تاريخ التسجيل :
Apr 2007
رقم العضوية : 22810
الاقامة : الاقامه من حق المؤذن
المشاركات : 644
هواياتى : مكابده الاصحاب بالركب عند حلق الذكر
MMS :
الحالة
غير متصل
معدل تقييم المستوى : 46
Array
اصحاب الفيل(بعض الفوائد) .... القرنى
أولاً: اسمحوا لي أن أذكر لكم القصة مختصرة، ثم أبدأ بالتفاصيل على ما قال أهل العلم وأهل التفسير، ثم نخرج بقضايا ودروس.
مجمل القصة: أن أبرهة الأشرم كان نصرانياً يحمل دين المسيح، وهؤلاء يحملون مبادئهم حتى ولو كانوا في عصر الجاهليين؛ فإن الإنسان لا بد أن يعيش بعقيدة، فتجده يضحي من أجل عقيدته ولو كانت باطلة ولو كانت بعثية أو ماركسية أو شيوعية أو علمانية ، بل هم أكثر تضحية من كثير من المسلمين، حتى تجد من طلبة العلم من وسوس له الشيطان فشغله بنفسه عن أن يكون معسكراً وحاملاً للمبادئ، ورجلاً للكلمة، وصاحب قرار آمراً بالمعروف وناهياً عن المنكر، أبرهة ليس من هذا الصنف، أبرهة يحمل مبدأ، بنى كعبة في صنعاء ، وطلب من العرب أن يتجهوا لها ويتركوا كعبة الله في البيت العتيق، أخذته قذر النجاسة والنحاسة واللقافة فبنى تلك الكعبة وجعلها أكبر من هذه الكعبة؛ فغضب العرب ولطخوا كعبته، فغضب هو وأقسم بآلهته أن يطأ أرض الحرم وأن يهدِّم كعبة الله، هذه رواية، وقال بعضهم: بل إن ملك النصارى في الحبشة القائد الأعلى لها ورئيس أبرهة أمره أن يذهب إلى أرض العرب فيحطِّم كعبة العرب التي بناها خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام، فجهز جيشاً عدده ستون ألفاً، بقي عليهم عشرة ويصبحون كجيش أبي إسحاق :
سبعون ألفاً كآساد الشرى نضجت جلودهم قبل نضج التين والعنب
وقيل: تسعون ألفاً، ومشى بستين ألفاً ومعه فيل جعله في أول الجيش، وبعضهم يقول: ثمانية فيلة؛ ولكن الذهبي يقول: الفيل الذي ذكر في القرآن كأنه متميز؛ ولذلك لم يذكر الله السبعة الباقية، فدعا بالفيل وركبه ومشى واخترق قبائل الجنوب ولم تعترضه إلا قبيلة ماعز وشهران، فسحقهم وغلبهم، وقامت له قبيلة خثعم، فغلبها، وهذه صراحة بالنسبة لعصرنا تسمى قوة عظمى، فالدول العظمى بالمفهوم العصري الآن مثل أمريكا والاتحاد السوفيتي سابقاً، أو ما يحل محلها كـالصين أو فرنسا أو بريطانيا ، فهم كانوا عند العرب قوة عظمى، فما استطاعت القبائل المقاومة فانهزمت، حتى وصل إلى الطائف ، وحصل بعض المقاومة لكن أبا رغال أحد الممسوخين الخاسرين قام وقال: أدلك على طريق البيت؛ لأن أهل الطائف اعتذروا إلا أبا رغال هذا، فلما دله ومات أبو رغال أخذ العرب يرجمون قبره، فكان كل عربي إذا أراد أن يحج يمر أولاً بـالطائف ليرجم قبر أبي رغال ؛ لأنه دل أبرهة .
ونزل أبرهة وأصبح في المغمس ، تمركز في المغمس ، والحقيقة أن أول الجيش قد يكون في المغمس وهو في طرف مكة كما تعرفون من جهة الطائف ، وأوله كان في وادي محسر الذي نهرول فيه لأنه موطن عذاب، فكيف بمن يصاحب أهل العذاب ويجالس أهل المعاصي وأهل المنكرات؟! وكيف بمن يرضى بهم إخوة؟! وكيف بمن يعكف على معاصيهم؟! وكيف بمن يجعلهم أولياء له؟! ستجدهم أخلاء له في الدنيا والآخرة، ولذلك قال سبحانه وتعالى: الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ [الزخرف:67]. فما دام أنه مكان عذاب فقد أُمرنا أن نسرع فيه في الحج؛ لئلا يصيبنا ما أصاب أولئك، فكيف بمن خالطم ورضي أفعالهم واتخذهم من دون الله أولياء؟ لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [المجادلة:22].
وَصَل هناك ونزل، ثم أرسل جنوده فجمعوا كل إبل الحرم وغنمه ومواشيه وجماله وجعلها وراء البيت، هذا أول فعله، أما كفار قريش فأتاهم الخبر، والمشرك مهزوم من الداخل، المشرك لا يحمل لواءً، ولذلك لا تحارب بمشرك، وأحد العقديين في هذا العصر يقول في مذكرة له: موحِّد واحد يغلب ألف مشرك. أي: ألف مخلِّط، ولذلك لا نلقى العدو بمشركين، ولا منهارين، ولا مبتدعة، لا بد من إخلاص التوحيد، فإنه لو كان في الحرم موحدون لرفعوا (لا إله إلا الله) ولخرجوا يلبسون الأكفان.
يا بني قومنا سراعاً إلى الله فقد فاز من يموت شهيدا
سارعوا سارعوا إلى جنة قد فاز من جاءها شهيداً سعيدا
......
استطراد في غزو بريطانيا لليمن
معذرة: فقد أرادت بريطانيا أن تعتدي على اليمن من عدن ، وكان هناك في إحدىالقلاع من يحمل لواء التوحيد في عهد بريطانيا عند احتلالها عدن ، فقد زحفت بدباباتها وطائراتها وأخذت تضرب صنعاء ، فقام أحد العلماء -والقصة مشهورة وربما كررتُها- فأخذ في خطبة يوم الجمعة يكلم اليمنيين الموحدين أن يصدوا هجوم الإنجليز، فيقول لهم على المنبر في خطبة الجمعة بعد أن حمد الله وأثنى عليه، يقول مخاطباً بريطانيا :
يا بريطانيا رويداً رويدا إن بطش الإله كان شديدا
إن بطش الإله أهلك فرعو ن وعاداً من قبلكم وثمودا
والطائرات تضرب صنعاء وهو في أثناء الخطبة يقول:
لا تظنوا هدم المدائن يوهي عزمنا أو يلين بأساً صلودا
إن تبيدوا من البيوت بطيار اتكم ما غدا لدينا مَشِيدا
فلنا في الجبال تلك بيوت صنَعَتْها أجدادنا لن تبيدا
فالنزال النزال إن كنتم مِـ مَّن لدى الحرب لا يخاف البنودا
يقول للطيارين: انزلوا في الأرض، نحن لا نستطيع أن نصعد إليكم، ولكن إن كنتم رجالاً فانزلوا.
لتروا من يبيت منا ومنكم موثقاً عند خصمه مصفودا
ما خضعنا للترك مع قرب الديـ ـن منا فكيف نرضى البعيدا
يقول: ما خضعنا للترك وهم مسلمون، فكيف نخضع لكم أنتم أيها الإنجليز الخواجات أعداء الله ورسوله؟!
وهم في الأنام أشجع جيش فاسألوهم هل صادفونا فهودا؟!
أفترجوا إنجلترا في بلاد الله تباً لسعيها أن نبيدا
كذبت -والإله- لا كان إلا بعد ألا نبيد أو أن تبيدا
بعد أن تُسفك الدماء على الـ أرض وتروي حقولنا والمزيدا
يا بني قومنا سراعاً إلى اللـ ـه فقد فاز من يموت شهيدا
وهذا هو الشاهد، سراعاًَ إلى الله -إلى الجنة- وقد قالها عليه الصلاة والسلام في بدر ، وقالها في أحد ، وأخبر أن الجنة تُفتح لأولياء الله الذين يسندون ويحامون ويذبون عن مبادئهم، فقد فاز من يموت شهيداً.
سارعوا سارعوا إلى جنة قد فاز من جاءها شهيداً سعيداًَ
والبسوا حلة من الكفن الغالي وبيعوا الحياة بيعاً مجيدا
خرج اليمنيون، ولبسوا الأكفان، وأخذوا البنادق، فهزموا بريطانيا وردوها.
أعلى الصفحة
تكملة قصة أصحاب الفيل
فلو كان عبد المطلب موحداً لخرج بالأكفان ولأعلن صيحةً على الصفا ، ووقف عند الحجر الأسود وألقى خطبة توحيد حماسية، لكن ماذا فعل؟
ترك الساحة وأتى إلى كفار قريش وهم منهارون ليس عندهم مبدأ قال: تسلقوا رءوس الجبال، واحتموا برءوس الجبال، فخرج ليأخذ أطفاله ويحملهم ويأخذ زوجته بيدها ويترك أمواله، حتى إن بعض المفسرين يقول: تركوا الذهب وحفروا له حُفَراً. انظر إلى الجبن! خائفون من الكيماوي! وفروا إلى رءوس الجبال، ومن كان لديه قليل من الذهب والفضة حفر له في الأرض وصعد بأهله وبذريته إلى رءوس الجبال، أما عبد المطلب وهو القائد العسكري وأشجع القوم فقد بقي لحظات، فتذكر أن إبله في المغمس ترعى قدرها مائتا جمل، فأخذ عصاه وذهب بأعيان مكة ، وقال: استأذنوا لي على أبرهة أكلمه، وظن أبرهة أن الرجل سوف يفاوض وأن عنده اقتراحات وأنه قبل (15) يناير عنده خطط سلمية، قبل الاعتداء!! وعبد المطلب هو جد الرسول صلى الله عليه وسلم، كان جميلاً طويلاً كأنه القمر ليلة أربعة عشر، وكان داهية من دهاة العرب؛ لأن الله لا يرسل إلا من أناس ذوي رِفعة، حتى أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب }. فلما رآه أبرهة خشع له ووقره ونزل عن سريره واستقبله على البساط في الأرض، قال: ما عندك؟ قال المترجم: يريد رد ماله وإبله، قال: ظننتُ أنك عاقل رشيد، بيتك ودينك ودين آبائك أتيت أهدِّمه، وتطلب في الجمال! ردوا له جماله أما البيت فسأجعله حتى أجعله قاعاً صفصفاً، وكان عبد المطلب ذكياً؛ لأنه يدري أن المقاومة فاشلة ومنتهية طبعاً، فالمشركون لا يستطيعون المقاومة، فلاحظوا أن أولئك أقرب إلى الله؛ لأن أبرهة نصراني أقرب إلى الله من حيث الديانة المسبقة، قال: أنا رب الإبل وللبيت رب يحميه، فسلَّم له الجمال وأخذ يسوقها حتى أدخلها في بيته بـمكة ، ثم أخذ حلق الكعبة ووقف يهزها وهو يخاطب الله:
يا رب إن المرء يمنع رحله فامنع رحالَكْ
لا يغلبنَّ صليبهم ومحالهم أبداً محالَكْ
يقول: يا رب! الرجل منا يمنع بيته ويحمي بيته بالسلاح، وأنت احمِ بيتك، أنت الذي كلف إبراهيم عليه السلام أن يبنيه، امنع بيتك واحمِ بيتك، ثم قال: لا يغلبن صليبهم، أتى بالصليب، والصليب قديم، وسوف يبقى ما بقوا في الأرض يقول: إنهم أتوا يحملون الصليب أنا رأيتهم، قال:
لا يغلبن صليبهم ومحالهم أبداً محالَكْ
ثم ارتفع، فلما صعد إلى رءوس الجبال بعد أن علم أن المحاولة فاشلة، وأنه لا يستطيع المدافعة، فوقف كفار مكة يتفرجون كيف تُهْدَم الكعبة، وينظرون من أين يدخل أبرهة الآن ورأوا أطفالهم عندهم وزوجاتهم وشاهدوا الموقف؛ ولكن يقول الله عزَّ وجلَّ: أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ * أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ [الزخرف:79-80] توقف الدهر وتوقف التاريخ، وانتظر الناس ما سيحدث، فليس هناك قوات مسلحة أصلاً تحمي البيت، وليس هناك حكومات موجودة تحمي علم الإسلام، وليس هناك صواعق تنزل، ولا رياح يشاهدونها ولا طوارئ في الكون لكن انتظروا، وحرَّك أبرهة الفيل، الآن بدأ الهجوم، حركه في المحسر ، فمضى الفيل قليلاًَ ثم لف وجهه إلى الجهة اليمانية، فضربوا وجهه وحوَّلوه فأبى أن يذهب، أي: (غرَّز) حاولوا فيه ولكنه رفض، يوجهونه إلى اليمن فيمشي، ويوجهونه إلى البيت فيأبى، لأن الله عزَّ وجلَّ أراد أن يأبى.
لما أتى الرسول صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية ونزل على الصلح حرَّك ناقته فوقفت مكانها، فضربها صلى الله عليه وسلم فرفضت، فأتى الصحابة قالوا: {خلأت ناقة الرسول عليه الصلاة والسلام -أي: انهارت وفشلت وخارت قواها-قال صلى الله عليه وسلم: لا والذي نفسي بيده، ما خلأت وما هو لها بخلق، ولكن أدركها ما أدرك الفيل }.
فلا تحسبن هنداً لها الهجر وحدها سجية نفس كل غانية هندُ
لا تحسب الناقة أن هذا هو سببها، بل سببها هو سبب الفيل، والفيل سببه هو سبب الناقة.
وحينها ترجل عليه الصلاة والسلام وأراد المصالحة، وأخذ سهيل بن عمرو يصالحه، لأنه تذكر صلى الله عليه وسلم أن الناقة خافت، لأن هذا البيت له قداسة والله سبحانه وتعالى يحميه.
في الأخير: أمر أبرهة أن يتحرك الجيش، فبدأت الطوابير تزحف؛ ولكن قدرة الباري سبحانه وتعالى أعظم، وإذا بجبال مكة تُثار بطير أتت من جهة البحر -كما قال بعضهم- وقال بعضهم: بل خلقت من شيء من السماء، بكلمة (كن) فكانت، وسمعت أنا بعض العصريين يقول: انطلقت من قواعد كُنْ فَيَكُونُ [البقرة:117] والحقيقة أني رأيت في (تفسير القرطبي ) أنه أتى بأمور عجيبة، وقال ابن عباس رضي الله عنه وأرضاه: [[كان للطير مخالب كمخالب الكلاب ]] وقال بعضهم: كان الطائر الواحد يحمل ثلاثة أحجار، حجر في منقاره، وحجر في رجله اليمنى وحجر في رجله اليسرى، وسارت كالغمامات، حتى أن صاحب (الظلال ) يسميها: جولات استطلاعية. ولك أن تسميها أنت؛ لكن الله عزَّ وجلَّ أراد أن يهلكهم بهذا، فثارت عليهم ثم وقفت على رأس البيت كالغمامة، وأخذت تنزل حمولتها؛ لكن الصحيح عند أهل العلم أنها لم تعُد مرة ثانية لتحلِّق، كانت الواحدة منها فقط تنقل مرة ثم تذهب ولا تعود، فأصابت أول الحجارة، فكانت لا تُخْطئ، وقال: لم يخطئ ولو حجرٌ واحدٌ جندياً واحداً؛ لأن الرامي هو الله: وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى [الأنفال:17] فالرامي حقيقةً هو الواحد الأحد.
رمى بك الله جنبيها فهدمها ولو رمى بك غير الله لم يُصِبِ
وبقيت على هذا فترة، قالوا: وكان كلما انتهى فوجٌ منها أتى فوج، وقالوا: وكانت تأتي من جهة البحر الأحمر، حتى أن بعض المفسرين قالوا: ربما ثارت من جانب البحر، أما الحجارة فليست من حجارة الدنيا، بل صنعها الله بكلمة (كُنْ) وقال مجاهد : لفَّتها الريح حتى اشتدت فأصبحت حارة قوية، فكانت الطيور ترمي على الناس، وكان تقتل الجيش حتى قُتل كل الجيش، ولم يبقَ إلا أبرهة واثنان أو ثلاثة معه، أما أبرهة فأراد الله أن يعذبه، فتساقط جسمه أُنْمُلة أُنْمُلة، فكان كل عضو يسقط منه، حتى أصبح كالفرخ الصغير في صنعاء ، ثم تفجر صدره وخرج قلبه منه وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ [فصلت:16] وقالوا: الفيل أخذ حسابه وقُتل في المحسر ، حتى أن بعضهم قال: بل رجع ثم أرسل الله عليه صاعقة فأحرقته.
إن من المهم أن الله أهـلك هذا الجيش، وهو ستـون ألف مسـلح من أقوى جيوش العالم في ذاك العصر، مع أقوى قائد، أرسل الله عليهم طيراً أبابيل، ولذلك يقول سبحانه وتعالى لأعدائه: فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ [الدخان:29] وفي سورة يس يقول: وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ [يس:28] قال أهل العلم: لأنهم لا يستحقون أصلاً أن يرسل عليهم بجنود من الملائكة، فهم أصغر وأحقر من ذلك، بل يكفيهم طير، كما أن النمرود لما عصى الله وتعدى حدوده وانتهك محارمه؛ سلط الله عليه بعوضة، فدخلت في أنفه فوَلْوَلَت وأهلكته.
فأعداء الله يهلكهم سبحانه وتعالى بمصارع سهلة سهلة حتى يُضْحِك عليهم التاريخ والدهر.
هذا ملخص القصة، ولكن نعود مع قضايا السورة، والعجيب أن الله عزَّ وجلَّ في كتابه سبحانه وتعالى لم يدخل في تفاصيل القصة؛ لأنه ليس هناك مصلحة تتعلق بها، ولذلك لا يتكلف العبد أن يأتي بأمور ما وردت في الأحاديث الصحيحة، إنما أتى الله بموجز عن القصة يذكر الرسول عليه الصلاة والسلام، فيقول: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ [الفيل:1] وإنما سماهم أصحاب؛ لأنهم اصطحبوا معهم الفيلة واغتروا بقوتها، وهم أقل عقولاً وتدبيراًَ وذكاءً من الفيل، وكما يقول العرب:
أَرَبٌّ يبول الثعلبان برأسه لقد ذل من بالت عليه الثعالب
ولقد خاب من كانت سيادته بيد الفيل، ولقد خاب من سماه الله عز وجل صاحب الفيل، فجعلهم الله عزَّ وجلَّ نكالاً للآخرين.
أما الفيل -أيها الإخوة- فإن سبب اختياره -وهذه لمحة وقد أشار الجاحظ في كتابه (الحيوان ) إلى شيء من هذا- هو:
أن الفيل أكبر الحيوانات؛ ولذلك استطاع أن يمشي معهم.
ثم إنه غبي؛ ولذلك ورطوه في هذه المقتلة، والواجب عليه -لو كان عنده ذرة عقل- ألا يتدخل معهم في هذه الحرب الخاسرة؛ لأنها مكشوفة من أول الطريق؛ لكنه ثقيل الدم، حتى أن ابن الرومي يقول لأحد الثقلاء:
أنتَ يا هذا ثقيلٌ وثقيلٌ وثقيلُ أنتَ في المنظر إنسانٌ وفي الميزان فيل
وتقول العرب: لا يحس الفيل بالخوف أبداًَ؛ ولذلك اختير لأن يكون في أول الجيش، وتقول العرب: الخيل إذا رأى الهجوم فر، والحمار إذا رأى الهجوم فر، والبغل إذا رأى الهجوم فر، إلا الفيل فإنه لا يفر؛ ولذلك قاتل به أنو شروان ، ورستم في القادسية ، وقاتل به الأعاجم دائماً، فهو لا يفر؛ لأن قلبه ثقيل؛ حتى يقول كعب بن زهير :
لقد أقومُ مقاماً لو أقومُ به أرى وأَسْمَعَ ما لو يسمع الفيل
ُ
يظل يرعد إلا أن يكون له من الرسول بإذن الله تنويل
يقول: يا رسول الله! سامحني، اعف عني، والله إنك خوَّفتني يوم أهدرتَ دمي إلى درجة أن الفيل لو هدَّدتَه لخاف وهو فيل، فكيف بي أنا عبد؟! فاختير لهذا، ويُجْمَع على: أَفْيال، فِيَلَة، وفُيُول، هكذا جمعُه، وما علينا مِن جمعِه؛ لكن الله جمعه وأصحابَه في وادي محسر وأهلكهم.