[moveup][c][gl]
في إحدى ليالي الشتاء الباردة وتحت ضربات
الرعد الصاعقة وعواصف هوجاء ورمال لا تستقر
وعندما خيم الظلام وبرقت السماء ……
بينما ذهب كل أهالي القرية ركضاً إلى منازلهم
فأمسى الفلاح يحبس ماشيته والتاجر يقفل
متجره فزع قلبي ! فذهبت اركض لمنزلي
فلا مكان إلا لعواصف مجنونة تلقف كل ما حولها
، وفجأة ! !
سمعت نواء قط كاد أن يهاجمني فقد خشيت
على صغارها من أقدامي فابتعدت عنها وذهبت
أركض في اتجاه آخر فأنا لا أشعر بأطرافي وأناملي
كأعواد ثلج يابسة فصدمت بشيء القاني أرضاً فإذا
هي حضيرة لدجاج .. آه لقد أيقضت صغارها
من نومهم العميق .. ولكن لا بأس ستعود لتدفأ
بين ريش أمها …… لقد تأخرت لا أعرف أين أتجه ؟
أين منزلي ؟
البرد يقرصني والرمال قد ملأت عيناي
أشعر أنني لا أميز بين جسدي ورجل الثلج ، ولكن ما ..
إن اقتربت من إحدى البيوت لعلى أجد الدفء حتى
أفزعني نباح الكلاب فأوقعت في جوفي أشد الرعب
فتأهبت للفرار ..
فإذا بصوت يسحبني من أعماقي …
صوت يأن ويبكي وكلما أردت أن أقترب ..
أبعدتني صوت الكلاب ، وإن حركت إحدى رجلي
لأركض خوفاً شدني ذلك الأنين .فكليهما في
اتجاه واحد لكني لا أستطيع الهرب فذلك الأنين
يقطع قلبي فهو ليس بصوت حيوان ، ومشاعر
حنانِ اقوي من رجفة قلبي ما اقتربت قليلاً ……
فاشتد الصوت أكثر وهكذا حتى أصبح بيني وبين
ذلك الشجن المعزوف جداراً من طين فألقيت
حجارة لأسعف صاحب الصوت الحزين فذهبت تلك
الكلاب المسعورة و هي تبحث ما الذي وقع بالقرب
منها أو تبحث عن أقدام تمشي فاغتنمتها فرصة
و ألقيت نظرة بسرعة البرق فإذا قطعة قماش بيضاء
خطفتها وركضت مسرعة بينما أصبحت تلك الكلاب
تلاحقني فأركض و تركض …و أخيرا إنه بيتي الحمد لله
الآن سنصبح بأمان ..و ما إن رأت تلك الوحوش مصباح بيتي
حتى تخلفت عن اللحاق بي ، فدخلت بيتي
و أغلقت الباب ……
فألقيت نظرة ثانية صحبتها تنهيدة تعب
من تلك الليلة فسالت على إثرها دموع من الأسى
و الحزن فقطعة القماش البيضاء ما هي إلا طفل لم يلبث
الشهر الثاني من ولادته ألقت به نفوس البشر الجشعة
وكأنه يشكي لي بكل نغمات صوته عن معاناته فاخترق
صوته أحشائي و فجر براكين من الحزن و حناناً كان
بالصدر نائماً ترجم كل صيحة بمعنى :
فشكوى ..تنبع من صميم قلبه لبعده عن صدر أمه
وشكوى..عن أمٍ قاسيةٍ ألقته لأبيه وقد افترقا
وأخرى..تتساءل عن قسوة أهله و جماعته ألم
يمتنع أحد منهم عن رميّ في تلك الليلة الباردة ؟
وشكوى .. عن إحساس في قلب أبيه ألم يشعر بأنيني .. ؟
و أخرى تفجر أخرى ألم تستشعر أمه حنان الأمومة ؟
أليست ترضعه يوماً فيدر صدرها لبناً يسال عن رضيعها ؟
ألم تتحسر على إلقاء ضنينها في وسط هوجاء هائجة ؟
ألا تستطيع أن تعطيه لوالده .. ؟
اكرامتها لم تسمح لها بطرق باب طليقها .. ؟
أم هي عصبية قبلية منعتها ..؟
أم إنه انتقام لماضيها العسير ؟
عجباً لنفوس البشر آلا تشعر بتأنيب الضمير
أو قد مات ضميرها ؟
وأنت أيها الأب الحنون ألا تستطيع أن تصبر
و تجالد من أجل أبنائك .. أم ترمي بثوب وتلبس بآخر ؟
أم لديك من الصبية ما يكفيك ؟
أو قوة وجبروت أغفلت بصيرتك ؟
فضممته إلى صدري و أنا أرجوه أن يكف تسائلاً
انزل بالفؤاد هماً صعب الزوال، فأقسم بآخر دمعة
بأنه سيوآخذ بذنبي يوم العرض المبين .
و الصلاة و السلام على أفضل الأنبياء
المبعوث خيراً للمسلمين
عليه أفضل الصلاة و أتم التسليم
[/gl] [/c] [/moveup]