الباحة تحقيق وتصوير: ابراهيم الزهراني

والدة الصغار بقيت أرملة بعد أن مات زوجها ولم يترك لها غير هؤلاء الصبية الصغار الذين لم يتجاوز سن اكبرهم 13عاما، ولكن المرض لم يمهلها لتبقى لرعاية الصغار الأيتام، وقد أصيبت بانهيار عصبي بعد تلقيها نبأ وفاة زوجها في حادث دهس عند مراجعته للضمان الاجتماعي في بالجرشي بمنطقة الباحة وزادت حالتها الصحية سوءا حتى اصيبت بمرض الاضطراب الوجداني حسب تقرير مستشفى الأمراض العقلية بالطائف وأودعت المستشفى ليبقى الصغار في المنزل بلا عائل ولا قريب. وقد مضى على الصغار عام كامل ينتظرون المساعدة حتى تكيف الصغار مع ذلك اليتم والعوز في منزلهم المتهالك بنظام الكبار الذين حملوا هموما تقصم الظهور وأحزانا تهز الجبال. وقد حرموا من حنان الأبوين والشفقة والرأفة في هذه السن البريئة فلا قلب يرعاهم ولا عين تسهر لمرضاهم ولا يد تكفكف دموع الحزن عنهم حتى من جيرانهم واقربائهم الذين تخلوا عنهم وتركوا بهذا الوضع دون مأوى أو معيشة في منزل صغير مكون من عدة صنادق قام الصغار ببنائها بجهودهم الضئيلة وقواهم البسيطة. وقد تمكنوا من بناء غرفتين كل واحدة منهما بطول متر ونصف في مترين وارتفاع متر واحد، فبالاضافة الى أجزاء من العشش للسكن بداخلها ولم يجدوا ابو
ابا ترد عنهم برودة الطقس ولا مدفأة ولا دورة مياه وقد عايشت "الرياض" جزءا من حياة الصغار الايتام للتعرف عن كيفية نظامهم والنمط المعيشي اليومي الذي يواجهونه نظرا لصغر سنهم وعدم وجود الأب أو من يرعاهم سوى خالقهم جل وعلا، فكان اكبرهم عبدالعزيز عمره 13عاما في الصف الثاني متوسط وهو رئيس الاسرة المكونة من بقية اخوته الاربعة عبدالرحمن 12عاما في الصف الاول متوسط وعبدالمجيد 11عاما في الصف السادس ابتدائي وسلطان 8سنوات في الثاني ابتدائي وأخيرا فيصل سبع سنوات يدرس في الصف الاول ابتدائي، ولهم نظام فريد في حياتهم اليومية فهم يعيشون معا مطيعين لقائدهم الاكبر عبدالعزيز وعند غياب الاكبر يليه في الرعاية الأصغر عبدالرحمن وهكذا، وقد وصلنا الى مقرهم الصنادق التي يسكنونها في قرية الحشرج بمحافظة العقيق. وعند وصولي اليهم وجدتهم يؤدون صلاة العصر جماعة في مسجد قاموا ببنائه بأيديهم الصغيرة وجهودهم الضئيلة، وبعد ادائهم للصلاة استقبلوني بالترحيب وكأنهم من كبار السن فجلسنا معا في كوخ قاموا ببنائه من بقايا المفارش والأخشاب في فناء الغرف التي كانوا يسكنونها مع والديهم قال: اكبرهم ما عندنا شيء نقدمه لك يا ضيف الرحمن؟ فقلت كيف تعيشون اذاً
وماذا تأكلون ومن يرعاكم بعد الله فقال اكبرهم سنا ابونا مات وامنا في المستشفى وما عندنا شيء فأبلغتهم انني جئت لزيارتهم لهذه الاسباب، ولكن أليس لكم اقرباء يزورونكم ولا جيران يقدمون المساعدة لكم وهل تتقاضون من الضمان الاجتماعي ما يعينكم على هذه الحياة فقال الطفل عبدالعزيز بعد ان فاضت عيناه بالدموع: لا قريب ولا جار ولا احد يزورنا سوى فاعل خير يأتينا في الشهر مرة واحدة واحيانا مرتين ويزودنا بالدقيق والملح وبعض الاغراض الأخرى، وبسؤالي هل تقومون بالطبخ واعمال المنزل اضافة للدراسة؟ أجابوا لنا نظام فنحن نستيقظ مبكرا ونؤدي صلاة الفجر معا في مسجدنا هذا ونعود لعجن الدقيق وعمل الخبز مع الحليب ونتناول وجبة الافطار ونذهب الى المدرسة معا مشيا على الاقدام بمسافة كيلومتر واحد وبعد الانتهاء من المدرسة نعود للمنزل ونقوم باعداد وجبة الغداء وهي من الخبز والحليب والتمر ثم نقوم بغسل الملابس التي تحتاج الى غسيل بأيدينا جميعا ونعاود العمل في حفر البئر وهي في فناء المنزل لأننا لا نجد الماء ولا نجد من يعطينا ماء عند الحاجة. وقد وصلنا في حفر البئر الى عمق اربعة امتار منذ ستة اشهر بعد ذلك نعود لاعداد وجبة العشاء من القرصان (الخبز) والحلي
ب والتمر وهكذا فنحن لا نعرف طعم اللحم منذ ان توفي والدنا العام الماضي رحمه الله، وبعد ان مرضت والدتنا بقيت منومة في مستشفى الأمراض النفسية أصبحنا وحيدين بهذا الوضع.
لم نتسلم دية والدنا
أما عن الضمان ذكروا انهم منذ عام لم يتسلموا شيئا من الضمان ولا يعرفون أحدا يقوم بالمراجعة عنهم، وذكروا انهم لم يقبضوا حتى دية والدهم الذي لقي حتفه دهسا اثناء مراجعته الضمان ولا يعلمون عن هذه الامور شيئا فهي أمور موجعة لأذهانهم ولا يودون سماعها كونها أكبر من سنهم.
رجل اشترى أغنامنا ولم يدفع لنا
وعن الأرض أو المزرعة او ما يعود عليهم بالنفع ذكر الصغار انهم لا يملكون سوى موقع سكناهم هذا وليس لديهم شيء من ذلك، وهنا تذكر عبدالعزيز ان والده ترك لهم 26رأسا من الأغنام قاموا ببيعها لأحد الاهالي بمبلغ 7آلاف ريال، ولكن مضى عام ولم يقم ذلك الرجل بتسديد بقية المبلغ وقدره ستة آلاف ريال، وذكروا انه سلمهم الف ريال فقط وذهب بالأغنام ولم يعد اليهم ثانية منذ ما يقارب ثمانية اشهر!! اما عن احتياجاتهم من أدوات الترفيه فهذه معدومة فهم لا يعرفون الراديو ولا التلفاز ولا اي لعبة ينعم بها بقية الأطفال وبسؤالهم عن هواياتهم لم يفهموا السؤال بالسهولة بل أجابوا بما يعني حاجتهم للمعيشة فهم لا يملكون قوت يومهم وليس لديهم القدرة على العمل في هذه السن المبكرة ويكرهون الرياضة بكل أنواعها وذكر الطفل عبدالعزيز ان مدرسته تطالب باحضار ملابس رياضية لاخوته وهو لا يملك قيمة الأكل!! ويذكر انه وقف في وجه مدير المدرسة مذكرا اياه ان والده مات وأمه في عداد المفقودين ويضيف الطفل الأصغر عبدالرحمن 12عاما جاءنا فاعل خير ببعض الالعاب وقمنا بتحطيمها بالفأس امامه فنحن لا نريد ان نلعب ابدا. واخيرا فاننا نؤمن ان الرحمة لم تنزع من قلوب الرحماء الأوفياء
على طفل كان يهنأ في حضن أمه ويأمن بالدفء على صدر والده الحنون مثل ذي السبعة اعوام الطفل فيصل بن مسفر وبقية اخوته الاطفال الذين يكابدون مكابدة الرجال الابطال في هذه السن البريئة التي لا تعرف الحقد ولا الضغينة فهم من ابناء هذا الوطن المعطاء وما دور الصحافة الا مرآة عاكسة لهموم المعوزين ومآسيهم ونقل الحقائق كما هي بكل صدق وأمانة الى أصحاب القلوب الرحيمة والأيادي البيضاء من ابناء هذا البلد المعطاء الذي لم يبخل على أبنائه.