استيقظت الست فرحانه كالعادة على صياح الديك فجرا و كان الجو بارد بعد ليلة شتوية قارصة فنظرت حولها فى غرفتها الصغيرة التى لا تتعدى مساحتها عشرة أمتار فرأت صور المجلات المعلقة على طوب الغرفة و التى أحجامها غير متساوية فمنها الذى فى حجم كف اليد الواحدة مثل صورة الملك فاروق بطربوشه الأحمر و صورة مجلس قيادة الثورة "الضباط الأحرار" و يوجد صور أكبر قليلا مثل صورة الرئيس جمال عبدالناصر و الرئيس أنور السادات و صور أكبر بكثير مثل صورتى أم كلثوم و عبد الوهاب و صورة ضخمه جدا عبارة عن دجاجة حمراء منقطة باللون الأحمر و خلفها ستة كتاكيت لونهم أصفر فاقع فبمجرد وقوع نظرها على الصورة الأخيرة قفزت من على الكنبة التى تنام عليها فى أتجاه باب الغرفة المسنود بحجر فحركت الحجر بقدمها أنفتح الباب بفعل الهواء و ذهبت الى الحمام فى الناحية الأخرى من السطح الذى تسكن فيه ثم ذهبت الى غرفة صغيرة أخرى على السطح بابها من بقايا سلك الأبواب و الشبابيك مغلق بمسمار مثنى فى منتصف الباب و حركت المسمار فأنفتح الباب ووجدتهم نائمين و أمامهم طبق بلاستيك كبير فأخذته و عادت الى الحمام فغسلته و ملئته بالماء و عادت و هى تحمله الى غرفتها و ظهرها ينحنى من ثقل الطبق ووضعته بالقرب من الكنبة التى تنام عليها و رفعت طرف الملائة قليلا و جذبت كيس به خبز جاف فأخت منه و كسرته ووضعته بالطبق و أخذت تقلب حتى أرتخى قوامه ثم حملت الطبق ووضعته فى أوسط السطح و توجهت الى الغرفة المقابلة و فتحت الباب السلك ووجدتهم ماذالوا نائمين فأيقظتهم و خرجوا الى السطح الواحدة تلو الأخرى و أمسكت بمكنسه مصنوعة من النخل (مكنسه بلح)و نظفت الغرفة و ذهبت الى الحمام و توضأت و بعد أن انهت صلاة الفجر عادت الى الغرفة السلك لكى تأخذ البيض و أحصتهم فوجدتهم ستة بيضات فقالت الحمد لله اليوم انشاء الله الطعام خبز جاف - حيث أن الست فرحانة متعودة أن تأكل يوم ثلاثة بيضات و فى اليوم الأخر تكتفى بأكل خبز جاف لأنها تبيع تسعة بيضات لشراء طعام للدجاج و أحيانا تأكل الذرة الصفراء من التى تشتريها للدجاج فتسلقها و تضع عليها القليل من الملح فتكون وجبة شهية لذيذه والحمد لله - أحضرت الست فرحانه كرسى من الخشب ووضعته أمام باب غرفتها لتستمتع بالدجاجات أثناء قيامهم باللعب و الأكل من الطبق و أثناء لعبهم يخرجون أصوات مححبة الى نفسها ""كك كك كك كيك"" ثم يأتون ناحيتها و ينقرون فى قدمها الحافية التى بها تجاعيد الزمن و أنتفاخ فى العروق و تشقق فى أسفل القدم مع أن عمرها لم يتعدى الثلاثين بعد لكنها إجمالا سعيدة جدا برعاية الدجاج و إطعامهم .
و هكذا تستمر حياتها الخاصة السعيدة فبعد الظهر بعد إطعام الدجاج وجبة الغداء تستلقى على ظهرها فوق الكنبة و تأتى بالمذياع لتتعرف على أخبار الدنيا و التى لا تعرفها إلا منه فتبدأ بإذاعة البى بى سى
.. هنا لندن : أفاد مراسلنا فى بغداد بأن محاكمة الرئيس المخلوع صدام حيس ستستكمل غدا و من ناحية أخرى فقد قامت قوات التحالف بقتل أحد عشرة ارهابياً بمدينة القائم فى حين أستشهد ثلاثة جنود أمريكان و تم مقتل حوالى مائة و عشرين عراقيا بمدن متفرقة بالعراق ...
فتقوم الست فرحانة بتغيير الموجة
.. هنا القاهرة : تمكنت قوات التحالف الأفريقى و الحمد لله من إنقاذ ثلاثة أسر من الجوع و تم تسكينهم بأحد المخيمات وسط مدينة دارفور و جارى تنفيذ جهود جبارة لإنقاذ الخمسة عشر مليون المتبقين و الجدير بالذكر أن عدد المفقودين من جراء الجوع بدارفور بلغ العام الماضى حوالى سبعين ألف مسلم هذا و تقوم هيئة علماء المسلمين بأرسال بعثات توعية لمواطنى دارفور لحضهم على التمسك بالدين الأسلامى و عدم الأزاعان لحملات التنصير المتفشية فى المنطقة ..
فغيرت الست فرحانة الموجة
.. هنا القاهرة : هذا و قد قامت قوات جيش الدفاع الإسرائيلى بتصفية أحد كوادر حماس و الذى يبلغ من العمر 21 عام و معه عدد خمسة مخربين أعمارهم ما بين الخامسة عشر و السابعة عشر كما أطلق أحد الجنود النار تجاه طفل فلسطينى ممسكا ببندقية كلاشنكوف "بلاستيك" و من ناحية أخرى تستمر الجرافات فى تجريف حقول الزيتون بالضفة الغربية لتجفيف منابع الأرهاب ..
فغيرت الست فرحانة الموجة
.. هذا و قد صرح وزير الصحة بأن المرض تحت السيطرة تماما ولا توجد أصابات بين المواطنين ..
فغيرت الست فرحانة الموجة و قالت هو مافيش أبدا خبر سعيد
.. ومازالت الجهود مستمرة للحصول عن معلومات عن القبطان الهارب و الذى تسبب فى غرق السفينة و التى كان على متنها الف و ثلاثمائة مواطن و مازال البحث جارى عن المسافرين الفارين من على السفينة أثناء غرقها بينما تم السماح للسيد المحترم صاحب العبارة بالسفر الى انجلترا لتحصيل مصاريف التعويض من شركة التأمين ..
فغيرت الست فرحانة الموجة فسمعت أغنية أفراح "" مصر اليوم فى عيد "" و أثناء سماعها الأغنية السعيدة قطع صوت المذيع الأغنية و قال:
.. هذا و قد تفضل السيد رئيس الجمهورية بتوزيع المكافئات على اللاعبين الأبطال لفوزهم فى الأمم الأفريقية... و أستكملت الأغنية ... قطع صوت المذيع الأغنية مرة أخرى
.. و مازالت الجماهير الغفيرة تحتفل فى جميع ميادين و شوارع القاهرة و المحافظات ممسكة بأعلام مصر .
ففرحت جدا الست فرحانه و قالت أخيرا أنتصرنا و أخذت تحصى الحروب السابقة على أصابع يدها .. 48 ثم 56 ثم 67 ثم 73 ثم 2006 .. كده الأجمالى خمسة حروب كويس و الله لكن تلك المرة أنتصرنا على أفريقيا كلها الحمد لله
فسألت نفسها هو العلم المصرى لونه أيه ... مش مشكله المهم أننا أنتصرنا
فقالت الست فرحانة الأن وقت المتعة فغيرت الموجة على أذاعة أم كلثوم و أخذت المذياع ووضعته على الحائط خارج الغرفة و قامت بجعل الصوت أعلى ما يمكن و ذهبت لإدخال الدجاج الى غرفته للمبيت و تنظيف السطح أثناء أستماعها الى الكلمات الجميلة
’’ يا حبيبى كل شيىء بقضــــاء ما بأيدينا خلقنا تعساء
ربما تجمعنا أقدارنا ذات يوم بعدمــــا عـز اللقــــاء’’
فأنهمرت دموع فرحانة و أمتذجت ببقايا الدجاج على الأرض و تذكرت الأيام الخوالى التى أصبحت ذكرى حينما كانت تبيع الخضروات على الرصيف بسوق القرية ووقفت سياره نقل لتحميل الخضروات أمامها و قفز من أعلى السيارة شاب أسمر قوى البنيان و فتح الباب الخلفى للسيارة و أخذ فى حمل الخضروات الى أحد الحوانيت المجاورة لها بينما لم تنزل عينى فرحانة من عليه مترقبة كل حركة و بعد أن انتهى جلس على الرصيف بجوارها ليستريح فقالت له خد يا أسطى" خسه " لتبلل بها ظمأك فأخذها و أنهمك فى أكلها دون أن ينظر اليها و بعد أن أنتهى منها نظر الى فرحانه ذات الأبتسامة الجميلة و الوجه الخمرى القمحى و قال لها :
.. ما أسمك
.. فرحانه
.. و أنا سعيد
.. أنتى متزوجه
.. لا
.. ولا أنا
.. عندك شقة يا أسطى سعيد
.. لا
.. أنا أسكن فى غرفة فوق السطح وحيده
.. والدك مقيم معك
.. وحيده
.. كم عمرك
.. 28
.. و أنا 38 تتجوزينى
.. خذ خسه كمان
أمسكها من يدها و قال أحضر المأزون اليوم
.. لكنك لا تعرف العنوان فوصفته له و فى المغرب جاء سعيد و معه المأزون و أخوته و بعض أصدقائه و عقد القران وسط أحتفال بسيط هو الأجمل فى حياة فرحانه .
و عاشت فرحانة أجمل أوقات حياتها تنظف عش الزوجية و تطهى الطعام و تنتظر سعيد الذى يأتى دائما معه الخير كله من فاكهة و طعام و كانا يلهوان معا مثل الصغار فوق السطح و مساءا يستمتعان معا بسماع أم كلثوم أثناء أحتسائهما الشاى فكان دائما ما يجلس على الكنبة و تستلقى فرحانة واضعة رأسها على فخذية ناظرة الى عينيه كأنها تحلم ولا تعلم ما يخبئه لها القدر .
فى أحد الأيام أنتظرته فى الميعاد فلم يأتى و أنتظرت أكثر و قاطع تفكيرها الكثير من الجيران فوق السطح يلتفون حولها و على وجوههم علامات الحزن فنظرت أليهم و بكت فقالوا لها البقاء لله فقد مات سعيد حيث صدمته السيارة التى يعمل عليها أثناء رجوع السائق الى الخلف بدون أن يلتفت الى سعيد و توفى فى الحال ..
توقفت الحياة فجأة
تجمد كل شيىء
و بعد مرور عدة أيام ذهبت لمالك السيارة لتطالب بمعاش زوجها المتوفى فأبلغها بأن زوجها لم يكن مشترك فى التأمينات الإجتماعية فطالبت بتعويض عن مقتله فأجابها بأن التحقيقات أثبتت أن زوجها الله يرحمه هو المخطىء فليست له أية حقوق .
فعادت من حيث بدأت لتعمل على الرصيف مرة أخرى فوجدت المكان قد شغلته بائعة أخرى و عادت الى منزلها ... ماذا تفعل ... و من أين تأكل .. و كيف تحيا .. فلم تجد أمامها إلا الدجاج الذى كانت تربيه ففى البداية كانت تأكل البيض و كانت تقسمه بينها و بين الدجاج ثم نظمت نفسها بأن تبيع جزء و تأكل جزء .
و أصبحت حياتها و معاشها و عوضها هو الدجاج .........آآه كانت أيام و مازالت الدموع تنهمر من أعين فرحانة وهى تنظف السطح بالمكنسة البلح و كانت أغنية ثومه أنتهت و بدأت أغنية عبد الوهاب "" يا وابور قولى رايح على فين ""
فأخذت المذياع الى حجرتها و أستلقت على الكنبة أثناء أستماعها للأغنية لم يقاطعا سوى صوت الدجاج يحمل البشرى " كيك كيك كيك كاك" و كأن الدجاجات أردن أن يبلغن فرحانة بأن تنام لأنهن أحضرتن البيض و الرزق فنامت فرحانه فرحانة بالبيض.
اليوم التالى جائها أبن الجيران و قال ""الحقى يا ست فرحانه الحكومة بتمر على المنازل لإعدام الطيور بسبب أنتشار مرض أنفلونزا الطيور فى البلد كلها و قالوا أنهم سيعوضون المتضررين و إلا السجن لمن لن يبلغ عن تواجد طيور لديه""
قالت فرحانه فى نفسها اين المفر لو أعدموا الدجاج لن أكون حرة لأستمع الى الست أم كلثوم .... هل سيعوضونى ... أنهم لم يعوضونى عن زوجى فكيف سيعوضونى عن ستة دجاجات ...
كيف يعوضونى عن ستة دجاجات و لم يلتفتوا من قبل الى مقتل الآف المواطنين الذين قتلوا فى حوادث متفرقة من سفن و طائرات الى قطارات و لم يتحرك لهم ساكن سوى سعيهم لإنقاذ المسئولين " الغير مسئولين" .
لا و ألف لا سأحافظ على دجاجى حتى آخر لحظة فى عمرى و ذهبت فأحضرت قفص ووضعت به الدجاج ووضعته تحت الكنبة التى تنام عليها و إذا جاء الليل تطلقهم فى غرفتها و تطعمهم و نهارا تحبسهم فى القفص مرة أخرى .
فى أحد الأيام أحست بأرتفاع فى درجة حرارتها فلم تعيره أنتباها و فى اليوم التالى أحست بأنها لا تقوى على السير فأبلغت جارتها نصحتها أن تذهب الى المستشفى فذهبت فأعطوها دواء لأصابتها بنزلة برد و عادت الى منزلها و ساءت حالتها فى اليوم التالى فلم تقوى على الوقوف و أنتشر خبر مرضها بالمنطقة تبرع أحد الجيران بنقلها الى مستشفى الحميات بسيارته و أثناء إجراءات حجزها بالمستشفى توسلت الى الجيران أن يطعموا الدجاج و داخل المستشفى تم نقلها من حجرة الى أخرى و تحولت حالتها من سيء الى أسوأ الى أن أصر أحد الأطباء الغيورين على المهنة أن يتم الأبلاغ عن حالتها و أنتشر خبر إصابة إحدى السيدات بأنفلونزا الطيور فى السابقة الأولى فى مصر و هرعت جميع الأجهزة لإعداد الرد فى الحالة الصحية للسيدة المصابة ...الوقت تأخر و الجميع ينتظر وفاة أول حاله بين المواطنين فى مصر بينما الست فرحانة فى حال أخر و عالم أخر فإذا أفاقت من الغيبوبة لا تسأل إلا عن الدجاج و إطعامه و سقيته و فى اليوم العاشر من مرضها أفاقت من غيبوبتها على صوت الدجاج المختلط من "" كك كك كك كيك"" على"" كيك كيك كيك كاك "" مع صياح الديك مع أذان المغرب فى أنٍ واحد و من بعيد يأتى صوت أم كلثوم بأغنية " على بلد المحبوب ودينى " ثم رأت سعيد يقترب منها مرتديا جلباب أبيض ناصع مبتسما ماداً لها يده ليأخذها الى بلد المحبوب...ثم سكنت الأغانى و الأصوات و هدأت النفس و عادت الى بارئها الذى خلقها .....
و فى اليوم التالى صرح أحد المسئولين عن صحة المصريين أن الست فرحانة توفيت لأنها أهملت فى حق نفسها ..؟؟
تمت
