مساء النرجس والليلك للجميع
.
.
.
.
[c]
أشعر بجسدي أعاصير وخيول برية.. تتصارع
أحاول أن أجد ضالتي.. لم أستطع أن أختصر الوطن في حقيبة.. وأرحل
فبقيت.. أملا في أن ينجب اليوم التالي.. قصة أعيشها برغبة مني..
ولكني أعيد قراءة نفسي في اليوم التالي.. لأجد قصة قرأتها ألف مرة
حتى ملّت مني.. رغماً عني.
أحمل لوحتي كل صباح إلى أرض ارتدت حلّة خضراء يانعة.. وألبستها
الشمس أقراطاًً وسواراً وسلسلة من الذهب الخالص.. وغازلتها .. أزهار
البنفسج والياسمين بعطور لم تتوصل إليها بيوت الجمال.....
أضع لوحتي.. وأمسك بفرشاتي.. وأبدأ بخلط ألواني وآمالي وتطلعاتي..
فتاة.على قطعة من الزمان.. فتاة .. تستطيع أن تستفزني.. أو تأسرني
أو أن تدخلني معها في لعبة اللــــــــــــوحـــــــــــــ ـــــــة .. أو أن تجبرني
كي أتطلع فيها أكثر من دقيقة من عمر هذا الزمن.
أضع لمساتي الأخيــرة على اللوحة بعد أن تكون الشمس قد عادت إلى
مخبئها لترتاح.. فأحمل لوحتي إلى البيت وأضعها أمام المدفئة وأصنع
قدحين من القهوة البرازيلية.. أمسك بأحدهما وأضع الآخر أما الفتاة أو
اللوحة وأشعل نار المدفئة وأدير اسطوانة لأغنية فرنسية عن العشق..
تلعب الموسيقى فيها كل أدوار البطولة.. وانتظر..
انتظر أن تمد يدها إلى كوب القهوة.. أو أن تنتشي وتسألني رقصة على
أنغام الموسيقى.. أن تسحبني لأدخل معها عالم الطلاء والألوان داخل
حدود البرواز.. حدود نعرفها.. ونعيش بها ومعها.. حدود ملموسة..
ليست كحدودنا.
ينتصف الليل فأقوم لأطفئ المدفئة وأوقف تدفق الأنغام.. وأحمل اللوحة
لأضعها مقلوبة في الزاوية.. لتصطف مع مائة فتاة و مائة لوحة.. أعود
لفراشي وأغمض عيني.. لأكتب نهاية قصة هذا اليوم.. أملا في أن
ينجب اليوم التالي قصة أعيشها رغبة مني...........
اليوم التالي.. أصحو على نقر عصفور على النافذة.. فقد أعتاد هو
وعائلته أن يوقظونني كل صباح.. ربما تنتهي معاناتهم معي.. ومعاناتي
أيضاً.. آخذ نفساً عميقاً.. فتتسلل إلى رئتي رائحة الفجر.. فللفجر رائحة
خاصة يعرفها من داعب رئتيه بها.
أنا ولوحتي على الرداء الأخضر.. هذا اليوم أحسست بملل غريب.. فقد
شعرت بأنني أشيخ كنخلة لم يرها أحد.. وتستند إلى السنوات المتعبة..
رغم ذلك.. فقد أتقنت فتاتي على غير عادتي.. وألبستها ثوبا من
الإخلاص.. ناصح البياض.. وحلّيت جيدها بسلسال من الحب والوفاء..
وأضفت إلى عينيها مزيجاً من لون الحزن والاستفزاز معا.. ولونت
جسدها بلون صباح عذري..
حملت لوحتي إلى البيت كعادتي كلما عادت الشمس إلى مخبئها..
ووضعتها في مكانها وأعددت طقوسي ككل ليلة.. وبقيت أنتظر
كنت متعباً.. فلم أجد ضيراً في أن أغمض عيني قليلاً.. فلم أكن أنتظر
غير انتصاف الليل لأكتب نهاية قصة اليوم.. وانتظر الغد لأكتب فتاة أخرى..
هواء دافئ.. يغازل شفتي.. شعرت بشيء ما يتحرك قريبا مني .. بل
أمامي ويكاد يلتصق بي.. شعرت به يقرأني.. يفسرني.. يتفرس في
ملامحي.. يفك رموزي.. فتحت عيني بهدوء.. لأجدها
فزعت وابتعدت عني.. يا إلهي.. هي. هي.. هي .. كما رسمتها.. كما
أردتها .. تقف هناك.. حاولت الكلام معها.. فلم تفهم.. مددت يدي
إليها.. لم تقترب.. حاولت وحاولت.. دون جدوى.. عرفت أنه في عالم
اللوحات.. في عالم الصفاء والنقاء.. في عالم الصدق.. لا مجال للكلام..
ولا حروف ولا كلمات..
لتصنع المشاعر قاموسا آخر ولغة فريدة.. ليست للبشر..
أصبت بإحباط شديد.. فليس من المعقول أن أجد ضالتي.. ولا أستطيع
أن أتفاهم معها.. اقتربت مني بهدوء.. وضعت راحة يدها على قلبي..
وأخذت براحة يدي.. ووضعتها على قلبها...
- أتسمعني ؟! ... يا الهي.. لقد أحسست بهذه الكلمة.. أحسست
بها في قلبي
- أسمعك.. أجبتها بقلبي كما حدثتني بقلبها فابتسمت.. واستمر
الحديث بيننا بلغة القلوب وشفاهنا مطبقة
- من أنت ؟
- أنا من يبحث عن الأمـــل.. وأنتي؟؟
-أنا الأمــــل.. أتعلم بأنني أبحث عنك بين ألوانك منذ زمن
-أتعلمين بأنني أبحث عنك بين لوحاتي منذ زمن.. حتى ظننت بأنني
سأموت دون أن أجدك
-كان أبي يقول دائماً.. الرجال كالجبال.. يموتون في صمت
ابتسمتُ لما قالت.. فقامت وأخذتني إلى الزاوية وقالت
-هل سأبقى.. أم أنني سأكون لوحة أوضع مقلوبة في زاوية الماضي؟
أخذت بيدها إلى لوحتها.. وقلت بقلبي
- بل ستأخذينني معك.. إلى عالمك الأبيض.. وسنحيا هناك.. ولن أتركك
دخلنا اللوحة.. وتركت.. فرشاتي .. وألواني.. وماضي لوحاتي..
النهاية،،
[/c]
تحياتي،،،