قال الجبل - عفا الله عنه- : مر بي ذات ليلة أسير هارب مثقل الخطى ، منهك القوى، مثخن الجراح،فاستأذن أن يكتب رسالة إلى أحبته على صخرة من صخوري،فأذنت له وكتب:-
((هذه الدنيا أمرها عجيب ، وشأنها غريب ، فهي دار ألم وسرور، ينعم بدفء حنانها من أقبلت إليه بسرورها ، ويتذمر منها من تسوق إليه مصائبها.
لله درها،
ثم لله درها ،نقشت في جدار ذاكرتي حكايات كانت لي معها لن أنساها ، وقد كان الحظ حليفي معها فأقبلت علي بزينتها كأجمل عروس ليلة عرسها وأرضعتني الملذات ، جرعات وجرعات حتى بين كل جرعة وجرعة ترضعني جرعة، فشربت من ملذاتها حتى الثمالة : فراشي وثير ووسادتي حرير، وكلامي أمر، وأمري مطاع ، وصيتي ذاع.و ليلي سهر ونغم ، وحروفي توزن بالذهب ، وقبل أن تكتمل فرحتي ...خلعت الدنيا زينتها ، وكشرت عن أنيابها ، وحدت أظافرها، وأبدلت بالود عداوة، وبالقرب بعد ، وبالحلو مـر ، وبالنغم أنة ألم، وآهة ندم ، وجعلت الدار خراب ، وأبعدت عنا الأحباب ،وانقطعت بنا الأسباب 0
ولازال مركب الزمن يبحر بنا نحو أبعد موطن عنكم ،ولازال مركب الذكرى يربطنا بكم ،ويزيدنا حنيناً وشـوقاً إليكم0
أحبابنا..
أمامنا أمران لا ثالث لهما حلوهما مر علقم، وسم قاتل ،إما اكتمال البلية ،وهي أن توافينا المنية،وإما عودة غير محمودة ، مكبلين من قبل الجنود ،في ذل الأسر ، والحر يفضل الموت على الأسر.
أحبابنا..
وبقي أمل ...
هناك باب لا يرد من طرقه، الواردون إليه متفائلون ، و الصادرون منه فرحون، إنه باب العزيز الحكيم الذي يعز من يشاء ويذل من يشاء، فأسأله أن يجمعني وإياكم في دار البقاء إنه على ذلك لقدير0))
***
الجبل