بعد انتهاء احدى المحاضرات الطويلة جدا والمللة جدا جدا مع محاولاتي المستميتة في محاربة النعاس الذي يتسلل الى جفناي ولايأبى الا اسبالهما واراحتهما من جهد متواصل..لم أصدق تلك اللحظة التي سأل فيها الدكتورالطالبات ان كان لديهن اسئلة ففتحت عيناي الى اخرهما ونزلت الدرجات الثلاث من الطابق السابع الى الرابع حتى أؤدي صلاة المغرب التي اذن لها من حوالي ثلث ساعة..أنهيت صلاتي وتوجهت الى عيادة طبيب الأسنان التي لايفصلها عن مبنى الجامعة سوى بضع عمارات..وكان علي الانتظار بعض الوقت نظرا لأن الطبيب مشغول..جلست كعادتي أنتظر في غرفة الانتظار..ولم تمر ربع ساعة
حتى سمعت صوتا غريبا..لامرأة..لم يكن أنينا أو تأوها..بل شيء اخر!! لم أتبين ماهو حتى دخلت امرأة بصحبة زوجها الذي اثر الانتظار بعيدا حيث لم يعد ظاهرا للعيان..كانت تحتضن نفسها بكلتا يديها ويبدو عليها أنها ترتجف من البرد! وتصدر صوتا كذلك الصوت الذي نصدره عندما "نتجمد" من البرد..عجبا..فالجو ليس باردا برودة الأسكيمو ..بل..ليس هناك أي برودة..تمددت على احدى الارائك في غرفة الانتظار وهي ترتجف من البرد ولا تستطيع حراكا..عجبت فعلا منها..كانت تجلس تارة وتتمدد تارة..أردت أن أواسيها ولكن لم أعرف حقا مايمكنني فعله..قلت لها "سلامتك" ولكن يبدو أنها لم تنتبه لي..مرت أحدى الممرضات فسألتها عما بها فأجابتها أنها تموت من البرد..فطلبت سريعامنها أن تطفئ أجهزة التكييف ان كانت تعمل..ولكني وجدت أنها لاتعمل حقا..قلت لها مرة اخرى"سلامتك..خير ان شاء الله؟" فأجابت بأنها "بردانة"..لم أدر لم تملكني شعور غامض بالرغبة باحتتضانها علها تشعر ببعض الدفء الذي تتوق اليه..فتحسست يداي فلم أجدهما دافئتين..فخفت أن "أزيد الطين بلة" وأن أزيد من شعورها بالبرد فظللت مكاني..لحظات مرت ومازالت أسنانها تصطك من البرد..فلم أتمالك دموعي التي أصرت أن تلمع في عيناي..هل هي
حقا تشعر بالبرد؟أعني..هل شعورها بالبرد هذا جسدي حقا؟ أم نفسي؟ هل جسدها الذي يرتجف ويفتقد الدفء؟ أم قلبها؟ وياترى..ماذا ان احتضنتها حقا..وشعرت هي بدفء قلب شخص لايعرفها..وماذا لو احتضنها زوجها..أو أمها..أو صديقتها مثلا..أسيأبى هذا الصقيع أن ينصهر؟ كثيرا مانمرض وتسوء صحتنا بسبب سوء حالتنا النفسية..حتى اذا سمعنا خبرا سعيدا زالت الحمى ورفرف القلب وطار المرض..قرأت ذات يوم خبر يقول أن أغلب المرضى لايقصدون الطبيب الا لحاجتهم الماسة لمن يعيرهم سمعه..فلماذا نترك أصدقاءنا وأحبابنا تلك الأوقات الطوال لا نسأل عنهم ..لماذا لانجلس مع أطفالنا نحاول أن نسمع قصصهم المرحة أحيانا والمملة أحيانا أخرى..لانحاول أن نلعب معهم..لماذا أصبحنا نفضل "الماسيجات"مثلا للتهنئة بمناسبة معينة عوضا عن المحادثة؟ أشياء كثيرة تزاحمت في خاطري ذاك الوقت ولم يقطع حبل أفكاري سوى نداء الممرضة بالدخول.....
--------------------
ماكتبته هنا هو شيء من مذكراتي..فوجئت به ذات يوم وأنا أقلب ملفاتي حين غاب عني النت ولاأخفي عنكم أنني أستغرب جدا من الأشياء التي أكتبها ثم أعود لها بعد زمن..حتى أنني أسأل نفسي..من الذي كتبها؟؟ هل في هذا شيء من الجنون؟؟ يللا مجنونة مجنونة ماشي الحال!!