عمود الزان
قصة قصيرة جدا
تميم البقال – بعد الضنى – اغتنى ، وقعد فى دكانه، والناس هم وحدهم يأتون إليه، يروح للمدينة الحرة ، ويعرف كيف يخرج من مخارجها كالشعرة ، ويدخل البلدة بأحمال ، ووجهه كله يسقط عليه الرضا .
وابتنى بيتا من طابقين ، تحف به أشجار النخيل ، والمانجو والجوافة التى لها ظل على الأرض ، وشجرة فل معطر غرسها فى الأركان الأربعة حول بيته كل ركن فلة ، وقال مع الأيام تعطى الأشجار الثمار من كل حبة ثمرة أو زهرة .
وألبس أمه هندية القماش المقصب ،واشترى لها زوجا من الأحذية ، ثم أخذها إلى الطبيب ، وفتح فمها الواسع كالفراغ ،فوجد الفكين تخلصا من كل الأسنان ، وتميم أخرج الفلوس من جيبه حتى الطبيب يركب لها طقما ، يصنع من الذهب الخالص .
وقال لها اضحكي يا أمي ، فصارت هي تضحك لأقل سبب .
وتميم جاء بأحسن بنت في البلدة ، ومن عائلة ، ودخل عليها ، وجعلها امرأة ،والبنت التى صارت امرأة له فهمت كلامه ، وقالت: أنت تأمر .. أنا أطيع .. والوصايا من عائلتها وعتها ، وكانت تهز دماغها ، وخرمت حلمة أذنها وعلقت تلك الوصايا ، لتكون على الدوام جرسا يوقظها في حال بطرها .. قالت : عارفة .. عارفة ، سوف تريح رجلها ،وتخدم أمه ، وتناديها بالجدة دائما .
وامرأة تميم كم من شموس غربت ، وأقمار نورت .. زهقت ، وكانت تهمس لنفسها حين تقع عيونها على أم تميم أن الجدة تزوجت الزمن ،وتعض على إصبعها ، وتقول : آه يا ناري .. لأن أم تميم عاشت مائة سنة ، وعشرين فوقها، ولبست الأسود ، لم يعد فى البيت إلا طبق وحيد تأكل هى منه ، تفتح الراديو على القرآن ، وكانت تحكى عن ولدها وامرأته الحكايات، وهى تقعد فى الدكان حينما يأتى إليها من يشترى ، وتضحك فيلمع الذهب فى فمها .