طلاقة القدرة في الكون
ولم تقف طلاقة قدرة الله في خلق الانسان عند هذا الحد، بل امتدت لتشمل كل أوجه الخلق، فألصل في الايجاد هو من ذكر وأنثى، ولكن الله سبحانه وتعالى بطلاقة قدرته خلق انسانا بدون ذكر أو أنثى وهو " آدم" عليه السلام، وخلق من ذكر بدون أنثى وهي " حواء"، خلقها من ضلع آدم عليه السلام، وخلق انسانا من انثى بدون ذكر وهو " عيسى" عليه السلام، وهذه كلها حدثت مرة واحدة لاثبات طلاقة قدرته، وهي لا تتكرر، لأنها تلفتنا الى طلاقة قدرة الله سبحانه وتعالى، وأنه ليس على قدرته قيود ولا حدود، فهو جل جلاله خالق الأسباب، وقدرته تبارك وتعالى فوق الأسباب، على أن هناك أشياء كثيرة عن طلاقة قدرة الله بالنسبة للانسان سنتحدث عنها تفصيلا في فصل قادم.
نأتي الى طلاقة قدرة الله تعالى في ظواهر الكون، لو أخذنا المطر مثلا، الله سبحانه وتعالى بأسباب الكون جعل مناطق ممطرة في الكون، ومناطق لا ينزل فيها المطر، والعلماء كشف الله لهم من علمه ما جعلهم يضعون خريطة للأسباب تحدد المناطق الممطرة وغير الممطرة.
يأتي الله سبحانه وتعالى في لفتة الى طلاقة قدرته، قتجد المناطق الممطرة لا تنزل فيها قطرة ماء وتصاب بالجدب، ويهلك الزرع والحيوان، وقد يموت الانسان عطشا، بالرغم من أن هذه المناطق كان المطر ينزل فيها وربما سار في أنهار ليروي غيرها من البلاد التي لا ينزل فيها المطر. فنجد مثلا منابع النيل التي هي مناطق غزيرة المطر، تأتي فيها سنوات جدب فلا يجد الناس الماء، ونجد بلادا كالولايات المتحدة وبلاد أوروبا يصيبها الجدب في سنوات، ولا يحدث هذا بشكل مستمر، بل في سنوات متباعدة، لو أن المطر ينزل بالأسباب وحدها ما وقع هذا الجدب في المناطق الغزيرة المطر، ولكن الله يريد أن يلفتنا الى طلاقة قدرته والى أن الماء الذي ينزل من السماء ليس خاضعا للأسباب وحدها، ولكن الي يحكمه هو طلاقة قدرة الله، حتى لا نعتقد أننا أخذنا الدنيا وملكناها بالأسباب، ولكي نعرف أن هناك طلاقة لقدرة الله سبحانه وتعالى هي التي تعطي وتمنع، وأنه جل جلاله فوق الأسباب وهو سبحانه المسبب يغيّر ويبدّل كما يشاء.
فاذا جئنا الى الزرع، ذلك الذي فيه عمل للانسان، نجد مظاهر طلاقة القدرة، فالانسان يزرع الزرع والله يعطيه كل الأسباب، الماء موجود والكيماويات متوفرة، والأرض جيّدة، ثم بعد ذلك تأتي آفة لا يعرف أحد عنها شيئا، ولا يحسب حسابها فتقضي على هذا الزرع تماما، وفي ذلك يقول الحق سبحانه وتعالى:
{ وأحيط بثمره فأصبح يقلّب كفيه على ما أنفق فيها وهي خاوية على عروشها ويقول ياليتني لم أشرك بربي أحدا} الكهف 42.
ونحن نعرف أن الآفات تصيب كل مكان في الأرض لا يعلو عليها علم مهما بلغ، وهكذا نعرف أن الأرض لا تعطينا الثمر بالأسباب وحدها، ولكن بقدرة الله سبحانه وتعالى التي هي فوق الأسباب، لكيلا نعبد الأسباب وننسى المسبب وهو الله تعالى.
فاذا انتقلنا الى الحيوان نجد طلاقة القدرة واضحة، فهناك من الحيوان ما تزيد قوته على الانسان مرات ومرات، ولكن الله سبحانه وتعالى قد أخضعه وذلله للانسان، فتجد الصبي الصغير يقود الجمل أو الحصان ويضربه، والجمل مثلا يستطيع أن يقضي عليه بضربة قدم واحدة ولكنه لا بفعل شيئا ويمضي ذليلا مطيعا ولا يرد على الايذاء رغم قدرته على ذلك، ونجد الكلب مثلا يحرس صاحبه ويدافع عنه لأن الله ذلله له.
فاذا جئنا الى الذئب أو الى الثعب من نفس فصيلة الكلب نجده يفترس الانسان ويقتله، ولو أن هذا التذليل للحيوان بقدرة الانسان لاستطاع كما ذلل الجمل والبقرة والكلب أن يذلل الذئب والثعلب وغيرهما من الحيوانات، ولكن الله يريد أن يلفتنا الى أن هذا التذليل بقدرته سبحانه وتعالى، ان الثعبان الصغير وهو حشرة ضئيلة الحجم يقتل الانسان، دون أن يستطيع أن يذلله، ليلفتنا الله سبحانه الى أن كل شيء بقدرته وجعل موازين القوة والضخامة تختل، حتى لا يقال ان هذا الحيوان قوي بحجمه أو بالقوة التي خلقت له، بل جعل أضعف الأشياء يمكن أن يكون قاتلا للبشر.
ثم نأتي الى الجماد، الأرض من طبيعتها ثبات قشرتها حتى يستطيع الناس أن يعيشوا عليها، ويبنوا مساكنهم، ويمارسوا حياتهم، ولو أن قشرة الأرض لم تكن ثابتة لاستحالة الحياة عليها، ولاستحالت عمارتها، والله سبحانه وتعالى يريد منا عمارة الأرض، ولذلك جعل قشرتها ثابتة صلبة، ولكن في بعض الأحيان تتحول الى عدم ثبات، فتنفجر البراكين ملقية بالحمم، وتحدث الزلازل التي تدمر كل ما على المكان الذي تقع فيه.
ويتقدم العلم ويكشف الله بعضا من علمه لبعض خلقه ما يشاء، ولكن يبقى الانسان عاجزا على أن يتنبأ بالزلازل، فيأتي الزلزال في أكثر بلاد الدنيا تقدما ليفاجئ أهلها دون أن يشعروا بقرب وقوعه، بل انه من طلاقة قدرة الله تعالى أنه أعطى بعض الحيوانات، التي ليس لها عقول تفكر، ولا علم ولا حضارة، أعطاها غريزة الاحساس بقرب وقوع الزلزال، ولذلك فهي تسارع بمغادرة المكان أو يحدث لها هياج، ان كانت محبوسة في لأقفاص أو حظائر مغلقة، وذلك ليلفتنا الله سبحانه وتعالى الى أن العلم يأتي منه سبحانه وتعالى ولا يحصل عليه الانسان بقدرته، فيعطي سبحانه من لا قدرة له على الفكر والكشف العلمي ما لا يعطيه لذلك الذي ميزه بالعقل والعلم.
لماذا؟ لنعلم أن كل شيء من الله فلا نعبد قدراتنا، ولا نقول: انتهى عصر الدين والايمان وبدأ عصر العلم، بل نلتفت الى أن الله يعطي لمن هم دوننا في الخلق علما لا نصل نحن اليه، فنعرف أن كل شيء بقدرته وحده سبحانه وتعالى.
ومظاهر طلاقة قدرة الله في الكون كثيرة، فهو وحده الذي ينصر الضعيف على القوي، وينتقم للمظلوم من الظالم، وكل ما في الكون خاضع لطلاقة قدرة الله سبحانه وتعالى، على أن طلاقة القدرة في تغيير ما هو ثابت من قوانين الكون كلها ويحدث الدمار وتنتهي الحياة.
وذلك مصداقا لقوله تعالى:
{ اذا السماء انفطرت واذا الكواكب انتثرت واذا البحار فجّرت واذا القبور بعثرت علمت نفس ما قدمت واخرّت} الانفطار 1_5.
وهناك آيات كثيرة في القرآن الكريم، تنبئنا بما سيحدث عندما تقوم القيامة.
اذن الذين يقولون: ان عظمة الله سبحانه وتعالى في خلقه هي الثبات والدقة الت لا تتأثر بالزمن، والتي تبقى ملايين السنين دون أن تختل ولو ثانية واحدة، نقول لهم: هذه موجودة وانظروا الى القوانين الكونية ودقتها وكيف أنها لم تتأثر بالزمن.
والين يقولون: ان عظمة الحق سبحانه وتعالى في طلاقة قدرته في كونه، وألا تكون الأسباب مقيدة لقدرة الخالق والمسبب، نقول لهم: انظروا في الكون وحولكم مظاهر طلاقة القدرة، وليست هذه المظاهر مختفية أو مستورة، بل هي ظاهرة أمامنا جميعا، وليست في أحداث بعيدة عن حياتنا، بل هي تحدث لنا كل يوم.
واذا صاح انسان من قلبه: (ربنا كبير)، أو (ربنا موجود)، أو ( ربك يمهل ولا يهمل)، فمعنى ذلك أنه رأى طلاقة قدرة الله، تنصف مظلوما، أو تنتقم من ظالم، أو تنصر ضعيفا على قوي، أو تأخذ قويا وهو محاط بكل قوته الدنيوية.
فالانسان لا يتذكر قدرة الله عندما يرى الكون أمامه يمضي بالأسباب، ذلك أن هذا شيء عادي لا يوجب التعجب، فانتصار القوي على الضعيف لا يثير في النفس اندهاشا، والأجر المعقول للعمل شيء عادي، والأحداث بالأسباب هو ما يعيشه الناس، ولكننا نتذكر قدرة الله تعالى اذا اختلت الأسباب أمامنا، وجاء المسبب ليعطينا ما لا يتفق مع الأسباب ولا مع قوانينها.
في هذا الفصل استعرضنا بعض أسباب الوجود التي تثبت قضية الايمان بالدليل العقلي، ولكن الله سبحانه وتعالى يقول:
{ وفي أنفسكم أفلا تبصرون} الذاريات 21.
على أن بعض الناس ينظر الى نفسه فلا يرى شيئا، فما معنى هذه الآية الكريمة؟
{ وفي أنفسكم أفلا تبصرون}
آيات الله في خلق الانسان
هذه الآية يمر عليها كثير من الناس دون ان يتنبهوا الى الفيوضات والمعاني التي تحتويها. بل انك ا1ذا سألت انسانا غير مؤمن ماذا يعرف عن هذه الآية الكريمة؟ فيقول لك: لا شيء في نفسي!!
فأنا انسان أولد وأكبر وأتزوج وأعمل وتنتهي حياتي وأموت. فماذا في نفسي؟ نقول له: لو أنك تدبرت لعلمت أن في نفسك آيات وآيات.. سنذكر في هذا الفصل بعض هذه الآيات، لأن آيات الله في الانسان كثيرة ومتعددة.
أول شيء هو قول الحق سبحانه وتعالى:
{ واذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى، شهدنا أن تقولوا يوم القيامة انا كنا عن هذا غافلين} الأعراف 172.
اذا قرأت هذه الآية يقول لك غير المؤمن: لم نشهد شيئا ولم نرى شيئا ولم نحس شيئا! ونقول: بل شهدت، وأنت شهيد على نفسك في ذلك، كيف؟ الله سبحانه وتعالى عرفنا بانه موجود، وعرفنا بشهادة ربوبيته وليس بشهادة ألوهية، ومعنى ذلك أن المؤمن والكافر يعلم في نفسه وجود الله، ولكن الكافر يحاول أن يستر هذا الوجود ليحقق شهواته وما يريد ولو على حساب حقوق الآخرين، ولننظر الى ما أحل الله وما حرّم الله، ثم لننظر الى النفس البشرية على عمومها لنرى ما تفعل، ولنعرف يقينا أن هذه النفس تعرف ما أحل الله وتستريح له وتنسجم معه، وتعرف ما حرّم الله فيصيبها انزعاج واضطراب وذعر وهي ترتكبه، وأول هذه الأشياء هو العلاقة بين الرجل والمرأة.
اذا جاءك رجل وقال: أريد أن أختلي في حجرة ابنتك، ماذا تفعل به؟ قد تقتله، وان لم تقتله قد تضربه، ويعينك على ذلك كل الناس، وسيجد فعله هذا استناكارا عاما من المؤمن وغير المؤمن.
فاذا جاءك هذا الرجل وقال: أريد أن أتزوج ابنتك، فانك تستقبله بالترحاب وتدعو الناس للترحيب به، وتعلن النبأ على الجميع، وتعقد القران، وبعد عقد القران تتركه هو وابنتك في الحجرة، وتوافق على الخلوة بينهما.
ما الفرق بين الحالتين؟ بعض الناس يقول انها وثيقة الزواج التي تحرر، فهل الفرق هو الورقة فعلا؟ لا، الفرق هو الحلال والحرام، ما أحله الله وما حرّمه، ما أحله ينسجم مع النفس البشرية ويقبله كل الناس، وما حرّمه الله تستنكره كل نفس بشرية وتنفعل ضدّه.
كيف يحدث هذا؟ لأنك عرفت يقينا منهج الحق والباطل، وممن عرفته؟ من الذي وضعه، ليس هذا فقط، بل انظر الى انسان في شقة مع زوجته، يدخل مطمئن تماما يدخل أمام الناس الى بيته، واذا طرق الباب قام وفتح للطارق، واذا جاء صديق استقبله باطمئنان، واذا خرج الى الشارع وأخذ زوجته معه أمام الناس جميعا، انظر الى نفس الرجل مع زوجة غيره، يغلق الأبواب ولنوافذ حتى لا يراه أحد، واذا طرق الباب انزعج ولا يفتح، واذا جاءه صديق أصيب بالذعر، واذا خرج الى الشارع مشي بعيدا عنها.
ما الفارق بين الحالتين؟ الفارق هو الحلال والحرام اللذان تعرفهما كل نفس، حتى تلك التي لم تقرأ شيئا عن الدين، لأن الله تعالى قال:
{ وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى}.
فاذا انتقلنا بعد ذلك الى اوجه الحياة، لص يريد أن يسرق، يتأكد أولا من أن الطريق خال، ولا يجرؤ أن يفعل ذلك الا في الظلام أو بعيدا عن الناس، وبمجرد أن يأخذ ما يريد ان يسرقه ينطلق بسرعة وهو يتلفت يمينا ويسارا خوفا من أن يراه أحد، ثم يبحث عن مكان يخفي فيه المسروقات، انفعالا رهيبة في داخله تؤكد أنه يعرف أن ما يفعله اثم وخطيئة، لكن الانسان عندما يريد أن يدخل بيته ليأخذ شيئا دخل أمام الناس جميعا ومشى باطمئنان، وحمل الشيء الذي يريده وهو لا يخشى أن يراه أحد، ذلك أنه يحس في داخله بأنه يفعل شيئا لا يحرّمه الله، الذي يأخذ رشوة مثلا، يتلفت حوله يمينا ويسارا ويسارع باخفائها، والذي يقبض مرتبه يفعل ذلك أمام الدنيا كلها.
وهكذا كل مقاييس الخير والشر، مقاييس الخير تنسجم معها النفس البشرية، وتحس بطبيعتها وراحتها، ومقاييس الشر تضطرب معها النفس البشرية وتحس بالفزع والذعر وهي ترتكبها، من الذي وضع في النفس هذا، أنها تعرف يقينا هذه المقاييس التي وضعها الله لمنهجه في كونه، ومن الذي أعلم هذه النفس أن هناك مقاييس، وأن هناك الها، الا أن تكون الآية الكريمة:
{ واذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى، شهدنا أن تقولوا يوم القيامة انا كنا عن هذا غافلين} الأعراف 172.
هي التفسير الوحيد لمقاييس الخير ومقاييس الشر التي وضعت فينا بالفطرة، وبما أن هذا عطاء ربوبية، فان الله سبحانه وتعالى رب الناس كل الناس، من آمن به ومن لم يؤمن، ولذلك وجدت في البشر كلهم.
نأتي بعد ذلك الى نقطة ثانية، الله سبحانه وتعالى غيب، وغير المؤمن يقول أنا لا أؤمن الا بما أرى، أنا هو غيب عني فلا أؤمن به لأنني لم أشهده، والايمان غير الرؤية، فأنت اذا رأيتني أمامك لا تقول: أنا أؤمن أني أراك، لأن الرؤية عين يقين ليس بعدها دلالة! ولا تقول أنا أؤمن أنني أجلس مع أصدقائي، ولا تقول اني أؤمن أني لست أرى الشمس مثلا!! ذلك هو عين اليقين، وهناك: " علم يقين"، " وعين يقين"، " وحق يقين".
فعلم اليقين هو الذي يأتيك من انسان تثق فه وفي أنه صادق في كلامه، فاذا قال لك انسان مشهود له بالصدق أنا رأيت فلانا يفعل كذا، فأنت تصدق بوثوقك بمن قال، فاذا رأيت الشيء أمامك يكون ذلك " عين اليقين"، فالذي يقول لك مثلا ان هناك مخلوقا نادرا في بلدة كذا فأنت تصدقه، لأنك تثق به، فاذا جاء معه بهذا المخلوق وأظهره أمامك أصبح علم اليقين عين اليقين، فاذا لمسته بيدك وتحسسته وتأكد من اوصافه يكون هذا " حق اليقين".
ولذلك فان الحق سبحانه وتعالى حين يخاطب عغير المؤمنين عن جهنم يقول:
{ كلا لو تعلمون علم اليقين لترونّ الحجيم ثم لترونّها عين اليقين} التكاثر 5_7.
أي أن كلا منا سيرى جهنم بعينيه في الآخرة، ثم يقول سبحانه وتعالى:{ وأما ان كان من المكذبين الضالين فنزل من حميم وتصلية جحيم ان هذا لهو حق اليقين} الواقعة 92-95.
أي أن الكفار حين يدخلون النار ويعذبون فيها سيكون ذلك حق اليقين، أي واقعا يعيشونه وليست مجرّد رؤية.
هذه هي الرؤية، أما الايمان فهو تصديق بغيب، فأنت تقول: أنا أؤمن أن ذلك حدث كما أراك أمامي، أي أنك لم تشهد ما حدث، ولكنك وصلت بالدليل والاقتناع الى أنه قد حدث، وأصبح في نفسك كيقين الرؤية تماما.
أين الروح في جسدك؟
غير المؤمنين يقول ان الله غيب وأنا لا أصدق الا ما أرى! نقول: قبل أن تعلن هذا الكلام تذكر الآية الكريمة:
{ وفي أنفسكم أفلا تبصرون}.
وأنت في جسدك الروح هي التي تهبك الحياة والحركة، فاذا خرجت الروح من جسدك سكنت الحركة وانتهت الحياة.
اذن كل منا يعرف أن هناك شيئا اسمه الروح، اذا دخل الجسد أعطاه الحياة، واذا خرج كمه توقفت الحياة، فمن منا رأى الروح؟ بل من منا يعرف أين موقعها من الجسد؟ أهي في القلب الذي ينبض؟ أو في العقل الذي يفكر؟ أو في القدم التي تتحرك؟ أو في العين التي ترى؟ أو في الأذن التي تسمع؟ أين مكانها بالضبط؟ وما هي الروح؟
أكبر علماء الدنيا لا يعرف عنها شيئا، حتى ذلك العالم السويسري الذي جاء بالناس وهم يحتضرون ووضعهم على ميزان دقيق، وعندما أسلموا الروح وجد أن الجسد قد فقد بضع جرامات لحظة خروج الروح، فأعلن أن الروح لها وزن، أو أن لها كيانا ماديا وان كان لا يزيد على غرامات، نقول ان هذا غير صحيح، لأن هذه الجرامات قد تكون هي وزن الهواء الذي خرج من الرئتين، ولم يدخل غيره، أ, تكون بسبب توقف سريان الدم بالجسم.
اذن الروح، وهي موجودة في جسدك، غيب عنك، فأنت لا تعرف ما هي؟ ولا أين هي؟ وأنت لا تعرف كيفية سريانها في الجسم، والا قل لنا اذا أصيب الانسان في حادث وبترت ساقاه، أين ذهبت الروح التي كانت في الساقين تعطيهما الحركة والحياة؟ ولكنك تستدل على وجود الروح مع أنها غيب عنك بآثارها في أنها تعطي الحياة والحركة لجسدك، ولكن هل وجود الروح في المخلوق الحيّ وجود يقيني؟ يقول أكبر علماء الدنيا الماديين: نعم، ولا يستطيع أحد أن ينكر ان الجسد الحي فيه الروح، وأن الجسد الميت قد خرجت الروح منه.
اذا فوجود الروح علم يقين مستدل عليها بأثارها، فهل اذا كان وجود الروح في جسدك يؤكد لك يقينا أنها موجودة مستدلا على ذلك بالحركة والحياة التي تعطيها في الجسد، ألا يدل هذا الكون كله بما فيه من اعجاز الخلق على وجود الله يقينا؟ ألا تنظر الى جسدك والروح فيه ثم تنظر الى الكون لتستخدم نفس القانون؟ أم أنك في جسدك لا تستطيع أن تجادل, وفي الكون بعظمته تجادل؟! أليس هذا كذبا على النفس واحتقارا لمهمة العقل!! ألا نتدبر في معنى الآية الكريمة:
{ وفي أنفسكم أفلا تبصرون}؟!.