الشتاء
سماء ملبدة بالغيوم ورزاز أمطار يغسل الوجوه ... حركة الطرق مستقرة ... تدب الشوارع بالناس
فلا يوقفهم قليل من أمطار عن قضاء حوائجهم ... لكن منهم من تقلقه هذه الأجواء ومنهم من تجده فرحاً سعيداً نشيطا في هذه الأوقات

لكنهم على يقين بأنه يوم من أيام ليل الشتاء
وها هم الأطفال في الشارع الصغير تجمعوا حول مساكنهم لاعبين فرحين بالأمطار

وبدأ ليل الشتاء
هواء غاشم ... أجبرت سرعة الرياح على تحريك الغيوم ... أجبرت قوة الهواء البعض من الناس الرجوع خطوة للخلف فتتجمع قواتهم ويستمروا متقدمين ... ويظل الهواء لفترة وتهدأ الرياح
وفجأة
تضيئ السماء خيوطها الخرائطية ويسمع بعدها صوت شديد تخاف منه القلوب
عجبًا يسبق الضوء الرفيع الصوت الشديد سبحان القادر
تنهمر الامطار بغزارة ... ارتبكت الشوارع ... أقفلت المتاجر ... الكل مسرعا باحثا عما يحميه من ما المطر ... وها هم الأطفال هاربين لبيوتهم احتماءً من ماء المطر ... غلقت الأبواب وأحكم إغلاق النوافذ

وبعد مرور الساعات الأولى من الليل
ها هي الأمطار تهدأ قليلا ... قطرات متباعدة غير مستقرة ... فيتخلل السقيع الأجواء حتى يملأ كل فراغ
أتلفت الأمطار بعض أعمدة الإنارة ... ضوء قليل خافت ... شوارع تكاد تكون مظلمة ... قليل من المارة منهم من تخيفه هذه الأوقات فيهز الخوف قلبه ومنهم من تلهمه السكينة والهدوء التأمل فيستقر فيهدأ
فما أحلاها من أوقات اندمح مع الصمت السقيع فخلق فترة كثير منا لايرجوها والبعض القليل يرجوها ألا تغيب فهي تجمع شتات ذكرياتهم فتملئهم حنين .

خطوات بطيئة تخطو بحذر خشيت الانزلاق فالوقوع ... أثقلت ملابسهم مياه الأمطار ... حركتهم بطيئة عائدين لبيوتهم يتناولون مشاريبهم الساخنة تدفئ أطرافهم ... يتحاورون بأحاديثم يتسامرون فتدفئ قلوبهم ... يجمع شملهم ليل الشتاء هدوء تام ... تنام الأعين فيصفو الأخلاء لبعضهم تدفئهم فرحتهم ... فما أجمل ليل الشتاء
وهناك في الجانب الآخر ... من يجلس وحيدًا ... يقتله السقيع وتزيده قتلا غربته ... كتب الله عليه الغربة طلبًا للرزق
ترتعش أطرافه وترتعد بداخله أمعائه ... يشبك ذراعية ويضمها لصدره ... يلقي برأسه للأمام
فيتذكر مثل هذه الأوقات وهو بين أهله وأحبته
يرجع به عقله للوراء ويداعب مشاعره بأحداث في مثل هذه الأوقات قد غفا عنها الزمن فها هو ليل الشتاء يوقظها من غفوها
فهو وحيدا لم يجد من يؤنس وحدته سوى ذكرياته من ليل الشتاء
فهناك أبًا وأمًا وإخوة وأحبه قد افتقدهم في ليل الشتاء بعد أن كان يجمعم ليل الشتاء
فتصل قطرات الماء الدافئة لقديمة فهي ليست قطرات أمطار إنها قطرات من بكاء عين لكنه مازال محبا لليل الشتاء.