جلب الأمانى ( موجة )
محسن يونس
تحولت امرأة من ديامو" 1 " من امرأة صبية إلى امرأة عجوز مرة واحدة _ و الفرق يوم واحد _ دون أن تمر بالتدريج من حالة القوة والشباب إلى حالة الكهولة و الهرم ، مثل بقية البشر ، مات ولدها - شم النسيم ، هكذا كان اسمه - فدفنت معه كل الألوان، ما عدا اللون الأسود، كست به بدنها على الدوام .
قلنا : " يا ويل رجلها .. كيف يكون اللقاء ؟! "
قالت امرأة : اخجلوا .. عقولكم فى حجم عقلة الإصبع ، ليس فيها إلا هذا الشىء !!
مرت الأيام و الشهور ، حملت المرأة التى دفنت كل الألوان ما عدا اللون الأسود ، و أنجبت أولادا بعد هذا فى أكثر من خمسة بطون .
فى أول ولادة رحنا لبيتها ، نريد أن نجامل ، و لكنا كنا بين نارين، كلما حاولنا إظهار الوقار ، التوت وجوهنا من الضحك المكتوم ، ندور بعيوننا بحثا عن رجلها ، و تتسع بحور تصوراتنا ، فتعلو أمواج حيرتنا .
كان الأولاد يكبرون .
كان الأولاد يقولون : أمنا عجوز منذ ولدنا !! لابد من صورة لها ، وهى صبية مازالت.
استقدم الأولاد رساما ، قالوا له : " هل تقدر على الرجوع بالزمن ، لترى أمنا ، وهى فى سن الشباب؟ "
قال الرسام : " لا .. ولكن لى خيال . "
جلست الأم على مقعد مستديرة بظهرها للبحر ، تسقط فى شيخوختها ، لا تدرى ما يريده الأولاد ، ولا ما يفعله الرسام ، و لوحاته تتوالى ، كلما عرض واحدة ، رفضها الأولاد ، ينكب على لوحة جديدة بخيال جديد .
كانت الشمس هناك معلقة فوق البحر قرب خط الأفق ، أغمضت المرأة عينيها ، و نامت ، تقاربت رؤوس أولادها ، و تبادلوا الهمس ، قبل أن ينتهي الرسام من آخر لوحة لامرأة تجلس على مقعد ، ترتمي يداها فى حجرها ، ترتدى الملابس لها ألوان، و ينسدل شعرها الأصفر على كتفيها ، هيفاء لها رقبة طويلة ، و عيون خضراء ، و أنف مثل حبة نبق ، و شفتان خوختان متعانقتان ، ربت الأولاد على كتف الرسام عندما رفعها إليهم ، صاحوا : "أحسنت .. هكذا نريدها "
و أخذوها .
.............................. .............................. .............
" 1 " ديامو : جزيرة متخيلة ، ولكنها واقعية الحضور لدى الكاتب ، تظهرأمواجها فى كتاباته كثيرا