عندما تكون أغنى رجل في العالم خارج الولايات المتحدة، ورجل أعمال سعودياً ناجحاً وصاحب خبرة واسعة ونفوذ عالمي، وعضواً بارزاً في الأسرة المالكة وعلاقتك ممتازة مع القيادة، تحرص على تنميتها بلقاء أولياء الأمر وتستجيب لمشورتهم وتجعل استثماراتك حول العالم في خدمة السياسة الوطنية، ثم تقول إنك متفائل في شأن مسيرة الإصلاح، وإنه حقيقي وإن ما سمعه المواطن السعودي مجرد "رأس جبل الثلج القادم"، فإن في ذلك أخبارا طيبة لكل سعودي يتطلع إلى مستقبل أفضل.
هذا ما اقتنعت به بعدما أمضيت عدة ساعات في بر (رماح) خارج العاصمة السعودية مع صاحب السمو الملكي الأمير الوليد بن طلال، تحدثنا خلالها عن الإصلاح والتطورات الجارية في المملكة أكثر مما تحدثنا عن الخمسة والسبعين بليون ريال التي يمتلكها ولا تملكه، ويستثمرها في قارات العالم الخمس. إنه المستثمر الدولي الأول ولكنه هذه الأيام منشغل مثل أي مواطن عادي بموضوعنا الأول، "الإصلاح" ولكن الوليد يتميز عن غيره من المواطنين المهتمين بالإصلاح إنه قريب من مركز صنع القرار، رفع عصاه التي يتوكأ عليها في سيره في صحراء رماح وأشار "مزرعة عمي عبد الله هناك ومخيم عمي سلطان هنا وهناك عمي نايف، كلهم موجودون في هذه المنطقة ومجلسهم مفتوح، لن تصدق حجم الصراحة التي نتحدث بها والجميع متفق على ضرورة الإصلاح".
كانت النار تشتعل في وسط المجلس، وقد أسندنا ظهورنا إلى مساند قطنية، بدا هلال رمضان مكتنزا أمامنا في ليلة الرابع، ما فتح الموضوع التلقائي "هل صمنا يوما متأخرا؟" ضم المجلس خليطا عجيبا، : سعوديون يخلطون العربية بالإنجليزية، وبدوي يلقي قصيدة نبطية، وعالم دين يعود إليه الوليد بين تارة وأخرى يسأله في أمر من أمور الدين أو يتطوع هو ويصحح حديثاً أو رأياً يتحمس له "ليبرالي" يتحرق إلى مزيد من الانفتاح. أشار الوليد إلى شيخ بجواره وقال " هذا جده فيصل الدويش، أكبر متشدد في زمانه (أحد قادة الإخوان الذين خرجوا على المغفور له الملك عبد العزيز)، والآن أبناؤه معنا، هذا وطن لا يلفظ أبناءه ولن يشادَّ الدين أحد إلا غلبه " وافق الدويش الابن الأمير الوليد قائلا "الحمد لله على نعمة الإسلام".
أخذت نسمات الهواء النقي تزداد برودة، رفع أحد الجمال التي ناخت غير بعيد عن المجلس صوته بالرغاء، في الوقت الذي أخذ المواطنون الذين قدموا للسلام على الأمير وتقديم المعاريض يطلبون منه مساعدة مالية أو قضاء دين أو طلب وظيفة أو علاج مريض، ينصرفون وهم يرفعون أصواتهم " سلمك الله يابوخالد.. يديم عزك ". لن يستجيب الأمير لكل الطلبات ولكن ما سيلبيه منها سيزيد على مليون دولار في تلك الليلة.
وسط كل هذا كان الأمير الشاب يتحدث لضيوفه ويستمع لأصحاب المعاريض والقصائد، ويجيب على اتصالات هاتفية لا تنقطع ويتخذ قرارات مالية في بيروت أو نيويورك، بينما انتصبت أمامه شاشتا تلفزيون هائلتان في ركني المجلس وأمامه مباشرة شاشة صغيرة، تبث محطة CNBC باستمرار، كانت تعرض ساعتها تقريرا عن شركة سوني التي أقالت في ذلك اليوم 20 ألفا من موظفيها وبدا على الشاشة جرافيك يظهر عليه سهم الشركة المتدهور، سألته " هل تجد فرصة استثمارية هنا؟ المعروف عنك أنك تتدخل في مثل هذه الحالات، اسم قوي وأسعار تترنح؟ " ابتسم وقال " لا.. لا، لن أشتري في سوني، لدي الحصة التي أريد في قطاع الترفيه، وتتوافق مع خطتي في توزيع استثماراتي.. كما أن سعر السهم ما زال مرتفعا "، أنهى حديثه بسرعة مثلما يفعل دوما، وعدنا إلى موضوعه المفضل هذه الأيام "الإصلاح".
معظم ما في المخيم له علاقة بشركات الوليد، فالجوالات الأفضل أن تكون موتورولا، والكمبيوترات المحمولة هيوليت باكارد، وبالتالي كان من الطبيعي أن تتسمر الشاشة الثالثة على مشروعه الجديد " روتانا " التي تستقطع وقتا طيبا من اتصالاته، والتي تمثل أداة جديدة في التجارة غير مستخدمة إلى مداها في العالم العربي، إنها حقوق الملكية الفنية.
الصورة السابقة ليست حياة الوليد بن طلال، بل هي حاضر المملكة العربية السعودية ومستقبلها، فالوليد واحد من جيل شديد الانتماء للوطن ولكن آفاقه العالم كله، يحن إلى الصحراء والروشان الخشبي ولكن يبني ناطحات السحاب بأعلى تقنية متاحة، يتأمل هلال رمضان ويصوم يومه ويقيم ليله وإن اجتهد فجمع مغربه وعشاءه وتراويحه، ثم يقول " الحمد لله، الإسلام دين يسر " جيل يتطلع إلى المستقبل ويريد أن يكون له دور ومشاركة ولكنه شديد الاحترام للأب والعم يعترف بفضلهم وقدرهم وسمع لهم ويسعد عندما يستمعون له ويسعد أكثر عندما يستجيبون له.
مع واحد من هذا الجيل كان الحوار التالي:
تابع الجزء الثاني