي عدد المرات التي ابتسم لي فيها00"
    تركت الأم الإناء الذي في يدها والتفتت نحو ابنتها وأمسكت بكتفيها وقالت في حنان :
    -" ألم أقل لك قبلاً أن طبع والدك هكذا دائماً00فأصبري وأن حدث هذا الذي تقولينه 00أنا نفسي أعاني كثيراً من تصرفاته وعدم تقديره لى رغم هذه السني الطويلة00وربما غضبه منك لأنك أنت الكبرى ولايريد منك ارتكاب الأخطاء وغالباً مايرى معظم ذلك دلالاً 00وهو يمقته أشد المقت00"
    ورغم أن سمر لم تقتنع إلاّ أنها صمتت فلم تكن تطمع أن تقدم لها أمها في ذلك الأمر أكثر مما قالت .

    * * *

  14. #14
    تاريخ التسجيل : Sep 2005
    رقم العضوية : 4432



    - الفصل السادس-

    مع اطلالة الخريف لم تتبدل الأمور تقريباً 00فقط ازدادت الشكاوي المقدمة من الجيران وعابروا الطريق من تصرفات أشقائها00أضحكها في احدى المرات دخول اخوها فيصل وهو يعدو با أقصى سرعة وفي أثره يعدو رجل متوسط العمر وهو يكيل السباب والشتائم 00استقبلت أخاها لدى الباب فدفعها بقوة وهو يقول :
    -" ابتعدي من طريقي "
    ثم أقفل الباب وتنهد في ارتياح قائلاً:
    -" رائع 00كم كان منظر البيضة مضحكاً وهي تغطي صلعته القذرة00"
    وأخذ يضحك بشدة فيما سمر ترقبه باستياء 00يومها أخبرت أباها الذي صدقها هذه المرة ونال فيصل عقاباً صارماً 00توعد سمر بعده أنه سيرد لها الكيل كيلين00خلال تلك الأيام كانت سمر تنتظر هدأة الليل ثم ترفع السماعة فلا تجده الا منتظراً معاتباً على التأخير 00يمضيان ليلهما في تبادل طريف الأحاديث وعذب الكلام 00ذات مرة قالت له أنها تحلم بالقيام بافكار مجنونة00وعندما يسأل مثل ماذا00تقول 00مثل الفرار معك الى أيّ مكان في العالم00تصيبه الدهشة 00ولكن لا يبالغ اذ يظنها مازحة ولا شك00وينصحها بالتعقل في مواجهة مثل هذه الأفكار 00ولربما أظهرت الغضب من نصائحه فتصرخ فيه فلا يملك الا الموافقة 00ويعودان بعدها ليضحكان وكان شيئاً لم يكن00غير أن مثل هذه الاتصالات مالبثت أن تـقـصلت جداً بحكم دخول أيام الدراسة00
    كأنما لم يرق للزمان سكون أحوالهما فقد مرضت والدتها مرضاً شديداً أوشكت معه على الهلاك فكانت تضطر لملازمتها ليل نهار فلا يروعها إلاّ اشتداد علتها ولربما أبكاها منظرها أحياناً فتضع يدها على رأسها وتقول :
    =" وارحمتاه لك يا أماه00فما أقسى ما تعانين00ليتني يا أماه أستطيع أن أحمل عنك بعض ماتشعرين فأرد ولو جزءاً بسيطاً من000"00 ولربما وهي تقول ذلك تشعر بيد أمها تتحرك في بطء وتمسك بخصلات شعرها تتحسسها في حنان فتثور عواطف سمر فتحضن أمها وتظل تبكي ، ولربما نبهها وحيد الى ذلك بقوله :
    -" سمر 00أنت دائماً تبللين وجه أمي بدموعك00أووف 00كفى " فتبتسم الأم وتطالبها بأن تذهب لتنام قليلاً وما أن تستجيب حتى يقفز وحيد الى جانب أمه وهو يقول بشكل مضحك:
    -" أخيراً وجدنا الفرصة "
    فتبتسم سمر وتقول وهي تغالب نفسها:
    =" ساعود حالاً وأريك أيها الشقي00"
    ولربما آوت الى مخدعها حيث تكتب في أوراقها ما تكتب واذا ما وجدت السبيل الى الهاتف حادثته قليلاً ثم يجبرها ارهاقها على النوم00
    ذات ليلة دخل والدها وهي عند أمها قرابة منتصف الليل 00آلقى التحية في هدوء ثم قال لزوجته :
    -" هاه كيف حالك اليوم يازينب ؟"
    قالت زينب في صعوبة :
    -" الحمدلله أنا بخير00لقد تعبت سمر معي كثيراً "
    التفت الأب الى سمر وقال :
    -" بارك الله فيك00هذه واجب00ماذا قالت الطببية ؟"
    كان والدها قد أحضر طبيبة من المستوصف عصر ذلك اليوم 00قالت سمر:
    =" لقد قالت أنها تعاني من نزلة برد شديدة الوطأة ولأن جسمها ضعيف فهي لم تحتمل ووصل بها الأمر الى هذه الدرجة00ولكن مع استعمال الدواء ان شاء الله سترتاح من هذا العناء في غضون يومين أو ثلاثة 00"
    سكت الأب قليلاً ثم قال :
    -" سمر 00اذهبي لترتاحي الآن00أنا سأبقى معها00"
    لبت سمر ونهضت مغادرة 00وصلت غرفتها و استلقت مفكرة00قالت لنفسها الله00 كم من الأحلام ياسمر في مخيلتك00كم هي تبدو بعيدة المنال00تكورت في سريرها ثم عادت جالسة 00نظرت حولها 00لاجديد00هاهو وحيد نائم وكأنه في عالم آخر 00هو حقاً كذلك00قررت أن تخرج الى الردهة ولكن مالبثت أن غيرت رأيها00وقع بصرها على كتبها المدرسية 00لم تذهب الى المدرسة خلال اليومين الأخيرين بسبب مرض أمها00عبثت أصابعها بالراديو تبحث عن الموجات 00شعرت بالملل من أخبار الحروب والكوارث التي لا يصدح الراديو بسواها00أعادت الراديو الى مكانه00بجانبه تعلقت عيناها بقنينة الدواء الخاصة بوالدتها00لقد نسيت أن تذهب بها الى غرفتها00ثم أن هناك موعد للجرعة في منتصف الليل00أي بعد قليل 00ستذهب بها الى والدها 00بسرعة أخذت الدواء وخرجت 00عندما اقتربت من باب غرفة والدتها سمعت نقاشاً في الداخل00كانت الكلمات واضحة جداً00لامست مسمعها بوضوح00بقيت تستمع قليلاً00وتمنت أنها لم تفعل00ليتها لم تسمع00فلم تستطع مواصلة الإستماع اذ شعرت بأنها على وشك أن تختنق00نوبة الربو من جديد00تشعر بشئ ما يتمزق في داخلها00دارت الدنيا أمامها00شعرت كأنها تهوي في أعماق سحيقة00وجوه كثيرة تمر أمامها00ضاحكة00باكية00عابسة00ل م تشعر بعدها بشئ00فقط سمع من في داخل الغرفة صوت تحطم قنينة الدواء00

    في نفس الوقت وفي مكان آخر كان ثمة شخص في مقتبل العمر يمر بفترة نقاهة يقف بالقرب من نافذة غرفته وبين الفينة والفينة يرقب جهاز الهاتف في قلق شديد00أحس في لحظة بآلم في داخله00شعر بانه يختنق00نزل الى حديقة المنزل00أدار محرك سيارته 00اتجه الى ذلك المنزل الذي رأى في نافذته يوما من يعتقد أنها حلم عمره00توقف قليلاً أمام الباب 00كانت مصيبة لو رآه أحدهم هناك 00كان يشعر أن في الداخل من يحتاجه00ولكن لابد أن يعود من حيث آتى00هذا مايجب أن يفعله00عاد 00وفي غرفته تعلقت عيناه بجهاز الهاتف من جديد 00بقي كذلك حتى أشرقت الشمس00ومع اشراقتها00توهج في نفسه في حزن عظيم00

    عندما أفاقت سمر لم تكن تدر كم من الوقت مضى00وجدت نفسها في سريرها00حتما علم والدها بالأمر00تلفتت حولها00لايوجد أحد بجانبها00حاولت تحريك يدها فاصطدمت بجسم صغير عرفت على الفور من يكون00جلست في منتصف سريرها00صداع شديد يعصف برأسها00فجآة تذكرت كل شئ00فشعرت بالرغبة في البكاء00لعل البكاء ينتزع احساسها بالشقاء00تمتمت:
    =" لماذا يارب تفعل بي كل هذا00ماذا جنيت في دنيتي؟00"
    نهضت في تثاقل وخرجت 00كادت تسقط في الردهة00تماسكت وتأملت تباشير الفجر 00لازال الوقت مبكراً اذاً00رغم النسيم العذب الا أنها لم تستشعر روعته00عادت الى الداخل والإعياء يكاد يسقطها00تذكرت أمها 00توجهت نحو غرفتها لتراها وعند الباب لمحت بقايا أثار الدواء على الأرض00فتحت الباب بهدوء 00كانت أمها نائمة00تأملتها قليلاً ثم عادت00في وسط سريرها بقيت تفكر بكل ماحدث00في مثل هذه الأحوال كانت تجد في الورقة والبياض متنفساً لها00عندما بدأت تكتب كان يمكن للواقف خلفها أن يلمح في الضوء الخافت السطور التالية:
    ( رغم كل شئ إلاّ أن احساسي بك لا يفارقني00أتساءل عن ذلك الشئ الذي يشد انساناً الى أخر بنفس القوة حتى دون أن يلتقيا00شئ ساحر وجميل00ليتك تراني الآن00سترى بقايا انسان00شبحه00أو لعلها أطلاله 00كأنما أرادت الأقدار لي الشقاء دون سائر الناس00غفرانك ربي فيما أقول00ماعاد صـــــدري يتســــع لما سيحدث00دائي يفتك بي شيئاً فشيئاً00وخافقي الصغير يدمى وقد آكله الإرهاق ، ومضغته النوائب00وهو يحمل فوق ذلك أشياء حلوة وجميلة00مثلك أنت00ولكنه ماكان ليستطيع الصمود أمام ذلك السيل من الشقاء00البارحة ما أنساها ماحييت00مرضت أمي حتى أوشكت أن تموت وكنت قليلاً ما أفارقها 00جاء أبي من سهرته قرابة منتصف الليل وطلب مني أن أغادر الغرفة لأرتاح قليلاً00غادرت وليتني لم أعد مطلقاً00ولكن دواء أمي الموجود في غرفتي كان ولابد أن أعود به فقد حان موعده00عند الباب سمعت نقاشاً حاداً00لم أشأ الدخول ريثما يهدأ00طبعاً سمعت ماكان يدور بالداخل00سمعت أبي يقول في قسوة:
    -" زينب اتركي هذا الهراء الآن 00"
    وجاء صوت أمي واهناً:
    -" ولكنك لا تعاملها إلاّ كما تعامل الغرباء 00ماذا جنت؟ماذا فعلت؟"
    -" دعيني أربي أبنائي كما أشاء00لا تتدخلي أرجوك00"
    -" لك ذلك على ألا تظلمها00ان لها احساساً قوياً ما يحتمل قسوتك00ولايرتضي عصاك القاسية 00أظنها باتت تكرهك "
    بدأ صوت أبي يرتفع أكثر:
    -" ان الدلع سيفسدها علينا متى أطعتك في كلامك هذا00زينب00ان المرأة متى أصابها ذلك فسدت00"
    سمعت أمي تسعل في شدة وتقول :
    -" حسين 00أرجوك00ماعدت أظن أن لي في هذه الدنيا غير أيام قليلة00يقولون أن الانسان يشعر أحياناً بدنو أجله 00فحقق لي أخر أمنية00اعتني بها وعاملها بلطف و000"
    سمعت أبي يقاطعها بصوت حنون ماسمعته منه قط :
    -" زينب 00أرجوكي توقفي عن هذا الكلام فهو يؤلمني كثيراً"
    00أبي يتألم ! 00عجباً!!00 سمعت بكاء أمي ثم قولها:
    -" أقسم لك أن ماظننته يومها لم يكن صحيحاً00أقسم لك00ويعلم الله أنه لم يمسسني بشر سواك00"
    سمعت أبي يصرخ:
    _" لاتكرري هذا الكلام أرجوك00كفى أرحميني00"
    سمعت أمي تسعل مراراً ثم تقول في خفوت :
    -" صحيح كان ابن خالتي00وصحيح انه كان خطيبي سابقاً ولكن يعلم الله أنني ماخنتك أبداً 00ماذا أقول لربي ان فعلت00يومها جاء ليبارك فقط00لقد جئت في وقت شـــــاء اللــه فيه أن يختبرك00ثم أننا كنا في ساحة المنزل00آآمام الناس ؟1حسين 00أرجوك اسمعني00أقول هذا وأنا أدرك الآن أنني ذاهبة لمقابلة ربي00تربينا معاً وكان يعدني أخته لذلك رفض خطبتنا00كان بامكانه أن يفعلها عندما كنا خطيبين00ألم تفكر بذلك ؟00"
    ران الصمت بينهما للحظات سمعته يقول بعدها :
    -" لقد أنتهينا من هذا الأمر 00وقد أكدت لك مراراً أنني أثق فيك تمام الثقة ، ولو أنني أعني خلاف ما أقول لما أستمرينا معاً كل هذا العمر00
    عادت أمي تقول :
    -" ولكنك تعاملها كما لو كانت ليس ابنتك00أنظر اليها 00زهرة متفتحة رزقك الله اياها ، كثير من الأباء يحسدك عليها 00قد تسحقها قوتك00ويذويها غربتك عنها00و000"
    ولم أكن بحاجة لأسمع أكثر 00اذن هكذا يظن أبي بي00وعلى هذا الأساس يعاملني 00كيف أستطيع الوقوف أمامه بعد الآن؟00لقد فكرت أن أخرج من هذا البيت الى غير رجعة00 وليكن مايكون فلست أحتمل نظراته بعد الآن وقد أدركت مغزاها00لكم راودتني أفكار مجنونة ما آراني إلا ماضية في احداها لعلني أريح وأستريح00 )00

    وضعت القلم 00وزفرت بقوة وهي تتمتم : رباه رحمتك 00"
    نهضت وتسللت مرة أخرى الى مخدع أمها00رأتها نائمة أيضاً00كانت نائمة في هدوء عجيب00هزّها الرعب 00اقتربت أكثر فطمأنها أن صدرها يرتفع وينخفض برتابة 00حمدت الله وعادت الى سريرها لتنام 00وأنى لها النوم00

    خلال الأيام القليلة التي تلت ذلك تماثلت أمها للشفاء بعد صراع قوي مع المرض00ولازالت سمر دائمة العناية بها دون أن تظهر لها أنها عرفت شيئاً00تغالب الآمها أحياناً وخوفها على أمها أحياناً أخرى00كان الشئ الغريب الذي يزعجها هو ذلك الخاطر الخطير الذي أبداً يزين لها خروجها من البيت الى غير رجعة00دهش ابراهيم عندما حدثته ذات مرة أنها جادة في الموضوع00نصحها أن تفكيرها يفتقد الكثير من الحكمة00غضبت منه وخاصمته لليلتين عاد بعدها ليعلن أنه لا يمكن أن يغضبها مرة أخرى00وفي البيت كلما جاء والدها كان يجدها قد قامت بكل أعمال المنزل فينظر اليها أحياناً بشفقة وأحياناً بعطف فلا تعيره التفاتاً إذ أصبحت لا تشك في أنه يكرهها ولعلها أيضاًً قررت ألا تنظر اليه بنفس العين التي كانت تنظر بها اليه سابقاً 00ويوماً بعد يوم أخذت تشعر أنها لم تعد تجد له في نفسها أيّ عاطفة مطلقاً00


    نظرت سمر الى أيام الدراسة كمنفذ للراحة مما تعانيه ، وكنافذة تطل منها على عالم أفضل من ذلك الذي تعايشه في بيتها00كانت تشعر أحياناً أنها فقدت كل تطلعاتها في الحياة 00آمالها00أحلامها00لكم حاولت علياء أن تنتزعها من تلك الحالة والتي جاءتها هذه المرة بشكل لم تتصوره إلا أن تجاوب سمر كان ضعيفاً جداً 00كانت تصحبها الى ركن خال في حديقة المدرسة وتظل أبداً تحدثها عن جمال الحياة ومواقفها الطريفة وحكاياتها المشوقة فلا تكاد تلمس منها الا بسمة ضنينة ، في أكثر الحكايات طرافة00أما معلماتها فقد أشدن بأدبها ولكن عبن عليها اهمالها شيئاً فشيئاً ، والوحيدة التي سرها الحال كانت هي سهام00كتمت ذلك في سرها فقد بدأ لها أن سمر لوعرفت شعورها لعادت الى سابق عهدها من النشاط00لاتريد سهام أن تجرب مرة أخرى00كانت سمر كثيراً ماتسمع معلماتها يتمنين لها -ضاحكات-مزاجاً رائقاً تعود فيه الى نشاطها وبسمتها العذبة 00مضت أيامها هادئة في بداية السنة الجديدة ولعل ذلك الهدوء كان له من الأثر الجميل أن سمر بدأت تعود الى طبيعتها شيئاً فشيئاً00لشد ما أفزع علياء أن سمر تكون أحياناً ضاحكة باسمة ثم فجآة يتحول مرحها عبوسا ، وفرحها ترحا00فتعرف علياء أنها عادت تذكر وضعها فاثار في نفسها ما آثار 00رغم كل ذلك لم تجرؤ ايّاً من زميلاتها على الحديث معها فيما يحدث لها الا علياء فلها مالها في نفس سمر 00
    زاد تردي سمر دراسياً مما دعى مشرفتها الى طلب حضورها الى مكتبها وما أن جلست حتى قالت لها :
    -" سمر00لقد عرفت عنك أشياء كثيرة00ولكن متى كان الحزن عادتك؟! ، وماذا يعود عليك التجهم ؟!، إلاّ إحساس من حولك ببلادة حسك وقصور شعورك واحساسهم بخمول عزيمتك00أترضين ذلك ؟!
    أطرقت سمر وهي لا تستطيع النظر في عيني مشرفتها 00نهضت المشرفة حتى اذا وقفت خلف سمر ووضعت يديها على كتفي سمر وقالت في حنان:
    -" سمر أعرف أن ذلك لايمكن أن يرضي أمثالك بالذات00سمر 00لئن كان الزمن جار عليك بمصيبة فأنظري لمصائب الآخرين تهن عليك بلواك00هناك من الناس من وصل بهم الشقاء الى أن حرموا الأمن من حولهم ، وفقدوا الحنان بفقدانهم ذويهم وأحبابهم 00ورغم ذلك لازالوا يعيشون بقوة ارادتهم00فالحياة لا تتوقف لمآسي هولاء ، ولا ترثى لخامل العزيمة الذي يقف أمام أحزانه موقفاً سلبياً معتقداً أن الدموع قادرة على مساعدته00سمر00الانسان مطالب بالعمل وربنا سبحانه وتعالى يبتلي الإنسان ليزيد من درجاته فاحرصي الا يفوتك الثواب00حدثتني علياء عنك كثيراً 00وطلبت مني أن أحدثك قليلاً00أنا أقدر ما أنت فيه وأدرك تماماً أن غيرك لو كان مكانك ماصمد00إننا ننتظر منك ما هـــو أكثر00سمر حاولي وأنا واثقة من النتيجة00أتعدينني؟"
    بدأ كأن سمر في عالم آخر00الا إنها هزت رأسها موافقة00ثم استأذنت وأرادت الإنصراف ولكن المشرفة وقفت في طريقها وقالت :
    -" سمر00تذكري00الحياة لا تنتظر اليائسين ليلحقوا بركبها00سمر 00كيف بك اذا زاد الحمل عليك ؟00من يضمن لك أن لاتحمل الأيام لك غداً أو بعد غد ماتكرهين لاسمح الله00أأحسبك عندها ستقضين وقتك تبكين ، وأيامك تتحسرين0000ومع كل ذلك ماذا يعود عليك00نفضي عن آمالك غبار الحزن ، وأمسحي عن آحلامك تعتيم الآسى00اكسبي الجولة ياسمر00اياك أن تخسري00لاشك ياسمر أن أردى الناس حظاً من حمل الأقدار أخطائه ، ونسب الى القضاء فشله ، 00ففي النهاية هو الخاسر الأكبر00وأنت ستكسبين00أنا واثقة00سمر 00أريد أن أسمع أخباراً سارة00الى اللقاء "
    بادلت سمر مشرفتها بسمتها وهي تخرج00فيما همست معلمتها(صحيح الحلو مايكمل )00
    عندما وصلت سمر الى فصلها استقبلتها علياء جذلى وقد بدأ لها أنها ترى تغيراً ما في وجهها00ولكن سمر بادرتها :
    =" يسرني اهتمامك بامري ، ويزعجني كثيراً أن أرى نظرات العطف في عيون الآخرين متى ما نقلت اليهم أحزاني 00لا تفعليها مرة أخرى 00أرجوك00"
    وفيما تجمدت علياء في مكانها رمت سمر نفسها على مقعدها ووضعت رأسها على الطاولة وكأنها تريد النوم 00لازال كلام مشرفتها يتردد في داخلها00هل ستستطيع ؟00لاتدر حقاً00ولكن لسوف تفعل 00لأنها ترفض الضعف 00رددت في نفسها00نعم مكاني هو المقدمة 00ولن يسلبني أحد مكاني00، وفي قرارة نفسها شعرت أنها لاتدر حقاً هل ستنجح أم لا00

    خلال الأسبوع الذي تلى ذلك سعت سمر بكل ماتستطيع لتفي بوعدها ، وكأنما سارت الأمور على هواها00بشكل جعلها تشعر فعلا بان اليآس ماكان فعلاً طريقاً للنجاح ، ولادرباً للسعادة 00حتى عندما كان والدها يقسو عليها كانت تتحمل في صمت ، ولازالت تذكر أنها منذ عرفت نظرته اليها لم تستطع أن تنظر في عينيه ولا مرة واحدة ، ولكنها عزمت ألا تترك له أي فرصة ليؤنبها من خلالها ، فعادت الى الإهتمام بشئون البيت ومراعاة أشقائها واللهو معهم بقدر ما تستطيع دون أن تترك الفرصة لهم ليثيروا المشاكل معها 00تشعر أنه يكفيها ما تحمله في صدرها من الداء خاصة متى ما أجهدت نفسها في أعمال المنزل 00أدهش هذا التغير جميع من في المنزل وخاصة والدها وشقيقها عبدالرحمن الذي علّق قائلاً :
    -" ياســـلام ياســـمر00هكـــذا أنت رائعـــة 00من كان يصدق أن الأميـــرة ســمر تحضــر لنا الشاي بنفسهـــا 00سبحان مغير الأحوال00"
    لم تغضب سمر بل قالت ساخرة :
    =" شكراً لك يااخ عبد الرحمن 00ولكن آلم يحن الوقت لتهتم بمظهرك الذي يجعلك تتصدر بجدارة قائمة أرقى الشحاذين00"

  15. #15
    تاريخ التسجيل : Sep 2005
    رقم العضوية : 4363
    الاقامة : مصر
    المشاركات : 102
    MMS :
    الحالة غير متصل
    معدل تقييم المستوى : 19
    Array



    آليات السرد

    فى رواية

    الشمس التي رحلت محمد عطيف

    ان تجريد الناقد من ذاته وموقفه ورؤيته وثقافته ضرب من الخيال غير انى اطمع ان يكون- اكون -متذوق فنى لدى مرونة فى تقبل الأنماط المختلفة من الأعمال لست عبدا للقواعد هكذا اتمنى - وإنما تواصلا مع النص لطرح ما يوازيها نقدا ويصبح الكاتب لدى معرفة \ خبرة

    تضاف الى خبرتي الإنسانية .........لا شك .

    ****************

    إن الرواية العربية الآن تفرز كل يوم أسماء كثيرة منها من يترك بصمات شديدة الأهمية ومنها من بدا ينحت من جديد تاركا الموقف السابق للرواية العربية محاولا التميز داخل المشهد الروائي العربي بصفة خاصة كى يقدم نموذج جديد علي الإبداع الروائي بتقنيات حديثة في الرواية العربية خاصة على مستوى السرد الروائي ومنهم من يحاول إنجاز مشاريع إبداعية مختلفة ,الاتجاهات .وقد أنجز الكثير ولا شك في ذلك نجيب محفوظ ومعه يوسف إدريس وحنا مينة في روايته الجميلة المصابيح الزرق و الطيب صالح و الطاهر وطار وغيرهم من الأسماء المهمة فى العالم العربي كافة. إلا أنها تمثل جيل سابق اتخذ من الواقعية موقفا له وتجربة رائدة مع كتاب تيار الوعي فيما تلى ذلك كى تكون هذه الاتجاهات الأدبية المختلفة مشهدا مكتملا للرواية العربية فى مقابل النموذج الغربي أو الأخر فى مصاف الرواية العالمية وتخلق الرواية العربية لنفسها موقفا متميزا بين الأتجهات العالمية له مذاقه الخاص ورؤيته المكتملة

    ومهما كانت المداخلات داخل تجربة الواقعين فى الرواية العربية ومن خلالها ,قد نتبن المشروع الروائي فى هذا الإطار فأن الواقعية قد أخذت شكلها الخاص الذي يميزها كتجربة فريدة فى كتابة الرواية بعد ذلك

    .إن الرواية العربية لها اتجاهات عديدة ومتنوعة , اختيارات فنية وثقافية وفكرية ومؤثرات الرواية العالمية بكل خلفياتها .ومردوداتها الثقافية التىلا حصر لها ويكون من المهم أن نقيس أهمية الرواية من ناحية الإضافات التي تقدمها للمشهد الروائي العربي فى هذا الأطاربشكل عام ليس مقارنة بأحد ولكن لكل مشروعه الخاص وإضافته الخاصة داخل المشهد الروائي العربي ككل اى يقدم نموذجه الخاص داخل النموذج العام وتكون الرواية فى هذا الموقف الفني تقدم صوتا جديدا وموقفا فنيا جديدا يحاكى النموذج الروائي المقدم أو يقدم بديل له داخل الإطار العام ويضيف صوتا جديدا إلي الأصوات العديدة فى المشهد الروائي العربي بشكل عام وتقديم نموذج من تجربتها الخاصة . يضيف بعدا جديدا لما سبق وأنجز سابقا

    ولنا أن نسأل

    هل كان إنجاز مشروع الرواية إضافة إلى جيل سابق فى الرواية العربية فى الإطار السابق ؟

    وهل تقوم بطرح طموح لمشروعها الخاص الذي ينجز تاليا؟

    هل الرواية تبني نموذجا سرديا خاصا له جماليته الخاصة وفنيته الخاصة؟

    لا نستطيع الحكم إجمالا على تجربة المنفلوطي إلا في إطار المشهد الروائي المقدم حاليا وفى إطار النموذج السردي الذي يقدمه دون الخوض فى تجربة الرواية عند محمد عطيف إجمالا و دون الوقوف على كامل المشهد الروائي واكتماله عنده وليس بعد ولسنا هنا لأصدار الأحكام انما لتقديم رؤية عامة لعالم الرواية عند محمد عطيف فى بداية مكوناتها

    الرواية (الشمس التي رحلت) عبارة عن 13 فصل روائي بدون عناوين فرعية وحوالى 332 صفحة من القطع المتوسط

    وهى تقدم نموذج الشخصية المقهورة فى موقفها الأجتماعى أو موقعها كأنثى داخل بنية اجتماعية بذاتها محددة الملامح الى حد بعيد وإذ هى تقدم هذه الرؤيا المضمنة داخل السرد تستغرق امكانات الشخصيات وتطرح حلول لمعالجة هذا الموقف الأجتماعى وتحاول طرح البدائل المتاحة وتبين أثار هذا الموقف وخطورته من وجهة نظر الشخصية

    و كل الشخصيات مقهورة فى إطار جماعي بعيدا عن سياقاتها الأخرى التىتقدم فيها خاصة شخصية سمر تقهر لأكثر من مرة وتنتهك شعوريا وفكريا وبموت وحيد اخوها الذى تحبه او تحب براءته على أقصى التقديرات والذى يتناسب طرديا مع براءتها وعذريتها النفسية والمادية ايضا

    حيث تسقط كل امكانات الفرح وهذا الانتهاك سواء من الأب او من الحبيب او من الموقف العام لحياتها اجمالا

    يبقى قائما على طول الرواية ليحتد الصراع على اشده وتتوهج عناصر الدراما

    ويقدم محمد عطيف هذه النماذج للشخصيات إبراهيم وسمر وحسين ابو سمر وزينب امها وعلياء ونجوى وحسان وكافة الشخصيات داخل النص ببراعة الراوى و هى شخصيات مقهورة فى أشكال مختلفة غير أنها جميعا تسقط فى ظل ظروف الواقع الأجتماعى المهزوم اصلا بحكم التقاليد والعادات او بحكم الأفكار ومنظوماتها الخطأ فى البناء الأجتماعى

    حتى شخصية الأب انه شخصية مقهورة فى أفكاره وعاداته وواقعه المادى حيث يعمل سائق او مهنة متدنية بعض الشىء كما تنظر سمر او يرى هو نفسه وخلال موقعه النفسي المتأزم فى اكثر من موقف وتحت وطأة هذه الأفكار التقليدية

    التىلا تمنح حق الأختيار وهو ابسط الحقوق التى نظمها المجتمع نفسه للمرأة ، تظل غلالة من الصمت تطبق على جوانحه وتخلق منه بالضرورة شخصية قاهرة وفى صراعه النفسي مع زوجته زينب وشكه القديم فيها فى لقطة ممتعة وحوار يكشف خفايا الشخصيات بين الأب (حسين ) والأم زينب) داخل هذه الأسرة المكونة من سبعة افراد





    ص 94

    (((((((زينب ارجوك توقفى عن هذا الكلام فهو يؤلمنى كثيرا

    اقسم لك ان ما ظننته ليس صحيحا اقسم لك ويعلم الله انه لم يمسسنى بشر سواك

    صحيح كان ابن خالتى وانه كان خطيبى سابقا ولكن يعلم الله اننى ما خنتك ابدا )))))))))

    ان حتمية الصراع الداخلى للشخصيات وعالمها وخفايا مايدور بها همسا وحيرة ومزجا يقبض عليه الكاتب ويحركه بعناية فائقة كى تتصاعد الدراما ويبقى لها وجه اخر لوجودها فى بنية النص

    وتزخر الرواية فى اتجهات عديدة بمثل هذا المواقف

    وان كان المشهد الروائى يبدأ مع السطور الأولى بالرواية

    و من هذه النقطة - بداية النص –

    ويعتمد عليها فى بنية السرد وتصبح المدخل الرئيسى للرواية بعد ذلك كى تسير بها الأحداث

    غير ان النص فى انتماءه لواقعه وداخل شريحة اجتماعية بعينها يدخل ضمن موقفا ايدولوجيا يتبنى قضايا الواقع الأجتماعى ويدافع عنها وعن قضاياه العادلة من وجهة نظر ما والفاع عن قيم مثالية اخرى

    أو قيم أخلاقية كالجمال والحب والخير والشرف وغيرها من قيم الأخلاق المعروفة سلفا

    وإن كانت الواقعية تعنى انتماء الأدب أو الكتابة الأدبية الواقعية للواقع الاجتماعي أو نسبته إليه والذي خرجت منه هذه الكتابة في حدود معرفتها بواقعها وخلفيتها الثقافية وهى تمثل بذلك ظاهرية الواقع المادي بكل مكوناته . في حدود هذه البساطة قد يصبح الكلام علي واقعية الأدب كلاما عن الواقع المادي الذي أنتج هذه المعرفة في رواية

    ( الشمس التي رحلت ) لمحمد عطيف .

    تنتظم حركة العلاقة بين العناصر في البناء الروائي داخل هذا السياق الأجتماعى وداخل المشهد الروائى والتي تفهم من خلاله الشخصيات ورؤاها الفكرية وسلوكها الأجتماعى وهو انتظام غير ثابت ولكنه يتدوال اللحظات الروائية في كل الأحوال ويقيم محور العلاقات بين الشخصيات والأحداث ويجسد حال الشخصيات ويقوم الراوى بعملية الربط بصفته العالم بالأحداث وحقيقتها وان كان مفهوم الزمنية في النص, أو الزمن الحكائى طويل نسبيا غير أن أمر أهميته تعود إلى الدافع لأكتشاف ثبات الموقف الروائي خلال فترة زمنية طويلة وهو أمر مرهون بمرور الزمن علي هذه الرواية بعد ذلك , انه بمثابة مؤشر علي وصول البنية إلي مستوي من النضج تنتظم معه العلاقة بين عناصر الرواية المختلفة وقدرة الكاتب على إحداث التفاعل المطلوب بين تلك العناصر وانتظامها داخل بنية السرد ككل محدثا تراكما نفسيا لعناصر القهر المختلفة والممارسة ضد الشخصيات وعليها ايضا وسواء اكان هذا القهر من داخلها او خارجها اى الشخصيات نفسها وسواء اكان صراعا داخليا او خارجيا ايضا الا ان الدراما فى موقفها هذا مع انتظام علاقات السرد قد احدثت توازنا فنيا متميزا وتجسيد حيا للمشهد الروائى ككل فى الأطار السابق

    لقد راح إلي الحكاية في نضجها المرحلي وفي تميزها في هذا النضج فالانتظام ليس ممكنا إلا في نطاق هذه الحكاية تحديدا بكل أبعادها وطموحها التقنى الذي استفاد الروائي من عالمه وموقعه فيه وفى ضوء حقائقه الاجتماعية المعروفة سلفا في التلقي وهو في نطاق هذه المرحلة يعيش زمن بعينه كى تنمو الأحداث عبر هذا الزمن مع شخوصه وتجسيد مواقفها المختلفة متفاعلة مع معرفة القارىء مبدئيا بكنه وحقيقة العلاقة الشعورية بين الشخصيات سمر وإبراهيم و الأب وسمر لكي تقيم جدلية معدة سلفا في ذهن القارىء المستعد للتعاطف المستمر .والمدافع باستماتة مع الأخلاقي في ضوء المعيار الطبيعي للأخلاق وفى ضوء مشاعره المتعاطفة مع الحب كفعل حيوي فى الحياة يتوازى مع الأخلاقى ليصنع الموقف الدرامى تهمشيا للبعض وتعاطفا مع الأخر

    هل كان لتعاطف ضابط الشرطة اثر ما على حركية الأحداث ؟ من ذات موقعه الرسمى الوظيفى الذى يحتم موقف اخر

    هل كان لتعاطف والد إبراهيم موقف من الأحداث ؟ ربما تكون الرواية تضعنا فى السؤال نفسه هل نتعاطف ام نقف خلف معرفتنا العادية بصمت

    وهكذا تنتظم جدلية الأخلاقي كمعيار اجتماعى مع ذلك الصراع المتعاطف مع الأحداث وحقيقتها وانصهار موقف الشخصيات من الفعل الأجتماعى المغلوط

    وهو فى هذا كله يتحرك زمنيا فى صيغة الماضى احيانا او يتم تقديم الحدث فى سياق السرد

    فى حين يربط الراوى اطراف الأحداث ببعضها ويجرى السرد فى نظام تتابعى ثابت من موقف لاخر وقد يحدث امتزاج بين مستويين من السرد الزمنى حين تكون الذات او الراوى والموضوع المروى عنه شخصا واحدا مثل حديث سمر عن نفسها احيانا ومناجاتها لإبراهيم او المذكرات الشخصية التى تتولى مهمتها الشخصيات بنفسها وحين ينتقل الرواى لموقف تالى للوصف الزمنى كراوي وهكذا تتحدد المواصفات الزمانية فى انساقها المختلفة عبر الرواية ولأن التعبير الزمنى جزء لا يستهان به فى نسق الرواية واهمية تفاعله تعود للمجهود والتقنية الفنية التى يستخدمها الكاتب كى تقدم بنية منتظمة تقدم درجة من درجات التجسيد الزمنى للعالم المروى عنه ويسهم بشكل كبير فى تصوير اللحظات والمشاهد الروائية فقد كان من المهم الوقوف عنده واكتشافه لكى يسهم فى بنية السرد ككل والروائي يسرد الأحداث فى تتابع زمني ويقدم الشخوص ويفسر تصرفاتهم ويحلل أفعالهم وذلك بالسير الطبيعي للزمن الروائى حتى تبلغ الرواية نهايتها وهو أثناء ذلك يجذب القارىء لزمن الحكى بفعل الماضى اكثر

    ويعتمد الروائى على مذاكرات خاصة بالشخصيات احيانا

    لسمر وعلياء ويعتمد على الراوى فى تفسير الأحداث وشرحها بعد ذلك والتباعد الزمني عند محمد عطيف طويل نسبيا فقد تمر سنوات طويلة يقفز بها الروائى من موقف الى اخر مارا بسنوات عديدة او مسافات كبيرة فى الزمن الموضوعى للحكى

    فى الفصل الثانى

    ص 20 ينقل سمر الى سنة كاملة يقول الراوى

    (((سارت أيا م سمر على ذلك المنوال حتى دخلت المرحلة المتوسطة وتجاوزت السنة الأولى بهدوء )))

    وفى منتصف نفس الصفحة يقول

    (((فى السنة الثانية حدث شىء مهم فى حياة سمر )))

    وهكذا يبدو الزمن سواء زمن القص

    وهو الزمن الذى ينهض فيه السرد \ زمن الكتابة الروائية

    او زمن الوقائع وهو المقصود به زمن تحكى عنه الرواية نفسها كوقائع وهو غير محدد \ الا بعمر الشخصية كى يأخذ اهمية خاصة فى طرح الشخصية ومكوناتها النفسية وليسهم هذا فى فهم التطور الزمنى للشخصية وانماءها



    إنما ننظر في العلاقة بين الأثر الأدبي للرواية والواقع الاجتماعي المحيط بأحداثها و في مستواها الثقافي , أي أننا ننظر إلي هذه البنية وجملة أحداث الرواية في ضوء المفاهيم الاجتماعية السائدة في مجتمع ما وفي استقلاليتها الأدبية من حيث هي وفي وجهة من وجوهها معبر عن هذه العلاقة بين سمر ووالدها وبين سمر وإبراهيم وبين الأم والأب أو الزوج والزوجة والحبيب والحبيبة ونجوى وابراهيم وهكذا

    وفى جملة هذه العلاقات الاجتماعية المتداخلة والمتشابكة تفهم الأحداث في سياقات متعددة للبنا الاجتماعية المختلفة . ومن حيث أن هذه العلاقات هي شكل من اشكال الوعي الأجتماعى الناطق بهوية الفكر السائد الذي ينظر في هذا الواقع الاجتماعي , والذي فيما هو ينظر في هذا الواقع . لا يوجد خارجه ولا ينفلت من شروطه القاهرة للشخصيات كافة .كل حسب توجهاته المختلفة ودرجة موقفه الفنى وليس الواقعى

    هذا القهر الذى يمارس فى كون من العلاقات المتداخلة أيضا ويتفاعل مع أحداث الرواية ويصب فى قالبها الأساسي مع الشخصيات

    و بكونها شخصيات محكومة بعلاقات معينة تمارسها وتحاول في الوقت نفسه أن تنفلت من أثارها وقهرها الممارس في كافة الأشكال , في كون الممارسة و محاولة الفهم والتغيير يتولد الفعل الروائي الذي يبدو هنا عنصرا هاما قادرا علي أن ينتج أحداثه ويشد إليه مختلف عناصر الرواية , لكى يبدو الفعل الروائي حدثا ذو أبعاد عديدة



    الشمس التى رحلت )

    تتخذ طريقة السرد الذى يعتمد الحكى أسلوبا خاصا له فالراوى يظل موجودا طوال الوقت .

    وهذه الشخصيات التى يبتدعها المؤلف ويتخذ منها موقفا ليشرح ويفسر ويؤول ويمارس من خلالها موقفها من الواقع الأجتماعى يرتب الأحداث ويقدم ويؤخر لتتقاسم الشخصيات الأحداث بصوت الراوى الذى يحمل مهمة سرد الوقائع . وهو موقف المراقب فى العمل الروائى وقد يتطابق نسبيا مع شخصية بعينها او لا يتطابق ولكن يبدو الراوى انه ملازم للشخصيات بصورة مؤقتة احيانا وعلى طول السرد فى كل الأحوال ويحتل الموقع المكانى للشخصية وقد يمتزج الراوى بالشخصية فيتبنى رؤاها وانظمتها الفكرية والتعبيرية وبالتالى تتكشف وجهات نظر الكاتب

    وفى حالات اخرى تكون النظرة للشخصية على مستوى وجودها فى النص وفقط بحيث يختلفان فى موقفهما على المستويات التعبيرية والنفسية والفكرية ولا يتجسد فيها وجودا

    وهناك موقفا دراميا محدد سلفا يمكن اعتباره المحور الدرامى الاساسى رغم وجود عدة محاور اخرى فى الرواية غير ان هذا المحور قد اكتسب عند الروائى اهمية خاصة واعطه اولوية الطرح النصى فى ابعاده المختلفة داخل البناء الروائى وهو القهر الأجتماعى لسمر الشخصية الأساسية فى الرواية والتى تبدأ وتنتهى بها والصراع الحتمى فى موقفها من العالم

    ((بقهر الأب وسلطة الأم وموت الأخ وفقد الحبيب))

    ان كل هذه العناصر مجتمعة تمثل الجانب النفسى شديد الأهمية لهذه الشخصية المنتهكة على كل المستويات الدرامية المختلفة فى بنية الرواية

    الشخصية الأساسية فى الرواية وهى سمر وفى موقفها الأجتماعى وقهرها الدائم من الأب و إبراهيم وعلاقته الحميمة والطموحة بسمر التى اصبح موقفها القهرى نهائيا بعد زواجه بنجوى وانتهاء علاقته بها

    لقد قدمت الرواية الشخصيات فى موضوعية ونحن نعايشهم ونحكم لهم او عليهم نتعاطف معهم او ضدهم وهى موضوعية التصوير او حيادية التجسيد من الكاتب وهكذا نفهم كافة الشخصيات من خلال فعلها الأنسانى وموقفها الفنى

    وباستخدام الواسطة التقليدية المتمثلة في الراوى العالم بالمصائر والمدرك لخفايا النفوس والمؤرخ لمسيرة الشخصيات الروائية .تتحرك الأحداث فى هذا الأطار

    ولذلك فهذا النموذج التقليدي هى أحدى الطرق المعروفة فى الرواية العربية اختارها المؤلف ليكون نهجه في سرد الوقائع وترتيبها .

    يهتم بالحكاية أولا وأخيرا وتفاصيل السرد

    تتقاسم الفصول الثلاث عشر الشخصيات

    ابراهيم\ سمر\ ابو سمر :ام سمر ..ابو ابراهيم علياء نجوى

    كثير من الشخصيات لكن هناك شخصيات رئيسية .............................. .......

    تقوم بفعل السرد وهما ابراهيم وسمرومعهم علياء وأبو سمر (حسين)وتركز عليهما الأحداث .

    الشخصيات الرئيسية هى محور الأحداث وموضوعها

    ابراهيم وهو يتميز بعلاقة خاصة تربطه بسمر , وهو بحكم هذه العلاقة الخاصة التى نشأت بينهما تدور احداث الرواية وتطرح بعدها الأجتماعى وخلفياتها

    في حين تختفي الشخصيات الاخري فى كثير من الأحيان وتظهر حسب مكانها فى الرواية ودورها فى اكمال البناء

    و علي الرغم من العلاقة المتميزة التي تربط الشخصيات المحورية ببعضها . ومع ذلك تبدو الشخصيات مستقلة عن بعضها البعض , غير مترابطة العناصر ولكنها تلتقي حول موضوع واحد وهو شخصية سمر التي تصبح بهذا المعني نقطة التماس التي تتصاعد معها الأحداث وتتلاقى الشخصيات

    الفصل الأول ) قد حدد الإطار العام للرواية ورسم الملامح العامة للبنية الروائية . كما قلنا سلفا

    ليس لأنه يعتبر المدخل للأحداث وشخصية الأب القاهرة و المقهورة فى ذات الوقت تحت موقفها من حقارةالمهنة وشظف العيش وموقف الأم المقهورة ايضا والمهمومة بشئون منزلها لأسرة مكونة من عدد كبير نسبيا من الأشخاص هكذا يحدد الروائى من بداية النص هذا القهر والضغط الذى يحيط بهذه الشخصيات التى تتحرك بنيتها فيما بعد وتتلمس اجواءها

    كى يتضمن هذا الموقف المبدائى فى الرواية بنيتها التالية

    فهو إذن يحدد الهيكل العام الذي ينبني عليه الرواية كلها إذ يشير الراوى إلي ابرز الشخصيات التي أقام معها علاقات خاصة .

    فيذكر كما تشير بعض المقاطع إلي مجموعة من الاحداث التي عاشها ابراهيم في طفولته وشبابه . مرورا على هذه الشخصية بعد زواجه بنجوى

    ويمكن ان نقول : إن البناء الروائى انجز بدوره منذ السرد الأول بنية الرواية وحدد دورها واهميتها

    وذلك عن طريق تحليل أبعاد الشخصيات التي ذكرها خاصة شخصية الأب وسمر .

    وتحديد طبيعة علاقتهما وتوسيع الاحداث بعد ذلك داخل ذلك الأطار المحدد سلفا من الراوى وذلك باضافة مقاطع سردية جديدة لأحداث تراكم نوعى لهذه البنية ويهتم الراوى اكثر بسيرة سمر وبعضها يتصل بسيرة ابراهيم غير انهما يلتقيان فى طرح الدلالة واكمال البنية الروائية كشخصيتين محوريتين

    كى تبدو المقاطع السردية مقاطع شبه مستقلة احيانا خاصة الحوارات الداخلية للشخصيات لكل من سمر وابراهيم والمذاكرات الشخصية لعلياء وسمر

    ولذلك فيمكن القول إن المقاطع السردية تجسد المشاهد الرائية عبر تقنية معدة سلفا إذ لها بدايتها ونهايتها التي هي بطبيعة الحال نهاية الحدث الروائي برمته .بعد ذلك فهو فى معظم الأحداث

    لا يضيف حدثا جديدا بل يعمق من الأحداث ويقدم في شانها تفاصيل جديدة لم تذكر في المقاطع السردية السابقة . وقد يضيف احيانا بعد زمنيا أو حدثا عرضيا لا يصب فى قلب الرواية مرورا على تاريخ الشخصية وتطورا من نوع جديد لمستوى القهر الممارس على الشخصيات

    وإذا اعتبرنا أن الرواية في حد ذاتها تبني سيرة شخصية روائية هي شخصية سمر ومدى القهر التى عانته هذه الشخصية فى اطار مجموعة من الأحداث بين ضفتى رواية الشمس التى رحلت ومحاولة الربط الأسطورى فى نهاية الرواية للترميز

    فأن المقاطع السردية التي تقوم عليها لا تتتابع تتابعا مباشراولا تتساوي زمنا روائيا . انها تعمق القهرالأجتماعى

    وسلطة الأب=سلطة الواقع= سلطة من نوع اخر تعطى فكرة القهر كموقف اخلاقى تتبناه الرواية كطرح دللالى

    و كفكرة اجتماعية غاية فى الأهمية فى مجتمعاتنا العربية خاصة داخل شريحة اجتماعية بعينها

    إذ تنطلق من وقائع متفاوتة في ترتيبها الزمني ولكنها تتوازي وفي توازيها تختلف في نقاط ارتكازها .وابعادها وطرحها البنائى وهو بهذه الطريقة فى السرد اعتمد على لغة عادية الطرح وإذا كانت اللغة هي خلق فني ذاتي وليست مجرد وسيلة لتعبيرعن المعنى فإنها عند الروائى لم تفعل ذلك بل كانت

    مجرد وسيلةلأيصال الخبر واعتقد أن اللغة البديلة هي اللغة المعنوية ( أو المعاني المعنوية )

    لأنها دائمة التحول والتغير سريعة التقبل للفكرة واسعة التأويل وتعطى أبعاد جديدة و يمكن للروائى أن يتحرك من خلالها ويعكس المعاني المادية التي اتخذها في خلقه الفني وتتحرك مع السرد فى تتابع مستمر

    لم تتسع الرواية لهذا الموقف من اللغة بل ظلت موقفة على الأخبار والأيحاء اكثر من تجاوزها هذا الحد

    العادى لبناء اللغة كى تسهم بنصيب فى الطرح الروائى فى اى من ابعاده داخل تلك المنظومة الروائية المتشابكة والتى كانت بمثابة اداة توصيل للحدث والأفكار وكون اللغة بهذا المعنى لم تعطى ابعادا جديدة للبنية الروائية واكتفى الكاتب بعناصر البناء الأخرى وهذا لا يمنع من القول ان اللغة فى موقفها هذا

    لغة سهلة ومباشرة فى جمل أكثر بساطة مع تصاعد الأحداث واستطاعت ان تنقل الأحداث دون مساحة للتخيل

    تتصاعد اللغة فى سرعتها وانماءها للحدث وتتوتر بتوتره وتنفعل به فهى لصيقة بالسرد والأحداث والشخصيات

    إجمالا تعد رواية محمد عطيف الشمس التي رحلت

    اول مشوار طويل لهذا الكاتب الجميل

    لكنها ترصد بعين روائي واقعها وتدفعه بقوة وعمق

    لنبذ قهره المتعمد بلا طائل في كثير من الأحيان

    تحياتي للكاتب

    اين انت يا محمد












    شكرا لزيارتكم موقعى

صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. لماذا نتزوج ؟وكيف نختار شريك الحياة؟؟؟
    بواسطة ابو دعاء في المنتدى الــدرة الإسـلاميـة
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 09-05-2006, 03:04 AM
  2. صفحـــــــات كـــــــــــــاتــــــــــــــ ـب (3)
    بواسطة alkatb في المنتدى اســتراحـة الــدرر
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 10-06-2005, 10:08 PM
  3. رحلة في رحاب كتاب.. 3
    بواسطة إشراقة أمل في المنتدى الــدرة الإسـلاميـة
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 06-10-2003, 07:42 AM
  4. ـــ تحت المجهر..ملف التأمين في المملكةـــ
    بواسطة عــــزيــــز في المنتدى اســتراحـة الــدرر
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 04-12-2002, 03:11 PM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة واحة الدرر 1432هـ - 2011م
كل ما يكتب في هذا المنتدى يمثل وجهة نظر كاتبها الشخصية فقط