درس في اللغة العربية


البتول الهاشميه



جريدتي العزيزة , أبدا , ترفض أن تدعني بسلام , إن كتبت لها عن أمريكا تقول ألم يعد في العالم إلا هذا , و إن حدثتها في السياسة تخبرني بان دهاليزها اكبر من أن يكشفها رجل فكيف لو كانت امرأه , و إن تحدثت عن الإرهاب ترد بأنه موضوع اكبر من إن يستوفيه مقال , و هكذا , دوما ما تستهون ببنات أفكاري .

منذ أيام بلغ بي الغضب حدا جعلني أتجرأ عبر أسلاك الهاتف وأن أقول : لما تتطلبون منى ان اكتب عن اللغة العربية بالذات , وهذا موضوع عتيق فلم التجديد !! وقبل أن أعلن أني لست بشاعرة لأقلب في مناجمها و كنوزها ؟ لم انتظر الجواب وأقفلت وانا اقول بنفسي لعلهم اكتشفوا فقرى اللغوي , بصراحة شعرت بالأحراج غير ان حب الكتابه العتيق في داخلى وجد لى منفذا آمنا للخلاص , فجاءت افكارى تعلن عن امرأة قررت أن تقبل التحدي , ولتكن اللغة العربية حلبتي القادمة ..

الصعوبات ظهرت بأسرع مما كنت أتوقع , فماذا عساني أقول بها , موسيقى عذبة , بحر هادر من المفردات , أصالة , ترسانة تعبيرية , كله معروف لابن الشارع , إذا فالمطلوب غير هذا تماما , و ظلت الأفكار تلعب بي يمينا و شمالا حتى اهتديت إلى فكرة بسيطة, إلا و هي شرح بعض قواعد النحو , طبعا لست أنا الذي أضيف جديد على أبو الأسود الدؤلي ( مؤسس علم النحو ) و لكن الجود من الموجود , و حتى اقطع الطريق على بعض المتشككين الدائمين أعلن أن الدرس قد بدأ .

أولا الضمائر و ما أدراك, كأن يقول الرجل مثلا: ضربت زوجتي

هنا التاء تاء الفاعل ....المتحركة ( والتحرك من مصادر القوه دائما )

ثم نكمل القصة بقولنا : بكت الزوجة

هنا التاء هي تاء التأنيث...و لكن الساكنة, التي لا حول لها و لا قوة , وبلغة النحو لا محل لها من الإعراب...!!!

ننتقل إلى أحرف النصب و لفهمها نسوق المثال التالي ...

- يقول المسؤولون : نحن هنا كي نحقق أحلام الشعب . -

طبعا الكي هنا حرف ( نصب ) و الأحلام هي المفعول به للمسؤولين , و الشعب هو مضاف إليه ..أي تم إلحاقه بالجملة ليكتمل المعنى إذ كيف للمسؤول أن يعيش بلا شعب ..

و طبعا هنا لا بد من التفريق بين أحرف النصب و النهي , و يمكننا فهم ذلك فى الجملة التالية : - - لا تعترض -

هنا اللا ناهية ..أي تنهيك عن الاعتراض و قد تنهيك وتخفيك بعده , و هي طبعا جازمة بمعنى إنها حاسمة للقصة ..

و هذا لا يلغي وجود أحرف غير جازمة ...خذ الجملة التالية مثلا ..

يقول مرشح الجماهير : إذا انتخبتموني سأعمل على مكافحة فقركم ...هنا جاءت الإذا أداة شرط و لكنها غير جازمة , بمعنى انك قد تنتخب هذا المرشح أو ذاك , و لكن هذا لا يقتضي أن يعمل على قتل فقرك حتى لوكان الفقر لصا او قاتلا !!.

و قد يتساءل القارئ ممتعضا...ألا يوجد في هذه اللغة إلا أحرف النصب و الجزم و النهي و نرد لا , فهناك الكثير من الأحرف المتنوعة شكلا و إعرابا , فهل من سمع منكم بلام المزحلقة ...حسنا اقرؤوا معي : إن كلمة الحق لمفيدة .

اللام هنا هي لام المزحلقة التي قد تزحلقك إلى دهاليز و مزالق لسنا بصدد شرحها الآن ...

و الآن دعونا نتشعب اكثر لنتناول بعض من الأفعال المستتره كأن يقول قائل : تسربت الأموال العربية إلى الخارج .

هنا لا يوجد فاعل إنما هو مبني على مجهول , والذي يدل عليه هو الضمير المتعلق به , و هو غائب تماما وابدا .

و نأتي سريعا على الحال كما سيرد الآن: غادر الرجل وطنه سعيدا...حيث كلمة سعيدا تدل على حال هذا الرجل

والحال طبعا غير التمييز الذي يتضح من خلال قولنا : يوجد في هذا الحي ثلاثون فقيرا , إذا لا يجب أن نقول ثلاثون و نقف و إلا كيف للقارئ أن يعرف إن كانوا ثلاثون فقيرا أو ثلاثون سفيرا مثلا .و من هنا وجب التمييز و الإيضاح .

بقي أن أتحدث عن واو الجماعة على اعتبار أن اللغة العربية هي آخر معقل للوحدة العربية ونفسرها بقولنا:

يا أبناء الوطن الغالي اتحدوا .

فالفعل هنا اتحدوا و الواو هي و لا شك واو الجماعة, أما الألف التي تشبه العصا فهي للتفريق.

توضيح : إن كل الأمثلة التي وردت في المقال تهدف استيضاح القاعدة البيانية , وإن لمحت أو بطنت فان ذلك بفعل الصدفة المحضة , و أنا لست مسؤولة عن أي تفسير جانبي , صحيح أني احب اللغة العربية و لكنني اكره .. كان في خبر كان !!

28 – 12 – 1425 ه



لم أشأ أن اعلق على هذا النص بالرغم من انه يخلق دوافع فورية و يحفز على ذلك . و السبب عائد إلى رغبتي في الإنتشاء و الإستمتاع قدر الإمكان. فنادرا ما نجد أنفسنا أما نظير له بسبب الجمالية و الفنية و العمق الغائر ، واحتوائه على ما يعج العالم به في منتهى اليسر .
هناك فقرات في النص كانت تجعلني أضحك بملء شدقي و بأعلى صوتي حتى أن كل من في البيت كانوا يتجمعون حولي مستقصين السبب
النص أجده أقرب من القصة منه الى المقالة . وحدثه هو رغبة كائن في أن يعبر بمنتهى التلقائية عن ما يحسه و يشعر به إزاء الأحداث التي يعيشها . لكن الوسيط -الاخر- يصر أن يوجه و يسيطر على تلك التلقائية ويجعل كل شئ محسوبا وموجها لكي لا يتناقض ذلك مع التوجيهات التي تمليها توازنات ظالمة بنيت بشكل كان للقوي فيها اوسع رحاب .في حين كان للاخر هامش لا يسع حتى الرقعة التي يضع عليها قدمه.
إذا كان الوجه البادي للصورة على هذه الكيفية ، فالكاتبة و بذكائها ودهائها قد حفرت عميقا لتكشف عن مصدر الخلل .
في درسها اللغوي الموجه لكل تلاميذ الحياة تصرخ في الجميع لتكشف ان ليس هناك داخل علاقة الانسان بالانسان شئ يتسم بالبراءة . فاللغة ليست فقط مجموعة من الحروف خلقت من اجل التواصل . لأن التواصل يقتضي امتلاك اطرافه لثقافة مشتركة تأسست عبر تاريخ طويل لتطور بنى المجتمع . وحملت مفاهيم ورؤى . تخفي افكارا وفلسفة ورموزا .استندت في بنائها على خلاصات لعلاقات كثيرة وهي التي حددت مفاهيم الدال المدلول .
لنتأمل الأمثلة المضروبة في هذا الدرس .و ليكن هذا التأمل مرتبطا بالتطور المرتب

ضربت زوجتي
بكت الزوجة
نحن هنا لنحقق احلامكم
لا تعترض
اذا انتخبتموني سأعمل على مطافحة فقركم
ان لكمة الحق لمفيدة
تسربت الاموال العربية الى الخارج
غادر الرجل وطنه سعيدا
يا ابناء الوطن اتحدوا
كل مثال يكشف جانبا من جوانب حياة عامة متسمة بالتفكك و الانفصام لا ينتج في النهاية غيرالضعف . و الامثلة المتدرجة تبدا من البيت حيث الاستبداد و القهر . وحيث نصف المجمتع او الجزء الحاسم في تطوره يقع حارج اللعبة . وذلك لا يعكس الا حالة القهر الاعام الذي يسود داخل العلاقة الاجتماعية في علاقة الحاكم بالمحكوم . لتكتمل الصورة بهروب رؤوس الاموال باحثة عن مكان آمن . و بالتالي لا يبقى في الوطن غير الخراب . وم ثم ايضا يشعر المواطن على عكس نا يحدث عادة بالفرح و هو يتخلص من انتسابه لوطنه حين يغادره . لأانه خلف وراءه حملا ليس له طاقة على تحمله .
وبعد ان يكتمل التشخيص . اي تشخيص الأزمة ن تزودنا الكاتبة بالوصفة للتخلص من المرض . يا أبناء الوطن اتحدوا .
هل كانت الجريدة على حق حين رفضت ان يكتب عن امريكا بأعتبار ذلك معركة سابقة لأوانها ؟
كأني بالاخت البتول تقف الى جوار ذل الحكيم اصيني "كونفشيوس" الذي قال في غابر الازمان "القدامء حين فكروا في تطوير شعوبهم بدأوا بأنفسهم ثم اسرهم ثم شعوبهم "
نص ثري لازال الكثير مما يمكن ان يقال حوله .