الســؤال
ما حكم قول بعض الناس
عبادتي لك يا الله حباً في ذاتك
وإن كنت أعبدك خوفا من ناركفأدخلني نارك
وإن كنت أعبدك حباً في جنتك فأدخلني نارك ؟
الجـــواب
عبـادة الله بالحب فقـط هـي منهج
الصوفية الضالة ، وهو منهج مبتدع .
ومحبة الله هي أعظم منازل العبادة
وليست هي كـل العبادة .
ومنهج أهــل السنـة هــو عبــادة الله
بالحب والخوف والرجاء والخشية وغيـر ذلك
من أنواع العبادة
قــال تعــالى
( ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً )
الأعراف55
وقال تعالى عن أنبيائـه
( إِنَّهُـمْ كَـانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ
وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُـوا لَنَا خَاشِعِيـنَ )
الأنبياء90
وقال تعالى عن الملائكة
( وَهُم مِّنْ خَشْيَتِـهِ مُشْفِقُــونَ )
الأنبيـاء28
وقــال تعالى
(يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِــمْ وَيَفْعَلُــونَ مَا يُؤْمَرُونَ)
النحل50
إلـى غير ذلك مـن الآيات الكريمة .
وبالله التوفيق
وصــلى الله عـلى
نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
اللجنـــة الدائمــة للبحـــوث العلمــية والإفتاء
موقع الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء
ــــــــــــــ
السـؤال
أشعر أني أقوم بالعبادات والطاعات
بدافع حبِّ الجنَّة ، والخوف من النَّار ، وليس
بدافع محبة الله أو حب الطاعات
فما السبب فـي ذلك ؟ وما العلاج ؟
أريــد أن أقوم بأي عبادة حبّاً في الله ، وحبّاً فـي طــاعته
الجواب
الحمد لله هـذا الإشكال في سؤالك أخــي الفاضل منبعه
تـلك المقولة الخاطئة المشتهرة
" لا نعبد الله خوفاً من ناره ، ولا طمعاً في جنته بـل نعبده حبّاً له " !
وبعضهــم يذكــرها بصيغة أخرى
مفادها
أنـه من عبد الله خوفا من ناره فهي عبادة العبيد ،
ومن عبده طمعاً في جنته فهي عبادة التجار
فـي المقام الأول ، فما السبيل إلى ذلك ؟
وزعمـوا أن العابد هــو مــن
عبده حبّاً له تعالى !!
وأيّاً كانت العبارة أو الصيغة التي تحمل تلك المعاني
وأيا كان قائلها : فإنها خطأ وهي
مخالفة للشرع المطهَّر ، ويدل على ذلك :
1- أنـه ليـس بيــن الحب والخوف والرجــاء
تعارض حتى تريد - أخي السائل -
أن تعـبــد ربك تعـالى حبّاً لـه
لأن الذي يخافه تعــالى
ويرجـوه ليست محبة الله منزوعة منه
بل لعله أكثـر تحقيقاً لها من كثيرين يزعمون محبته .
2- أن العـبـادة الشــرعيـة عنــد أهــل السنَّة
تشمــل المحبة والتعظيم ، والمحـبـة تــولِّــد
الرجاء ، والتعظيم يولِّد الخوف .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين
والعبادة مبنية على أمرين عظيمين
همــا :
المحبة والتعظيم ، الناتج عنهما
( إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُـونَ فِـي الْخَيْــرَاتِ وَيَــدْعُونَـنَا رَغَبــاً وَرَهَباً )
الأنبياء90
فبالمحبة تكون الرغبةوبالتعظيم تكون الرهبة ، والخوف
ولهـذا كانت العبادة أوامر ، ونواهي أوامر مبنية على الرغبة وطلب الوصول
إلى الآمر
ونواهي مبنية على التعظيم ، والرهبة مــن
هذا العظيم .
فإذا أحببتَ الله عز وجل :
رغبتَ فيما عنده ،
ورغبت في الوصول إليـــه ،
وطلبتَ الطريق المـوصـل إلـيـه ، وقمتَ بطاعته عـلى الوجه
الأكمـل ، وإذا عظمتَه :
خفــتَ منــه ، كلـمـا
هممتَ بمعصية استشعـرت عظــمة الخالــق
عــز وجل ، فنفرتَ
( وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَــوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّــهِ
كَـــذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء )
يوسف24 .
فهذه مِن نعمة الله عليك ،إذا هممتَ بمعصية
وجدتَ الله أمامك ، فهبتَ وخفتَ ، وتباعدتَ عن المعصية ؛ لأنك تعبد الله رغبة ورهبة
" مجموع فتاوى الشيخ العثيمين " .
3- أن عبــادة الأنبيــاء والعلـماء والأتقـيــاء
تشتمل على الخوف والرجاء ، ولا تخلو من
محبة ، فمـن يـرد أن يعبــد الله تعالى بإحدى
ذلك : فهو مبتدع وقد يصل الحال به للكفر .
قــال الله تعالى – فـي وصف حال المدعوين
مــن المـلائكة والأنبياء والصالحين
( أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْـــرَبُ
وَيَرْجُــونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ )
الإسراء 57 .
وقـــال الله تبـارك وتعالى في
وصف حال الأنبياء
( إِنَّهُـمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ
وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُـوا لَنَا خَاشِعِينَ )
الأنبياء90
قال ابن جرير الطبري
– رحمه الله -
ويعنى بقوله رَغَباً )
أنهم كانوا يعبدونه
رغبـة منهـم فيما يرجون منه ، من رحمته ،
وفضله .
( وَرَهَباً ) : يعني : رهبة منهم من
عـذابـه ، وعقابه بتركهم عبادته ، وركوبهم
معصيتـه .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل
التأويل ." تفسيـر الطبري "
( 18 / 521 )
وقال الحافظ ابن كثير – رحمه الله -
وقوله
( إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ )
أي : في عمل القُرُبات ، وفعل الطاعات .
( وَيَدْعُونَنَا رَغَــبًا وَرَهَبًـا )
قــال الثـــوري :
( رَغَبًا ) فيما عندنا ، ( وَرَهَبًا )
مما عندنا
( وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ )
قــال عــلي بــن أبي طلحـة عن ابن عباس
أي : مصدِّقين بـما
أنــزل الله
وقــال مجاهد : مؤمنيــن حقّاً ،
وقال أبو العالية : خائفين
وقال أبو سِنَان
الخشـوع هو الخوف اللازم للقلب لا يفارقه
أبـداً
وعن مجاهد أيضاً ( خَاشِعِينَ )
أي
متواضعين ،وقال الحسن وقتادة والضحاك
( خَاشِعِينَ ) أي : متذللين لله عــز وجــل ،
وكل هذه الأقوال متقاربة .
" تفسير ابن كثير "
( 5 / 370 ) .
قال بعض السلف
" مَن عبد الله بالحب وحده
فهو زنديق ،ومَن عبده بالخوف وحده : فهو
حروري – أي : خـــارجــي -
ومَــن عبــده
بالرجاء وحده : فهــو مرجئ ، ومــن عبــده بالحب والخوف والرجاء
:فهو مؤمن موحد
" مجموع الفتاوى " ( 15 / 21 ) .
ومِـن هنا يتبين زوال الاشتباه في قول مَن
قـال
" ما عبدتُك شوقاً إلى جنَّتك ولا خوفاً
من نارك ،وإنما عبدتك شوقاً إلى رؤيتك "
فإن هذا القائل ظنَّ هو ومَن تابعه أن الجنــة
لا يدخــل فــي مسمــاها إلا الأكــل والشــرب
واللباس والنكاح ونحو ذلك مما فيــه التمتع
بالمخلوقات ، ولهذا قال بعض مَن غلط مِـن
المشائخ لمــا سمــع قولـــه
( مِنْكُم مَنْ يُريدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُم مَن يُرِيدُ الآخِرَةَ )
قــال : فأيــن
من يريد الله ؟!
وقال آخر في قوله تعــالى :
( إِنَّ الله اشْتَرَى مِــنَ المُــؤمِنيــنَ أنْفُسَهُــم
وَأَمْوَالُهُم بِأَنَّ لَهُم الجَنَّةَ )
قــال : إذا كانــت
النفوس والأموال بالجنَّة فأين النظر إليه؟!
وكل هذا لظنِّهم أنَّ الجنَّة لا يدخل فيها النظر
والتحقيق : أن الجنـة هـي الدار الجامعة لكل
نعيم ، وأعلى ما فيها : النظر إلى وجه الله
وهـو من النعيم الذي ينالونه في الجنة ، كما
وقال ابن القيم - رحمه الله -
والتحقيق أن يقال :الجنَّة ليست اسماً لمجرد
الأشجار ، والفواكه ، والطعام ، والشراب ، والحور العين والأنهـار ، والقصور ، وأكثر
الناس يغلطون في مسمى الجنَّة ،فإنَّ الجنَّة
اسم لدار النعيم المطلق الكامل ، ومِن أعظم
نعيــم الجنَّــة
التمتــع بالنظر إلى وجه الله
الكريم ، وسماع كـلامه وقرة العين بالقـرب
منه ، وبرضوانه ، فلا نســبة للذة ما فيهــا
من المأكول والمشروب والملبوس والصور
إلى هذه اللذة أبداً فأيسر يسير من رضوانه
أكبر من الجنان وما فيها من ذلك
كما قال تعالـى
( وَرِضْوَانٌ مِنَ اللهِ أَكْبَر ) التوبة72
وأتى به مُنَكَّراً في سياق الإثبات ،
أي
شيء كان من رضاه عن عبده : فهو أكبر
من الجنة .
قليل منك يقنعني ..ولكن قليلك لا يقال له قليل
وفي الحديث الصحيح حـديث الرؤية (فوالله
ما أعطاهم الله شيئا أحب إليهــم مـــن النظر
إلى وجهه)
منقول وهذا القول المنسوب لامير المؤمنين عمر بن الخطاب
هومعروف عن رابعة العدوية انها كانت من تقوله