مرحبا
هذا نص قديم بعد إضافات تكميلية أظنها لازمة, و تعديل طفيف في النهاية
هو لأعينكم وقلوبكم الآن ..
...
[c] السادسة والنصف مساء[/c]
كعادتها مع حلول المساء الشتوي قامت وأشعلت الشموع من حولهما في غرفة الجلوس وصبت في إناء إحداها زيتاً عطرياً برائحة الليلك التي تعشقها ويفضلها, هي نفس الرائحة التي كانت تشمها في الرسائل التي بعث إليها قبل زواجهما..
أغلقت الستائر الخضراء المخملية, ثم قصدت مفتاح التحكم بجهاز التدفئة لتزيد من درجة حرارته قليلاً, وفي أثناء ذلك كانت تنظر إلى ظل قوامها الممشوق المرسوم على الجدار وهي تمشي, وظله جالساً على الأريكة بعد ما كان مسترخياً وقد أعطى التلفاز ظهره وانشغل يتابع تحركاتها وتغنجها في مشيتها, فالتفتت إليه ورمقته بنظرات دافئة يبرق فيها صور لهب الشموع, وابتسامتها لا تفارق شفتيها كما هي دائماً..
بجانب المفتاح وُضعت خزانة خشبية صغيرة علت سطحها أطر لعدة صور التقطت لهما معاً, فوسطت أحدها لما لمحت أنه قد تنحى قليلاً باتجاه اليمين فحجب آخر, وبعد أن ألقت نظرة شملت كل زوايا الغرفة ملأت رئتيها هواءً وزفرته ثم عادت لتجلس مكانها بجانبه على الأريكة المنقوشة بورود صغيرة ذات ألوان دافئة, وتناولت كفه اليسار لتضعها على فخذيها وتحضنها بكلتي يديها.
كانت تعبث بالخاتم الفضي الذي ألبسته إياه في يوم إعلانهما لخطوبتهما, فتديره حول إصبعه, فيما كان هو يتابع برنامجاً وثائقياً يتحدث عن طيور النورس بشتى فصائلها.
لم يستغرق وقت جلوسها على الأريكة دقائق معدودة حتى شهقت فجأة فأراعته وانتفض جالساً ليسألها: ما بك ؟!
هي: تذكرت!
ثم قفزت من مكانها لتقف وتغيب لحظات وتعود مسرعة وبيدها شيء يشبه الورقة, اقتربت منه لتجلس على طاولة كانت أمامه, ثم أمسكت بالورقة وقربتها من وجهه وقالت:
أنظر إلى هذه الصورة , وتأملها جيدا.
هو بعد لحظات: ما هذه, إنها تصيبني بدوار !!
هي : أعلم ذلك , وهذا هو ما أريده أن يحصل بالضبط,
لا عليك وركز فيها أكثر, عشرون ثانية فقط, ذلك ما تبقى من الوقت.
هي: حسنا الآن أغمض عينيك.
هو : هل هي مفاجأة تعدينها ؟!
هي : بل هي مفاجأة أنت من تعدها.
هو ناظر إليها ببرود بابتسامته الهادئة : ...
هي : هيا أغمضها ولا تكن جبانا.
هو يضحك : جبان!!
ما الذي تنوين فعله بالضبط ؟!
هي : ما بك ؟!
ألا تثق بي !!
هو يزيد من ضحكه: ...
هي : بدأت تثير غضبي .. انتبه!
هو لازال يضحك: أحبك عندما تغضبين.
هي تحرك أنظارها في كل اتجاه, وبابتسامة خبيثة : أحبك عندما تشتعل عيناك دهشة وحيرة.
هو ينظر للأعلى رافعاً حاجبيه : فعلاً أنا ....
هي تقرب وجهها من وجهه وتنظر مباشرة إليه : لا تعرف ما الذي يجري .. قلها ولا تخجل ..
هو ناظر إليها : وكيف لي أن أعرف , وأنتِ لم تخبريني؟
هي تصلب ظهرها وتهز كتفيها : أنت من تمنعني.
هو : أنا ؟؟
هي : نعم .. أغمض عينيك وسوف أخبرك..
هيااا إنك تقتل حماسي وتثير ضجري,
ممَ تخشى ؟!
هو : حسنا يا جميلتي سوف أغمضها ..
...
الآن أخبريني ماذا هناك ..
هي بدلال : أغمضها بصدق وأخبرني ماذا ترى ؟!
هو بثبات: امممممم ..
صورتك هي ما أرى.
هي: قل غير هذا وكن جاداً ولو لمرة, وأجبني بصدق وصراحة ماذا ترى.
هو: قلت لك .. صورتكِ و ليس غيرها.
...
هي: لماذا تفتحها ؟!
لم أنتهي بعد!
هو يعاود الابتسام بهدوء.
هي: أجبني بصراحة .. ماذا كنت ترى .. ؟!
هو: بكل الصراحة أخبرتك ..
هي بفتور: لم أرَ في حياتي أكثر منك غرابة.
هو مقلداً نبرتها: وفوزي بقلبك أقوى دليل.
هي تهم بالوقوف: إذاً جيد, سوف تكفيك صورتي التي تختزنها أوقات غيابي
هو ينتفض : أي غياب ؟!
عن ماذا تتحدثين ؟!
هي ساخرة تشير بيدها إلى الباب : في اللحظات التي سوف أغيب فيها عنك ..
بعد خروجي من الباب الآن ..
هو بصوت خافت: إلى أين ؟!
هي باستغراب: ماذا دهاك .. ؟!
ألم أقل لك بالأمس أني على موعد مع الطبيب مساء ؟!
هو : آه تذكرت ..
بلى قلتِ .. حسناً
هل ستتأخرين ؟!
هي : اممم لا أدري
سوف أهاتفك إن كان كذلك ..
هو يمسك بكفها: حسناً .. انتبهي لنفسك يا جميلتي ..
هي تقبض على كفه: وأنت كذلك ..
تنحني عليه وتقبله ثم تستدرك: وإياك أن تعبث بأفكارك , أو أن تتركها تعبث بك ..
أجلها لحين عودتي فأشاركك فيها.
هو يضحك, لا تقلقي كل شيء سيكون على ما يرام.
[c] .............................. .............
الثامنة مساءً[/c]
يهز نفسه على كرسي خشبي, كانت قد نسفت شالها الأسود على ظهره, يغلق كتاباً كان بين يديه ..
يزفر زفرة طويلة .. يتململ ..
يرخي رأسه للخلف ويزيد من قوة الهز وسرعته..
" قالت لي ألا أفكر .. ألم تسأم مجاراة أفكاري بعد ..
غريبة هذه المرأة ...!!
كيف تحملتني من بين الناس جميعا, وأحبتني؟!
كيف جعلتني أحبها من غير شعورٍ مني؟!!
كيف استطاعت أن تشاركني حتى في أفكاري؟!
يصمت للحظة ..
"أشك في أنها واحدة من أولئك النساء السذج..."
نهض واقفاً.. تأمل من بعيد الصور على الخزانة فابتسم ..
اتجه للأريكة الموردة.. وقف أمامها, لمح الصورة على الطاولة التي كانت تجلس عليها قبل ذهابها, تناولها, حدق فيها دقيقتين ..
أغمض عينيه ..
عاد ليفتحها ..
" لماذا لم تصدقني عندما قلت لها أني لا أرى غير صورتك ؟!
هي تعرف أني لست مثل كل الرجال ..
لم أقل لها ما لا أعنيه يوما ..
لا أرى غيرها .. من بين كل الدوائر السوداء التي كانت تسأل عنها , رأيت نورا تشع به صورتها .. "
يتنهد ..
"حسنا .. قالت لي ألا أفكر ..
وكأنها تعلم ..
لكن ....
لكن لمَ كل هذا التأخير ؟! "
يلقي بجسده على الأريكة, ويتناول جهاز التحكم بالتلفاز عن بعد,
يفتح التلفاز .. يقلب في المحطات سريعا ..
" طفح كيلي ..
الآن سوف أهاتفهم في العيادة .. "
يتناول سماعة الهاتف ..
يطلب الرقم ..
لا أحد .. !!
ينظر إلى ساعة يده..
الساعة الآن التاسعة والنصف ..
"لماذا كل هذا التأخير .. ؟! "
عاد لنفسه .. صدى يتردد في مسامعه .. ينتصب في جلسته, عيناه تائهتان, تقفز كرتاها من اليسار إلى اليمين..
" - إذاً جيد سوف تكفيك صورتي التي تختزنها أوقات غيابي
- أي غياب ؟!
عن ماذا تتحدثين ؟!
- في اللحظات التي سوف أغيب فيها عنك ..
بعد خروجي من الباب الآن .. "
تذكر قبلتها .. كانت عميقة , ودافئة .. مشبعة بالحب والحنان ..
" يا إلهي .. إنها تنوي الغياب ..!!
لكن لماذا ؟! "
ينتفض واقفا .. يتجه مسرعاً لغرفة نومهما ..
يقف مباشرة أمام خزانة الملابس ...
يمد يمينه ليفتحها...
يقبض أصابعها ويعاود سحبها, يتراجع للوراء خطوة وهو يرفع يسراه ويضغط على شفتيه, يرفعها أكثر ويمسح بها على جبينه ورأسه, يحيط بها عنقه..
أنفاسه تتسارع .. نبضه .. شفتاه يبستا .. أطرافه باردة ..
يستجمع قواه ..
يعاود مد يمينه المرتجفة لباب الخزانة ببطء شديد..
يقبض على ممسك الباب.. يغمض عينيه, يحبس أنفاسه يحاول جذبه وفتحه ولا يستطيع ..
بقوة يهم بمعاودة المحاولة...
تدخل عليه فجأة, تسمر أنظارها عليه مشدوهة!
ينجح هو في فتح الخزانة
فتح عينيه ليرى ..
كل شي كما هو ..
زفر زفرة عميـــــــــــقة ..
" كيف لها أن ترحل إذاً ؟! "
هي: من تكون هذه؟!
يقف في مكانه بلا حراك لحظات, وكفه لا تزال قابضة على مقبض باب الخزانة, ثم يلتفت إليها بحركة خاطفة:
عدتِ !
هي ترمي حقيبتها على كرسي مجاور للباب, وتقترب منه لتضع رأسها على صدره وتحتضنه, وبهدوء حنون: ألم أقل لك اترك العبث لحين عودتي!
.....
الشمـــــــــــــــــس