- الإهدائات >> ابوفهد الي : كل عام وانتم الي الله اقرب وعن النار ابعد شهركم مبارك تقبل الله منا ومنكم الصيام والقيام وصالح الأعمال والله لكم وحشه ومن القلب دعوة صادقة أن يحفظكم ويسعدكم اينما كنتم ابوفهد الي : ابشركم انه سيتم الإبقاء على الدرر مفتوحة ولن تغلق إن شاء الله اتمنى تواجد من يستطيع التواجد وطرح مواضيع ولو للقرأة دون مشاركات مثل خواطر او معلومات عامة او تحقيقات وتقارير إعلامية الجوري الي I miss you all : اتمنى من الله ان يكون جميع في افضل حال وفي إتم صحه وعافية ابوفهد الي الجوري : تم ارسال كلمة السر اليك ابوفهد الي نبض العلم : تم ارسال كلمة السر لك ابوفهد الي : تم ارسال كلمات سر جديدة لكما امل ان اراكم هنا ابوفهد الي الأحبة : *نجـ سهيل ـم*, ألنشمي, ملك العالم, أحمد السعيد, BackShadow, الأصيـــــــــل, الدعم الفني*, الوفيه, القلب الدافىء, الكونكورد, ايفا مون, حياتي ألم, جنان نور .... ربي يسعدكم بالدارين كما اسعدتمني بتواجدكم واملى بالله أن يحضر البقية ابوفهد الي : من يريد التواصل معى شخصيا يرسل رسالة على ايميل الدرر سوف تصلني ابوفهد الي : اهلا بكم من جديد في واحتكم الغالية اتمنى زيارة الجميع للواحة ومن يريد شياء منها يحمله لديه لانها ستغلق بعد عام كما هو في الإعلان اتمنى ان الجميع بخير ملك العالم الي : السلام عليكم اسعد الله جميع اوقاتكم بكل خير ..
إضافه إهداء  

آخـــر الــمــواضــيــع

صفحة 4 من 5 الأولىالأولى 12345 الأخيرةالأخيرة
النتائج 46 إلى 60 من 66

الموضوع: لمسات بيانية في نصوص من التنزيل

  1. #46
    الصورة الرمزية الأمــل
    تاريخ التسجيل : Nov 2002
    رقم العضوية : 1360
    الاقامة : الإمارات
    المشاركات : 3,754
    MMS :
    الحالة غير متصل
    معدل تقييم المستوى : 157
    Array

    (21) ( من سورتي المؤمنون والزمر )




    [ALIGN=CENTER][/ALIGN]

    أحبتي الدرر ،،

    ها أنا أعود من جديد لأكمل ما قد بدأته معكم من كتابة ما جاء من لمسات بيانية في القرآن الكريم وفقاً لكتاب ( لمسات بيانية ) ، متمنية للجميع الفائدة والمتعة في رحاب كتاب الله ، واليوم سيكون موضوعنا عن بعض تلك اللمسات من سورتي ( المؤمنون والزمر ) ، ولنبدأ بسم الله:

    من سورة المؤمنون :

    ( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ (12) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ (13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14) ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ (15) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ (16)


    من سورة الزمر:

    ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَّجُلاً فِيهِ شُرَكَاء مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (29) إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ (30) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ (31)

    نرى في هذين النصين آيتين فيهما شيء من التلاقي في التعبير وشيء من الاختلاف ، وهما قوله : (ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ (15) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ (16)
    وقوله: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ (30) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ (31)

    وهاهنا ثلاثة أسئلة وهي:

    1) لم قال الله تعالى في آية ( المؤمنون ): ( لميتون ) باللام، وقال في الزمر: ( ميتون ) من دون لام؟

    2) ولِمَ أكد الموت في آية( المؤمنون ) بأن واللام، وأكد البعث بإنّ وحدها مع أن الموت لا شك فيه، وليس ثمة منكر له، بخلاف البعث، فإن هناك منكرين له كثيرين؟

    3) لِمَ ختم آية ( المؤمنون ) بالبعث فقال: ( ثم إنكم يوم القيامة تبعثون ) ، وختم آية الزمر بالاختصام فقال: ( ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون )؟


    جواب السؤال الأول :

    لقد أكد الله تعالى الموت في أية ( المؤمنون ) بإن واللام في حين أكده في الزمر بإن وحدها، ذلك أن سورة ( المؤمنون ) تكرر فيها ذكر الموت كثيراً، وتعددت صوره وأحواله، بخلاف سورة الزمر . فقد ذكر في سورة ( المؤمنون ) قوم نوح، وقال: ( إنهم مغرقون )، أي: سيموتون بالغرق. وقال بعدها: ( أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم تراباً وعظاماً أنكم مخرجون )، ثم قال: ( إ هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما نحن بمبعوثين )، وقال بعدها : ( فأخذتهم الصيحة بالحق فجعلناهم غثاءً فبعداً للقوم الظالمين )، وقال بعدها: ( فأتبعنا بعضهم بعضاً وجعلناهم أحاديث فبعداً لقومٍ لا يؤمنون)، وقال بعد ذلك: ( فكذبوهما فكانوا من المهلكين )، ثم قال بعدها: ( وهو الذي يحيى ويميت وله اختلاف الليل والنهار)، ثم قال: ( قالوا أءِذا متنا وكنا تراباً وعظاماً أءِنا لمبعوثون )، وقال بعدها: ( حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب أرجعون )، في حين لم يرد ذكر الموت في سورة الزمر إلا مرتين إحداهما في الآية المذكورة وهي قوله: ( إنك ميت وإنهم ميتون )، والأخرى قوله: ( الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها ) .

    لقد تردد ذكر الموت في سورة ( المؤمنون ) عشر مرات، في حين لم يرد ذكر الموت في سورة ( الزمر) إلا مرتين، فاقتضى ذلك تأكيد الموت في سورة ( المؤمنون ) أكثر مما في ( الزمر ) .

    هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، إنه لما أكثر من الكلام على الموت في ( المؤمنون )، أكثر من تأكيده في الآية فجعله بحرفين، ولما قلل الكلام عليه في ( الزمر )، قلل من حروف التوكيد، فكان كل تعبير مناسباً لموطنه.


    أما بالنسبة إلى السؤال الثاني:

    فنقول: إن النظرة الأولى قد توحي بأنه كان ينبغي تأكيد البعث أكثر من تأكيد
    الموت، ذلك لأن الموت لا شك فيه، وأنه لا ينكره أحد، أما البعث فمنكروه كثير، فلماذا إذن أكد الموت أكثر مما أكد البعث؟ لماذا أكد الموت بإن واللام فقال: ( ثم إنكم بعد ذلك لميتون)، وأكد البعث بإن وحدها، فقال: ( ثم إنكم يوم القيامة تبعثون) ؟

    لقد أثير هذا السؤال قديماً، فقد جاء في ( البحر المحيط ): " فإن قلت: الموت مقطوع به عند كل أحد، والبعث قد أنكرته طوائف، واستبعدته وإن كان مقطوعاً به من جهة الدليل لإمكانه في نفسه ومجيء السمع به، فوجب القطع به، فما بال جملة الموت مؤكدة بإن واللام ولم تؤكد جملة البعث ( إلا ) بإن؟".

    إن هناك أكثر من سبب يدعو إلى هذا التعبير منها:

    1) إن ما ذكره قبل هذه الآية من خلق الإنسان من طين وإحكامه وتطويره من قطرة ماء إلى أن يصير إنساناً عاقلاً منتشراً في الأرض، أكبر دليل على أن إعادته ممكنة وليس في ذلك أدنى ريب، فلا يحتاج بعد هذه الأدلة إلى كبير توكيد.

    جاء في ( روح المعاني ): " ولم يؤكد سبحانه أمر البعث تأكيده لأمر الموت مع كثرة المترددين فيه والمنكرين له، اكتفاء بتقديم ما يغني عن كثرة التأكيد، وبشيد أركان الدعوى أتم تشييد من خلقه تعالى الإنسان من سلالةٍ من طين، ثم نقله من طور إلى طور، حتى أنشأه خلقاً آخر يستغرق العجائب، ويستجمع الغرائب، فإن في ذلك أدل دليل على حكمته وعظيم قدرته عز وجل".

    وجاء في ( البحر المحيط ): " ولم تؤكد جملة البعث إلا بإن لأنه أبرز في صورة المقطوع به الذي لا يمكن فيه نزاع، ولا يقبل إنكاراً وأنه حتم لا بد من كيانه، فلم يحتج إلى توكيد ثان".

    2) إن الإعادة أسهل من الابتداء في منطق العقل، فإن الذي يصنع كل يوم آلاف النماذج لهو أقدر على إعادتها إذا حطمها أو أتلفها، ولذا أكدالخلق الأول تأكيدين، وأكد البعث تأكيداً واحداً فقال: ( ولقد خلقنا الإنسان.....)فأكده باللام وقد. وقال تعالى: ( ثم إنكم يوم القيامة تبعثون) فأكده بإن وحدها، ذلك لأن الإعادة كما ذكرنا أهون من الابتداء في منطق العقل، وإن لم يكن على الله شيء أهون من شيء، قال تعالى: ( وهو الذي يبدؤا الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه) / الروم: 27 .

    3) إن ما ذكره الله من خلق الإنسان وتطويره حتى صار مخلوقاً على أحسن هيئة، حتى قال رب العزة تعقيباً على خلقه: ( فتبارك الله أحسن الخالقين) إن ذلك ربما يوحى أنه خلقه للخلود، واعده للبقاء في هذه الدنيا. وأن الموت كأنه خلاف لما أعده له، ألا ترى إلى قوله تعالى: ( بعد ذلك )، ثم قوله : ( ثم إنكم بعد ذلك لميتون )، أي: إنكم بعد كل ذلك من التدبير والإحكام والإحسان في الخلق والتطوير، وبعد ما ذكر من الأمور العجيبة ستموتون مما يفيد استبعاد تقدير الموت عليه، ولذا اقتضى ذلك تأكيد الموت.

    وجاء في ( روح المعاني ): " ولما تضمنت الجملة السابقة المبالغة في أنه تعالى شأنه أحكم خلق الإنسان وأتقنه، بالغ سبحانه –عز وجل- في تأكيد الجملة الدالة على موته، مع أنه غير منكر لما أن ذلك سبب لاستبعاد العقل إياه، أشد استبعاد حتى يوشك أن ينكر وقوعه من لم يشاهده، وسمع أن الله – جل جلاله – أحكم خلق الإنسان وأتقنه غاية الإتقان، وهذا وجه دقيق لزيادة التأكيد في الجملة الدالة على الموت، وعدم زيادته في الجملة الدالة على البعث".

    4) إن الإنسان كثيراً ما يغفل عن الموت فينشغل بالحياة وتلهيه أمورها عما هو أولى، ويعمل أعمال من لا يرجو الموت ولا يأمله، فلا يتعظ كما قال تعالى: ( ألهاكم التكاثر () حتى زرتم المقابر )/التكاثر، وكما قال: ( وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون ) الشعراء/129. فكأنه نسي حقيقة الموت الذي سيطوله، ولا بد، فهو كأنه منكر له في أعماله، وإن لم يكن له منكرا له في عقله ولسانه، فنزل منزلة المنكر له غير المقر به لأن أعماله أعمال أعمال المنكرين له والعبرة بالأعمال لا بالأقوال. فأكده له تأكيد المنكرين له لعله يرعوي ويتطامن.

    جاء في ( روح المعاني ): " وقيل إنما بولغ في القرينة الأولى، لتمادي المخاطبين في الغفلة، فكأنهم نزلوا منزلة المنكرين لذلك، و أخليت الثانية لوضوح أدلتها وسطوع براهينها. وربما يقال: إن شدة كراهة الموت طبعاً التي لا يكاد يسلم منها أحد، نزلت منزلة شدة الإنكار، فبولغ في تأكيد الجملة الدالة عليه. وأما البعث فمن حيث أنه مظنة للشدائد تكرهه، فلما لم يكن حاله كحال الموت، ولا كحال الحياة، بل بين بين، أكدت الجملة الدالة عليه تأكيداً واحداً".

    5) إن الىية لم ترد في سياق المنكرين للبعث، بل هي في سياق المؤمنين العالمين بمقتضى إيمانهم الوارثين للفردوس، فلا يقتضي ذلك تأكيد البعث كتأكيد المنكرين له.

    وقد تقول: أفيقتضي هذا السيقاق تأكيد الموت؟

    فيجيب المؤلف قائلاً: نعم، فغن المؤمن قد تَعرِض له غفلة ينسى فيها الموت في زحمة عمله، ولذا قال صلى الله عليه وسلم: " أكثروا من ذكر هادم اللذات". وقال: " كفى بالموت واعظاً". فهو يحتاج من يذكره بالموت.

    6) لقد أكد الموت هذا التأكيد للدلالة على أن الإنسان ، لا يتمكن من الخلود في الدنيا مهما حاول، ومهما بذل من جهد في سبيل ذلك، فإن الإنسان لا بد أن يموت، ولا سبيل إلى الخلود ههنا. فهذا إخبار بأن الإنسان لا يستطيع أن يصل إلى ما يُخلّده، وأن محاولاته ستبوء بالفشل مهما حاول.

    وهذه الآية، قَطعٌ لأطماع الإنسان في الخلود في الدنيا.

    7) إن الموت يستدعي التأمل والنظر، ذلك أن الإنسان يموت ويُمات، وقد خلقه الله كذلك، وكان بمقدوره تعالى أن يخلقه على غير هذه الحالة، فلا يموت ولا يُمات. ولو قدر ذلك لكان هذا أكبر نقمة على البشرية أو من أكبر النقم. تصور جيشاً هائلاً من المجرمين الموغلين في الإجرام، يعجز الخلق عن إهلاكهم، كيف سيفعلون بالناس الآخرين؟ إننا مع أسباب الموت والإماتة الكثيرة نعاني ما نعاني من المجرمين، فكيف إذا كان هؤلاء أحياء خالدين، لا يمكن التخلص منهم؟ كيف لو اجتمع المجرمون من كل العصور، وأخذوا يعيثون ما يعيثون في المجتمعات؟ كيف ترى أصحاب العاهات والآلام الشديدة والمعذبين الذين يتمنون الموت في كل لحظة، ليريحهم مما هم فيه ولا يحصل متمناهم هذا؟ أليس الموت نعمة لهؤلاء؟ أليس الموت نعمة لأصحاب النار مثلاً؟ ألا ترى قولهم: ( يا مالك ليقضِ علينا ربك قال إنكم ماكثون ) الزخرف/ 77.

    ثم انظر أية كارثة تحيق بالبشرية من تكاثر مستمر بلا موت؟ إنه أكبر وأخطر من أي سرطان عُرف أو يعرف.

    ثم انظر كيف يعيش الناس عند ذاك، وما مقدار ما يكفيهم من الغذاء والكساء، وأماكن السكن، أية أرض ستتسع لهم؟ وغير ذلك، وغيره من الأمور التي يطول تعدادها.

    أرأيت كيف أن الموت من أعظم نعم الله على البشرية في هذه الأرض؟ ألا ترى أن ذلك به حاجة إلى التنويه والنظر في أمره وتأمُل نعمة الله فيه، كنعمة الخلق والإيجاد، ولذا أكدهما تأكيداً متناظراً، فقد أكد كلاً من الخلق والموت تأكيدين وأكد البعث تأكيداً واحداً.

    فنحن لا نرى نعمة ممقوتة كهذه النعمة، ونعمة مخوفة كهذه النعمة، ونعمة محزنة مبكية مؤسية كهذه النعمة.

    إن توكيد الموت لم يجيء من حيث إنكار وقوعه، فإنه لا ينكر أحد وقوعه، وإنما جاء من ناحية إنكار عدم العمل بمقتضى هذه المعرفة، وعدم تقدير هذه النعمة حق قدرها على البشرية لا على الفرد الواحد بعينه.

    8) ذهب أكثر النحاة إلى أن اللام الداخلة على الفعل المضارعـ تُخلصه للحال زيادةً على إفادة التوكيد، فإذا قلت: ( إنه ليكتب ) فمعناه: إنه يكتب الآن. أما إذا دخلت على الاسم فلا تخلصه للحال، بل تكون للتوكيد فقط، قيل: ولذا أكد الموت باللام ولم يؤكد البعث بها.

    جاء في ( البحر المحيط ) : " وكنتُ سُئِلْتُ: لِمَ دخلت اللام في قوله: ( لميتون )، ولم تدخل في ( تبعثون ) ؟ فأجبتُ: بأن اللام مخلصة المضارع للحال غالباً، فلا تجامع يوم القيامة، لأن إعمال ( تبعثون ) في الظرف المستقبل تخلصه للاستقبال، فتنافي الحال.

    وإنما قلت(المؤلف): ( غالباً ) لأنه قد جاءت قليلاً مع الظرف المستقبل، كقوله تعالى: ( وإن ربك ليحكم بينهم يوم القيامة )

    على أنه يحتمل تأويل هذه الآية، وإقرار اللام مخلصة المضارع للحال، بأن يقدر عامل في يوم القيامة"

    ويبدو للمؤلف: أن هذا هو الغالب، وليس هو قاعدة مطردة والله أعلم.

    مما تقدم يتضح أن تأكيد الموت بإن واللام، وتأكيد البعث بإن وحدها له أكثر من سبب يدعو إليه. هذا علاوة على جو السورة التي وردت فيها الآية، واقتضى تأكيد الموت هذا التأكيد بخلاف ما في ( الزمر ). فاقتضى ذلك من كل وجه هذا التعبير.


    وأما بالنسبة إلى السؤال الثالث:

    وهو السؤال عن سبب ختم آية ( المؤمنون ) بالبعث، وختم آية الزمر بالاختصام فنقول:

    إن نهاية كل آية تناسب سياق الآية الذي وردت فيه وتناسب جو السورة التي هي فيها.

    فإنّ آية ( المؤمنون ) وقعت في سياق بَدْء خَلْق الإنسان وتطوره إلى منتهاه، قال تعالى:

    ( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ (12) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ (13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14) ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ (15) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ (16)


    فأنت ترى أن ختام الآيات هذه بالبعث، هو الختم الطبيعي، وهو الحلقة النهائية في سلسلة الحياة وتطورها.

    أما آية الزمر، فقد وقعت في سياق آخر يقتضي ختم الآية بالخصومة، قال تعالى:

    ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَّجُلاً فِيهِ شُرَكَاء مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (29) إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ (30) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ (31)

    والشركاء المتشاكسون مظنة الوقوع في الخصام، فكان الختم بذلك أمراً طبيعياً يقتضيه السياق.

    ثم إن جو سورة الزمر شائع فيه ذكر الخصومات والفصل بين المختلفين، لأن الخصومة تقتضي الحكم والقضاء.

    أما جو سورة ( المؤمنون ) فشائع فيه ذكر الموت والبعث.

    إن ذكر البعث والحياة الآخرة شائع في سورة ( المؤمنون ) .

    فقد قال تعالى: ( ثم إنكم يوم القيامة تبعثون )16.

    وقال: ( وقال الملأ من قومه الذين كفروا وكذبوا بلقاء الآخرة )33.

    وقال: ( أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم تراباً وعظاماً أنكم مخرجون(35) هيهات هيهات لما توعدون (36) إن هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما نحن بمبعوثين(37)

    وقال: ( والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجله أنهم إلى ربهم راجعون )60.

    وقال: ( وإن الذين لا يؤمنون بالآخرة عن الصراط لناكبون ) 74.

    وقال: ( وهو الذي يحيي ويميت وله اختلاف الليل والنهار) 80.

    وقال: ( قالوا أءذا متنا وكنا تراباً وعظاماً أءنا لمبعوثون (82) لقد وُعدنا نحن وءاباؤنا هذا من قبل إن هذا إلا أساطير الأولين) 83.

    وذكر مشهداً من مشاهد أهل النار: ( الآيات من103 – 108 )، ثم قال: ( أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً وأنكم إلينا لا ترجعون).

    فأنت ترى أن جو السورة يشيع فيه ذكر البعث واليوم الآخر، فناسب ختام الآية جو السورة، علاوة على السياق الذي وردت فيه.

    أما سورة الزمر فقد شاع فيها ذكر الخصومات والقضاء والحكم، فقد بدأت السورة، بقوله تعالى: ( تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم) و ( الحكيم )، صفةٌ قد تكون من الحكم، وهو الفصل في الأمور، أي: القضاء كما قال تعالى: ( إن الحكم إلا لله يقص الحق وهو خير الفاصلين)الأنعام/57. وقد تكون من الحكمة.

    وقال بعدها: ( إن الله يحكم بينهم في ما هم فيه يختلفون)، وهو واضح في الحكم بين المختلفين. والخصومة إنما هي لون من ألوان الاختلاف.

    وقال تعالى: ( ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون)الزمر/31.

    وقال: ( أنت تحكم بين عبادك في ما كانوا فيه يختلفون)الزمر/46.

    وقال: (وقضى بينهم بالحق وهم لا يظلمون)الزمر/69. والقضاء يقتضي اختلافاً وفصلاً.

    وقال: ( وقُضي بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين)الزمر/75.

    فأنت ترى أن جو السورة شاع فيه الفصل والاختلاف والخصومات، فناسب ختام الآية جو السورة.

    هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، لقد ناسب ختام كل آية مفتتح سورتها وخاتمتها.

    فقد ناسب قوله تعالى: ( ثم إنكم يوم القيامة تبعثون) في المؤمنون، مفتتح السورة، وهو قوله تعالى: ( قد أفلح المؤمنون)، ومن لوازم الإيمان، الإيمان بالبعث، وناسب قوله في آخر السورة: ( أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً وأنكم إلينا لا ترجعون).

    وناسب قوله تعالى: (ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون) في الزمر مفتتح السورة، وهو قوله تعالى: ( تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم )، وقوله: ( إن الله يحكم بينهم في ما هم فيه يختلفون)، فإن الخصومة تقتضي حكماً بين المتخاصمين. كما ناسب قوله تعالى في خاتمة السورة: ( وقُضي بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين)، والقضاء إنما يكون بين المتخاصمين.

    فانظر كيف ناسب ختام كل آية من الآيتين، مفتتح سورتها وخاتمتها، وناسب جو السورة الشائع فيها، وناسب السياق الذي وردت فيه. فقد اقتضى المقام خاتمة الآيتين من كل وجه.

    ثم انظر بعد ذلك كيف قال: ( إنك ميت وإنهم ميتون )، فافرد النبي عنهم، وجعلهم فريقين، ذلك لأن الخصومة والفصل يقتضيان أكثر من طرف، في حين لم يقتضِ ذلك في آية المؤمنون، فقال: ( ثم إنكم يوم القيامة تبعثون) بجعلهم فريقاً واحداً، إذ كلهم يُبعثون وبخاصة أن الكلام على الإنسان على وجه العموم خلقه وتطوره وموته وبعثه. فانظر كيف ناسب كل تعبير موطنه؟

    فما أحسن هذا الاختيار في النظم وما أبلغه وأجمله!

    وهنا أنتهى الحديث عن ما جاء في سورتي المؤمنون والزمر، ولي عودة أخرى إن شاء الله لأكمال ما كان في كتابنا( لمسات بيانية).

    أجمل وأعذب تحية
    أختكم الأمـل
    ***
    **
    *

    إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَٰكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (44)يونس.

    *
    **
    ***


    [align=center][/align]

  2. #47
    الصورة الرمزية الأمــل
    تاريخ التسجيل : Nov 2002
    رقم العضوية : 1360
    الاقامة : الإمارات
    المشاركات : 3,754
    MMS :
    الحالة غير متصل
    معدل تقييم المستوى : 157
    Array

    (22) من سورتي ( المؤمنون ) والمعارج... (1)




    [ALIGN=CENTER][/ALIGN]

    أحبتي الدرر ، أسعد الله أيامكم ، ودامت دياركم عامرة، أحببت أن أعيد وضع هذا الجزء من الموضوع بعد أن اختفى جرّاء ما أصاب دررنا الغالية ، والموضوع يدور فلكه في سورتي المؤمنون والمعارج:

    من سورة المؤمنون:

    قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (8) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (9) أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (10) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (11)
    من سورة المعارج :

    إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22) الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ (23) وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ (24) لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (25) وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (26) وَالَّذِينَ هُم مِّنْ عَذَابِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ (27) إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ (28) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (29) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (30) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (31) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (32) وَالَّذِينَ هُم بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ (33) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (34) أُوْلَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُّكْرَمُونَ (35)


    هناك تشابه كبير بين النصين، كما أن هناك اختلافاً بينهما كما هو ظاهر:

    1) فقد قال تعالى في سورة المؤمنون: (الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) ، وقال في سورة المعارج : (الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ (23).

    2) قال في سورة المؤمنون : (وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ )، ولم يذكر ذلك في سورة المعارج.

    3) وقال في سورة المؤمنون: (وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ )، وفي المعارج: (وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ (24) لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (25).

    4) وقال في سورة المعارج : (وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (26) وَالَّذِينَ هُم مِّنْ عَذَابِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ )
    ولم يذكر ذلك في سورة المؤمنون.

    5) وقال في سورة المعارج: (وَالَّذِينَ هُم بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ )، ولم يذكر ذلك في سورة المؤمنون.

    6) وقال في سورة المؤمنون: (وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ )، بالجمع ( صلاة).
    وقال في سورة المعارج : (وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ )، بالإفراد.

    7) وقال في سورة المؤمنون : (أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (10) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ )، وقال في سورة المعارج: (أُوْلَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُّكْرَمُونَ ) .

    8) قال في سورة المؤمنون: (هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ )، ولم يقل مثل ذلك في سورة المعارج. فما سبب ذلك؟؟

    نعود إلى هذين النصين، لنتلمَّس سِر التعبير في كل واحد منهما.

    إن آيات النص الأول، هي مفتتح سورة المؤمنون. وارتباطها بآخر السورة التي قبلها ظاهر، فقد قال تعالى في أواخر السورة التي قبلها: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (77)الحج. وختمها بقوله تعالى : (فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (78)الحج.

    فأنت ترى من الأمر بالرطوع والسجود وعبادة الله، وفعل الخير وتأكيد ذلك بالأمر بإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، ما يتناسب مناسبة ظاهرة مع نفتتح السورة، وما ذكر فيها من صفات المؤمنين من الصلاة والزكاة، وغيرها من الصفات.

    لقد ابتدأت السورة بقوله تعالى: ( قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُون )
    وفي هذا النص تقرير لفلاح المؤمنين، وإخبار بحصوله في حين كان الفلاح مرجوّا لهم في السورة قبلها. فقد قال: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) فقد أمرهم بالركوع والسجود، ليرجى لهم الفلاح، وهنا تحقق الفلاح بعد أن فعلوا ما أمرهم به ربهم. فهناك طلبٌ وترجٍ وهنا تنفيذ وحصول، فانظر التناسب اللطيف في التعبير، وكيف وضعه وضعاً فنياً بديعاً. فقد بدأ بالأمر والطلب من الذين آمنوا أن يفعلوا ما يأمرهم به ربهم، فاستجاب الذين آمنوا، ففعلوا ما أمرهم به، فوقع لهم الفلاح على وجه التحقيق، ثم انظر كيف طلب منهم ربهم وكيف استجابوا؟.

    قال: ( يا أيها الذين آمنوا )، فناداهم بالصيغة الفعلية الدالة على الحدوث، فاستجابوا واتصفوا بذلك على وجه الثبات، فوصفهم بالصيغة الاسمية ( المؤمنون ).

    ثم قال: ( اركعوا واسجدوا )، وقال: ( فأقيموا الصلاة وآتوا لزكاة )، فاتصفوا بما أمرهم به ربهم على وجه الثبات، فوصفهم بالصيغة الاسمية فقال: (الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ )

    ثم قال: ( لعلكم تفلحون ) بصيغة ترجي الفلاح. ثم اخبر عنهم أنهم بعد أن قاموا بما أمرهم به ربهم، أن الفلاح قد وقع على جهة التحقيق والتأكيد، فجاء ب، ( قد ) الداخلة على الفعل الماضي، وهي تفيد التحقيق والتوقع والتقريب. فقد كان الفلاح متوقعاً مرجوّا لهم، فحصل ما توقعوه وتحقق عن قريب. فما اسرع ما نفّذوا وما أسرع ما تحقق لهم من الفلاح! فانظر كيف اقتضى التعبير ( قد) من جهات عدة، وانظر ارتباط كل ذلك بالسورة قبلها.

    جاء في ( البحر المحيط ) : في هذه السورة: " ومناسبتها لآخر السورة قبلها ظاهر، لأنه تعالى خاطب المؤمنين بقوله: ( يا أيها الذين آمنوا اركعوا ) الآية وفيها : ( لعلكم تفلحون )، وذلك على سبيل الترجية فناسب ذلك قوله: ( قد أفلح المؤمنون ) إخباراً بحصول ما كانوا رجَوْهُ من الفلاح".

    لقد ابتدأ بالصفة التي تستدعي الفلاح، ولا فلاح من دونها وهي الإيمان، وكل ما عداها من الصفات، إنما هي تبع لها فإن لم يكن إيمان فلا فلاح أبداً، كما قرر في آخر السورة، فقد قال في أول السورة: ( قد أفلح المؤمنون )، وقال: في خاتمتها: ( إنه لا يفلح الكافرون ). فانظرالتناسب بين هذا المفتتح وخاتمة السورة قبلها.

    ثم ذكر أول صفة للمؤمنين، وهي الخشوع في الصلاة فقال: (الذين هم في صلاتهم خاشعون ) والخشوع في الصلاة، يعني خشية القلب وسكون الجوارح، وهو روح الصلاة، والصلاة من غير خشوع، جسد بلا روح ).

    وهو – أي الخشوع – أمر مشترك بين القلب والجوارح، فخشوع الجوارح، سكونها وترْك الالتفات، وغض البصر وخفض الجناح. وخشوع القلب خضوعه وخشيته وتذلله وإعظام مقام الرب، وإخلاص المقال وجمع الهمة.

    ولتقديم الوصف بالخشوع في الصلاة على سائر الصفات المذكورة بعده أسباب منها:

    فهو علاوة على أهميته، وأنه روح الصلاة، مرتبط بما ورد في ختام السورة السابقة من ذكر الركوع والسجود، فقد قال: ( يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا ) فذكر ركني الصلاة الظاهرين، وههنا ذكر الركن الباطن، فاستكمل ما ذكره هناك.

    ثم إن السورة مشحونة بجو الخشوع بشقيْه سواء ما يتعلق بالقلب، وما يتعلق بالجوارح وبالدعوة إليه بكل أحواله. فقد كرر الدعوة إلى التقوى، والتقوى أمرٌ قلبيٌ، وهي من لوازم الخشوع فقال: ( أفلا تتقون ) . وقال: ( وأنا ربكم فاتقون ). وقال: (إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون ). والخشية والإشفاق أمر قلبي، وهما من لوازم الخشوع. وقال: (والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم على ربهم راجعون ) والوجل أمر قلبي وهو من لوازم الخشوع أيضاً.

    وذكر الكفار وذمهم بقوله: ( بل قلوبهم في غمرة )، وهذه الغمرة تمنعها من الخشوع والخضوع والإعراض عما سوى الله تعالى. وذكر القلوب ههنا أمرٌ له دلالته، فلم يقل: ( هم في غمرة )، كما قال في مكان آخر من القرآن الكريم ( الذاريات 11) بل قال: ( قلوبهم في غمرة ) والقلبُ هو موطن الخشوع ومكانه، فإن كان هذا القلب في غمرة، فكيف يخشع؟

    وقال في ذم الكفار: (فما استكانوا لربهم وما يتضرعون ) فلم يخشعوا، لأن الخاشع مستكين لربه متضرع متذلل إليه.

    وقال: ( فاستكبروا وكانوا قوماً عالين ) والاستكبار والعلو مناقضان للخشوع، إذ الخشوع، تطامن ٌ وتذللٌ وخضوع لله رب العالمين.

    فبدء السورة بالخشوع، هو المناسب لجو السورة.

    ثم إن البدءَ به له دلالةٌ أخرى، ذلك أنه ورد في الآثار، أن الخشوع أول ما يُرفع من الناس، وقد جاء عن عبادة بن الصامت أنه قال:" يوشك أن تدخل المسجد، فلا ترى فيه رجلاً خاشعاً". وعن حذيفة أنه قال: " أول ما تفقدون من دينكم الخشوع، وآخر ما تفقدون من دينكم الصلاة، وتنقض عُرى الإسلام عروة عروة". روح المعاني.

    فبدأ بما يرفع أولاً، وختم بما يرفع آخراً، وهي الصلاة، فقال: ( والذين هم على صلاتهم يحافظون ) .


    أقف عند هذا القدر اليوم... وسيكون للموضوع بقية ما بقينا.

    أجمل وأرق تحياتي للجميع

    الأمــل

  3. #48
    الصورة الرمزية عابده لله
    تاريخ التسجيل : Apr 2002
    رقم العضوية : 286
    الاقامة : جدة
    المشاركات : 13,754
    هواياتى : القــراءة
    My SMS : الدرر في القلب مهما طال الزمن أو قَصُر
    MMS :
    إم إم إس
    23
    الحالة غير متصل
    معدل تقييم المستوى : 766
    Array



    [ALIGN=JUSTIFY]
    أسعد الله صباحك أختي الأمل.....

    انار الله قلبك وزاد إيمانك وجعلنا وإياك من الصالحين يا رب

    العالمين....... حقيقة قرءاة هذه المواضيع والتفاسير لها الإفادة

    الفعلية والحقيقية لنا .... أفادك الله وجعل أوقاتك سعادة ,,,,,,

    وجزاك الله عنا وعن كل الدرريون كل الخير... فكثيرأ ما جهلت

    بعض التفسير فوضحت بفضل الله ثم بفضلك أختي...

    جزاك الله عننا كل الخير يا رب العالمين ....
    [/ALIGN]

  4. #49
    الصورة الرمزية الأمــل
    تاريخ التسجيل : Nov 2002
    رقم العضوية : 1360
    الاقامة : الإمارات
    المشاركات : 3,754
    MMS :
    الحالة غير متصل
    معدل تقييم المستوى : 157
    Array

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،




    [ALIGN=CENTER]يسعد صباحك أختي الغالية عابدة لله...

    مرورك من هنا أسعدني ...وطلتك بهية بنورك أخية...

    أثابك وأثابنا على الخير... ونوّر طريقنا للجنة ..برحمته.آمين

    دمتِ لي خيرمعينة.

    الأمــل[/ALIGN]

  5. #50
    الصورة الرمزية المستشار
    تاريخ التسجيل : Mar 2002
    رقم العضوية : 31
    الاقامة : جــده
    المشاركات : 2,365
    هواياتى : بلاي ستيشن
    MMS :
    الحالة غير متصل
    معدل تقييم المستوى : 49
    Array



    .
    .

    الأمل ..
    والله أن كلمات الشكر لا تفيك حقّك ..
    أجتهدي فأبدعتي بهذا الموضوع ..

    اسأل الله العلي الكريم رب العرش العظيم أن لا يحرمك الأجر ..
    وأن يجزاك عنّا كل خير ..


    ودمت بحفظه ورعايته .. ':
    [align=left]أجتمعت مع نفسي ..
    بحضوري أنا وذاتي وبعضاً مني ..
    وعلى حين غفلة !
    أصدرت قراراً بالتخلي عني .. وإقصائي مني!

    مبرراً ذلك بأني شيءٌ لا ينفعني ..
    وبأني أكثر من يخذلني ..

    وأدركت أني حينها :
    "وحيدٌ .. إلا منّي .."
    [/align]

  6. #51
    الصورة الرمزية الأمــل
    تاريخ التسجيل : Nov 2002
    رقم العضوية : 1360
    الاقامة : الإمارات
    المشاركات : 3,754
    MMS :
    الحالة غير متصل
    معدل تقييم المستوى : 157
    Array

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته




    أخي الكريم المستشار..

    بارك الله فيك وفي تشجيعك ودعائك لي.

    أنا أيضا لا أوفي لك الشكر بـ شكراً.. فاعذرني.

    دمت على الخير ... وسدد خطاك في سبيله.

    جزاك الله كل خير عنا وعن المسلمين.

    دمت بخير

    الأمــل

  7. #52
    الصورة الرمزية الأمــل
    تاريخ التسجيل : Nov 2002
    رقم العضوية : 1360
    الاقامة : الإمارات
    المشاركات : 3,754
    MMS :
    الحالة غير متصل
    معدل تقييم المستوى : 157
    Array

    (23) من سورتي ( المؤمنون ) والمعارج ... (2)




    [ALIGN=CENTER][/ALIGN]
    أحبتي الدرر..

    أسعدكم الله في الدنيا والآخرة ... وأعانني وإياكم على طاعته ...أكمل الحديث اليوم في نفس فلك السورتين السابقتين، وآخر ما كان:

    فبدأ بما يرفع أولاً، وختم بما يرفع آخراً، وهي الصلاة، فقال: ( والذين هم على صلاتهم يحافظون ) .

    وهنا ننظر كيف أن الله تعالى جاء بالخشوع بالصيغة الاسمية الدالة على الثبات ولم يقل: ( يخشعون ) للدلالة على أنه وصف لهم دائم في الصلاة غير عارض، لأن الصلاة إذا ذهب منها الخشوع كانت ميته بلا روح.

    وننظر أيضاً كيف أنه تعالى لما وصفهم بالإيمان على جهة الثبوت، وصفهم بالخشوع في الصلاة على جهة الثبوت والدوام أيضاً. فإنه لو قال: ( يخشعون ) لصح الوصف لهم وإن حصل لحظة في القلب أو الجارحة في حين أنه يريد أن يكون لهم الاتصاف في القلب والجوارح ما داموا في الصلاة.

    وتقديم الجار والمجرور ( في صلاتهم ) على ( خاشعون ) له دلالته أيضاً، ذلك أن التقديم يفيد العناية والاهتمام، فقدّم الصلاة لأنها أهم ركن في الإسلام حتى أنه جاء في الأثر الصحيح، أن تاركها كافرٌ هادمٌ للدين، وحتى أن الفقهاء اختلفوا في كفر تاركها فمنهم من قال: إن تاركها كافر، وإن نطق بالشهادتين.
    في حين أنه لو قدم الخشوع، لكان المعنى أن الخشوع أهم، وليس كذلك فإن الصلاة أهم. والصلاة من غير خشوع اكبر وأعظم عند الله من خشوع بلا صلاة، فإن المصلي، وإن لم يكن خاشعاً أسقط فرضه وقام بركنه بخلاف من لم يصل.

    سؤال :وكيف يكون خشوع بلا صلاة؟

    فنقول: إن الخشوع وصفٌ قلبي وجسمي، يكون في الصلاة وغيرها، ويوصف به الإنسان وغيره.

    قال تعالى : ( وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا) طه/108، فوصف الأصوات بالخشوع.

    وقال : ( خاشعة أبصارهم ترهقهم ذله) المعارج/44. فوصف الأبصار بالخشوع.

    وقال: ( وجوهٌ يومئذٍ خاشعة ) الغاشية/2. فوصف الوجوه بالخشوع.

    وقال: ( ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق)الحديد/16. فوصف القلب بالخشوع.

    وليس ذلك مقصوراً على الصلاة كما هو واضح. قال تعالى: ( وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين لله لا يشترون بآيات الله ثمناً قليلاً)آل عمران/199.

    وقال ( إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين) الأنبياء/90.
    وقال : (وتراهم يعرضون عليها خاشعين من الذل ينظرون من طرف خفي) الشورى/45.
    فتقديم الصلاة ههنا أهم وأهم.

    وقال بعدها:
    ( والذين هم عن اللغو معرضون )

    اللغو: ( السقط، ومالا يعتد به من كلام، وغيره ولا يحصل منه على فائدة ولا نفع) لسان العرب.

    وفي الكشاف: ( إن اللغو ما لا يعنيك من قول أو فعل، كاللعب والهزل وما توجب المروءة إلغاءه واطّراحه).

    فاللغو جماع لما ينبغي اطراحه من قول وفعل. ووضع هذه الصفة بجنب الخشوع في الصلاة ألطف شي أبدعه، فإن الخاشع القلب الساكن الجوارح أبعد الناس عن اللغو والباطل. إذ الذي أخلى قلبه لله وأسكن جوارحه، وتطامن وهدأ ابتعد بطبعه عن اللغو والسقط وما توجب المروءة اطراحه.

    جاء في ( الكشاف ) : ( لما وصفهم بالخشوع في الصلاة اتبعه الوصف بالإعراض عن اللغو ليجمع لهم الفعل والترك الشاقين على النفس اللذين هما قاعدتا بناء التكليف). ويعني بالفعل الخشوع، وبالترك الإعراض عن اللغو.

    والحق إن الخشوع أمر يجمع بين الفعل والترك، ففيه من الفعل جمع الهمة وتذلل القلب وإلزامه التدبر والخشية، وفيه من الترك السكون وعدم الالتفات وغض البصر وما إلى ذلك.

    جاء في ( التفسير الكبير ) : ( فالخاشع في صلاته، لابد وأن يحصل له مما يتعلق بالقلب نهاية الخضوع والتذلل للمعبود. ومن التروك أن لا يكون ملتفت الخاطر إلى شيء سوى التعظيم. ومما يتعلق بالجوارح، أن يكون ساكناً مطرقاً ناظراً إلى موضع سجوده، ومن التروك أن لا يلتفت يميناً وشمالاً).

    وما بعده من الصفات المذكورة موزعة بين الفعل والترك، أو مشتركة فيهما كما هو ظاهر.

    ولوضع هذه الصفة ( الإعراض عن اللغو ) بجنب الخشوع له دلالة أخرى، فإن السورة كما شاع فيها جو الخشوع، كما أسلفنا فإنها شاع فيها أيضاً جو الترك والإعراض، وذم اللغو بأشكاله المختلفة.

    فمن ذلك أنه تعالى قال: ( كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً ) والعمل الصالح مناقض للغو وعمل الباطل. وقال : ( فذرهم في غمرتهم حتى حين )، والغمرة هي ما همم فيه من لغو وباطل. وقال: ( أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون )، والمسارعة في الشيء ضد الإعراض عنه. و( الخيرات) ضد اللغو والباطل.

    وقال في وصف الكفار: ( قد كانت آياتي تتلى عليكم فكنتم على أعقابكم تنكصون، مستكبرين به سامراً تهجرون)، والنكوص هو الإعراض، والهُجر من اللغو ، وهو القبيح من الكلام والفحش في المنطق.

    وقال: ( أم يقولون به جِنة بل جاءهم بالحق وأكثرهم للحق كارهون ) وقولهم: ( به جنة ) من اللغو.

    وقوله تعالى: ( وأكثرهم للحق كارهون ) من الإعراض، إذ الكره للشيء، إعراض عن الحق.

    وقال: ( بل أتيناهم بذكرهم فهم عن ذكرهم معرضون).

    وقال فيهم: ( ولو رحمناهم وكشفنا ما بهم من ضر للجوا في طغيانهم يعمهون)، والطغيان هو الباطل وهو من اللغو.

    وقال تعالى: ( أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون، فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم). والعبث هو الباطل، وهو من اللغو واللهو، ووصف الله نفسه بالحق، والحق نقيض الباطل والباطل من اللغو.

    وقال تعالى: ( بل أتيناهم بالحق وإنهم لكاذبون )، والحق نقيض الباطل، واللغو والكذب من اللغو في القول، إلى غير ذلك.

    فها نحن نرى أن السورة مشحونة بجو الدعوة إلى الحق وذم اللغو في القول والعمل.

    فوضع هذه الآية في مكانها له دلالته في جو السورة، كما هو في الآية قبلها.

    ولننظر إلى بناء هذه الآية، فإنه جعلها اسمية المسند، فلم يقل: " والذين لا يلغون "، أو " عن اللغو يعرضون "، وقدم الجار والمجرور ( عن اللغو ) على اسم الفاعل ( معرضون ) ولكلِّ سببٌ.

    فإن قوله تعالى: ( عن اللغو معرضون ) أبلغ من " لا يلغون " ذلك أن الذي لا يغلو، قد لا يُعرض عن اللغو بل قد يستهويه، ويميل إليه بنفسه ويحضر مجالسه، أما الإعراض عنه، فإنه ابلغ من عدم فعله، ذلك أنه أبعد في الترك ، فإن المُعرض عن اللغو علاوة على عدم فعله ينأى عن مشاهدته وحضوره وسماعه، وإذا سمعه اعرض عنه كما قال تعالى: ( وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه )القصص/55.

    فهم لم يكتفوا بعدم المشاركة فيه، بل هم ينأون عنه.

    ثم إن التعبير باسمية المسند، يشير إلى أن إعراضهم عن اللغو، وصف ثابت فيهم، وليس شيئاً طارئاً. وهو مع ذلك متناسب مع ما ذكر فيهم من الصفات الدالة على الثبوت.

    وأما تقديم الجار والمجرور ( عن اللغو ) فهو للإهتمام والحصر، إذ المقام يقتضي أن يقدم المعرض عنه لا الإعراض. فإن الإعراض قد يكون إعراضاً عن خير كما قال تعالى: ( بل أتيناهم بذكرهم فهم عن ذكرهم معرضون )المؤمنون/71. فتقديم الباطل من القول والفعل ليخبر أنهم معرضون عنه هو الأوْلى. كما أن فيه حصراً لما يعرض عنه، إذ الإعراض لا ينبغي أن يكون عن الخير، بل الخير ينبغي أن يُسارع فيه، فتقديم الجار والمجرور ليس لفواصل الآيات فقط، وإن كانت الفاصلة تقتضيه بل لأن المعنى يقتضيه أيضاً.

    جاء في (روح المعاني): إن قوله تعالى: ( والذين هم عن اللغو معرضون) " أبلغ من أن يقال: ( لا يلغون) من وجوه: جعل الجملة اسمية دالة على الثبات والدوام، وتقديم الضمير المفيد لتقوي الحكم بتكريره، والتعبير في المسند بالاسم الدال كما شاع على الثبات، وتقديم الظرف عليه المفيد للحصر، وإقامة الإعراض مقام الترك ليدل على تباعدهم عنه رأساً مباشرة وتسببا وقيلاً وحضوراً، فإن أصله أن أن يكون في عرض أي ناحية غير عرضه".

    ثم قال بعدها: ( والذين هم للزكاة فاعلون).

    إن هذا التعبير يجمع معاني عدة كلها مرادة لا تؤدي في أي تعبير آخر. فإنه لو حذف اللام من ( الزكاة ) لكونها زائدة مقوية، كما ذهب بعضهم، أو قدم ( فاعلون ) على ( الزكاة ) فحذف اللام أو بقاها، أو بدل (مؤتون) بـ ( فاعلون) لم يؤد المعاني التي يؤديها هذا التعبير البليغ، وهذا النظم الكريم، وهي معان جليلة مرادة كلها.

    فإن (الزكاة) اسم مشترك بين عدة معانٍ ، فقد يطلق على القدر الذي يخرجه المزكي من ماله إلى مستحقه، أي: قد تطلق على المال المخرّج.

    وقد يطلق على المصدر بمعنى: التزكية، وهو الحدث، والمعنى: إخراج القدر المفروض من الأموال إلى مستحقة.

    وقد تكون بمعنى العمل الصالح، وتطهير النفس من الشرك والدنس، كما قال تعالى: ( فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما)الكهف/81.

    وقال تعالى: ( قد أفلح من تزكى، وذكر اسم ربه فصلى) الأعلى/14-15.

    وقال تعالى: ( قد افلح من زكاها، وقد خاب من دساها) الشمس/9-10. أي: أفلح من طهّر نفسه وخلصها من السوء.

    وهذه المعاني مجتمعة يصح أن تكون مرادة في هذا التعبير.

    ذلكك أنه يصح أن يكون المعنى: واللذين هم يؤدون الزكاة، وذلك على تضمين (فاعلون) معنى (مؤدون) أو على تقدير مضاف محذوف، أي: والذين هم لأداء الزكاة فاعلون. فأصل الكلام على هذا: ( واللذين هم فاعلون الزكاة). فالزكاة مفعولٌ به لاسم الفاعل (فاعلون)، ثم قدم المفعول للاختصاص فصار ( الزكاة فاعلون) كما تقول: ( أنا زيداً ضارب)، ثم زيدت اللام لتوكيد الاختصاص، وهو قياس مع مفعلو اسم الفاعل تقدم أو تأخر، كما قال تعلى: ( وهو الحق مصدقاً لما معهم) البقرة/91. وتسمى هذه اللام لام التقوية. وبهين التقديرين يكون المقصود بالزكاة اسم العين، وهو المال الذي يُخرج لمستحقه.

    ويصح أن تكون ( الزكاة ) بمعنى التزكية وهو الحدث، أي فعل المزكي، فيكون ( فاعلون) بمعناها فيكون أصل التعبير ( فاعلون الزكاة) ومعنى ( فعل الزكاة) زكّى، أو أخرج الزكاة، كما يقال للضارب فعل الضرب.

    جاء في ( الكشاف ) : ( الزكاة اسم مشترك بين عين ومعنى. فالعين القدر الذي يخرجه المزكي من النصاب إلى الفقير. والمعنى: فعل المزكي الذي هو التزكية، وهو الذي أراده الله فجعل المزكين فاعلين له. ولا يسوغ فيه غيره، لأنه ما من مصدر إلا يعبر عن معناه بالفعل.
    ويقال لمحدثه: فاعل، تقول للضارب: فاعل الضرب، وللقاتل: فاعل القتل، وللمزكي: فاعل التزكية، وعلى هذا الكلام كله.

    والتحقيق أنك تقول في جميع الحوادث: من فاعل هذا؟ فيقال لك: فاعله الله أو بعض خلق الله. ولم يمتنع الزكاة الدالة على العين، أن يتعلق بها (فاعلون) لخروجها من صحة أن يتناولها الفاعل، ولكن لأن الخلق ليسوا بفاعليها ... ويجوز أن يراد بالزكاة العين، ويقدر مضاف محذوف وهو الأداء).

    وجاء في ( البحر المحيط): " والزكاة إن أريد بها التزكية صح نسبة الفعل إليها، إذ كل ما يصدر صح أن يقال فيه فعل. وإن أريد بالزكاة قدر ما يخرج من المال للفقير، فيكون على حذف: أي لأداء الزكاة فاعلون، إذ لا يصح فعل الأعيان من المزكي أو يضمن (فاعلون) معنى (مؤدون) وبه شرحه التبريزي".

    ويصح أن تكون الزكاة بمعنى العمل الصالح وتطهير النفس، فيحتمل أن تكون اللام زائدة مقوية دخلت على المفعول به(الزكاة) فيكون معنى (فعل الزكاة) فعل العمل الصالح وتطهير النفس كما يقال: ( فعل خيراً، أو فعل شراً) فيكون معنى الآية: ( الذين هم فاعلون العمل الصالح وتطهير النفس) واللام زائدة في المفعول ويسمونها مقوية وهي تفيد توكيد الاختصاص في المفعول المقدم، أي: لا يفعلون إلا ذاك.

    ويحتمل أن تكون اللام لام التعليل، أي: يفعلون من اجل الزكاة، أي: هم عاملون من أجل تزكية نفوسهم وتطهيرها والمفعول محذوف، فيكون الفعل عاماً، وهو كل ما يؤدي إلى الخير وتطهير النفس.

    جاء في ( روح المعاني) : " وعن أبي مسلم، أن الزكاة هنا بمعنى العمل الصالح كما في قوله تعالى: ( خيراً منه زكاة ). واختار الراغب أن الزكاة بمعنى الطهارة، واللام للتعليل والمعنى: والذين يفعلون ما يفعلون من العبادة ليزكيهم الله تعالى، أو يزكوا أنفسهم ... قال صاحب " الكشاف"، معنى الآية، الذين هن لأجل الطهارة وتزكية النفس عاملون الخير. ويرشد إلى ذلك قوله تعالى: ( قد افلح من تزكى، وذكر اسم ربه فصلى)، و( قد افلح من زكاها).

    وجاء في ( البحر المحيط) : " وقيل ( للزكاة ) للعمل الصالح كقوله: ( خيراً منه زكاة )، أي: عملاً صالحاً. قاله أبو مسلم. وقيل: الزكاة هنا: النماء والزيادة. واللام، لام العلة ومعمول فاعلون محذوف. التقدير: والذين هم لأجل تحصيل النماء والزيادة فاعلون الخير".

    فالزكاة إذن تحتمل العبادة المالية، وتحتمل العمل الصالح والتطهير والنماء، واللام تحتمل التقوية، وتحتمل التعليل، وهذه المعاني كلها مرادة مطلوبة، فهو يريد الذين يؤدون الزكاة، ويفعلون العمل الصالح، وتطهير النفس ويفعلون من أجل ذلك. ولا تجتمع هذه المعاني في أي تعبير آخر. فلو أبدل كلمة ( مؤتون ) مكان ( فاعلون ) لاقتصر الأمر على زكاة المال، ولو حذف اللام، لم يفد معنى التعليل، فانظر كيف جمع عدة معان بأيسر سبيل.

    جاء في ( تفسير ابن كثير ) : " الأكثرون على أن المراد بالزكاة ههنا زكاة الأموال، مع أن هذه الآية مكية، وإنما فرضت الزكاة بالمدينة في سنة اثنتين من الهجرة. والظاهر أن التي فرضت بالمدينة، إنما هي ذات النصب والمقادير الخاصة، وإلا فالظاهر أن اصل الزكاة كان واجباً بمكة .. وقد يحتمل أن يكون المراد بالزكاة ههنا زكاة النفس من الشرك والدنس كقوله: ( قد أفلح من زكاها، وقد خاب من دساها) .. وقد يحتمل أن يكون كلا الأمرين مراداً وهو زكاة النفوس وزكاة الأموال فإنه من جملة زكاة النفوس، والمؤمن الكامل، هو الذي يفعل هذا وهذا ، والله أعلم".

    وتقديم الزكاة للاهتمام والعناية والقصر، أي: لا يفعلون إلا الخير، والزكاة منها.

    سؤال: لِمِ لم يقل الله تعالى: ( والذين هم للصلاة فاعلون) ، كما قال: ( والذين هم للزكاة فاعلون) ؟

    الجواب:

    أن إخراج النصاب إلى مستحقه كافٍ لأداء فريضة الزكاة، وليس وراءه شيء يتعلق بها، فإن لم يفعل ذلك فلا زكاة. أما فعل الصلاة من قيام وقعود وركوع وسجود مع هيئاتها الأخرى، فليس بكافٍ، بل ينبغي أن يكون مع ذلك خشوع وتدبر وحضور قلب وسنن، وآداب تكمل هذه الأفعال الظاهرة وتتمها، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: " لك من صلاتك ما عقلت منها"، فاتضح الفرق بينهما".

    أخوتي للمسات بقية ... إن كنا من أهل الدنيا.

    أستدوع الله دينكم وآماناتكم.

    الأمــل

  8. #53
    الصورة الرمزية الأمــل
    تاريخ التسجيل : Nov 2002
    رقم العضوية : 1360
    الاقامة : الإمارات
    المشاركات : 3,754
    MMS :
    الحالة غير متصل
    معدل تقييم المستوى : 157
    Array

    (24) من سورتي ( المؤمنون ) والمعارج ... (3)




    [ALIGN=CENTER][/ALIGN]

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

    أخوتي وأحبتي الدرر...

    لنكمل حديثنا بعد طول غياب .. فارجو المعذرة منكم..

    ( والذين هن لفروجهم حافظون(5) إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين(6) فم ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون(7) .

    قيل: المعنى: أنهم ممسكون لفروجهم على أزواجهم، وما ملكت أيمانهم.

    جاء في (البحر المحيط):" (حفظ) لا يتعدى بعلى...والأولى أن يكون من باب التضمين ضمن ( حافظون) معنى ممسكون أو قاصرون، وكلاهما يتعدى بعلى كقوله : ( أمسك عليك زوجك)".

    وجاء في ( فتح القدير) : " ومعنى حفظهم لها أنهم ممسكون لها بالعفاف عما لا يحل لهم ... وقيل: إن الاستثناء من نفي الإرسال المفهوم من الحفظ. أي : يرسلونها على أحد إلا على أزواجهم. وقيل: المعنى: إلا والين على أزواجهم وقوّامين عليهم".

    إن اختيار هذا التعبير اختيار عجيب، وفيه آيات عظيمة لمن تدبر ونظر. ذلك أنه تعالى قال: ( والذين هم لفروجهم حافظون) ولم يقل (ممسكون) أو نحو ذلك مما فسر به. وفي اختيار ( الحفظ) سر بديع، ذلك أن الذي يمسك فرجه عما لا يحل يكون حافظاً لنفسه ولفرجه من الآفات والأمراض والأوجاع التي نصيبه، وهي أمراض وبيلة وخيمة العاقبة. ومن أرسله في المحرمات، فإنما يكون قد ضيعه وضيع نفسه.

    جاء في الحديث:" لم تظهر الفاحشة في قوم قط، حتى يعلنوا بها، إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا" (سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني).

    واختيار: ( غير ملومين) في قوله: ( إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين)، اختيار لطيف، ذلك أنه علاوة على ما يفيده ظاهر النص من أن الذي يبتغي وراء ما ذكر ملوم من نفسه ومن الناس لما يُحدث في نفسه وفيهم من أضرار وأمراض فهو يلوم نفسه على ما أحدث فيها من أوجاع وعاهات مستديمة، وعلى ما أحدث في زوجه وعائلته.

    وحتى ولده الذي لا يزال جنيناً في بطن أمه قد يصيبه من عقابيل ذلك ما يجعله شقيا معذباً طوال حياته، وملوم من المجتمع على ما أحدثه في نفسه وعلى ما يحدث فيهم من أمراض معدية مهلكة. فمن حفظ فرجه فهو غير ملوم، وإلا فهو ملوم أشد اللوم.

    ثم قال تعالى:
    ( فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون).

    و(العادون) هم المعتدون، ومعنى الآية: أن هؤلاء هم " الكاملون في العدوان المتناهون فيه" . فإنه لم يقل : (فأولئك عادون) أو ( من العادين) بل قال تعالى : ( فأولئك هن العادون). للدلالة على المبالغة في الاعتداء من جهة أن العِرضِ أثمن وأغلى من كل ما يُعتدى عليه ويُنال منه، ومن جهة أن هؤلاء هم أولى من يوصف بالعدوان، لأنهم يعتدون على أنفسهم بما سيجرون عليها من وبال وأوجاع وعاهات مستديمة ، قد تصل إلى الجنون. ويعتدون على أزواجهم وعوائلهم، بما ينقلونه إليهم من هذه الأوجاع والأمراض، ويعتدون على أولادهم وعلى الجيل اللاحق من أبنائهم، ممن لم يظهر إلى الدنيا بما يُلحقونه بهم من هذه الآفات المستديمة، ويعتدون على المجتمع الذي يعيشون فيه، بما ينقلونه إليه من أمراض معدية مرعبة وما ( الإيدز) إلا واحد من هذه الأمراض الوبيلة المرعبة. أفهناك عدوان أوسع من هذا العدوان وأخطرمنه؟

    نحن نعرف أن المعتدي قد يعتدي على بيت أو قبيلة، أما أن يمتد العدوان إلى الإنسان نفسه وأولاده وزوجه وربما إلى طبيبه الذي يعالجه، وإلى الجيل الذي الذي لم يظهر بعد، وإلى المجتمع على وجه العموم، فهذا شر أنواع العدوان وأولى بأن يوسم صاحبه به.

    أفرأيت العلو في الاختيار والجلالة فيه،إنه لا يؤدي تعبير آخر مؤداه.

    إنه تعالى لم يقل: ( فأولئك هم الضالون ) أو ( أولئك هم الخاطئون) أو ( الفاسقون)، وما إلى ذلك من أنهم منهم، لأن هذه الصفات فردية، وليس فيها إشارة إلى العدوانية، كما ليس فيها إشارة إلى الخطر الهائل الذي يحيق بالمجتمع من جراء ذلك.

    هذا من جهة ومن جهة أخرى، إ نذلك أنسب مع قوله: ( غير ملومين) فإن المعتدي ملوم على عدوانه أكثر من صاحب الأوصاف الذي ذكرناها.

    وهناك أمر آخر لاءم بين ذكر هذه الصفات، وهو أن الصفات المذكورة كلها ذات علاقة بالآخرين، وليست فردية، فالذي لا يحفظ فرجه، إنما يرسله فيما من أفراد المجتمع، وقوله: ( غير ملومين) كذلك فإن الملوم يقتضي لائماً، وقد فعل ما يقتضي اللوم من الآخرين د، وقوله: ( هم العادون) كذلك. فإن العادي يقتضي معتدى عليه، ولا يسمى عادياً حتى يكون ثمّة معتدى عليه. فالصفات هذه كلها كما ترى ليست فردية. فانظر التناسب بينها.

    ثم انظر كيف اختار التعبير عن هذه الصفات بالصيغة الاسمية فقال: ( حافظون) و ( ملومين ) و ( العادون) للدلالة على ثبات هذه الصفات. فقوله: ( والذين هم لفروجهم حافظون)، يفيد ثبات الحفظ ودوامه وعدم انتهاكه على سبيل الاستمرار، لأن هذا لا ينبغي أن يخرم ولو مرة واحدة.

    ومن فعل ذلك على وجه الدوام، فإنه غير ملوم على وجه الدوام، أيضاً فإن خالف لِيْمَ على ذلك. والذ يبتغي وراء ذلك، يلهث وراء الفاحشة، فهو معتدٍ على وجه الثبات أيضاً، وقد يثبت هذا العدوان، فلا يمكن إزالته أبداً، وذلك ببقاء آثاره على نفسه والآخرين.

    فانظر رِفعة هذا التعبير وجلاله.

    ثم قال تعالى بعدها:
    ( والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) .

    وجهُ ارتباط هذه الآية بما قبلها ظاهر، إذ أن كلا من الفروج والأمانات ينبغي أن تحفظ وتصان وكذلك الأمانات؟ ومن لم يحفظ الأمانة والعهد، فهو ملوم كما هو شأن من لم يحفظ فرجه.ومن ابتغى ما لا يحل له من الفروج عادٍ، وكذلك الباغي على الأمانة عادٍ ظالم.

    وقد قدم الأمانة على العهد، وجمع الأمانة وأفراد العهد.أما جمع الأمانة، فلتعددها وتنوعها فهي كثيرة جداً، فمن ذلك ما يُؤتمن عليه الشخص من ودائع الناس وأموالهم، ومنها ما يطلع عليه من أسرار الناس وأحوالهم، ومنها الأقوال التي يسمعها ويستأمن عليها مما لا يصح أن يذيعه منها، ومنها أن يودع شخص أهلا له عند شخصٍ حتى يعود ويقول له: هؤلاء أو صغاري عندك أمانة حتى أعود، أو حتى يكبروا، فهو يتولى أمرهم ويرعاهم، والزرع قد تجعله أمانة عند شخص فيرعاه ويتعهده ويحفظه، الحكم أمانة، والرعية أمانة عند أميرهم ومتولي أمرهم، والقضاء ثقيلة، والشرع أمانة ، قال تعالى : ( إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال) الأحزاب/72.

    جاء في البحر المحيط : " والأمانة الظاهر أنها كل ما يؤتمن عليه من أمر أو نهي، وشأن ودين ودنيا، والشرع كله أمانة، وهذا قول الجمهور ولذلك قال أبي بن كعب: منالأمانة أن اؤتمنت المرأة على فرجها".

    وفي الحديث ( المؤذن مؤتمن) يعني : أن المؤذن أمين الناس على صلاتهم وصيامهم، فصلاة الناس وصيامهم أمانة عنده. وفي الحديث أيضاً: ( المجالس بالأمانة) و" هذا ندب إلى ترك إعادة ما يجري في المجلس من قولٍ أو فعل، فكان ذلك أمانة عند من سمعه أو رآه. والأمانة تقع على الطاعة والعبادة والوديعة والثقة والأمان، وقد جاء في كل منها حديث". وفي الحديث: " الإيمانُ أمانة ولا دِين لمن لا أمانة له". وفي حديث آخر: " لا إيمان لمن لا أمانة له". أي: أهلك، ومن تخلفه بعدك منهم، ومالك الذي تودعه".

    جاء في ( روح المعاني) في قوله تعالى: ( والذين هم لآماناتهم وعهدهم راعون) : " الآية عند أكثر المفسرين عامة في كل ما ائتُمِنوا عليه، وعوهدوا من جهة الله تعالى، ومن جهة الناس كالتكاليف الشرعية والأموال المودعة والأيمان والنذور والعقود ونحوها. وجمعت الأمانة دون العهد قيل: لأنها متنوعة متعددة جداً بالنسبة إلى كل مكلف من جهته تعالى، ولا يكاد يخلو مكلف من ذلك ولا كذلك العهد".

    وجاء فيه ايضاً:" وكأنه لكثرة الأمانة، جُمعت ولم يُجمع العهدُ، قيل: إيذاناً بأنه ليس كالأمانة كثرة، وقيل : لأنه مصدر، ويدل على كثرة الأمانة ما روى الكلبي: كل أحد مؤتمن على ما افترض عليه من العقائد والأقوال والأحوال والأفعال، ومن الحقوق في الأموال، وحقوق الأهل والعيال وسائر الأقارب والمملوكين والجار وسائر المسلمين. وقال السدي: إن حقوق الشرع كلها أمانات قد قبلها المؤمن وضمن أداءها بقبول الإيمان. وقيل : كل ما أعطاه الله تعالى للعبد من الأعضاء وغيرها أمانة عنده، فمن استعمل ذلك في غير ما أعطاه لأجله، وأذن سبحانه له به، فقد خان الأمانة".

    فقد رأيتُ( المؤلف) من تعددها وتنوعها وتشعبها، ما يدعو إلى جمعها وليس كذلك العهد، فأفرد العهد وجمع الأمانة. وأما تقديمهاعلى العهد، فلأهميتها كما رأيت، وحسب ذلك أن تكون الشرع كله كما مر، وحسبك من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: " الإيمان أمانة، ولا دين لمن لا أمانة له". وقوله: " لا إيمان لمن لا أمانة له".

    وجاء في ( فتح القدير): " والأمانة أعم من العهد، فكل عهد أمانة".

    أما اختيار كلمة ( راعون) مع الأمانة والعهد دون ( الحفظ) الذي استخدم مع الفروج، فله سبب لطيف ذلك أن ( راعون) اسم فاعل من ( رعى) وأصل الرعي حفظ الحيوان، وتولي أمره وتفقد شأنه.

    جاء في ( الكشاف) : " والراعي القائم على الشيء بحفظ وإصلاح، كراعي الغنم وراعي الرعية. ويقال: من راعي هذا الشيء؟ أي: متوليه وصاحبه".

    وجاء في ( روح المعاني) تفسير( راعون): " قائمون بحفظها وإصلاحها. وأصل الرعي، حفظ الحيوان، إما بغذائه الحافظ لحياته أو بذب العدو عنه، ثم استعمل في الحفظ مطلقاً".

    فالرعي ليس مجرد الحفظ، بل هو الحفظ والإصلاح والعناية بالأمر وتولي شأنه، وتفقد أحواله وما إلى ذلك. وهذا ما يتعلق بالأمانة كثيراً وليس مجرد الحفظ كافياً. فمن ائتمن عندك أهله وصغاره، فلا بد أن تتفقد أمورهم وتنظر في أحوالهم وحاجاتهم علاوة على حفظهم، وكذلك من تولى أمر الرعية، ونحوه من اؤتمن على زرع أو ضرع، وكذلك ما حمّله الله للإنسان من أمر الشرع يحتاج إلى قيام به وتحر للحق فيما يرضي الله وما إلى ذلك من أمور لا يصح معها مجرد الحفظ، فالرعاية أشمل وأعم.

    ثم إن هناك فرقاً آخر بين رعي الأمانة وحفظ الفروج ، ذلك أن الفروج جزء من الإنسان، وهي لا تند عنه، أما الأمانات فقد تكون في أماكن متعددة، وربما تكون أماكن حفظها نائية عنه، فهي تحتاج إلى تفقد ورعاية كما يحتاج الحيوان إلى حفظه من الذئاب والوحوش الضارية. وقد يصعب على الإنسان المحافظة على الأمانة، من العادين واللصوص فيضطر إلى تخبئتها في أماكن لا ينالها النظر ولا يطولها التفتيش، فكان على المؤتمن أن ينظر في حفظها كما ينظر الراعي في أمر ما يرعاه. فاختيار الرعي لها أنسب من الحفظ.

    ثم إن اختيار كلمة (يرعون) ذلك ليدل على لزوم ثبات الرعي ودوامه وعدم الإخلال به البتة.
    وأما تقديم الأمانة والعهد على ( راعون) فللاهتمام والعناية بأمرهما، وللدلالة على أنهما أولى ما يُرعى في هذه الحياة.

    وزيادة اللام، تفيد الزيادة في الاختصاص وتوكيده. و تفيد فائدة أخرى إلى جانب ما ذكرت، ذلك أن كلمة ( الراعي) قد تكون بمعنى الصاحب، تقول: ( من راعي هذه الدار؟) و( من الراعي لهذه الدار ؟) أي: من صاحبها ومتولي أمرها؟

    فيكون المعنى على هذا: والذين هم أصحاب الأمانات والعهود، أي: هم أهلها ومتولوها. ولو قيل بدل ذلك: الذين هم يرعون الأمانة والعهود، لم تفِد هذه الفائدة الجليلة.

    ولنا لقاء آخر مع آية أخرى في هذه السورة .. بإذن الله ..

    لكم كل الود والفائدة

    الأمــل

  9. #54
    الصورة الرمزية الأمــل
    تاريخ التسجيل : Nov 2002
    رقم العضوية : 1360
    الاقامة : الإمارات
    المشاركات : 3,754
    MMS :
    الحالة غير متصل
    معدل تقييم المستوى : 157
    Array

    (25) من سورتي المؤمنون والمعارج ...( 4).




    [ALIGN=CENTER][/ALIGN]
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..

    أخوتي الدرر .. أكمل معكم ما تبقى من السورتين:

    ( والذين هم على صلواتهم يحافظون)

    فختم بالمحافظة على الصلاة، وهي آخر ما يُفقد من الدين، كما في الحديث الشريف، فلعل الختم بالمحافظة عليها إشارة إلى ذلك، أي أنها خاتمة عُرى الإسلام.

    إذ ذكر الصلاة في البدء والخاتمة تعظيم لأمرها أيما تعظيم.

    جاء في ( روح المعاني): " وفي تصدير الأوصاف وختمها بأمر الصلاة تعظيم لشأنها. وتقديم الخشوع للاهتمام به، فإن الصلاة بدونه كلا صلاةٍ بالإجماع، وقد قالوا: صلاة بلا خشوع جسد بلا روح".
    فقد بدأ بالخشوع في الصلاة، وكأنه إشارة إلى أول ما يرفع، وختم بالمحافظة عليها إشارة إلى آخر ما يبقى، والله أعلم.

    والخشوع غير المحافظة، فالخشوع أمر قلبي متضمن للخشية والتذلل، وجمع الهمة والتدبر، وأمرٌ بدني وهو السكون في الصلاة كما سبق ذكره فهو صفة للمصلي في حال تأدية لصلاته. وأما المحافظة فهي المواظبة عليها، وتأديتها في أوقاتها بشروطها من طهارة المصلي وملبوسه ومكانه وإقامة أركانها وإتمام ركوعها وسجودها وقراءتها والمشروع من أذكارها، وأن يوكلوا نفوسهم بالاهتمام بها، وبما ينبغي أن تتم به أوصافها.

    وقيل: " المراد يحافظون عليها بعد فعلها من أن يفعلوا ما يحبطها ويبطل ثوابها".

    وكل ذلك مراد، لأنه من المحافظة عليها.

    ذكرت الصلاة أولاً بصورة المفرد ليدل ذلك على أن الخشوع مطلوب في جنس الصلاة، ففي كل صلاة ينبغي أن يكون الخشوع، أيا كانت الصلاة فرضاً أو نافلة، فالصلاة ههنا تفيد الجنس.

    وذكرت آخراً بصورة الجمع للدلالة على تعددها من صلوات اليوم والليلة إلى صلاة الجمعة والعيدين وصلاة الجنازة، وغيرها من الفرائض والسنن، فالمحافظة ينبغي أن تكون على جميع أنواع الصلوات.

    جاء في ( الكشاف) : " وقد وُحدت أولا ليفاد الخشوع في جنس الصلاة، أي صلاة كانت، وجُمعت آخراً لتفاد المحافظة على أعدادها وهي: الصلوات الخمس والوتر والسنن المرتبة على كل صلاة، وصلاة الجمعة والعيدين والجنازة والاستسقاء والكسوف، وصلاة الضحى والتهجد وصلاة التسبيح وصلاة الحاجة وغيرها من النوافل".

    واستعمال الجمع مع المحافظة أنسب شيء للدلالة على المحافظة عليها بأجمعها. وقد جيء بالفعل المضارع، فقال: ( والذين هم على صلواتهم يحافظون)، بخلاف ما مرّ من الصفات للدلالة على التجدد والحدوث، لأن الصلوات لها مواقيت وأحوال تحدث وتتجدد فيها فيصلي لكل وقت وحالة، فليس فيها من الثبوت ما في الأوصاف التي مرت، فهناك فرق مثلا بينها وبين قوله: ( الذين هم في صلاتهم خاشعون)، لأن الخشوع ينبغي أن يكون مستمراً ثابتاً في الصلاة لا ينقطع، فهو صفة ثابتة فيها.وكذلك قوله: ( والذين هم عن اللغو معرضون) فإنه ينبغي أن يكون الإعراض عن اللغو دائماً مستمراً لا ينقطع، وكذلك قوله: ( والذين هم لفروجهم حافظون) فإن حفظ الفروج ثابت دائم.

    وأما العطف بالواو في كل صفة من هذه الصفات، فللدلالة على الاهتمام بكل صفة على وجه الخصوص، وهذا ما تفيده الواو من عطف الإخبار والصفات.

    وكذلك ذكر الاسم الموصول مع كل صفة، فإنه يدل على الاهتمام والتوكيد، فإنه لم يقل مثلاً: ( قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون، وعن اللغو معرضون وللزكاة فاعلون...الخ) بل كرر الموصول مع كل صفة للدلالة على توكيد هذه الصفات، وأهمية كل صفة.

    جاء في ( تفسير فتح القدير): " وكرر الموصولات للدلالة على أن كل وصف من تلك الأوصاف لجلالته، يستحق أن يستقل بموصوف متعدد".

    ثم قال بعد ذلك:

    ( أولئك هم الوارثون ).

    فجاء بضمير الفصل والتعريف في الخير، للدلالة على القصر، أي: هؤلاء الجامعون لهذه الأوصاف، هم الوارثون الحقيقيون وليس غيرهم. ثم فسر هذا الإبهام، فبين ماذا يرثون،/ فقال: (الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون) ففي هذا الإبهام ثم الإيضاح بعده من الفخامة ما فيه.

    جاء في الكشاف: " ( أولئك) الجامعون لهذه الأوصاف ( هم الوارثون) الأحقّاء بأن يسموا وُرّاثاً دون
    من عداهم. ثم ترجم الوارثين بقوله: ( الذين يرثون الفردوس) فجاء بفخامة وجزالة لأرثهم لا تخفي على الناظر).

    ثم انظر إلى تقديم الجار والمجرور على الخبر، في قوله : " هم فيها خالدون". للدلالة على القصر وتناسب ذلك مع التقديم في الأوصاف السابقة: في صلاتهم خاشعون، للزكاة فاعلون، لفروجهم حافظون، لأماناتهم وعهدهم راعون، فجازاهم من جنس عملهم، فإن أولئك الذين قصروا أعمالهم على الخير، قصر الله خلودهم في أعلى الجنة، وهو الفردوس، فلا يخرجون عنه إلى ما هو أدنى درجة منه، فكان خلودهم في الفردوس لا في غيره. والفردوس أعلى الجنة وأفضلها ومنه تتفجر أنهار الجنة كما في الحديث.

    [ALIGN=CENTER]من سورة المعارج، الآيات (19-35)[/ALIGN]

    قال تعالى:

    [ALIGN=CENTER][/ALIGN]
    قال تعالى : ( إن الإنسان خلق هلوعاً).

    بنى الفعل ( خلق) للمجهول، وذلك أن المقام مقام ذم لا تكريم. مقام ذكر جانب مظلم من طبيعة البشر. والله سبحانه لا ينسب الفعل إلى نفسه في مقام السوء والذم.

    قال تعالى: ( لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم) التين/4. فنسب الفعل إلى ذاته في مقام المدح. وقال: ( ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم ) الأعراف/11.

    وقال: ( وممن خلقننا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون)الأعراف/18. في حين قال: ( يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفاً)النساء/28. وقال: ( خلق الإنسان من عجل)الأنبياء/37. وقال: (إن الإنسان خلق هلوعا) المعارج/19.

    والهلع فسّره ربنا بقوله: ( إذا مسه الشر جزوعا() وإذا مسه الخير منوعا)، فهو الجزع عند مس الشر والمنع عند مس الخير.

    جاء في الكشاف : " الهلع سرعة الجزع عند مس المكروه وسرعة المنع عند مس الخير....و( الخير) : المال والغنى. و( الشر) : الفقر، أو الصحة والمرض. إذا صح الغني منع المعروف وشح بماله، وإذا مرض جزع وأخذ يوصي".

    وجاء في تفسير ابن كثير: "أي: إذا مسه الضر فزع وجزع وانخلع قلبه من شدة الرعب، وأيس أن يحصل له بعد ذلك خير. ( وإذا مسه الخير منوعاً) أي: إذا حصلت له نعمة من الله، بخل بها على غيره، ومنع حق الله –تعالى-فيها".

    وجاء في فتح القدير: " قال في الصحاح: الهلع في اللغة: أشد الحرص وأسوا الجزع وأفحشه....أي: إذا اصابه الفقر والحاجة، أو المرض ونحو ذلك، فهو جزوع، أي كثير الجزع. وإذا أصابه الخير من الغنى والخصب والسعة ونحو ذلك، فهو كثير المنع والإمساك".

    والجزع ضد الصبر ونقيضه، وقد قابله الله بالصبر فقال: ( سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص)إبراهيم/21. وجاء في ( لسان العرب):" الجزوع ضد الصبور على الشر، والجزع نقيض الصبر...وقيل: إذا كثر منه الجزع، فهو جزوع وجُزاع".

    وقد بدأ بالشر قبل الخير، فقال: ( إذا مسه الشر جزوعا() وإذا مسه الخير منوعا() وذلك لأن السياق يقتضي ذلك، فقد بدأت السورة بالعذاب، وهو قوله تعالى: (سأل سائل بعذاب واقع). وذكر قبل هذه الآية مشهداً من مشاهد العذاب، فقال: ( يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذٍ ببنيه () وصاحبته وأخيه() ....كلا إنها لظى () نزاعة للشوى).

    فالمناسب إذن هو البدء بالشر، وهو الذي يقتضيه السياق وجو السورة. قالإنسان خلق هلوعا لا يصبر إذا مسه الشر بل يجزع. وبر ذكر الجزع ههنا وهو عدم الصبر مناسب لقوله تعالى في أوائل السورة: ( فاصبر صبراً جميلاً). فهو يأمر نبيه بالصبر الجميل. والصبر طارد للجزع المقيت الذي طبع عليه الإنسان وتحرر منه من أراد الله له الخير.

    واستثنى من الاتصاف بصفة الهلع هذه بشقيها: الجزع والمنع للخير، من ذكرهم بعد هذه الآية بقوله: ( إلا المصلين () الذين هم على صلاتهم دائمون).

    والدوام على الصلاة معناه المواظبة عليها والانهماك حتى تنتهي، وعدم الانشغال عنها، وليس المراد أنهم يصلون أبدا.

    جاء في ( البحر المحيط): " ديمومتها، قال الجمهور: المواظبة عليها.

    وقال ابن مسعود: صلاتها لوقتها.

    وقال عقبة بن عامر: يقرون فيها ولا يلتفتون يميناً ولا شمالاً".

    وجاء في ( فتح القدير) : " أي لا يشغلهم عنها شاغل، ولا يصرفهم عنها صارف، وليس المرالين).د بالدوام أنهميصلون أبداً".

    وقد فرق صاحب ( الكشاف): بين الدوام والمحافظة على الصلاة، فقال: " فإن قلت: كيف قال: ( الذين هم على صلاتهم دائمون) ؟ قلت: معنى دوامهم عليها: أن يواظبوا على أدائها لا يخلون بها، ولا يشتغلون عنها بشيء من الشواغل، كما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: " أفضل العمل أدومه وإن قل"...

    ومحافظتهم عليها أن يراعوا إسباغ الوضوء لها، ومواقيتها ويقيموا أركانها ويكملوها بسننها وآدابها ويحفظوها من الإحباط باقتراف المآثم. فالدوام يرجع إلى أنفس الصلوات والمحافظة على أحوالها".

    وهذه الآية مرتبطة بقوله تعالى قبل هذه الآيات في صفة جهنم: ( تدعوا من أدبر ونولى) ومرتبطة بقوله تعالى: ( إن الإنسان خلق هلوعا).

    أما ارتباطها بقوله : ( تدعوا من أدبر وتولى) فهو واضح، فإن ذلك الذي تدعوه جهنم، قد أدبر عن الطاعة وتولى عن الحق، وهذا مقبل على الطاعة، مواظب عليها، لا يلتفت عنها، فهو ناج من عذاب جهنم. ثم انظر إلى قوله تعالى: ( تدعوا من أدبر وتولى) فقد ذكر أمراً ووكّده فقال: ( تدعوا من أدبر وتولى) وقابله بقوله: (إلا المصلين).

    وقال: ( وتولى) وهو توكيد للإدبار والانصراف عن الطاعة، وقابله بقوله: ( الذين هم على صلاتهم دائمون) أي: منقلبون على الطاعة مستمرون عليها. فهو مرتبط بها أحسن ارتباط. وهذا الصنف مقابل لأولئك المدبرين العصاة.

    وأما ارتباطها بقوله: ( إن الإنسان خلق هلوعا) فهو أجمل ارتباط وأحسنه ذلك أن الدوام على الصلاة علاج للجزع، وعلاج لمنع الخير. فإن الجزوع شخص لا يصبر.

    وعلاج هذه الصفة أن يتعلم الصبر ويتعوده، والدوام على الصلاة والمواظبة عليها والاستمرار عليها من أحسن ما يعوّد على الصبر، فإن هذه الأعمال تقتضي صبراً متواصلاً، ولذا لا يدوم، عليها كثير من الناس، فهم يصلون ولكن لا يدوم، عليها كثير من الناس، فهم يصلون ولكن لا يدومون على صلاتهم، بل ينشغلون عنها بأنفسهم وقلوبهم وتسرح في دواخلهم صوارف تنال كثيراص من صلاتهم. فالدوام عليها علاج من أنجع الأدوية للتعويد على الصبر والمعافاة من الجزع.

    وهي كذلك علاج لمنع الخير ذلك أن الدائم في صلاته يتعود أن يعطى من نفسه ووقته لربه، بل يعطيه نفسه كلها ووقته في الصلاة، وأن يتحرر من العبودية لرغبته وشهوته فيدوم على أمر ليس في مصلحة دنيوية ظاهرة له، بل قد تفوّت عليه شيئاً عاجلاً كما ذكر ربنا في قوله في صلاة الجمعة: ( وإذا رأوا تجارة أو لهواً انفضوا إليها)الجمعة/11.

    فالدوام على الصلاة علاج ناجع لهذه النفوس الجاسية لتسمح من وقتها ومالها وكل ما يربطها برغباتها وشهواتها، ولذا لم يكتف بقوله: ( إلا المصلين) بل قال: ( الذين هم على صلاتهم دائمون).

    وللموضوع بقية .. أكمله في وقت لاحق .. بإذن الله ..

    أجمل تحياتي .. ودمتم على الخير ..

    الأمـل

  10. #55
    الصورة الرمزية إشراقة أمل
    تاريخ التسجيل : Apr 2002
    رقم العضوية : 249



    جزاك الله خير الجزاء أختي الأمل..


    ولا حرمنا إبداعاتك..


    أختك


    إشراقة أمل

    [ المؤمن يألف ويؤلف ، ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف ، وخير الناس أنفعهم للناس ]
    ( حسن صحيح )


  11. #56
    الصورة الرمزية الأمــل
    تاريخ التسجيل : Nov 2002
    رقم العضوية : 1360
    الاقامة : الإمارات
    المشاركات : 3,754
    MMS :
    الحالة غير متصل
    معدل تقييم المستوى : 157
    Array

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته




    ويجزيك الخير إشراقتي الجميلة على دعواتك الطيبة ..

    لا حرمني الله وجودك .. ودعواتك .. وإشراقتك البهية ..

    دمتِ أختي في الله .. أسعد بوجودها .. ووفقك لكل خيرٍ يرضاه ..

    الأمــل

  12. #57
    الصورة الرمزية الأمــل
    تاريخ التسجيل : Nov 2002
    رقم العضوية : 1360
    الاقامة : الإمارات
    المشاركات : 3,754
    MMS :
    الحالة غير متصل
    معدل تقييم المستوى : 157
    Array

    (26) من سورتي المؤمنون والمعارج ... (5).




    [ALIGN=CENTER]

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،

    طال غيابي هنا.. فللجميع بالغ معذرتي .. وأكمل ما قد بدأت به في رحاب السورتين ...

    *

    ثم قال بعد ذاك:

    ( والذين في أموالهم حق معلوم() للسائل والمحروم).
    قيل: إن المراد بالحق المعلوم الزكاة لأنها مقدرة معلومة، وقيل: غير ذلك.
    وعلى أية حال فإن هؤلاء وضعوا في أموالهم حقاً معلوماً لمستحقه. هذه الآية مرتبطة بقوله تعالى في أصحاب جهنم: ( وجمع فأوعى) ومرتبطة بقوله تعالى: ( وإذا مسه الخير منوعاً).

    أما ارتباطها بقوله تعالى: ( وجمع فأوعى) فهو ظاهر، ذلك أن الله وصف أصحاب جهنم بقوله: ( تدعوا من أدبر وتولى () وجمع فأوعى)، ومعنى جمع فأوعى: أنه جمع المال بعضه على بعض فأوعاه، أي: فجعله في وعاء وكنزه ومنع حق الله الواجب فيه من مستحقيه. أما هؤلاء المعافون من النار، فقد جعلوا في أموالهم حقاً معلوماً للسائل والمحروم، فهم لم يمنعوا حق الله، فلم يكونوا ممن أدبر وتولى وجمع فأوعى.

    وأما ارتباطها بقوله تعالى: ( وإذا مسه الخير منوعاً)، فهو ظاهر أيضاً ذلك أن معنى ( وإذا مسه الخير منوعاً) أنه إذا أصابه الخير والمال والغنى بخل ومنع حق الله تعالى فيه كما ذكرنا.

    وهؤلاء جعلوا في أموالهم حقا معلوماً للسائل والمحروم فهم معافون مستثنون من صفة الهلع: المذكورة؛ بل إنهم مستثنون من صفة الهلع بشقيها: الجزع عند مس الشر والمنع عند مس الخير. ذلك أن قسماً من البخلاء إذا خرج شيء من مالهم، جزعوا وحزنوا كأنما حلت بهم مصيبة، وكأن المال ألصق بقلوبهم من أي شيء آخر، فهؤلاء الذين جعلوا في أموالهم حقاً معلوماً للسائل والمحروم، لم يجزعوا عند خروج المال منهم ولم يعقبوه أنفسهم، ولم يمنعوا السائل والمحروم منه؛ فإخراج المال إلى الفقراء والمساكين علاج وشفاء لهذا الداء الوبيل.

    وهناك لمسة فنية لطيفة في اختيار نوع العذاب في هذا السياق، ذلك أنه قال: ( كلا إنها لظى ()نزاعة للشوى () تدعوا من أدبر وتولى () وجمع فأوعى )

    ومن معاني (الشوى) جلد الإنسان فهي، أي: جهنم تنزع جلد الإنسان وتُبقي الأحشاء بلا جلد. والجلد للأحشاء كالوعاء للمال يحفظ ما في داخله، ولا شك أن جلده ووعاء نفسه أحب إليه من المال ومن كل شيء، ألا ترى أنه يقال للمطلوب: ( انج بجلدك)؟ فانظر التناسق الجميل بين المعصية والعذاب، والجزاء من جنس العمل.

    ثم قال بعد ذلك:

    ويوم الدين يوم القيامة، واختيار ذكر التصديق بيوم الدين دون غيره من أركان الإيمان ههنا له سببه، ذلك أن جو السورة في الكلام على هذا اليوم، فقد قال في أوائل السورة: ( تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ) وهذا اليوم هو يوم القيامة، كما جاء في الحديث الصحيح.

    وقال عن هذا اليوم: ( إنهم يرونه بعيدا () ونراه قريباً () أي: أن الكفار يستعبدون وقوعه ويرونه محالاً، في حين أن هؤلاء المعافين يصدقون به.

    وقال تعالى: ( يوم تكون السماء كالمهل () وتكون الجبال كالعهن)، وقال تعالى: ( فذرهم يخوضوا ويلعبوا حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون () يوم يخرجون من الأجداث سراعاً كأنهم إلى نصب يو فضون () خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة ذلك اليوم الذي كانوا يوعدون).

    فجو السورة والسياق في الكلام على يوم الدين، وختم السورة بالكلام عليه، فكان مناسباً لأن يخصه بالذكر من بين أركان الإيمان الأخرى، فقال تعالى: ( والذين يصدقون بيوم الدين).

    ثم قال: ( والذين هم من عذاب ربهم مشفقون () إن عذاب ربهم غير مأمون )

    وذكر الإشفاق من العذاب مناسب لجو السورة أيضاً، فإن السورة مشحونة بذكر العذاب والكلام عليه فقد بدئت السورة به، فقال في أول سورة : ( سأل سائل بعذاب واقع () للكافرين ليس له دافع ) وقال في خاتمتها: ( خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة ) كما ذكر فيها مشهداً آخر من مشاهد العذاب، فقال: ( يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه () وصاحبته واخيه () وفصيلته التي تئويه () ومن في الأرض جميعاً ثم ينجيه () كلا إنها لظى () نزاعة للشوى () تدعوا من أدبر وتولى () وجمع فأوعى) .
    فاختيار الإشفاق من العذاب أنسبُ اختيارٍ ههنا.

    ولا شك أن الذين يصدقون بيوم الدين، ويخشون عذاب ربهم مستثنون معافون من صفة الهلع. فالتصديق بيوم الدين مدعاة للطمأنينة والأمن في النفوس، فهو يصبر إذا مسه الشر احتساباً لأجر ذلك عند الله، وأنه سيعوضه خيراً مما فقد أو مما ابتلي به، وإذا مسه الخير، لا يمنع، لأن الله سيعطيه أضعاف ما يعطي.

    ثم قال بعد ذلك: ( والذين هم لفروجهم حافظون() إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين() فمن ابتغى وراء ذلك فألئك هم العادون).

    وقد مر تفسير ذلك في آيات سورة ( المؤمنون) فلا حاجة إلى إعادة ما مر.
    غير أن الذي نقوله ههنا: إن هذه الآيات مرتبطة بما قبلها أجمل ارتباط.وهي مع ما ذّكِر معها من الأوصاف منجاة من الهلع وعلاج له.

    ذلك أن الذي يصبر على شهوته ولا يندفع وراء رغبته يعوّد نفسه على الصبر، فلا يجزع إذا رأى ما يستثير شهوته ثم لا يلهث وراءها حتى يهتبل هذه الفرصة للتلذذ بها.

    هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية إن حفظ الفروج وعدم إرسالها إلا على مستحقيها، أولى من حفظ المال وكنزه ومنع مستحقة منه.

    ثم قال:

    ( والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون)

    وقد مر ذلك في آيات سورة ( المؤمنون).

    وهذا علاج للهلع أيضاً، ذلك أن الأمانة والعهد ربما يُلحقان بالمؤتمن ضرراً من سلطة أو مُنفّذ، ذلك لأن صاحب الأمانة قد يكون مطلوباً لهما فالمؤتمن كأنه يعينه على ما هو عليه أو لغير ذلك من الأسباب. وقد يُفوتان عليه خيراً كبيراً وهو مع ذلك يفي بالعهد ويؤدي الأمانة موطناً نفسه على الصبر على ما سيحيق به محتسباً أجر ما يفوته من الخير العاجل عند الله. ولا شك أن هذا مما يكسر الهلع ويضعفه ويعافي منه.

    ثم قال:

    ( والذين هم بشهاداتهم قائمون)

    " والشهادة من جملة الأمانات وخصها من بينها، إبانة لفضلها لأن في إقامتها إحياء الحقوق وتصحيحها وفي زيّها تضييعها ولإبطالها". ( الكشاف 3/ 269).

    والقيام بالشهادة معناه: إقامتها على" من كانت عليه من قريب أو بعيد، أو رفيع أو وضيع، ولا يكتمونها ولا يغيرونها"( فتح القدير 5/284). ولا يخفون ما علموه منها.

    والإتيان بها مجموعة إشارة " إلى اختلاف الشهادات وكثرة ضروبها، فحسن الجمع من جهة الاختلاف".( التفسير الكبير 30/ 131).

    والقيام بالشهادات من أنفع الأشياء في علاج الهلع بشقيه، ذلك أن القيام بالشهادة، قد يعرض صاحبها للأذى والنيل منه أو قد يُفوّت عليه فرص الخير المادي، والنفع العاجل، فالقيام بها توطين للنفس على استقبال الشر والصبر عليه، وتوطين لها على السماح بالخير، وبذله وعدم منعه.

    ثم قال بعد ذلك:

    ( والذين هم على صلاتهم يحافظون)

    فختم بالمحافظة على الصلاة، كما افتتح بالدوام عليها، وهذا نظير ما جاء في سورة ( المؤمنون) من الافتتاح بالصلاة والختم بها.

    والمحافظة على الصلاة غير الدوام عليها:" فإن معنى الدوام هو أن لا ينشغل عنها بشيء من الشواغل"(فتح القدير 5/ 285). وأن ينهمك بها ويواظب على أدائها. أما المحافظة عليها فتعني مراعاة شرائطها وإكمال فرائضها وسننها وأذكارها، كما سلف وبيان ذلك.

    وارتباط هذه الآية بما قبلها واضح فهي مرتبطة بقوله: ( وجمع فأوعى ) ذلك أن القصد من جعل المال في وعاء، هو المحافظة عليه. والصلاة أدعى وأولى بالمحافظة عليها.

    ومرتبطةٌ بصفة الهلع أيضاً ذلك أنها علاج لهذه الصفة المستهجنة بشقيها. فالمحافظة على الصلاة في مختلف الأوقات وتباين الأزمان في أوقات الرخاء والشدة، والعسر واليسر، والمرض والعافية، والشر والخير من المنجيات من هذه الصفة، ذلك أن المحافظة عليها تحتاج إلى الصبر الطويل، لذلك قال تعالى:" وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها" طه/132.وتحتاج إلى البذل والسماح بالخير، وقد وصف الله تعالى رجالاً من المؤمنين بقوله: ( رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة )النور/37.فالصلاة إذا حضرت أهم من التجارة والبيع، فهم يفرطون بالصفات واحتمال الربح في جنب الصلاة.
    إن الصفات المذكورة أنفع علاج لصفة الهلع المقيت، وإن القائمين بهذه الصفات إنما هم ناجون منها مستثنون من أهلها معافون من بلواها.

    ثم قال بعد ذلك:

    ( أولئك في جنات مكرمون)

    وقد تقول: ولماذا قال في آيات ( المؤمنون) : ( أولئك هم الوارثون(10) الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون(11)، وقال ههنا: ( أولئك في جنات مكرمون

    فذكر هناك أنهم يرثون الفردوس، والفردوس أعلى الجنة وربوتها، وأفضلها، ومنه تنفجر أنهار الجنة. ثم ذكر أنهم خالدون. في حين قال هنا أنهم في جنات، ولم يقل أنهم في أعلى الجنان، كما لم يقل أنهم فيها خالدون كما قال في الأولين.

    ونظرة إلى ما في النصين توضح سبب ذلك.

    إن آيات سورة ( المؤمنون) في ذكر فلاح المؤمنين وآيات سورة المعارج في ذكر المعافين من الهلع وقد جعل كل صفة في موطنها.

    1- فقد قال سورة ( المؤمنون): ( قد أفلح المؤمنون) فذكر صفة الإيمان على وجه العموم.
    وقال في آية المعارج: ( والذين يصدقون بيوم الدين) فذكر ركناً من أركان الإيمان، وهو التصديق بيوم الدين. وثمة فرق بين الحالين:

    جاء في روح المعاني في قوله تعالى: ( قد افلح المؤمنون ) " والمراد بالمؤمنين قيل: إما المصدقون بما علم ضرورة أنه من دين نبينا صلى الله عليه وسلم من التوحيد والنبوة، والحشر الجسماني والجزاء ونظائرها".
    فذكر في آية ( المؤمنون) المؤمنين بيوم الدين وغيره، وذكر في سورة المعارج التصديق بيوم الدين. فما ذكره في سورة ( المؤمنون) أكمل.

    2- قال في آية ( المؤمنون): ( الذين هم في صلاتهم خاشعون).
    وقال في آية( المعارج): ( الذين هم على صلاتهم دائمون).
    والخشوع اعم من الدوام ذلك أنه يشمل الدوام على الصلاة، وزيادة فهو روح الصلاة، وهو من أفعال القلوب والجوارح من تدبر وخضوع وتذلل وسكون وإلباد بصر وعدم التفات. والخاشع دائم على صلاته منهمك فيها حتى ينتهي.

    3- قال تعالى في (المؤمنون): ( والذين هم عن اللغو معرضون) وهو كل باطل من كلام وفعل وما توجب المروءة إطراحة كما ذكرنا.

    ولم يذكر مثل ذلك في سورة المعارج، فهذه صفة فضل لم ترد في المعارج.

    4- قال تعالى في ( المؤمنون): ( والذين هم للزكاة فاعلون).
    وقال في سورة المعارج: ( والذين في أموالهم حق معلوم(24) للسائل والمحروم).
    وما في سورة ( المؤمنون) أعم واشمل إذ الزكاة تشمل العبادة المالية كما تشمل طهارة النفس فهي أعلى مما في المعارج وأكمل فإنه ذكر في المعارج أنهم يجعلون في أموالهم حقاً للسائل والمحروم. أم الزكاة فإمها تشمل أصنافاً ثمانية وليس للسائل والمحروم فقط، هذا علاوة على ما فيها من طهارة النفس وتزكيتها كما سبق تقريره.

    5- قال تعالى في سورتي ( المؤمنون والمعارج: ( والذين هم لفروجهم حافظون(5) إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين(6) فمن ابتغى وراء ذلك فألئك هم العادون(7) والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون).

    6- قال تعالى في آية المعارج: ( والذين هم بشهاداتهم قائمون).
    ولم يذكر ذلك في آيات ( المؤمنون) ذلك أنه في سياق المعافاة من الهلع.

    7- قال تعالى في ىيات ( المؤمنون): ( والذين هم على صلواتهم يحافظون) بالجمع.
    وقال في المعارج: ( والذين هم على صلاتهم يحافظون) بإفراد الصلاة.

    والصلوات أعم من الصلاة وأشمل. والمحافظة على الصلوات أعلى من المحافظة على الصلاة لما فيها من التعدد والتنوع والفرائض والسنن.

    فلما كانت الصفات في ىيات سورة المؤمنون أكمل وأعلى كان جزاؤهم كذلك، فجعل لهم الفردوس ثم ذكر أنهم خالدون فيها، في حين قال في سورة المعارج: ( أولئك في جنات مكرمون) ولم يذكر أنهم في الفردوس، ولم يذكر الخلود؛ فهنا ناسب كل تعبير موطنه.

    كما نجد أنه ذكر في سورة المؤمنون بأن المؤمنين هم المصدقون بيوم الدين وزيادة، وذكر الخشوع في الصلاة، وهو الدوام عليها وزيادة، وذكر فعلهم للزكاة وهي العبادة المالية وزيادة. ومستحقوها هم السائل والمحروم وزيادة، وذكر الإعراض عن اللغو وهو زيادة . وذكر الصلوات وهي الصلاة وزيادة، ثم ذكر الفردوس وهي الجنة وزيادة في الفضل والمرتبة، وذكر الخلود فيها وهو والإكرام وزيادة.
    فما أجمل هذا التناسب والتناسق، فسبحان الله رب العالمين.

    *

    *

    الموضوع القادم سيكون من سورتي الطور والقلم ..بإذن الله .

    تقبلوا وافر تقديري واحترامي ..ونفعنا الله بما نقرأ..

    الأمــل
    [/ALIGN]

  13. #58
    الصورة الرمزية الأمــل
    تاريخ التسجيل : Nov 2002
    رقم العضوية : 1360
    الاقامة : الإمارات
    المشاركات : 3,754
    MMS :
    الحالة غير متصل
    معدل تقييم المستوى : 157
    Array

    (27) من سورتي الطور والقلم ...




    [ALIGN=CENTER]

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..

    صباحكم ورد ..

    موضوعنا اليوم سيكون بإذن الله (في سورتي الطور والقلم )، وإليكم ما جاء في الكتاب في صدد السورتين:

    قال تعالى في سورة الطور: ( فذكر فما أنت بنعمت ربك بكاهن ولا مجنون(29).

    وقال في سورة القلم: ( ما أنت بنعمة ربك بمجنون(2).

    فزاد قوله: ( بكاهن ) على ما في سورة القلم، فما سبب ذاك؟


    والجواب: أن هناك أكثر من سبب دعا إلى هذه الزيادة:

    1- منها أنه فصّل في سورة الطور في ذكر أقوال الكفرة في الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد ذكروا أنه كاهن، وذكروا أنه مجنون، وأنه شاعر ( أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون(30)، وقالوا: إنه كاذب ( أم يقولون تقوله بل لا يؤمنون(33).
    في حين لم يذكر غير قوله إنه مجنون في سورة القلم: ( ويقولون إنه لمجنون) فناسب ذكر هذه الزيادة في سورة الطور.

    2- ومنها أنه ذكر في سورة الطور قوله: ( أم لهم سلم يستمعون فيه فليأتِ مستمعهم بسلطان مبين(38) والاستماع مما تدّعيه الكهنة لتابعيهم من الجن، فناسب ذلك ذكر الكهنة فيها.

    3- ومنها أنه ذكر السحر في سورة الطور، فقال: ( أفسحر هذا أم أنتم لا تبصرون(15) فناسب ذكر السحر ذكر الكهنة.

    4- ومما حسّن ذلك أيضًا أنه توسع في القسم في أول سورة الطور بخلاف سورة القلم، فقد قال: ( والطور (1) وكتاب مسطور (2) في رق منشور (3) والبيت االمعمور (4) والسقف المرفوع (5) والبحر المسجور (6)
    في حين لم يقسم في سورة القلم إلا بالقلم وما يسطرون. فناسب التوسع في الطور هذه الزيادة.

    5- ذكر في سورة القلم في آخر السورة قول الكفرة، إنه لمجنون ولم يزد على هذا القول فقال: ( ( وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر ويقولون إنه لمجنون ) فردّ عليهم في أول السورة بنفي الجنون عنه فقال: ( ما أنت بنعمة ربك بمجنون ) فناسب آخر السورة أولها.
    وكذلك لننظر من ناحية أخرى كيف ناسب التأكيد بالباء الزائدة في النفي (بمجنون) التوكيد باللام في الإثبات (لمجنون) لأن الباء لتوكيد النفي واللام لتوكيد الإثبات. والله أعلم.

    الموضوع القادم سيكون – بإذن الله – ( من سورة القمر ).

    مع أجمل الأماني

    الأمــل

    [/ALIGN]

  14. #59
    الصورة الرمزية ابوفهد
    تاريخ التسجيل : Feb 2002
    رقم العضوية : 3
    الاقامة : قلب من أحب
    المشاركات : 22,917
    هواياتى : الأنترنت
    MMS :
    إم إم إس
    mms-85
    الحالة غير متصل
    معدل تقييم المستوى : 1462
    Array

    وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته




    [ALIGN=CENTER]
    الاخت الغالية امل الدرر
    اسعد المولى عز وجل جميع ايامك بالخيرات

    اولا تعالى هناك ياكسوووووله

    يعنى حلقتان تستغرقان منك ثلاثة اشهر ؟

    انما مع ذلك اقول لك

    ارجو العزيز الجبار ان لايحرمكِ من اجر ماكتبتي

    وان يثيبكِ على كل حرفٍ خطته يداك الف حسنة

    وان يجعل كل ذلك في موازين حسنات يوم الحساب

    دمتي بالف خير وعافية
    [/ALIGN]







    اللهم إن لنا أخوان وأخوات في هذا المنتدى
    منهم من غاب عنا لأي سبب
    ومنهم من هو غائب حاضر
    ومنهم من هو مستمر حتى الآن
    شاركونا بعلمهم .. وخبراتهم .. وتجاربهم
    ناقشونا ونصحونا وعاتبونا
    واسونا في أحزاننا وشاركونا أفراحنا
    نتمنى لهم الخير والسعادة أينما كانوا
    وندعو لهم بظهر الغيب أينما حلوا
    اللهم احفظهم وأغفر لهم وأنزل عليهم رحماتك أحياءً وأمواتاً










  15. #60
    الصورة الرمزية ابوفهد
    تاريخ التسجيل : Feb 2002
    رقم العضوية : 3
    الاقامة : قلب من أحب
    المشاركات : 22,917
    هواياتى : الأنترنت
    MMS :
    إم إم إس
    mms-85
    الحالة غير متصل
    معدل تقييم المستوى : 1462
    Array

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته




    [ALIGN=CENTER]


    امل الدرر ونورها
    الله يسعد ايامك بالخيرات

    يعنى لما اصبحت الحلقة القادمة عن سورة القمر

    غاب القمر ونسى الموضوع ؟;)

    اتمنى ان تكون ضروفك تسمح لك باكمال الموضوع للاهميتة اولا

    وحتى تنالي اجرك كاملاً بدون نقصان من المولى عز وجل



    ايتها الامل

    الكتاب وبعد طول انتظار وصلني اليوم من الاردن ولله الحمد

    ومعه ايضاً كتابي

    التعبير القرآني ..... وبلاغة الكلمة في التعبير القرآني


    وفقك الله وجعل لك في كل حرف مما كتبتية هنا وكتبه من شاركك

    مائة حسنة تثقل موازين حسناتك يوم الحساب

    دمتي بالف خير
    [/ALIGN]

صفحة 4 من 5 الأولىالأولى 12345 الأخيرةالأخيرة

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة واحة الدرر 1432هـ - 2011م
كل ما يكتب في هذا المنتدى يمثل وجهة نظر كاتبها الشخصية فقط