[align=center]


الحمد لله نواصينا بيده، ماضٍ فينا حكمه، عدلٌ فينا قضاؤه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الدائم عطاؤه، العظيمة آلاؤه، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، المتألق نوره وبهاؤه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه، ما ليلٌ سجى، وما صبح بدا، وسلم تسليماً أبدياً سرمداً.

أمّا بعد،
فإنَّ الله عز وجل جعل العلماء ورثة الأنبياء، وجعلهم نجومًا يُهتدى بهم في الظلماء، ومعالم يُقتدى بهم في البيداء، أقامهم تعالى حماة للدين، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، ولولاهم لطمست معالمه، وانتكست أعلامه، بتلبيس المضلّين، وتدليس الغاوين.
فتح جلَّ وعلا بهم قلوباً غلفاً، وعيوناً عمياً، وآذاناً صمًّا، يُبصِّرون بنور الله أهل العمى، ويَدعون من ضلَّ إلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذى.
بهم تصلح العباد، وتستقيم البلاد، وتستبين سبل الرشاد، وتحقّق مصالح العباد في المعاش والمعاد.
ولهذا كان من البليَّة العظمى، والرزيَّة الكبرى، موت العلماء، إذ إنَّ ذلك سبب لفساد النظم، وهلاك الأمم، وحلول الظلم، وزوال النعم، واستجلاب النِّقم، فما عمارة العالَم إلاَّ بحياة العلماء، وما خراب العالَم إلاَّ بموت العلماء.


قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من صدور الناس، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يترك عالماً اتخذ الناس رؤوساً جُهّالاً. فسئلوا فأفتوا بغير علم ؛ فضلوا وأضلوا." (متفق عليه ومن هنا كان موت العلماء مصيبة لا تعدلها مصيبة، وفاجعة لا تدانيها فاجعة، فبموتهم يضيع علم غزير، وتخبو أنوار نصح
وعن عبد الله بن مسعود وأبي موسى رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ بين يدي الساعة أياماً يرفع فيها العلم، وينزل فيها الجهل، ويكثر فيها الهرْج، والهرْج القتل » متفق عليه.
فأشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى أنَّ سبب ثبوت الجهل وشرب الخمر، وظهور الزنا، وكثرة الهرْج التي هي من علامات الساعة، رفع العلم.
هداية، وينزل الناس درجة.



لعَمرُكَ ما الرَّزيَّةُ فقدُ مالٍ = ولا شاةٌ تموتُ ولا بعير
ولـكـنَّ الرزيّةَ فقدُ قَرْمٍ = يَـموتُ بموتهِ بشر ٌكثيرُ


ألا وإن أعظم أنواع الفقد على النفوس وقعاً فقد العلماء الربانين، والأئمة المصلحين لأن للعلماء مكانة عظمى ، ومنزلة كبرى ، فهم ورثة الأنبياء ، وخلفاء الرسل، هم للناس شموسٌ ساطعة ، وكواكب لامعة ، وللأمة مصابيح دجاها، وأنوار هداها، بهم حفظ الدين وبه حفظوا ، وبهم رفعت منارات الملة وبها رُفِعُوا

قال تعالي
(يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ)
عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {إنما مثل العلماء كمثل النجوم يهتدى بها في ظلمات البر والبحر، فإذا انطمست النجوم أوشك أن تضل الهداة.
يقول الإمام أبو بكر الآجري رحمه الله: "فما ظنكم بطريقٍ فيه آفات كثيرة، ويحتاج الناس إلى سلوكه في ليلة ظلماء، فقيض الله لهم فيه مصابيح تضيء لهم، فسلكوه على السلامة والعافية، ثم جاءت فئامٌ من الناس لا بُدَّ لهم من السلوك فيه فسلكوا، فبينما هم كذلك إذ أطفئت المصابيح فبقوا في الظلمة، فما ظنكم بهم؟ فهكذا العلماء في الناس".
فالله الله في ذهاب العلماء فإن موتهم كسر في جدار الإسلام و عبء ثقيل على أعناق طلبة العلم النجباء .
فعن الحسن البصري رحمه الله قال : " كانوا يقولون : موت العالم ثلمة في الإسلام لا يسدها شيئ ما اختلف الليل و النهار " رواه الدرامي

: إن موت العلماء خطب جلل تتشنف له المسامع ، وتذرف له المدامع لأن بموتهم تطوى صفحات لامعة، وسجلات ناصعة، فرحيل العلماء ثلمة لا تسد ، ومصيبة لا تحد ، وفجيعة لا تنسى، فموت العالم معناه انهيار الأمة وتهدم لبنيان أقوام وحضارات أمم.
يحيون بكتاب الله الموتى ، ويبصرون به أهل العمى ، ويهدون به من ضل إلى الهدى فكم من قتيلٍ لإبليس قد أحيوه ، وكم من ضالٍ تائه قد هدوه وما قامت الأمجاد، وتحققت الانتصارات بعد الله إلا بهم، فهم أهل خشية الله ( إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ




وهم مادة حياة القلوب، وغذاء الأرواح، وقوت الضمائر، وزاد القرائح ومهما صيغت النعوت والمدائح في فضائلهم فلن توفيهم حقهم ....
، لا سيما أئمة الدين، وعلماء الشريعة
ولذلك كان فقدهم من أعظم الرزايا ، والبلية بموتهم من أعظم البلايا وأنَّى للمدلجين في دياجير الظلمات أن يهتدوا إذا انطمست النجوم المضيئة ؟ ويُوضح ذلك ما في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: { تظهر الفتن، ويكثر الهرج ، ويقبض العلم }فسمعه عمر فقال: ( إن قبض العلم ليس شيئاً يُنتزع من صدور الرجال ، ولكنه فناء العلماء )
ولقد أخبر حبر الأمة وترجمان القرآن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى:
) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا( قال: ) بموت علمائها وفقهائها
وقال الحسن رحمه الله: " موت العالم ثلمة في الإسلام ، لا يسدها شيء ما اختلف الليل والنهار "
قال الشاعر على هذا قوله:

الأرض تحيى إذا ما عاش عالمها *** متى يمت علم فيها يمت طرف
كالأرض تحيى إذا ما لغيث حل بها *** وإن أبى عاد في أكنافها التلف


إنَّ من حسن العزاء عند فقد العلماء: أن دين الله محفوظ ، وشريعته باقية، وخيره يفيض ولا يغيض
فأعلام الديانة مرفوعة بحمد الله: { ولا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم، حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك.
كما أن من حسن العزاء أن هؤلاء العلماء -رحمهم الله باقون بذكرهم.. أحياء بعلمهم، يلهج الناس بالثناء عليهم والدعاء لهم ويجتهدون في اقتفاء آثارهم ، وترسم خطاهم، علماً وعملاً، ودعوة ومنهاجاً
وحسبكم يا عباد الله في بيان فداحة هذا الخطب، وعظيم مقدار هذه النازلة، قول المصطفى صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي أخرجه الشيخان عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: {إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من الناس، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالماً؛ اتخذ الناس رءوساً جهالاً، فسئلوا فأفتوا بغير علم؛ فضلوا وأضلوا ).
وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: [عليكم بالعلم قبل أن يُقبض، وقبضه ذهاب أهله..
وقيل لـسعيد بن جبير رحمه الله: "ما علامة الساعة وهلاك الناس؟ قال: إذا ذهب علماؤهم".

النـاس مـن جهـة الأنساب أكفـاء = أبـــــوهم آدم والأم حــــواء
فـإن يكـن لهـم فـي أصلهـم نسب = يفــاخرون بــه فـالطين والمـاء
مـا الفضـل إلا لأهـل العلـم إنهـم =عـلى الهـدى لمـن اسـتهدى أدلاء
وقـدر كـل امـرئ مـا كـان يحسنه =والجــاهلون لأهـل العلـم أعــداء

لقد كانت مصيبتنا في وفاة والدنا الغالي وعالمنا الجليل وشيخنا الكبير ابن جبرين مصيبة عظيمة وكارثة أليمة ولكن هذه سنة الحياة (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ{26} وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ{27}
فمن يحيي مجلس العلم الذي كان يحييه ؟، ومن يفتي الناس في المستعصي من أمور دينهم بعده فتاويه ؟
ومن ينير ظلمات الجهل للمدلجين السائرين من طلبته ومحبيه

أن لله وإنّ إليه راجعون
اللهمّ أجرنا في مصيبتنا واخلف لنا خيرا منها
أعظم الله أجركم يا أهل السنة وأحسن عزاءكم وغفر لميتكم
قال صلى الله عليه وسلم كما في حديث عمر ابن العاص ( إن الله لايقبض العلم انتزاعا ينتزعه من قلوب الرجال ولكن بموت العلماء حتى إذا لم يبقي عالما أو لم يبقى عالما ............ الحديث ) رواه مسلم
فإن موت العالم خساره خساره خساره
وذكر أهل العلم في تفسير قول الله تعالى ( أولم يروا أنّا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها ) أنّ هذا النقص موت العلماء والله المستعان
فالله حسبنا ونعمى الوكيل رحم الله تعالى علماءنا الميتين وأسكنهم فسيح جنانه، ورزقهم الفردوس الأعلى، وصحبة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ووفق علماءنا الاحياء وتلاميذهم لما يحب ويرضى ووحد كلمتهم وتوجهاتهم وجعلهم ذخراً للعباد والبلاد وأعانهم على تحمل المسؤوليه والقيام بها إنه سميع قريب مجيب، وهو المستعان


فاللهم اجزه عن أبناء المسلمين في كل مكان خير الجزاء واخلفنا فيه خيرا واخلفه فينا خيرا يارب العالمين .
اللـهـم إنه فى ذمتك وجوارك فقه فتنة القبر وعذاب النار وَجْد عليه بعفوك وإكرامك وجودك وإحسانك, وأنت أهل الوفاء والحق فأغفر له وأرحمه إنك أنت الغفور الرحيم.
اللهم أبدله داراً خيراً من داره وأهلاً خيراً من أهله واغسله بالماء والثلج والبرد ونقه من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس اللهم وجازه بالحسنات إحسانا وبالسيئات عفوا وغفرانا يا أرحم الراحمين .
اللـهـم أجعل قبره روضةً من رياض الجنة أفسح له فيه مد بصره, اللـهـم أملاه بالرضا والنور والفسحة والسرور. اللـهـم أنقله من مواطن الدود وضيق اللحود إلي جنات الخلود في سدر مخضود وطلح منضود وضل ممدود وماء مسكوب وفاكهة كثيرة لا مقطوعة ولا ممنوعة وفرش مرفوعة
اللـهـم يمن كتابه ويسر حسابه وثقل بالحسنات ميزانه وثبت علي الصراط أقدامه وأسكنه في أعلي الجنات بجوار حبيبك ومصطفاك صلي الله عليه وسلم.
اللـهـم إنه صبر علي البلاء والمرض فلم يجزع فأمنحه درجة الصابرين الذين يوفون أجورهم بغير حساب
اللـهـم إنه كان مصليا قائماً الليل لك , فثبته علي الصراط يوم تزل الأقدام .
اللـهـم إنه كان صائماً لك , فأدخله الجنة من باب الريان.
اللـهـم إنه كان لكتابك تاليا وسامعا فشفع فيه القراّن ونجه من النيران , واجعله من عتقائك يا رحمن .
اللـهـم أرحمه فإنه كان مسلماً وأغفر له فإنه كان مؤمناً.وأدخله الجنة فإنه كان بنبيك مصدقاً وبوعدك واثقا وسامحه فإنه كان لكتابك مرتلاً. وا رفق به فإنه كان بعبادك رحيما
اللهم هذا ما نملكه لحبيبنا الغالي وفقيدنا العظيم عبدالله بن عبدالرحمن بن جبرين فتقبل دعاءنا وشفعنا فيه ياربنا واجمعنا وإياه في دار كرامتك , ومستقر رحمتك إنك على كل شيء قدير
و صل الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
[/align]