السكون يخيم على المكان .. والظلام يلف كل شىء .. لا أسمع سوى دقات قلبى المتسارعة .. والتى تخترق أذنى حتى خشيت أن توقظ زوجتى النائمة .. تسللت من جانبها ببطء وأنا أتصبب عرقا .. ماذا لو إستيقظت فجأة؟ .. سوف تفشل خطتى حينها .. تحركت على أطراف أصابعى وعيناى على زوجتى .. ها قد إقتربت من الباب .. فتحته بحرص وخرجت من الحجرة وأغلقته خلفى .. حسنا لقد تم الجزء الأول من الخطة بنجاح ..
وصلت للردهة .. كانت غارقة فى الظلام .. بحثت عن مفتاح الكهرباء .. كدت أصطدم بالطاولة الصغيرة .. تجمدت مكانى لبرهة ثم أكملت بحثى .. حسنا ها هو .. أضأت الردهة .. وقعت عيناى عليه وهو ممدد على الأريكة الوثيرة .. تبدو على وجهه إمارات الراحة والرفاهية .. يا له من مدلل .. لا هم له سوى الطعام والنوم و.... مضايقتى .. وهذا الخبيث يعلم جيدا أننى لن أستطيع التخلص منه .. ما دامت زوجتى تهتم به بشدة .. وتقوم بتدليله بلا حدود .. أشعر أنه يغيظنى ويفهمنى أنه أهم منى فى هذا البيت .. بالطبع فأنا من أقوم بشراء طعامه الخاص والمنتجات الغالية لزم نظافة سيادته – والتى لا أشتريها لنفسى – كما لو كان هو صاحب البيت وأنا أحد خدمه .. حقا لقد فاض الكيل .. لن أحتمل وجوده فى بيتى أكثر من ذلك .. لابد أن يرحل من هنا .. إبتلعت غيظى وأنا أرميه بنظرة حاقدة على تلك الحياة الناعمة التى يحياها .. قبل أن أتوجه نحو المطبخ لإتمام الجزء الثانى من الخطة .. فتحت باب الثلاجة وأخرجت السمكة الكبيرة التى أخفيتها اليوم داخل أحد الأدراج .. ألقيت نظرة حسرة عليها .. إنه لا يستحقها .. ولكن لا يهم ستكون الطعم الذى أستخدمه .. المهم أن أتخلص من إحتلاله لبيتى للأبد ..
خرجت للردهة .. وإقتربت منه وهززته ببطء .. مرت لحظات قبل أن يفتح عينيه وينظر إلى لبرهة ثم يشيح برأسه بعيدا عنى .. ولسان حاله يقول: كيف تجروء على إيقاظى؟ .. إبتلعت غيظى ثانية ورسمت إبتسامة صفراء على وجهى وأنا أرفع يدى الممسكة بالسمكة وألوح بها أمام وجهه قائلا: أنظر ماذا أحضرت لك .. إلتفت نحوى وهو يمسحنى بعينيه الخضراوتين وينظر للسمكة بلا إهتمام .. قربت السمكة منه قائلا: ألا تريدها .. مد يده نحوها .. أبعدتها عنه وتراجعت بها للوراء وأنا أردد .. حسنا لماذا لا تأتى لتأخذها .. هيا .. تمطع فى مكانه ثم نزل من فوق الأريكة وهو يخطو نحوى بتثاقل .. وأنا أتراجع أكثر .. حتى وصلت للباب .. فتحته ببطء ووقفت على عتبته خارج البيت .. وأنا ما زلت ألوح له بالسمكة .. إقترب هو أكثر ثم توقف فجأة فى منتصف الطريق .. ونقل نظراته بينى وبين حجرة زوجتى المغلقة .. يبدو أنه يفكر فى أمر ما .. قاطعت أفكاره سريعا وأنا أهتف به .. تعالى خذ السمكة .. هيا .. نظر لى لبرهة ثم إقترب منى أكثر .. إبتسمت فى سعادة .. لقد إبتلع الطعم .. هذا الغبى .. أكان يظن نفسه أذكى منى .. توقف ثانية أمام الباب وهو يتمطع وينظر لى نظرة لم أفهم معناها وفجأة مد يده ودفع الباب بقوة ليغلق فى وجهى ..
تجمدت مكانى للحظات .. وتوقف عقلى عن التفكير .. ذلك الملعون .. لقد كشف خطتى وقلبها علىّ .. ماذا سأفعل الآن؟ .. كيف سأبرر وجودى خارج البيت فى منتصف الليل بمنامتى .. وفى يدى سمكة !! .. كدت أبكى قهرا .. لقد وضعنى هذا الخبيث فى موقف لا أحسد عليه .. ماذا سأفعل؟ .. أرهقنى التفكير .. حسنا لا يوجد حل آخر .. مددت يدى وضغطت جرس الباب بشدة .. مرت لحظات .. قبل أن يفتح الباب ويطالعنى وجه زوجتى المندهش وهى تهتف .. ماذا حدث .. أين كنت؟ .. ألقيت نظرة عليه وهو واقف بجوارها تمسح الدهشة وجهه وبراءة الأطفال فى عينيه .. ضغطت أسنانى بقوة وأنا أحاول السيطرة على أعصابى ثم لمعت فكرة فى رأسى .. مددت يدى بالسمكة لزوجتى قائلا: لقد نسيت السمكة فى السيارة .. كنت قد إشتريتها لـ مشمش .. نظرت زوجتى للسمكة وتهللت أساريرها وهى تردد .. يا لرقة قلبك ثم إنحنت على القط الخبيث قائلة: أرأيت يا مشمش كم يحبك زوجى .. لقد اشترى هذه السمكة لك .. ألن تشكره؟ .. نظر لها فى براءة وإقترب منى وأخذ يتمسح فى قدمى فى أدب جم .. قاومت رغبتى الشديدة فى ركله بقوة إنتقاما منه .. نظرت لنا زوجتى وعيناها تدمع من المشهد العاطفى المؤثر .. ثم مسحت دموعها وتناولت السمكة من يدى قائلة: حسنا يا مشمش .. سأذهب لأعد لك هذه السمكة .. وأسرعت إلى المطبخ .. وما أن إختفت بداخله حتى نظر إلىّ بكبرياء قبل أن يشيح بوجهه عنى ويتوجه نحو الأريكة فى خيلاء وتمدد فوقها .. إبتلعت غيظى للمرة الألف .. وتقهقرت نحو حجرتى منكس الرأس .. لقد فشلت خطتى وإنتصر علىّ هذا المشمش .. كل ما أنا نادم عليه حقا هو أننى لم أدس له السم فى السمكة ...